مع القرآن الكريم
1988/02/22م
المقالات
2,088 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). [النور الآية 55].
قال ابن كثير في معرض تفسير هذه الآية: «هذا وعدُ من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمَّته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم, وبهم تصلح البلاد, وتخضع لهم العباد». (الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..) فأصحاب الوعد الذين آمنوا, ولم يذكر الشيء الذي يؤمنون به, فقد جعله مطلقاً ليشمل كل ما ورد به الوحي في الكتاب والسنّة. وزاد على الإيمان, العمل الصالح (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) وهي عموم الأعمال الصالحة بلا استثناء فتشمل علاقة الإنسان مع ربّه كالصلاة, والصوم, والزكاة والحج والدعاء والجهاد. وتشمل علاقة الإنسان مع نفسه كالأخلاق والمطعومات والملبوسات. وتشمل علاقة الإنسان مع غيره كالمعاملات والعقوبات. ولم يرد نصّ صريح ولا شبه صريح في ذكر اسم الموعودين بالاستخلاف. ولكن هناك نصوص كثيرة ذكرت أوصافهم, وذكرت عنهم أنهم جماعة وليسوا أفراداً, فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرّهم من خذلهم خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس». وعن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عنه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة».
)لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ(. اللام: جواب لقسم محذوف: «والله ليستخلفنهم»”، أو جواب للوعد بتنزيله منزلة القسم لأنه ناجز لا محالة. وقد أكد الله هذا الأمر بالوعد, وبالقسم الذي دلت عليه اللام بأنه ليجعلنهم خلفاء في الأرض يتصرفون فيها تصرف الملوك. في مملوكاتهم. وقد أكد هذا المعنى وهو جعلهم حكاماً في الأرض هو قوله تعالى: )كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ(, وروى الإمام أحمد عن أبي بن كعب قال: قال e: «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض, فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب». ولا يقال أن الوعد بالاستخلاف لصحابة رسول الله e لأن السورة نزلت في المدينة ومن أواخر السور في المدينة فقد كانت دولة المسلمين قائمة, وعزهم سائد, وقد خلّصهم الله من ذل الحياة في مكة تحت سيطرة الكفار. والنص جاء عامّاً فيبقى على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص, ولم يرد أي دليل يخصص ذلك في الصحابة, فتكون لغيرهم قطعياً, وإن كان الأمر قد ينطبق عليهم.
)وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ( ولا يتصور تمكين الدين وتثبيته بدون أن تكون له دولة تطبقه وتحمي بيضة هذا الدين. والدين هنا الإسلام )وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا(. والتمكين هو التثبيت في الأرض وجعلهم حكاماً. قال تعالى: )الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ(. قال الشوكاني في فتح القدير: «أي يجعله الله ثابتاً مقرراً ويوسع لهم في البلاد ويظهر دينهم على جميع الأديان». وقال: «بحيث يكون الملك لهم ولعقبهم من بعدهم».
)وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا(. أي يغير خوفهم إلى أمن وطمأنينة فيزيل عنهم الخوف ويحل محله الأمن والاطمئنان. )يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا( أي المؤمنين الموعودين بالأمور الثلاثة السالفة الذكر يعبدون الله لا يشركون به شيئاً.
كتاب “تفسير سورة النور”
1988-02-22