الدليل الشرعي والدليل العقلي
1988/07/25م
المقالات
5,880 زيارة
الإسلام عقيدة وأحكام شرعية؛ والعقيدة (بفروعها) هي الأصل؛ والأحكام الشرعية فروع. والعقائد لا تؤخذ إلا من يقين. واليقين يتحقق بالبرهان العقلي، فعقيدة الإسلام عقيدة عقلية وقاعدتها (الإيمان بالله) لا تتحقق إلا بالبرهان العقلي، ولقد نعى القرآن الكريم على الذين يبنون إيمانهم على الظن فقال: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا)، ولئن كان الإيمان بأساس العقيدة قائماً على العقل إلا أن بعض فروع العقيدة يعتمد على الأدلة السمعية، أي على نصوص من القرآن الكريم كأدلة على الجنة والنار ويوم القيامة ووجود الملائكة.
وعليه فإن أدلة العقيدة ـ بفروعها ـ يمكن أن تكون عقلية أو سمعية (أي بالاعتماد على النص والرواية)، أما أدلة الأحكام الشرعية كالحدود وتبيان الحلال والحرام والأوامر والنواهي الشرعية عموماً، أما تكل فلا تكون أدلتها إلا سمعية أي شرعية. إذن فالأدلة نوعان عقلي وسمعي (شرعي).
وفي مجال الحديث عن الأحكام الشرعية كالتي ذكرنا، فلا مجال للدليل العقلي مطلقاً، بمعنى أن الدليل على وجود حكم شرعي معين في مسألة معينة لا يكون شرعياً أي لا يمكن الحصول عليه إلا من مصادر الأحكام الشرعية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والقياس وإجماع الصحابة؛ فنحن حينما نتحدث عن حكم شرعي ما إنما نفترض أن أساس البحث هو الرضى بأننا نريد وبارتياح وتسليم، حكم الشرع في المسألة المطروحة، لا رأي فقيه بالقانون البريطاني أو الفرنسي. فنحن مثلاً حينما نبحث عن الحكم الشرعي في كنز المال أنه حرام، أو في حرمة الربا إنما نريد معرفة ما ورد بخصوص ذلك في مصادر التشريع الأربعة الأساسية المذكورة، لا معرفة رأي آدم سميث أو ماركس!! والرأي الشخصي لأحد من الناس كائناً من كان.
من هنا كان الاعتماد على (معقولية) الدليل الشرعي، وإخضاعه (للمنطق) غير وارد مطلقاً، إذ أن الأحكام الشرعية أدلتها من مصادر التشريع سواء (طابقت) العقل و… المنطق أم لم تطابقه. وما على البحث عن الدليل الشرعي على مسألة شرعية معينة إلا أن يرضي بالحكم الشرعي إذا ثبت دليله من المصادر الأربعة ثبوتاً مؤكداً، ولا مجال (لأعمال) العقل في إمكانية قبوله أو رفضه إذ أن مجرد البحث عنه يتضمن القبول والتسليم، باعتبار أن مرجعه إلى الله، وإلا لاستقصينا حلولاً متنوعة لمسائل متنوعة في الحكم أو الاقتصاد أو الاجتماع في مراجع أخرى غير مصادر التشريع الإسلامي وعندها نكون غير معنيين بموقف (الإسلام) مما نحن بصدده.
هذا، ولقد كان هذا الأمر واضحاً في أذهان المسلمين منذ صدر الإسلام حتى أواخر القرن الماضي، حيث كان اعتبار الحكم الشرعي القول الفصل أمراً بديهياً، إلى أن أطل القرن الحال وراح المسلمون يديرون ظهورهم لحكم الشرع، أو يناقشون في معقوليته!
1988-07-25