الانتخـابـات الانتـقـائـيـة
1999/05/01م
المقالات
1,533 زيارة
مرة أخرى نعيش حالة الانتقاء ويُدّعى أن الشعب اتخذ قراره، فينجح بالصدفة مرشح السلطة أو مرشح العسكر أو مرشح حزب السلطة. فدائماً يفوز مرشح السلطة ويأخذ الأغلبية، ودائماً تفشل القوى المنافسة لمرشح السلطة، وتخرج النتائج كما خطط لها النظام بلا زيادة ولا نقصان، هذه هي «الديمقراطية» وعلى الجميع التسليم بنتائجها فهي «قدرهم» المحتوم.
حينما أطلقوا على الاقتراع أو الاستفتاء «انتخابات» كانوا صادقين مع أنفسهم لأن معنى كلمة انتخاب لغة: الاختيار والانتقاء، ومنه النخبة، (لسان العرب ج1/ص752)، فالعملية التي تحصل هي انتقاء معدٌّ سلفاً وتُجلب له صناديق الاقتراع والكاميرات التلفزيونية وجمهور المقترعين وبعض الصناديق المملوءة وبعض إعلاميي السلطة لتغطية الحملة تغطية شاملة (لاحظوا كلمة تغطية).
حينما جرى استفتاء عام 1992م في الجزائر وقام الشاذلي بن جديد باستعمال صناديق زجاجية كانت النتيجة فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية ونُحّي الشاذلي ووضع قيد الإقامة الجبرية، وجاء الرئيس (المنتخب) مؤخراً فكان أول إنجاز له الإفراج عن الشاذلي، ومنذ تلك الانتخابات حصلت انتخابات لانتقاء رئيس ففاز زروال، وحصلت انتخابات بلدية ففاز جماعة النظام، ولكن الصناديق لم تكن زجاجية منذ تلك الغلطة التي ارتكبها الشاذلي، ولم تتكرر هذه الغلطة في دول أخرى غير الجزائر لأنهم أكثر حرصاً على خروج النتائج كما هي مرسومة سلفاً. وما جرى في تركيا مؤخراً يدل على أن وصول حزب معين إلى الفوز بأغلبية المقاعد لم يكن بمحض الصدفة، رغم أن الإعلام ابرز عنصـر المفاجأة ليضلل الناس، فلا مفاجآت في انتخابات تشرف عليها السلطة، فالسلطة لا تعوزها الحيلة للفوز، ويكفي أن تهمس بكلمة السر إلى جيوش الموظفين، وجيوش القوى الأمنية والعسكرية والمؤسسات الخاضعة لها حتى ترجح كفتها، هذا إذا أغفلنا دورها في تبديل الصناديق المحشوة بالخيرات، وفي تفصيل قانون الانتخاب وتوزيع المناطق جغرافياً على قياس رجالها تأميناً لنجاحهم.
فلا عجب إذاً أن تعرف النتائج مسبقاً، ويفوز مرشح السلطة قبل أن تحصل العملية الاقتراعية حينما يظهر على شاشات التلفزة بوجه رئيس وصورة رئيس ونبرة رئيس قبل أن يصبح رئيساً، وتستكمل المسرحية بعملية تسليم وتسلّم تلفزيونية يشهدها الملايين وكأنها الحقيقة
1999-05-01