حقائق ما قبل ثورات العالم الإسلامي
المهندس عقيل بدر
إن تعالي صيحات الله أكبر الله أكبر في أي عاصمة من عواصم العالم الإسلامي يتبعها إعلان قيام دولة تحكم بالإسلام ويكون دستورها القرآن، فتحكم بالحق، وتقيم العدل، وتوقف اتفاقات الذل مع الدول المستعمرة وتقطع نفوذ الكفار من بلاد المسلمين، وتعلن الجهاد وتضم البلاد وتصون العباد، وتعلن أن رسالتها هي لا اله إلا الله وطريقة نشر الإسلام هي الجهاد في سبيل الله، وتجعل تحرير القدس قبلتها، ونشر الإسلام غايتها… بمثل هذا الإعلام وبمثل هذه الدولة يمكن القول إن نظام الكفر بكل فساده وظلمه وخياناته قد سقط، وإن سلطان الإسلام قد قام، وإن الذي تتطلع إليه الأمة قد بدأ يتحقق، وتكون الدولة التي قامت في هذا البلد هي -دولة الخلافة الإسلامية- يجري فيها قوله تعالى (أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ) صدق الله العظيم. وقول الشاعر:
هي الخلافة لا دينٌ بغيبتهاالله أكبر فوق الأرض قاطبةًشمسُ الخلافة لا فُلْكٌ يشابههاهذا كلامُ رسول الله لا كذباً |
ظلٌ من الله فوق الناس واللاتبالنور تُكْتَبُ، ما أبهى الكتابات!شمس أضاءت على فلك السماواتووعدُهُ جاء مشفوعاً بآياتِ |
وعلى الرغم من أن ما جرى في كل من تونس ومصر والأردن والبحرين… لم يتوج بتغيير جذري لنظام الحكم والدولة، ولا بالتغيير الذي تريده الأمة، فإن ذلك وقبل الحديث في تفاصيله سببه واحد بسيط وهو: إن ما بدأ في تونس وانتقل لمصر وإلى باقي دول العالم الإسلامي قد بدأ فقط لكنه لم ينته بعد، ولقد ظهر مع هذه البداية وبشكل واضح حقائق لا يمكن تجاوزها أو إغفالها لما فيها من أجوبة لكثير من الأسئلة والشكوك التي كانت ولفترة طويلة حجر عثرة في طريق الأمة والعاملين لتغيير أنظمة الحكم في العالم الإسلامي، ومن هذه الحقائق:
-
إن حكام البلاد العربية لا يملكون سلطة شرعية منتخبة كما كانوا يزعمون، فهم ليسوا منا ولسنا منهم، بل هم أعداء لنا، حالهم كحال أسيادهم في الدول المستعمرة، فهم يأتمرون بأمرهم ولا عمل لهم سوى إفساد الأمة ونهب ثرواتها، فها هم اليوم وهم يتساقطون يستجدون أسيادهم في الدول الغربية من أجل إنقاذهم والوقوف إلى جانبهم، ومن أجل البقاء. فلا سنوات خدمتهم الطويلة للكفار رفعتهم، لا محاربتهم للإرهاب حصنتهم، ولا ملاحقتهم دعاة الخلافة أبقتهم، وجرت فيهم سنة الله سبحانه تعالى المتضمنة بقوله: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) ولعل في هذه الحقيقة عبرة لمن يهادنهم أو يقبل ببقائهم، فلا بقاء لهم بعد اليوم، والعمل على خلعهم هو الواجب، فهم من قتل وعذّب، وهم من أفسد وظلم. قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ).
-
إن شعوب البلاد العربية والإسلامية أمة واحدة كالجسد الواحد رغم كل محاولات التجزئة والتقطيع، ورغم كل الحدود والسدود، فالقول بأن تونس ليست كمصر، وأن اليمن ليست كمصر وتونس هو محض هراء، بل ينطبق عليها قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»(رواه مسلم). فدينها واحد وقبلتها واحدة، يبكيها قصف غزة وبقاء الأقصى بيد يهود، ويفرحها سقوط مبارك وبن علي، حتى إن ثوراتها واحدة تنتقل من بلد إلى بلد ترفع شعاراً واحداً (الشعب يريد إسقاط النظام).
إن أمة هذا حالها هي أمة تنبض بالحياة، لم تمت ولم تتخلَّ لا عن تاريخها ولا عن عقيدتها، فهاهي قد وعت حقيقة مفادها أنها هي صاحبة التغيير والقادرة عليه، وإنها هي صاحبة الحق في اختيار من يحكمها، فهي من تسقط حاكماً وترفع آخر، فإذا ما حملت مشروعها السياسي وقالت بوجوب إقامة دولة الخلافة، وهذا فرض عليها، فإنه لا بد وأن يصير لها ما تريد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
-
إن الحالة التي كان عليها حكام البلاد الإسلامية من استخفاف بشعوبهم، وادعائهم أنهم هم صمام الأمان للبلد، ومن أنهم هم ولا أحد غيرهم يمكن أن يحفظ البلد ويدير شأنه قد سقط أمام مشاهد الخزي والضعف للحكام الذين فرّوا بالطائرات خوفاً من الناس، أو الذين قدّموا التنازل تلو التنازل لترضى عنهم شعوبهم؛ وذلك لأنهم لم يرعوا الناس حق الرعاية ولم يعتبروا ممن سبقهم.
-
إن ما جرى ويجري في البلاد العربية يؤكد أن تغيير الأوضاع في البلاد الإسلامية لا يحتاج إلى عقود ولا إلى قرون كما يروج البعض، أو كما يجري على لسان بعض الناس من أن التغيير بعيد، وأن الأمر صعب وشاق، وأنه لا طاقة لنا به، وأنه لم يحن الوقت بعد… في حين أن التغيير يحتاج إلى أمرين: الأمر الأول: وعي على أن مصيبة المسلمين اليوم تتلخص في غياب دولة الإسلام وأحكام الإسلام، وأن المطلوب هو العمل على إقامة دولة الإسلام لتحل محل أنظمة الحكم القائمة. والثاني: هو عزيمة رجال صادقين يصدقون الله في إقامة شرعه ونشر دينه ليكون الدين كله لله تعالى. فالتغيير يجب أن يطال النظام الفاسد والحاكم الفاسد، لا أن يقتصر على الحاكم فقط.
-
إن الدول الغربية المستعمرة لا تعرف غير الكيد للمسلمين ونهب ثرواتهم طريقاً، فما أن تحرك أهل تونس تحركاً عفوياً حت تحرك المشبوهون ورجال السفارات لحرف الناس عن الأهداف الحقيقية، وليبدأ تشويه الأحداث وتصويرها على غير حقيقتها، فقالوا إن الشعوب مظلومة وفقيرة وجائعة لطمس حقيقة مفادها أن الناس تريد الإسلام، بل تحدثوا باسم الناس وقالوا إن الناس لا تريد الإسلام، وأبى الله إلاّ أن يظهر ما في نفوسهم من خوف وحقد، فخرجوا ليقولوا إن تطبيق الشريعة أمر غير مقبول، وإن سقوط هذه الأنظمة يعني وصول المسلمين إلى الحكم وإلى إقامة إمارات إسلامية، وإننا لن نسمح بوصول جماعات إسلامية إلى السلطة، وفي هذا السياق وفي مقابلة نتنياهو زعيم يهود مع وكالة الـ NNC حول الأحداث الجارية في البلاد العربية وما يمكن أن تسفر عنه قال فيها:
«إنهم لا يريدوننا في فلسطين فحسب، بل إنهم لا يريدون أي غربي في أوروبا أيضاً، إنهم يحلمون بإقامة الخلافة». ولقد كان للإعلام دور بارز على هذا الصعيد، فكان الحديث يدور دائماً عن شخص الرئيس وأعوانه، وأن المشكلة تتمثل في ذهاب الحاكم وأولاده ورموز حزبه الحاكم دون التعرض للدستور والقوانين التي أفقرت البلاد والعباد وأشاعت الرذيلة وحاربت العفة، وفرضت الضرائب وأباحت الربا والبنوك باسم القانون والدستور.
-
إن الإعلام قد غيّب الإسلام وصوت الإسلام، وكأن الأحداث تدور في بلد أجنبي لا في بلاد الإسلام والمسلمين التي لا تعرف غير الإسلام ديناً ونظام حياة بديلاً عن أنظمة الحكم البالية، فلم يظهر الإعلام صوتاً واحداً يريد تطبيق الشريعة، بل أظهروا المسلمين عبر شاشات التلفاز أنهم يريدون دولة مدنية تحكم بدستور كالذي كان، ويريدون عون أميركا ودول الغرب لنجاح عملية التغيير ولسقوط حاكمهم، وأن لا أحد منهم يريد عودة الإسلام، بل وأكثر من ذلك إنهم حتى لم يظهروا الإسلام كخيار بجانب الخيارات الأخرى كالديمقراطية والحرية من أجل أن يختار الناس لو كان هناك صدق في تغطية الأحداث، حتى إن بعض دعاة الإسلام قد آثروا (للأسف) عدم ذكر الإسلام ووجوب الانتقال إلى حكم الإسلام، خوفاً على مشاعر الدول الغربية، وكأن الدعوة لدولة الإسلام ليست هي ما يريده الناس، وكأنها جريمة يعاقب عليها، في حين أن الفرصة كانت مؤاتية للرد على تهكمهم من ديننا ومن نبينا ليقولوا لهم نريدها دولة إسلامية على منهاج النبوة لو كانوا صادقين قال تعالى: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ولتأكيد مدى مخالفة مثل هذه التصريحات لما هو عليه الناس في مصر على سبيل المثال، أذكر لكم نتيجة استطلاع للرأي سئل فيه الناس عن مدى تأييدهم لتطبيق الشريعة، فكانت النسبة في مصر هي 90% مع تطبيق الشريعة، وأن ثلثي أهل مصر يقولون بوجوب أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع، لم نر واحداً من هؤلاء أي واحداً من خمسة وثمانين مليونًا على فضائيات العالم العربي ليتحدث عن أن ما يريده الناس هو تطبيق الشريعة.
إن وسائل إعلام تستضيف لأسابيع مفكرين وسياسيين يدعون للقومية والديمقراطية، ويفصّلون فيها ويشرحون، ولا تستضيف من يدعو للإسلام ولتحكيم نظام الإسلام هي وسائل إعلام مأجورة تصور الأحداث على أنها فقر وجوع، وأن الناس تريد دولة مدنية، أي أن الناس لا تريد دولة إسلامية، في حين أن الفقر والجوع والظلم والتعذيب الذي خرجت جموع الثائرين للحديث عنه في ميادين وعواصم الدول العربية ما كان إلا نتيجة غياب أحكام الإسلام، فأحكام الإسلام التي تقيم العدل جوبهت بمحاكم تقيم الظلم، وأحكام الإسلام التي تحرّم الربا جوبهت بقوانين تلجأ إلى البنوك، وأحكام الإسلام التي تنشر الفضيلة والعفة في المجتمع جوبهت بنوادٍ وملاهٍ وبمنع للحجاب، وأحكام الإسلام التي تفرض الجهاد لتحرير فلسطين جوبهت بحذف كلمة الجهاد من قاموس الأنظمة وبملاحقة المجاهدين، وأحكام الإسلام التي تحرم الرشوة والاحتكار جوبهت باستثمارات وتسهيلات للأجنبي، وأحكام الإسلام التي توجب الحكم بما أنزل الله جوبهت بتجريم وتحريم الدعوة إلى الخلافة… هذا وغيره الكثير الكثير هو ما دفع شباب الأمة للخروج على أنظمتهم، لا ما أريد له أن يظهر عبر شاشات التلفاز من أن الذي أخرجهم هو الجوع والفقر والعوز في محاولة للتغطية على أن السبب الحقيقي هو غياب أحكام الإسلام.
لتحرير فلسطين جوبهت بحذف كلمة الجهاد من قاموس الأنظمة وبملاحقة المجاهدين، وأحكام الإسلام التي تحرم الرشوة والاحتكار جوبهت باستثمارات وتسهيلات للأجنبي، وأحكام الإسلام التي توجب الحكم بما أنزل الله جوبهت بتجريم وتحريم الدعوة إلى الخلافة… هذا وغيره الكثير الكثير هو ما دفع شباب الأمة للخروج على أنظمتهم، لا ما أريد له أن يظهر عبر شاشات التلفاز من أن الذي أخرجهم هو الجوع والفقر والعوز في محاولة للتغطية على أن السبب الحقيقي هو غياب أحكام الإسلام.
-
أما ما يخص الجيوش، وما كان قد ذهب إليه بعض الناس من أن الجيوش قد تودع منها، وأنه لا خير يرجى فيها، ولا أمل في أن تنحاز إلى الأمة، فقد فند ودحض وبان ما هو ضده من أن الجيوش هم قطعة من الأمة كالقطعة من الجسد، يألمون للذي يؤلم الناس، ويعملون للذي يعمل له الناس، بل إنهم يتعرضون للذي يتعرض له الناس من إضعاف لقواهم، ومن تقليل لأعدادهم على حساب ما يسمى بالكتائب الأمنية والحرس الشخصي والحرس الرئاسي والقوات الخاصة لحماية الأنظمة البائدة، ولا أدل على ذلك مما حدث في كل من ليبيا واليمن، فاستمالة الجيوش لجهة الأمة وفك ارتباطها بنظام الحكم أمر لا بد منه لإتمام عملية التغيير، فوصول الإسلام إلى سدة الحكم بطلب العون من أهل القوة والجيوش هو السبيل لإسقاط الأنظمة وإقامة نظام الإسلام. وهي طريقة أخذ الحكم واستبداله بحكم الإسلام، وهي ما أرشد إليه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للوصول إلى الحكم في المدينة المنورة، وهي طريقة حزب التحرير من أجل إيصال الإسلام إلى سدة الحكم.
هذه بعض حقائق ما قبل ثورات العالم الإسلامي وغيرها الكثير الكثير مما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمة قد قطعت شوطاً كبيراً نحو عملية التغيير الجذرية رغم محاولات الدول المستعمرة والنواطير من الحكام حرف مسارها وتزوير ثوراتها، فالأمة اليوم قد وعت على قدرتها على التغيير، وأنها متى تحرّكت كان لها ما تريد، وأنها إذا ما زمجرت خرّت لها الجبابرة خاضعين.
لقد عادت للأمة ثقتها بنفسها، وازدادت معرفة بما ينقصها، وهي اليوم أقرب من أي وقت مضى لأن تعود سيرتها الأولى خير أمة أخرجت للناس، بعد أن كانت مستباحة منهوبة، وبعد أن سخر منها الأعداء وتغامزوا عليها، فلا مبرر بعد اليوم عن القعود، والعمل على رفع صوت الإسلام عالياً فهذا هو المطلوب، والعمل في صفوف العاملين لإقامة دولة الخلافة هو الواجب، فإذا ما دعا داعي الله وجبت الإجابة، وها هي الدائرة تدور، وسنة الله في التغيير تقترب، قال تعالى: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)، ونحن اليوم بإذن الله تعالى على أبواب قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) صدق الله العظيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.