كلمة الوعي: صراعات فرنسا وأميركا على الجزائر
2018/06/25م
المقالات, كلمات الأعداد
1,976 زيارة
كان هناك صمت عالمي على المجازر التي تحصل في الجزائر، ومنذ بضعة أشهر صارت بعض الأصوات ترتفع متسائلة ومتهمة. ارتفع صوت الأمين العام للأمم المتحدة، وصوت بعض الصحف وبعض الأحزاب والسياسيين، وأخيراً سمع صوت الجامعة العربية وصوت الاتحاد الأوروبي.
إذاً لا بد أن بعض الدول التي لها تأثير في الإعلام هي التي تعتِّم على ما يجري، ثم سلطت عليه الأضواء.
الجزائر كانت مستعمرة فرنسية، وحين استقلت سنة 1962م حاولت أميركا أخذها عن طريق بن بلّه. ولكن بومدين أطاح ببن بله، وفتح خطاً سرياً مع الإنجليز، وبقي على علاقة جيدة مع فرنسا. وحين جاء بن جديد أبقى العلاقة جيدة مع فرنسا، وبقي يساير الإنجليز وأميركا. وفي أيام بن جديد استطاعت فرنسا أن تقوي سيطرتها على الجيش، وصار الجيش هو الحاكم الفعلي والسياسيون مجرد واجهة. واستطاعت أميركا أن تقنع بن جديد بتشريع التعددية الحزبية سنة 1988م، ما أتاح للجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تعمل بنشاط كبير وتستقطب جماهير الناس.
كادت الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن تكتسح المجلس النيابي، ما أفزع فرنسا فأوعزت لرجالها في الجيش أن يلغوا الانتخابات ويمسكوا بالسلطة. وكان ميتران رئيس فرنسا صرّح قبل ذلك: «إذا نجح الأصوليون في حكم الجزائر فسوف أتدخل عسكرياً كما تدخل بوش في بنما». أميركا كانت تدرك أن قادة الجبهة لو وصلوا إلى الحكم فسوف تحتويهم عن طريق السعودية وعن طريق الترابي. ولكن الجبهة أُبعِدتْ وأُبْعِدَ معها حلم أميركا بالسيطرة على الجزائر. واحتجت أميركا على تصرف الجيش ثم سكتت، وبيتت أمراً.
الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تكن حزباً متماسكاً، ولذلك سهل على أميركا اختراقها وكسب أشخاص من داخلها وكذلك فرنسا والسلطة الجزائرية اخترقتها.
أميركا هي أول من حرض الجبهة على القيام بالعمل المسلح ضد السلطة. ولكن بعض التيارات في الجبهة لم توافق. وانشقت الجماعة الإسلامية المسلحة وبدأت بالأعمال المسلحة. وهذه الجماعة كانت عبارة عن تجمع لتيارات متعددة، ما سهل اختراقها، ثم تفتيتها حتى صار في داخلها جماعات عدة متناحرة وكلها تحت مظلة الجماعة الإسلامية المسلحة.
وقد تضايقت السلطة الجزائرية (ومن ورائها فرنسا) من الأعمال المسلحة، فرأت أن تهيئ أجهزة من السلطة وتسخر عملائها ضمن الجماعة للقيام بأعمال إرهابية فظيعة، من ذبح للنساء والأطفال وبقر لبطون الحوامل، ومهاجمة قرى المدنيين العزل وذبحهم. وذلك بقصد تشويه سمعة الجماعة المسلحة وجبهة الإنقاذ وكل من يعمل باسم الإسلام كي ينفر الناس منهم ويساعدوا السلطة ضدهم.
وهنا أوعزت أميركا لعملائها ضمن جبهة الإنقاذ وضمن الجماعة المسلحة كي يعلنوا هدنة، ثم سلطت الأضواء على المجازر، فتحرك كوفي عنان باسم الأمم المتحدة يطالب بالتحقيق في هذه المجازر لمعرفة من يقوم بها. فوافقه عباس مدني، فاستاءت السلطة وأعادت مدني إلى الإقامة الجبرية ورفضت طلب كوفي عنان وكان بن بله صرح علناً أن أجهزة السلطة هي التي تقوم بالمجازر. وصرحت «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائرية بأنها «لا تفهم سبب عدم وجود معلومات رسمية عن هذه الجرائم الدنيئة، وتقاعس الدولة المتكرر عن كفالة أمن المواطنين، ولا أسباب عدم التعرف على الجناة وشركائهم، وعدم القبض عليهم ومحاكمتهم».
ثم صار بعض أفراد الأجهزة يعترفون أن السلطة هي التي ترسلهم حيث يلبسون لحى مستعارة لإيهام الناس أنهم جماعات إسلامية.
فبات من المؤكد أن المجازر الرهيبة تقوم بها أجهزة السلطة الجزائرية (ومن ورائها فرنسا). ولذلك فإن الرسميين الفرنسيين يدافعون عن السلطة الجزائرية. والسلطة الجزائرية ترفض بإصرار أي تحقيق وترفض أية مساعدة إنسانية بحجة أنها سلطة ذات سيادة.
هذه السلطة حفرت للحركات الإسلامية حفرة فوقعت هي فيها. ولا يعفيها من المسؤولية ادعاؤها أنها ذات سيادة. وأية سيادة هذه ما دامت عاجزة عن حماية رعاياها. وهل يحق للسيد أن يقتل عبده أو خادمه دون أن يحاسبه أحد؟ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يسير ليلاً مع زوجته فمر اثنان من الصحابة فأسرعا. فناداهما وقال لهما: هذه فلانة (أي زوجته)، لأنه خشي أن يشكا به، والذي يشك برسول الله يكفر.
القيام بالأعمال المسلحة على المدى الطويل يحتاج إلى أمور عدة: الرجال، والسلاح، والمال، والتصميم الدائم. التصميم الدائم هذا يحتاج إلى شحذ دائم للهمم وإلى شحن فكري ومشاعري كي لا تخمد جذوة الاندفاع ولا يحصل الإحباط واليأس. وهذا الشحذ والشحن يحتاج إلى إعلام لتغذيته. الجزائر فيها الرجال، ولكن من أين يأتيهم السلاح والمال والشحذ والشحن والإعلام والتسهيلات؟ ولذلك فنحن نجزم من هذه الناحية أيضاً أن هناك دولاً خارجية بالإضافة إلى السلطة المحلية تؤمن للمجرمين لوازم العمل المسلح الدائم.
كيف يكون إنقاذ الجزائر من آلامها؟
أ- الخطوة الأولى هي إيجاد الوعي عند أهل الجزائر على حقيقة الصراع وأطراف هذا الصراع. والمسؤول عن إيجاد هذا الوعي هم الواعون من أبناء الجزائر في الداخل والخارج، والواعون من العرب والمسلمين.
وعلماء الشرع مسؤولون أيضاً عن إيجاد الوعي على الأحكام الشرعية، كي لا يستطيع العملاء الأبالسة أن يضللوا الناس ويحللوا لهم ذبح الأطفال والنساء والأبرياء من مسلمين أو غير مسلمين. ولا يصلح لهذه المهمة علماء السلاطين لأنهم لا يثق أحد بعلمهم أو فتواهم.
ب- الخطوة الثانية هي الإطاحة بالحكام العملاء الذين يذبحون شعبهم تنفيذاً لتوجيهات أسيادهم والمسؤول عن الإطاحة بهؤلاء الحكام هو الجيش (ومن عنده قدرة). ومتى حصلت الخطوة الأولى (الوعي) فإن الوعي يصل إلى الجيش لأنه جزء من الأمة. فتقوم كتلة من الجيش من الواعين المخلصين الشجعان ويخاطرون بأرواحهم لإنقاذ شعبهم، ويطيحون بالحكام العملاء.
ج- الخطوة الثالثة هي أن يقوم الحكام الجدد الواعون بقطع أيدي الدول الاستعمارية التي تهلك الأمة في سبيل طمعها واستعمارها. ويقومون بالإصلاحات وبث الوعي الصحيح قدر الإمكان، ويضربون بقايا الجواسيس والعملاء.
هذا الحل ليس بالجزائر وحدها بل للبلاد الإسلامية لأنها متشابهة. ومن أجل أن ينجح هذا الحل فهو بحاجة إلى توفيق الله وعونه، وهو بحاجة إلى مساعدة المخلصين الواعين في الأمة الإسلامية. وهذان الأمران: توفيق الله وعونه، ومساعدة المسلمين لا يتحققان إلا إذا كان العمل على أساس الإسلام. قال تعالى: )فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا(□
2018-06-25