معاناة المسلمين في طريق نهضتهم
2011/08/12م
المقالات
1,604 زيارة
معاناة المسلمين في طريق نهضتهم
برهان أبو عامر
قال الله تعالى في محكم التنزيل:
]وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ[ صدق الله العظيم.
منذ أن اشتعلت شرارة هذه الثورات المباركة في بلادنا، في تونس ثم مصر أخذت معاناة المسلمين تتزايد بشكل كبير، وكثر القتل والجرح في الناس، وهيمنت أجواء الإرهاب على البلاد والعباد, بالاعتقال والسجن والتعذيب وتخريب الممتلكات ومحاصرة المدن والقرى وقطع الاتصالات, وحتى حرق المزروعات والمحاصيل وقطع الكهرباء والماء، كل ذلك في وتيرة متصاعدة حتى وصل الحال إلى ما يشبه الحرب من الحكام على الشعوب كما في اليمن وسوريا، بل إلى حرب فعلية كما في ليبيا, فما هو المخرج وإلى أين تتجه الأمور؟
إن معاناة المسلمين في ظل هذا الملك الجبري قديمة وليست جديدة، وما هذه الثورات إلا نتيجة هذا الظلم والفساد منذ عشرات السنين، وفي هذه الحقيقة يتجلى السبب والجواب، فلا خيار آخر للناس سوى المضي في هذا الطريق إلى آخر الشوط.
وأما عن الاضطهاد فإنه سيزداد ضراوة، لأن ضرورة التغيير والحاجة إليه تشمل كل المسلمين وجميع دولهم، وهذا ما يجعل أعداء الأمة في الداخل والخارج في حالة مبارزة ومحاربة ومكر، للحيلولة دون وصولنا إلى أهدافنا في التحرر من القوى الغاشمة التي تتحكم بنا، وهي الغرب الكافر المستعمر وأدواته من الحكام وأنظمتهم الفاسدة.
وهذه أولى الخطوات والمراحل في طريق النهضة والإصلاح والتغيير، والتي بدونها لا يمكن التقدم إلى الأمام، وهذه حقيقة كبرى دفعت الأمة ثمنها من عمرها أجيالًا وعقودًا من السنين.
فالتابعية للغرب هي القاسم المشترك في بلاد المسلمين على اختلاف البلاد والحكام وتبدل الأنظمة والشعارات، من سوكارنو في إندونيسيا وعبد الناصر في مصر والبعث في العراق وسوريا إلى الممالك في الحجاز والمغرب والأردن، إلى آسيا الوسطى ومن كانوا يرزحون تحت نير الشيوعية وروسيا، كلها لها عنوان واحد: التخلف والفساد، فمنذ الحرب العالمية الأولى والدول الاستعمارية تتقدم بمتوالية هندسية في كل مجال، الصناعة والعلوم والعمران، وبلاد المسلمين تتراجع إلى الخلف بمتوالية هندسية، وهذا باستمرار يركز الاستعمار والتبعية في كل مجالات الحياة في بلادنا. سواء في الحكم أم السياسة، أم في الاقتصاد والتجارة، أم في الصناعة والزراعة، أم في العلوم والتعليم، أم في الدستور والقوانين، وهكذا حتى لا ترى مجالاً واحدًا من مجالات الحياة في بلادنا ودولنا على اتساعها وتنوعها إلا والاستعمار له فيه أياد وأرجل فضلاً عن العيون والآذان، ينفث سمومه فيخرب ويفسد، حتى كانت النتائج من العجائب: فبلاد الأنهار عطشى، وبلاد النفط فقيرة، وبلاد الأرض والسهول جوعى، وبلاد الملايين من الرجال مسكينة ضعيفة، وهكذا كل أوضاعنا منكوسة منكوبة معكوسة.
لقد كانت هذه المقدمة ضرورية لبيان الحقيقة ومعرفة أين نقف حتى نسير إلى أهدافنا على بصيرة، فلا نزل ولا نتراجع حتى يحكم الله لنا وهو خير الحاكمين.
إن هذه التحولات الكبيرة في بلادنا تحمل أساس نجاحها وفلاحها، فهي شعارها التكبير ومنطلقها المساجد وساعاتها الجُمع والجماعات وميادينها المصليات، وهذا الأساس الجديد لا بد منه لتأسيس حياة جديدة ومرحلة جديدة للأمة على قاعدة العقيدة ونظامها، فعلى هذا الأساس يدور الصراع مع الأعداء، وبه يجب أن نتمسك ولا نقبل المساومة عليه، فبه يكون النجاح وبدونه يكون الفشل، بل قد يستمر الفشل المخيم منذ زمن والذي ما نهض الناس إلا لمحوه من حياتهم.
إن جوهر الصراع في بلادنا وعلى بلادنا قد ظهر جليًا مع هذه الثورات، فالغرب أمريكا وأوروبا وخاصة بريطانيا وفرنسا وتلحق بهم ألمانيا وإيطاليا ثم روسيا والصين تراها من أول يوم تتدخل بشكل سافر في كل الثورات، وبالرغم من الصراع السياسي العنيف بينهم على المصالح بأن ما يظهر في مواقفهم واختلافاتهم في المؤتمرات التي تبحث في هذه الثورات إلا أنهم جميعًا متفقون وبشكل تام وغير قابل للنقاش حول إبقاء الإسلام بعيدًا عن هذه الثورات وعن مستقبل البلاد، وجعل أساس وأهداف هذه الثورات ومستقبل البلاد الديمقراطية وكل الشعارات التي تعبر أو تفسر بمفاهيم الغرب، أي إبقاء النظام القائم والذي تنادي الملايين بإسقاطه وتجديده بوجوه جديدة.
والغرب في هذا يتقن التزوير فضلاً عن الكذب وطمس الحقائق سواء الساسة فيه أم الإعلام المأجور.
إن أساس الصراع هذا قديم قدم الإسلام والكفر، وقدم المسلمين والكفار، وهو يظهر في كل فرصة تتاح للكفار، فكانت في الحرب العالمية الأولى عندما تحدث قادة وحكام في بريطانيا وفرنسا عن الانتصار على الدولة العثمانية واحتلال بلادنا أنه نهاية للحروب الصليبية، ثم اليوم جدد هذه الحملات الصليبية جورج بوش الصغير، وهذا أوباما ينصب نفسه مسؤولاً عن المسلمين وبلادهم ويأمر الحكام ويرسل التوجيهات للشعوب ويحاول أن يدير الصراع في ليبيا واليمن حتى يجري تدمير البلاد بأكملها، ثم هو يتآمر مع بشار الأسد لأنه لا يجد بديلاً عنه لأمريكا. والغرب الأوروبي يسير على نفس الخطى. فديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا وساركوزي الرئيس الفرنسي، جميعهم يتحدثون بلسان واحد عن شعوبنا وثوراتنا وعن أهدافنا بأنها الديمقراطية والحرية والدولة المدنية العلمانية التي تقصي الدين بعيدًا، بل هي تحاربه وتسعى لفتنة المسلمين عن دينهم كما هو حال المسلمين اليوم في الغرب الدول المدنية الديمقراطية.
إن التضحيات التي تقدمها الأمة اليوم في طريق التغيير وإسقاط هذه الأنظمة العميلة، لهي حقًا كبيرة وعزيزة، لكنها ما دامت في سبيل هدف كبير وعزيز فنعما هي، لقد بايع الأنصار رسول الله r على نصرة الإسلام ورسوله على قتل الأشراف وفناء الأموال وحرب الأحمر والأسود من الناس كل ذلك جزاء الجنة، والمسلمون اليوم يطلبون الجنة بإسقاط هؤلاء الحكام وإقامة حياة جديدة قائمة بالحق والعدل على أساس الإسلام ودولته وشريعته، وهذا ما يوجب نصرة المسلمين بعضهم بعضًا في ذلك، وإبقاء حالة التفاعل مستمرة في جميع أقطار المسلمين، كيف لا ونحن نرى كيد الحكام والكفار على السواء لنا. فها هي ليبيا تركها الحكام للحلف الصليبي حلف شمال الأطلسي الناتو وللقذافي وعصاباته. وسوريا حوصر أهلها من الأردن ولبنان والعراق وتركوهم لنظام البعث وبشار وشبيحته، وإلا فلماذا يفتح للناس بابًا للهجرة إلى تركيا بينما أغلقت الأبواب أمام الناس مع الأردن؟ ولماذا تم رد الناس من لبنان إلى سوريا بل وتسليم بعضهم، ليستمر بطش الأسد بهم؟ إن هذه الحدود ليست إلّا من صنع الغرب الكافر إمعانًا في تقسيم المسلمين. لكن الواجب على المسلمين إظهار نصرة بعضهم بعضًا، ورفع الصوت عاليًا برفع أيدي الظالمين عن المسلمين حتى يعلم الظالم أنه إنما يواجه أمة بأسرها لا شعبًا بمفرده.
في خضم هذه الأحداث العظيمة تحل على أمة الإسلام ذكرى هدم الخلافة، وقد مضى على غيابها تسعون عامًا عجافًا، لكن هذه الثورات تبشر بأن الأمة اليوم صارت أقرب من أي وقت مضى من إعادة الخلافة من جديد، وهي تجسد كثيرًا من القيم الرفيعة في التضحية والشهادة ورفع شأن الأمة وتعظيم شأن الإسلام. لقد كشفت هذه الثورات للأمة وللناس جميعًا حقيقة أوضاعنا الاستعمارية، حقيقة كم هِيَ عداوة الحكام للناس، فهذا يريد تدمير البلد لأنه بزعمه هو الذي بناه، وهذا يريد قتل نصف الشعب، وذلك يصف الناس بالجرذان، وآخر يصف الناس بالجراثيم… هذه الحقائق السياسية تدمغ هذه المرحلة من حياة الأمة والتي آن زوالها، وتطهير الأمة من أرجاسها، من كل ما يتصل بهؤلاء الحكام وهذه الأنظمة، حتى يعود للأمة نقاءها وصفاءها، بدينها ووحدتها، وتسير بخطى ثابتة في طريق نهضتها وحمل رسالتها الإسلامية في ظل دولتها العزيزة الكريمة خلافة الإسلام والمسلمين.
إن هذه المصائب التي نعيشها منذ هدم الخلافة قبل تسعين عامًا، قد مر بالأمة في تاريخها الطويل ما يشبهها عندما غزاها الصليبيون وتبعهم المغول فارتكبوا الجرائم والمذابح في الشام والعراق، وتسببوا في جراح عميقة في جسد الأمة الإسلامية، حتى أقام الصليبيون لهم ممالك وإمارات في بلادنا ووالاهم ملوك وأمراء ووزراء وفرق باطنية مرتدة في أحوال مزرية دامت عشرات السنين من الهوان والضعف وتسلط الكفار. والأمة الإسلامية اليوم بعد هذه السنوات الطويلة من الضعف قد أثمرت فيها دعوة الخير، وظهرت عليها علامات الصحوة، وانتشرت في صفوفها مفاهيم الإسلام، وملأت أجواءها مشاعر الإيمان، وهي كلها مقدمات النهضة وعودة الأمة إلى سالف عزها تمامًا كما كان الأمر أيام الصليبيين حتى عاد الخير إلى المسلمين، وأسقطوا دعاوى الكفر والباطنية، وأسقطوا دويلات الضرار المتنكرة للأمة ودينها مثل العبيديين وأمثالهم فطهروا صفوفهم من رجس الكفر والكافرين وأذنابهم، وانتظموا صفًا واحدًا في الشام ومصر تحت راية واحدة راية الإسلام وخليفة المسلمين، فهزموا عدوهم وطردوه من أرضهم وأعادوا القدس والمقدسات، عند ذلك استأنفت الأمة حمل رسالتها للناس وأكمل المسلمون جهادهم وفتوحاتهم.
في ذكرى الخلافة هذا العام وفي تيار هذه الثورات نرى مستقبل الأمة يتشكل ويولد، ونرى عهد دول الضرار يتداعى ويسقط، فنحن المستقبل المشرق الذي ينتظر خيره العالم كله.
إن المسلمين اليوم يتقدمون وينهضون والغرب يتهاوى ويتراجع، فهذه والله جولة ودولة الإسلام قد دار رحاها، ولن يوقفها بحول الله عدو، حتى تبلغ غايتها بإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة من جديد قال تعالى: ]وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[
2011-08-12