الصراعُ الدولي على البلاد الإسلامية: حضاري استعماري
2015/02/28م
المقالات
2,557 زيارة
الصراعُ الدولي على البلاد الإسلامية: حضاري استعماري
صالح عبد الرحيم – الجزائر
قال تعالى: ]وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ…[
لقد مرت فترة من الزمن على المسلمين هيمن فيها الغربُ الأوروبي الكافر المستعمِر على بلادهم هيمنةً كاملة، ومارس عليها كل أشكال السيطرة والإذلال والإخضاع. كان ذلك خاصةً بعدما تمكن من إسقاط الدولة الإسلامية، وإقصاء المسلمين عن السياسة الدولية، وتمكن من بسطِ نفوذه على كافة الأقطار التي أنشأها بيده في البلاد الإسلامية على أنقاض الخلافة العثمانية، وظن أن الأمور قد استقرت لصالحه بعد قرون من الصراع…
ثم دخلت أميركا الاستعمارية بشكل سافر على الخط في منتصف القرن الماضي (بعد تقهقر الأوروبيين) لتقود الغربَ في مواصلة الطريق، وحملِ مشعل الرأسمالية الاستعمارية المتوحشةِ في مهمة إخضاعِ كل الإنسانية، وإخضاع الأمة الإسلاميةِ خاصة، وحراسةِ البلاد والعباد في البلاد الإسلامية لحراسة مصالحهم، ومواجهةِ المسلمين ومقاومةِ أي محاولة منهم لإعادة حكم الإسلام. وحالُ المسلمين هذه المرة، بعد زوال ظل الخلافة التي أصبحت في أذهانهم شيئاً من الماضي، أنهم صاروا (على كثرتهم) ما يشبه جسداً بلا رأس… ولا يخفى أنه منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية كان قد نشأ بين الاستعمار الجديد (أميركا) والاستعمار القديم (أوروبا الاستعمارية وخاصة بريطانيا) صراعٌ عنيف على النفوذ والمصالح في البلاد الإسلامية.
لقد ظل الحال كذلك (صراعاً دولياً) إلى أن تدارك العزيزُ الحكيم أمةَ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأن بعث فيها من يوقظها ويُجدد لها دينها، لكي تعود إلى سيرتها وسابق عزها، ولكي تتمكن من استئناف حمل رسالة الحق والهدى والنور إلى العالمين… وفي هذه اللحظة التاريخية بدأ العد العكسي، وبدأ العمل الجاد، وبدأ الصراعُ مع الغرب لإخراجه من البلاد الإسلامية، ولإخراجِ الأمة من محنتها. ثم كان أنْ تطورت الأمورُ بعد ذلك، أي بعد عقود طويلة من السيطرة الغربية وتغلغلِ نفوذ الغربِ في الأمة، إلى أن صار بقاءُ وتعزيز هيمنةِ الغربِ على بلاد المسلمين، ودوامُ تحكمه في مصائر شعوبها، وضمانُ تدفقِ خيراتها إليه دون حسيب ولا رقيب، ومنعُ قيام كيانٍ سياسي يوحِّد المسلمين، صار بالنسبة للغرب مجتمعاً (ولعملائه) قضيةَ حياة أو موت… فاختلط جراء ذلك في بلاد المسلمين صراعُ أميركا مع أوروبا على الخيرات والمنافع من جهة، مع صراعهما مجتمعتين ضد المسلمين من جهة أخرى، ومعهما جميعُ قوى الشر والظلم والطغيان في العالم، في مواجهة الأمة الإسلامية التي بدأت تستيقظ، أي في حربِ قوى الكفرِ جميعاً على الإسلام والمسلمين، وذلك لمنع قيام دولة المسلمين في بلاد المسلمين!!
وبعد عمل شاق وجهدٍ جهيد، بدأ الأمل يعود للأمة من بعيد، وبدأت الحياة تدب فيها من جديد. وها هي الأمة اليومَ على عتبة اليقظة النهائية. وها هو الصراع في قلب بلاد الإسلام يحتدم يوماً بعد يوم مع الغرب الكافر الحقود ويشتد، خاصةً في بلاد الشام مع العدو اللدود. فهل سينجح الغرب هذه المرة؟ وهل ستنجح أميركا وأحلافُها في احتواء تحرك الأمة نحو التحرر؟؟ فقد طال أمد قبضةِ الغرب على أهل الإسلام، فيما تُطمِع النصوصُ المبشرة بتفسير أن الفرَجَ سوف يأتي، وربما من بلاد الشام! والله أعلم.
إن وجوبَ “تلميس” وجود حالةٍ إسلامية غيرِ مسبوقةٍ في بلاد المسلمين وخاصةً في بلاد الشام لكل الفاعلين من المسلمين في العالم بات أمراً يستوجب الاهتمامَ والعناية الفائقة. هذه الحالة التي باتت تنطق بها مجرياتُ الأحداث في قلب البلاد الإسلامية، والتي تتحدث عنها أكثرُ وسائل الإعلام مشوِّهةً، ويتناولها كثير مما ينشره حزبُ التحرير هذه الأيام باذلاً ما في وسعه لكشف حقيقةِ ما يجري من صراعٍ في بلاد المسلمين، وهو رائدُ هذه الأمة في مسألة وجوب استئنافِ الحياة الإسلامية بإعادةِ دولة الخلافةِ الإسلامية إلى الوجود، مهما كلَّف ذلك من جهود،
يسعى هذا الحزب في هذه الآونة بكل قوة وجدارة ووضوح إلى إقناع وتحسيس المسلمين في كافة أرجاء المعمورة بوجود هذه الحالة غير المسبوقة (المعـتَّمِ على إسلاميتها) في بلاد الإسلام وخاصةً في بلاد الشام، وذلك على خلفية ما حدث ويحدث فيها منذ ما يربو على ثلاث سنواتٍ (ثورة الشام)، وهو ما ينذر الأعداءَ بقرب نهاية نفوذهم، ويبشرُ المؤمنين بقرب قيام كيانهم الموعود، واسترجاع عزِّهم المفقود. وإن الحزب يسعى إلى ذلك بكل ما أوتي من قوة، من خلال الاتصال المباشرِ بالناس في كل مكان، وخاصة بمن هم في الميدان من الفاعلين والثائرين، ومن خلال ما يُصدره خصوصاً من موطن الصراع، وغيرِ ذلك من الأعمال.
إلا أنه بات من المؤكد ومن الأولوية بمكان أن يضمن حمَلةُ الدعوة والعاملون على التغيير في كافة المناطق حصولَ هذا الأمرِ، أي لمس وجود هذا الالتفاف حول مشروع الخلافة في بلاد الشام، والوقوف على مجريات الأحداث فيها بالشكل المطلوب الملامسِ للحقيقة، وإدراك حجم العمل، ومدى تقدمِ الدعوة، ومدى تحققِ النتائج على الأرض، وكذا إدراك وجود الإسلام كمحرك أساسي في كل أرجاء البلاد الإسلامية من خلال هذا الحراك الشعبي العارم… لقد بات من الأولوية بمكان أن يحصل كلُّ ذلك (بشكل قوي وفعال) لدى كل من ينشد التغيير الحقيقيَ في البلاد الإسلامية، وهو ما قد لا نلمسه في كثير من الحالات. ولكي لا نعيش الوهم، فإننا نجزم بأن الكثيرَ حتى من العاملين على التغيير الجذري يفتقدون القناعةَ الكافية والدقة اللازمةَ، وبالتالي القوةَ والفاعلية في هذا الشأن… لذا ندق ناقوس الخطر، ونقول: إن من المحتم على جميع العاملين، وتحديداً مَن هم في الصفوف الأولى ومواقع الريادة، التحرك بسرعة في اتجاه تحسيس بل «تلميس» هذه الحالة المبشِّرة بالخير في قلب بلاد الإسلام لجميع أبناء الأمة، وبالأخص ما يجري فيها حقيقةً من التفاف الناس، كما هو موجود في المنشوراتِ والإصدارات والفيديوهات وما يُنشر على الصفحات المكتوبة عموماً، حول هذا المشروع الذي نسعى إلى تحقيقه ونعمل على تجسيده منذ عقود. وذلك من خلال الاتصالِ الحي من قِبل حمَلة الدعوة بكافة العاملين في الأمة حيثما كانوا، وإعطائهم المعلومات من الميدان بغرض نقل الواقع (إلى أدمغتهم) بالصورة الكافية، ومناقشةِ وغربلة ما يرد ويصل إليهم من أخبارٍ من أرض الصراع (متضاربةٍ في كثير من الأحيان بسبب طبيعةِ وقوة الصراع، ونظراً لزخم وتسارع الأحداث)، وعدمِ الاكتفاء والتعويل على فردية وذاتية هؤلاء في حصول كل واحد منهم بفرديته أي بجهده الفردي على معطيات الميدان عبر ما يوجد على الشبكة، وما أكثره من كل الجهات، سواء ما كان مكتوباً من مثل ما يتضمن معلوماتٍ وتحليلات، أم ما كان فيها بالصوت أو بالصورة أو بهما معاً، فضلاً عما يرد من أخبارٍ على الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة! لأن ذلك بالتأكيد لا يوجِد انسجاماً في الرؤية ولا في الفهم لدى المسلمين، لا بين حمَلة الدعوة ولا بين أفراد الأمة عموماً، كما هو مشاهد ملموس. فضلاً عن أن يوجِدَ قناعةً راسخة تدفع دفعاً إلى إيقاظ حسِّ الناس وإفهامهم بالحجة وحملهم جماعياً على التغيير وتحمل المسؤولية تجاه ما يجري في بلاد المسلمين بعد حصول الفهم والاقتناع؛ وذلك لسبب بسيط هو أن هذه المعطيات الميدانية قد تخفى، بل تخفى بالفعل على الكثير من العاملين من المسلمين فضلاً عن غيرهم، حتى من المتابعين.
لا سيما وأننا نشاهد اليومَ أميركا الاستعمارية الحاقدة تسعى جاهدةً لإعادة تشكيل وصياغةِ المنطقة ورسمِ خارطتها برؤية بديلة عن «سايكس-بيكو» البريطانية-الفرنسية (خصوصاً في بلاد المشرق)، وذلك بأعمال سياسية ذكية وأخرى عسكرية-استخباراتية-أمنية متضافرة ومتلاحقة، قد يشكُل ويصعُب على الكثير فهمُها، منها توظيفُ اسم «القاعدة» في كل بقاع الأرض و»الجهاديين» من «تنظيم الدولة» في العراق وفي الشام، ومن غيرهم (بغض النظر عن أعداد المجاهدين المخلصين منهم)، خصوصاً فيما يفعله قادةُ هؤلاء مما نشاهده هذه الآونة من إعلانهم عن خلافة «في غير أوانها»، دون مقوماتٍ على الأرض ولا حاضنة شعبيةٍ تضمن الأمان والحمايةَ والاستمرارية، وما يترتب على ذلك من أضرارٍ جسيمة بمشروع الخلافة الحقيقي من حيث التشويه البالغ الضرر، مروراً بقتلهم فئاتٍ من الناس من غير المسلمين (مسيحيين وغيرهم) وفق ما يبدو أنه عملية تطهير ديني أو عرقي أو مذهبي (ضُخمت إعلامياً) تهدف إلى تشويه الإسلام وضرب مسألة الخلافةِ تحديداً. كما وردت أنباء عن ارتكاب بعضهم فظائع تصل إلى حد دفنِ أناس آخرين خاصةً من النساء والأطفال أحياء، وعن ترويع وتهجير آخرين قسراً (هرباً من التنكيل)، وقيامهم ـ حيثما حلوا بأفعال شنيعة أخرى، الإسلامُ بريء منها. ولا شك أن ذلك كلَّه من تدبير وتخطيط وبرمجة أجهزة القوى الاستعماريةِ الكبرى (خصوصاً أميركا، كونها الأقدر في المنطقة) وأعوانِها وعملائِها من القوى الإقليمية كنظام إيران، وذلك لصرف الجهد الثوري عن نظام الأسد (الذي كان ولا يزال يمثل أحدَ أهم ركائزِ النفوذ الأميركي في المنطقة بل في العالم منذ عقود) للحيلولة دون إسقاطه، وسَوقِ العالم نحو تحالف دولي يتسنى لأميركا من خلاله ضربُ القوى المناوئة لوجودها في المنطقة سواء من المسلمين الثائرين أو من المنافسين الدوليين، وذلك بالطريقة التي تشاء (أي وفق عملية انتقائية في ضرب وقصف الأهداف)، تحت عنوان مواجهة أو مكافحة الإرهاب والمتشددين ـ وهي لعبة تتقنها أميركا غاية الإتقان. كما يتسنى لها من خلاله ترتيبُ أو إعادةُ ترتيبِ الأوضاع في المنطقة وفق رؤيتها وما تقتضيه مصالحـُها. وإلا فما معنى هذا الصمت الدولي (الأميركي) المشاهد إزاء تمدد مسلحي الحوثي ( المدعوم من طهران) في اليمن باتجاه السيطرة على باب المندب بهذه السرعة العجيبة وبهذه الكيفية المستغربة؟
فمن سايكس-بيكو قبلَ مائة عام إلى بوش-أوباما اليوم، تسعى هذه القوى الاستعماريةُ الشريرة إلى إبقاء الهيمنة باستخدام كل الأساليب الشيطانية لمنع المسلمين من الانفكاك من قبضتها، كما تسعى لتثبيت بل تعزيز السيطرة على الأمة الإسلامية والحفاظ على دوام خضوعها وتبعيتها، ليس أقـلَّها إثارةُ نعراتِ القومية والعرقية والطائفيةِ والمذهبية (إلى جانب الوطنية الهابطة)، وكلِّ عوامل الفرقة في الأمة الإسلامية من كل صنف ولون… وليس صدفةً أن يأتي هجوم وتوسُّع تنظيم «الدولة» وأن يأتيَ تمددُها جغرافياً وعسكرياً متزامناً مع التحديات التي يواجهها المستعمرُ الأميركي في الشام وفي العراق وفي أفغانستان، ومتزامناً كذلك مع التجاذبات السياسية القوية بشأن ما سمي «العملية السياسية» في بغداد، ما ينذر (بل يبشر) بانهيارها بالكامل في عاصمة العراق المحتل الذي بات لا ينام ولا يستيقظ إلا على التفجيرات والاغتيالات، والذي لزَّمته أميركا الحاقدة وفق أجندة طائفية-عرقية-مذهبية منذ سنواتٍ لحكام إيران، أجندةٍ تُنذر الآن بالتفكيك وبالتقسيم، و حَكَمه أزلامُها (نوري المالكي وعصابتُه ومَن بعدهم) ـ بالتنسيق مع إيران ـ بنارٍ من الحقد الطائفي وروح الانتقام تفوقُ (بأضعاف) ظلمَ صدام، فزادوه بعد احتلاله أميركياً كية على كية. وليس صدفةً كذلك أن يجري الآن تسليح (وتهيئةُ) الكرد بدعم غربي في أربيل لإعلان انفصال كردستان أو ما يشبه ذلك بذريعة التصدي لهجوم وإرهاب داعش، في لحظة فقدانٍ مبرمجٍ «للجهد المركزي» من بغداد لصد الجهاديين والمتشددين والتكفيريين (كما يقولون)، كل ذلك بتخطيط غربي ورعاية أميركية، ضمن عمليةِ تفكيكٍ وتمزيق ممنهجةٍ للعراق ووفق سياسة تهدف إلى إضعاف المركز وتقوية الأطراف. وليس سراًّ كذلك ما أُسند أميركياً لتركيا أوردغان ونظام طهران من أدوارٍ متباينة ولكن خبيثة فيما يحدث في سوريا وفي العراق وفي غيرهما، مما تتماشى مع مقتضيات تثبيت نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، سواء في مواجهة أو توجيه تحركات شعوب المنطقة العربية تحديداً. قال تعالى: ]وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[.
إن من أبجديات العمل السياسي في أي تكتل سياسي مبدئي حي (يعمل في البلاد الإسلامية) أنه يجب عليه أن يلمِّسَ ما يسمع وما يرى من حال الأمةِ على الأرض ومما يرد إليه من مواقع الصراع، إلى كل الجهات الفاعلة في الأمة، كما يتحتم على حمَلة الدعوة أن ينزلوا بدورهم إلى الناس ليلمِّسوا لهم ما يسمعون وما يشاهدون من أوضاع من خلال ما يصل إليهم من أخبار سياسية من المناطق الساخنة، وما يستنبطونه هم من ميادين العمل ومواطن الصراع (عبر الاتصال المباشر)، خاصةً عندما يحتدم هذا الصراع في أية بقعة من بلاد المسلمين في العالم. وهذا من صميم المسؤولية عن العمل، رغم المتابعة المفترَضة من الجميع لكل ما يحدث في العالم.
إلا أن هذه العملية التحسيسية ينبغي أن تتم بالاتصال الحي المباشر وليس بإرسال المعلومات فحسب (ولو بالصورة والصوت)، وهذا ما سوف يمكِّن هؤلاء (أي حملة الدعوة)، بوصفهم قادة وسياسيين، من نقل حقيقة ما يجري إلى كل العاملين كأنها أمامهم، بالثقة والقوة اللازمة وبالدقة والحجة الكافية، بعد مناقشة معطيات الساحة السياسية وتحليل المعلومات وحصول الفهم والاقتناع لا مجرد العلم والاطلاع. وهو ما سيمكِّن الجميعَ من نقله إلى الأمة ـ مربوطاً بالمبدأ أي بالإسلام ـ عبر الاتصالات والمناقشات والمحاضرات والمؤتمرات واللقاءات والجلسات في كل مكان، الأمر الذي سيَصُب في مجمله في إيجاد الرأي العام المطلوب المعوَّلِ عليه في احتضان الأمة للقائمين على المشروع، وإيجادِ الحاضنة الشعبية اللازمةِ شرعاً لقيام الدولة، وهذا هو العمل السياسي المطلوب، بما يجعل من المستحيل على أعداء الأمة أن يقلِبوا الأوضاعَ لصالحهم في لحظة استجابة أهل النصرة وقيامِ الحكم الإسلامي في البقعة التي يجعلها ربُّ العزة لهؤلاء الذين آمنوا وصبروا واتبعوا رضوانَ الله أن تكون نقطةَ ارتكاز لدعوتهم، يُعول عليها حقيقةً بعد ذلك في ترسيخ وضع مناقضٍ تماماً لما تريده الدولُ الفاعلة عالمياً (الشديدةُ العداء للإسلام)، أي القوى الغربية الاستعماريةُ الحاضرة دوماً بنفوذها الثقافي والسياسي والاقتصادي والعسكري في كل أرجاء البلاد الإسلامية، هذا الوضع الذي يتمثل في جمع كل طاقات وقدراتِ هذه الأمة الإسلامية الكريمة العريقة شرقاً وغرباً تحت راية واحدةٍ وفي كيان واحد، يحمل على عاتقه مهمةَ إيصال رسالةِ الإسلام إلى العالمين، وهو المبتغى.
فيجب عدم التعويل فقط على القدرات الذاتية لكل واحد من العاملين في الحصول على القناعة والحرارة بمجهوده الخاص، وذلك لضمان توحيد الجهد ولضمان الانسجامِ في السير والتناغم في العمل الجماعي الذي من اللازم أن يقومَ به حمَلةُ الدعوة بوصفهم كلاًّ لا بوصفهم أفراداً. ولسوف ينتهي كيدُ كل هؤلاء الأعداء ـ وإن طال الزمن ـ في اللحظة التي يأذن فيها ربُّ العزة بقيام الكيان الموحدِ للمسلمين استجابةً منه لدعوات المتوكلين عليه العاملين، وإخلاص المؤمنين الصادقين، منةً منهُ وفضلاً، ولن تنفعَ أعداءَ الأمة يومئذٍ فئتُهم شيئاً ولو كثرت، وأن الله مع المؤمنين.قال تعالى: ]وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[.
إلا أن الدعوة تفقد الكثيرَ من فاعليتها باتجاه تحريك الأمة سياسياً لاحتضان الدعوة لإقامة الخلافة وإيجاد الرأي العام المطلوب شرعاً، إذا ما اقتصرت عمليةُ التوعية أو ركزت فقط على ناحية إعلام الناس بمجريات الأحداث حيث يحتدم الصراع ويشتد الصدام، سواء على جبهة (أو جبهاتِ) الصراع الدولي على بلاد المسلمين (بين الأميركيين والأوروبيين خاصة)، أو على جبهة الصراع الحضاري السياسي بين أبناءِ الأمة ممن يصارع فكرياً وسياسياً ويحمل همَّ إعادة الخلافة إلى الوجود من جهة، وبين هذه القوى الدوليةِ والإقليمية وأدواتها المعاديةِ كلها والمناوئةِ مجتمعةً للإسلام ولمشروع الخلافة من جهة أخرى (أي بين الأمة والغرب).
ولا شك أن المطلوب هو إنزال كل ما يجب إلى كل أرجاء الأمة من مادة فكرية وسياسية وإعلامية وغير ذلك، لكننا نلح على وجوب التحرك الفوري العاجل غيرِ الآجل من قبل جميع حمَلة الدعوة في كل المواقع في العملية التحسيسية هذه، وذلك من أجل مضاعفة الجهد وتكثيف الاتصال الحي المباشر بكل الشباب والفاعلين في الأمة وإفهامهم حقيقةَ وخطورةَ ومفصلية وحاسميةَ المرحلة التي تمر بها الأمةُ و الدعوة في هذه اللحظة الزمنية الراهنة: إنها لنقطة مفصلية ولحظة تاريخية أن نرى الأمةَ في مجموعها خصوصاً في البلاد العربية تنتفض على أوضاعها الأليمة بهذا الشكل، وأن يتحرك الناس، وتتحرك شعوبُ المنطقة في هذا الحراك الشعبي فيما سمي “الثورات العربية”، التي نجح الغرب العدو الحاقدُ في معظم الأقطار في احتوائها وإجهاضها أو توجيهها وحرفها في وقت تجري فيه إعادةُ تشكيل الأمة والبلادِ الإسلامية جغرافياً وسياسياً وفق منظور مفروض عليها من طرف دولي نافذٍ يحمل مشروعاً خبيثاً غاية في الخبث هو أميركا (يضاهي في خبثه ما فعلته بريطانيا من قبلُ)، بينما تقول كلُّ القراءات أن هذه الأخيرة (أي أميركا) تواجه الآن، وفي البلاد الإسلامية تحديداً، تحدياً غاية في الصعوبة، وتعاني من تخبط شديد إِنْ على صعيدِ الصراع الدولي مع المنافسين الدوليين المعروفين، أو على صعيد مواجهتها للحالةِ الإسلاميةِ (التي تُحاربُها كلُّ هذه القوى الدولية وأزلامها مجتمعةً في المنطقة)، هذه الحالة المتمخضة عن الثوراتِ في البلاد العربية وثورة الشام على وجه الخصوص، هذه الحالة التي تنذرُ بل تبشرُ بتغيير وجه العالم إذا ما تمكن المسلمون من إقامة حكمِ الإسلام في بعض بلادهم، وهو ما سيُرعب طواغيتَ وشياطينَ هذا العالم.
إنها للحظة تاريخية بالفعل تتطلب جهداً غيرَ عادي من قِبل كل العاملين والقياديين النابهين والواعين، يَهدف بكل حزم وقوة إلى رفع مستوى هذه الأمة وجميعِ المسلمين فكرياً وسياسياً في كل بقاع الأرض (فضلاً عمن هم في مواقع الاحتكاك ومواطن الصراع) من خلال تحركِ كلِّ واحدٍ من هؤلاء العاملين (ضمن جهد جماعي) في جميع أنحاء العالم تحركاً جاداًّ سريعاً وفاعلاً، ليتصل ويناقش ويوضح ويكتب ويقنع ويحرِّك ويقود، كل في موقعه، في شأن هذه الحالة غير المسبوقة، التي نخشى على طول أمد وجودها وبقائها في الزمن، كفرصة يجب شرعاً وعقلاً ألا تضيع!
لذا فإن على حامل الدعوة أن يحمل بقوة ما هو مطلوب منه، كما يفترض أن يكون ذا إحساس مرهفٍ بالواقع، وعلى دراية تامة تلامس الحقيقة بالأحداث، وعلى وعي تام بالأوضاع… ولكن هو بالتأكيد ليس وحده، بوصفه فرداً، مسؤولاً بشكل كامل عن كل حاله، حتى وإن بذل كل ما في وسعه، لأنه جزء من كل فكري شعوري، ولأن طبيعة حمل الدعوة بالعمل السياسي تقتضي أن يكون العمل جهداً جماعياً. إنها لفرصة تاريخية من حيث إدراك حقيقة الموقف الدولي المتغير، ومن حيث إدراك ما تقوم به أميركا اليومَ نيابةً عن الغرب تجاه المسلمين، تماماً كما فعلت بريطانيا من قبلُ، وهي الدولة الاستعماريةُ الخبيثة التي كانت وعدت العربَ (إن هم تعاونوا معها في الحرب العالمية الأولى) بالاستقلال والحرية والعزة والكرامة وبكل ما هو جميل، بعد التخلص من (استبداد وظلم واضطهاد) الباب العالي (أي الدولة العثمانية). ولا شك أن كشفَ خططِ أميركا اليومَ المبنية على الخداع والكذب والنفاق (وهي الدولة المبشرة لأهل المنطقة أيضاً بالحرية والديمقراطية) وإحباطَ مشروعها الخبيث خاصة في البلاد العربية، ودرءَ حملتها المسعورة على كل بلاد المسلمين، يتطلب عملاً سياسياً واعياً، وثباتاً على المبدأ راسخاً، وإقداماً وجهداً جماعياً مضاعفاً في الاتجاه الصحيح!
نُذكِّر في هذا الصدد بما كان جوابَ حكومة بريطانيا «العظمى» (قبل مائة عام) على شكوى تقدمت بها «تركيا» (الدولة العثمانية في آخر عهدها) في 1918م «مستفسِرةً» لدى السلطات البريطانية حول مرامي وأهداف ما وصل إلى مسامعها من وجود اتفاقية (سرية) بينها وبين فرنسا تتعلق خصوصاً بالبلاد العربية (والمقصود هنا هو سايكس-بيكو المشؤومة التي وُقعت بين بريطانيا وفرنسا في 16 مايو-أيار 1916م)… فكان الرد الدبلوماسي من لندن كما يلي (مترجماً): إن حكومةَ «جلالة الملكة» وحلفاءها لم يتخلوا أبداً عن سياستهم التي يلتزمون بموجبها بدعمهم الكاملِ لكل الحركاتِ التي تُصارع من أجل تحريرِ الشعوب المضطهَدة. إن حكومةَ «جلالتها» تؤكد كلَّ وعودِها السابقة المتعلقةِ بتحرير الشعوبِ العربية! (انتهى)
الآن وبعد مرور قرن من الزمن، الجميعُ يعلم مأساويةَ نهايةِ تاريخِ وقصةِ هذه المنطقة العربية، وما كان من هذا التحرير المزعوم للشعوب العربية على يد الإنجليز من «ظلم واستبداد العثمانيين الأتراك»، ليس أقله ما تعانيه الأمةُ الإسلامية اليومَ من فراغ سياسي رهيب، ومن تمزقٍ ونكباتٍ متلاحقةٍ واحتلالٍ مشؤوم وتشرذمٍ مفروض على المنطقة، وما ترتب على كل ذلك من نشوء هذه الأنظمة الظالمة المستبدة العميلة للغرب وتثبيت (إسرائيل) ذلك الخنجر المسموم بين ظهراني هذه الشعوب!! فهل سيتَّعظ المسلمون هذه المرة، وأهلُ المنطقة العربية خاصة، وقد جاء الآن دورُ أميركا (وهي الفرع الأرعن والأنتن من شجرة الإنجليز الخبيثة) في الادعاء أنها إنما تريد أن تخرج شعوبها من ظلام الدكتاتورية إلى «نور» الديمقراطية و «لتحرير» شعوبها من قوى «التعصب والتطرف والإرهاب»؟؟!! وها هي أميركا اليومَ تسَوِّق وجوبَ التدخل في كل شؤون المنطقة «لإنقاذ شعوبها بنشر الحرية والديمقراطية فيها» متذرعة بحجج وخدعٍ جديدة مصممةٍ في مخابرها الاستعمارية خصيصاً للمرحلة وللمنطقة وفق منظورٍ استعماري جديد! ومتى كانت أميركا الاستعمارية مُنقِذةً ومحررةً للشعوب؟
إلا أن هذه المرة بات الأمرُ مختلفاً ـ وهذا هو ما يجب أن يعيَه حَملةُ الدعوة قبل غيرهم؛ فها هي أمة الإسلام قد ظهر فيها منذ بداية خمسينات القرن الماضي عالِم من أبرز علمائها في هذا العصر هو الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله، و ها هو حزب التحرير الذي نشأ وتأسس على يديه قد نما في قلب البلاد الإسلامية، وفي قلب البلاد العربية منها بوجه خاص، وانتشر وتمدد خلال ستة عقود في معظم أقطارها وفي جميع أنحاء العالم. ولا نبالغ إذا قلنا إن الأمة الإسلامية اليومَ باتت تصارع سياسياً من خلاله على المستوى العالمي، ويمكن القولُ أيضاً إن الأمة خطت الخطوة الأولى على عتبة الصراع الدولي ضد قوى الظلم والشر والطغيان المتمثلةِ في أميركا وحلفائها اليوم، وذلك بفضل تطلع الأمة لإقامة الخلافة بوجود هذا الحزب فيها. ولذلك يخطئ من يظن أن الأمة الإسلاميةَ ما تزال خارج الصراع، وأن الأوروبيين والأميركيين هم وحدهم من يصارع ويتصارع في البلاد الإسلامية. نعم إن القول بأن حلبة الصراع الدولي لا يدخلها سوى الدول الفاعلة هو قول صحيح، لكن الأمة الإسلامية اليومَ بفضل قوة الإسلام الكامن فيها، وبفضل وجود تكتل أو تكتلاتٍ سياسيةٍ تصارع أعداء الأمة حضارياً وسياسياً على أساس العقيدة الإسلامية التي لا تقهر، تكون قد قطعت أشواطاً في سبيل عودتها إلى السياسة الدولية، ولن تعودَ تمام العودة إلا بقيام الدولة، وهو ـ أي حزب التحرير، على دراية تامة بأفاعيل وألاعيب الغرب الحاقد، وما تفعله الدول الغربيةُ كلها، وما تخططه أميركا هذه الأيام (التي جن جنونها وبانت أنيابها وبرزت مخالبها)، وما تفعله بوجه خاص في مصر والشام، وفي العراق وأفغانستان، وفي الخليج وإيران، وفي كل بقاع الأرض، ويدرك تماماً ما تسعى إليه أوروبا من العودة بعد انكسار، وما تتمناه روسيا بعد حسرة وإدبار…
والسر في كل ذلك يكمن في أن هذا الحزب كان قد نشأ في بلاد الشام على خلفية صراع الأمة الإسلامية (سياسياً وحضارياً) مع الغرب الاستعماري الحاقد، وتحديداً على خلفية ما حل بها من مصائب ونكباتٍ متتابعةٍ جراء تسلط الدول الاستعمارية الغربية على الأمة بعد القضاء على دولة الخلافة في إستانبول بعد الحرب العالمية الأولى، هذه النكبات التي كان من أبرزها (بعد فاجعة زوالِ الخلافة) نشوءُ كيان الصهاينة في 1948م. فمن هذا المنطلق ومن هذه الزاوية حُقَّ له أن يتبوأ مكان الصدارة في عملية نقضِ الوجود الاستعماري في البلاد الإسلامية، وطردِ النفوذ الأجنبي منها (الثقافي والسياسي والاقتصادي والعسكري). وكان طبيعياً أن يلقى حزبُ التحرير مجابهاتٍ لا توصف منذ نشأته على الصعيد الفكري والثقافي ضمن عملية شاقة مضنية في صراعه من أجل إنهاض وتحريك الأمة، وأن يصطدم طوال عقودٍ بعراقيل لا تحصى على الصعيد السياسي والأمني مع الأنظمة العميلة ومع عملاء الغرب من الحكام الخونة ومن غيرهم (ليس أقلَّها الاتهاماتُ والمضايقات والمؤامراتُ والاعتقالات والإعدامات…) في كفاحه من أجل فضح خياناتهم وكشف ارتباطاتهم بالعدو الكافر المستعمر؛ فقد أضحى اليومَ من نتائج كلِّ ذلك تغيرُ حالِ الأمة إلى ما نراه اليومَ من هذا التدابر المشهود بين الحكام (العملاء) والشعوب الإسلامية، ومن تطلع المسلمين الواضح إلى العودة إلى الإسلام على مستوى الحكم، أي على مستوى الدولةِ والمجتمع، وهو ما جعل موضوعَ استئناف الحياةِ الإسلامية بعودة الخلافةِ إلى ديار الإسلامِ اليومَ في قلب الصراع مع الغرب.
لذلك فإن الأمة الإسلاميةَ بوجود قيادةٍ سياسية واعيةٍ فيها هي حزب التحرير ـ ولله وحده المنة والفضل من قبلُ ومن بعد ـ أصبحت دون شك طرفاً في الصراع، وستكون مؤهلةً وقادرةً هذه المرة، بإذن الله وبعون الله، على إحباط مشروعِ أميركا الاستعماري الخبيث الذي تُبيِّته وتخططه للمسلمين ولأهل المنطقة عامة، ولن تتوَّج هذه المواجهة معها ومع الغرب عموماً إلا بقيام دولة المسلمين، ولن يكون من نتائجها بإذن الله إلا إعادةُ أوضاعِ الأمة الإسلامية إلى سابق عهدها، وإعادةُ الأمة إلى سابقِ عزها ومجدها، بالإسلام الذي عزَّت به من قبلُ لا بغيره، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون، هذا الدين الذي لا يقبل بأقل من إعادة تجميع شتاتِ الأمة في كيان واحد من جديد هو الخلافة. لذلك كان من طريقة استئنافِ الحياة الإسلامية: إقامةُ الدولة التي تطبق الإسلامَ أولاً، وهذا هو ما سيؤدي حتماً إلى تفعيل كل طاقاتِ الأمة في كل مكان وفي كل اتجاه، وكان هذا أيضاً هو معنى عودةِ الأمةِ إلى الإسلام في هذا الزمان. وهذا في النهاية هو وحده ما سوف يُنهي هذه الحالة الشاذةَ المشاهدةَ اليومَ في حالِ المسلمين وفي حياة هذه الأمةِ الكريمة، هذه الحالة َالمتمثلةَ في كونها تمتلك النور المبين، ألا وهو القرآن الكريم (كتاب الله المبين) وهدى رسوله الكريم، بينما هي تعيش وتسير في الظلام!
فهلّا سمعنا من كل ذي موقع في هذه الدعوة المباركة لاستئناف الحياة الإسلامية في هذه الأمة صوتاً عالياً، وهلّا رأينا موقفاً حازماً وحاسماً، وهلَّا لمسنا تحركاً فورياً وعاجلا،ً لشرح حقيقةِ الموقف السياسي الدولي، من زاوية هذه النظرة المتمثلة في أن الولايات المتحدة الأميركية (قائدةَ الغرب في الصراع ضد المسلمين) باتت اليومَ، من موقف الدفاع الذي يبدو في الظاهر كأنه هجوم (!) تُصارع الأمةَ الإسلامية برمتها، وأن الأمة أيضاً باتت هي الأخرى تصارعها (وتصارع الغرب عموماً ومعه عملاؤه من الأنظمة والحكام) فكرياً وسياسياً وحتى عسكرياً، مُمَثلةً (أي الأمة) فيمن يناهضُ من أبنائها، دون غيرهم، كلَّ المشاريع والمخططاتِ الأميركية والغربية في المنطقة، وبالأخص المشروعَ الأميركي رقم واحد تحديداً، ألا وهو منع قيام الخلافة الإسلامية. قال تعالى: ]وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ[.
وهلّا أدرك الجميعُ أن عمل الدعوة بات يحتم الآن في هذه اللحظة الزمنية بشكل ملح إبرازَ أن المسلمين في العالم، بفعل الصراع مع أميركا خصوصاً ومع الغرب عموماً، قد أصبحوا على شفا حفرة من فوضى عرقيةِ–طائفيةِ-مذهبيةِ جديدةٍ مخططةٍ بعناية في مخابر أعداء الأمة تستهدف مزيداً من الشرذمة والتهشيم والتقسيم، من تدبير المستعمِر الأميركي الغاشم تحديداً، يُوظَّف فيها بكل خبث ودهاء في واقع معقدٍ غايةَ التعقيد هذه الأيام بعضُ التنظيمات المسلحة والجماعاتِ القتالية، وتُوظف قيها الطاقاتُ الإسلامية عموماً (تحت عناوين مختلفة) والعملاءُ من كل صنف، وكذلك كيانُ الصهاينة والقوى الإقليمية الحليفة (كتركيا وإيران والسعودية وغيرها…) والتشكيلاتُ السياسية والعسكرية والأفرادُ والمنظماتُ من كل جهة…كل ذلك فيما تريده أميركا الاستعمارية (خدمةً لمصالحها) من صياغة جديدةٍ للمنطقة ضمن ما تحشده، بوصفها الدولة الأولى في العالم، لمواجهة «التطرف الإسلامي» ومكافحة ما تسميه هي «الإرهاب» (دون تعريفه)، وما تسعى إليه من أجل منع عودة الخلافة إلى المنطقة، لأنها تعلم يقيناً أن الأمة الإسلامية إذا ما استيقظت فإنها سوف تُعيد في ظرف سنواتٍ قليلةٍ ما ضاع منها في قرون!
فما الذي سيُقنع الفاعلين من طاقات وأبناء هذه الأمة بخطورة هذه المرحلة، وأنها تستحق العناية الفائقة، وتستوجب الفاعلية اللازمة، إذا لم يكن ذلك عبر عملية غيرِ عادية من الذين يحملون مشروع التغيير الجذري بالإسلام، يضطلعون من خلالها ميدانياً بواجب إيقاظ وإلهاب حماسةِ ووعيِ وفكر عمومِ طاقاتِ الأمة في كل أرجاء البلاد الإسلامية حرارةً وقناعةً، لجعلها تلتف حولهم بوصفهم قادة سياسيين يحملون المشروع المخلِّصَ لها بإعادة كيانِ المسلمين المنشود إلى الوجود، وردِّ كيد أعداء الإسلام إلى نحورهم، ودحر مشروع أميركا والغرب وتكسيره على صخرة الإسلام العظيم؟؟ خصوصاً وأننا نشهد اليومَ احتداماً في الصراع القائم بين الأمة الإسلامية من جهة والغرب وأعوانه من جهة أخرى، حول مسألة استئنافِ الحياة الإسلامية تحديداً!!…
إننا نريد سقوطاً سياسياً لأميركا الاستعمارية، يَشلُّ دون شك عملَها عسكرياً، على يد حمَلة مشروعِ الخلافة من أبناء هذه الأمة الكريمة، قبل أن نرى سقوطاً حضارياً حتمياً شاملاً ومدوياً للمنظومة الغربيةِ وللحضارة الغربية السافلةِ برمتها مع الزمن!
نسأل الله العلي القدير أن يبرم لهذه الأمة الكريمة أمرَ رشد يعز فيه أولياءه ويذل فيه أعداءه، وأن ييسر لنا طريقاً إلى مستقر رحمته. قال تعالى:] وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[.
2015-02-28