الخلافة – تعريف في مجلة المرأة الصادرة في باريس
1989/03/23م
المقالات
1,958 زيارة
لقد نشر هذا التعريف (للخلافة) في مجلة (المرأة) الصادرة في باريس العدد 7 السنة 2/ أيار/ مايو 1988م.
مصطلح سياسي، يدل على نظام الحكم الذي جاء به الإسلام، وقامت عليه الدولة الإسلامية، التي أسسها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول قبل بدء التاريخ الهجري بعشرة أشهر: ثم حلفه على الحكم بذلك رؤساء سمّاهم قبل وفاته (الخلفاء) دون أن يعين أشخاصهم، كما سمّى ذلك النظام الذي استمر من بعده (الخلافة) فقد وَرَدَ في الحديث: «عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي» البخاري، «ثم تكون خلافة على نَهْج النُّبوة» أحمد بن حنبل.
ويتميز نظام الخلافة بوصفه نظام حكم في شأن السلطات الثلاث بخصائص معينة، منها:
– فيما يتعلق بالسلطة التشريعية: هي من حيث الخطوط العريضة، والأحكام الأساسية؛ مصدرها الله تعالى مُمَثَّلةً في القرآن الكريم، والسنة النبوية، بوصفهما وحياً من الله ]وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى @ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى[ [سورة النجم: 3 ـ 4]؛ وأما من حيث الأحكام التفصيلية، والقوانين الجزئية فهي للأمة مُمَثَّلةً بالمجتهدين الذين يستنبطون على ضوء تلك الخطوط العريضة الأحكام المناسبة للوقائع المستجدة، وحين تتعدد الاجتهادات في الأمر الواحد يكون الخليفة هو المُرَجِّحُ لواحد منها ليتبناه في الدستور والقوانين، فإن نازعه في ذلك أحد بَتَّ في الأمر قضاة محكمة المظالم التي تشبه «مجلس الدولة» في الدول الحديثة.
– وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية: يعتبر الخليفة هو رئيس السلطة التنفيذية، وهو المسؤول عن تنفيذ نظام الحكم في السياسة الداخلية والخارجية، فهو الذي يعين وزراء الدولة المعاونين له، كما يعين قائد الجيش الذي ينوب عنه في السياسة العسكرية، ويعين أيضاً السفراء لدى الدول الأخرى، ويستقبل السفراء الأجانب.
– وفيما يتعلق بالسلطة القضائية: حقق نظام الخلافة الفصل بين هذه السلطة والسلطة التشريعية عن طريق كون التشريع ليس من وضع القضاة في الأصل، بل هو من وضع الله من حيث الأسس العامة، والخطوط العريضة التي يجب أن تهيمن على اجتهادات القضاة.
وأما العلاقة بين السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، فترك أمرها للخليفة لتحقيق الفصل أو المزج بين السلطتين أو الحل الوسط بينهما حسب ما تقتضيه المصلحة والظروف. وقد اختار الخليفة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه نظام الفصل، حين عيّن على الإمارات قضاة جعلهم تابعين له مباشرة وفصل تبعيتهم عن حكام تلك الإمارات.
هذا، ويطلق مصطلح «الخلافة» أيضاً على منصب رئاسة الدولة الإسلامية الذي يشترط فيمن يتولاه أن يكون: رجلاً مسلماً حراً بالغاً عاقلاً عدلاً قادراً على القيام بأعباء الحكم، ويتولى منصبه عن طريق البيعة من الأمة مباشرة، أو عن طريق النواب الممثلين للرأي العام.
وحسب نظام الخلافة لا يشغل هذا المنصب في البلاد الإسلام كلها إلا رجل واحد.. إذ يجب على جميع هذه البلاد أن تؤلف دولة واحدة يقوم على رئاستها خليفة واحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» مسلم رقم الحديث 1853 وأما ما حدث في التاريخ الإسلامي مما يُسَمّى بالخلافة الفاطمية بمصر، والخلافة الأموية في الأندلس، مع وجود الخلافة العباسية، فهو من قبيل الصراع على السلطة تبقى فيه الخلافة الشرعية مع السلطة القديمة حتى تنجح المحاولة الجديدة في أخذ السلطة وضم البلاد الإسلامية إليها، وكسب الرأي العام إلى جانبها، فتنتقل الخلافة إليها، أو تخفف محاولة نقل السلطة هذه، بضربها أو رفض الأمة لها.
هذا، وتتألف رعايا دولة الخلافة ـ كما كان عليه الواقع ـ من المسلمين الذي يخضعون لجميع أحكام الإسلام، ومن غير المسلمين من شتى العقائد والمذاهب، وتترك لهؤلاء الحرية في عقائدهم وعباداتهم، وما يتعلق بالنواحي الاجتماعية من زواج وطلاق وملبوسات ومأكولات ـ ضمن النظام العام؛ وما عدا ذلك، فإن لهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف.
وأخيراً فإن دولة الخلافة تعتبر أمة مهمتها الأساسية هي: أن تدعو العالم كله إلى نظامها، بوصفه نظاماً أنزله الله ليحقق للإنسانية كلها العدل والكرامة والرفاهية في الدنيا، ويحقق لمعتنقيه السعادة في الآخرة.
1989-03-23