سؤال وجواب حول قاعدة أهون الشرين أو أخف الضررين
1992/09/26م
المقالات
4,241 زيارة
السؤال: هناك من يتحدث عن قاعدة شرعية تُسمّى «قاعدة أهون الشرين» أو «قاعدة أخف الضررين». واستدلوا بها على مشروعية مناصرة الحاكم الظالم في مواجهة من هو أظلم منه، وعلى انتخاب النائب الكافر أو الفاسق لئلا يصل إلى المعقد النيابي من هو أكثر كفراً وفسقاً. وهناك من يستدل بها على مشروعية المشاركة في الحكم في أنظمة الكفر لئلا يستلم المركز من هو أكثر ضرراً.
فما هي حقيقة هذه القاعدة، وهل هذه التطبيقات لها صحيحة شرعاً؟
الجواب:
حسب علمنا هي ليست من القواعد الشرعية، والذين يقولون بها ينسبون إلى بعض العلماء مثل العز بن عبد السلام أنه قال بها واستدل بها.
والقواعد الشرعية ليست أدلة شرعية بحد ذاتها، بل هي تفتقر إلى الدليل الشرعي. والأدلة الشرعية المعتبرة هي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس المبني على علة منصوصة. القواعد الشرعية تكون مأخوذة من نص شرعي أو من مجموعة نصوص، وهذه النصوص هي الدليل على صحة القاعدة وعلى صحة ما يستنبط من القاعدة. ووضع القاعدة هو لتبسيط الفهم وتيسير الاستنباط.
ولنتحدث قليلاً عن هذه القاعدة وكيف يفهمها ويستدل عليها الذين يطبقونها هذه الأيام. تسألهم: ما الدليل على هذه القاعدة؟ فيضربون المثل التالي: هب أن امرأة في حالة الولادة تعسرت ولادتها وقرر الأطباء أنه لا بد من قتل الطفل لإنقاذ الأم أو قتل الأم لإنقاذ الطفل. قتل الطفل حرام وقتل الأم حرام ولكن لا بد من قتل أحدهما لإنقاذ الآخر. وهنا إنقاذ الأم أولى من إنقاذ الطفل، أي قتل الطفل هو الشر الأهون.
هذا المثل يوضح القاعدة، ومنهم من يجعل المثل دليلاً على القاعدة. وهذا المثل ليس نصاً شرعياً فلا يعتبر دليلاً على القاعدة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: من الذي قرر أن قتل الطفل أهون من قتل المرأة؟ أهو الشرع، فإن كان هناك نص شرعي فبها. وإلاّ فمن هو صاحب الصلاحية في إصدار القرار، أهو الزوج (والد الطفل) أم أبوا المرأة؟ ولنفرض أن زوج المرأة قال: أنا أريد إنقاذ الطفل وليس إنقاذ المرأة، فهل يُؤخذ بقوله؟
أما ما يُسمّى بقاعدة أخف الضررين فإن كان المقصود بالضرر هو الضرر المالي فإن الأمر ليس بحاجة إلى وضع قاعدة، فهو بديهي، وذلك كمن أضاع مفتاح سيارته أو بيته، هل يكسر الباب أو يذهب ويفتش عن مفتاح مناسب، أيهما أقل ضرراً عليه؟ إنه هنا يتصرف بماله ويختار ما يناسبه، فلو اختار أحدهم كسر الباب واختار آخر البحث عن مفتاح لكان ذلك مباحاً لهما. أمّا إذا كان المقصود بالضرر هو الشر أي الحرام فإن القاعدة تُسمى عند ئذٍ «قاعدة أهو الشرين» أو «قاعدة أخف الحرامين». وهنا لا بد أن يكون الشرع قد نصّ على أن الأمر الأول حرام وأن الأمر الثاني حرام ونصّ على أن أحدهما أخف حرمة من الآخر. في المثال السابق نص الشرع على أن قتل المرأة حرام ونص على أن قتل الطفل حرام، ولكنه لم ينص (حسب علمنا) على أن أحدهما أخف أو أشد من الآخر، ولذلك فلا يمكن تطبيق القاعدة على هذه الحالة، ولا بد من ابحث عن الحل في غير هذه القاعدة.
في الحديث الشريف: «سِبابُ المسلم فسوق وقتاله كفر» نرى أن سبّ المسلم حرام وقتاله حرام، ونرى أن قتاله أشد جُرماً من سبابه. ولو فرضنا أن مُسلماً وقع في مأزق وصار معرّضاً لأن يُقتل أو يقاتِل المسلمين أو يَسُب المسلمين. ففي مثل هذه الحالة يُرخّص له بأهون هذه الشرور وهو سب المسلمين. وهذا يمكن فهمه من النصوص التي تعطي الرخصة مباشرة دون الحاجة إلى قاعدة أهون الشرين.
الجندي المسلم في المعركة لا يحل له أن يدمّر سلاح المسلمين، ولكنه إذا رأى أن العدو سيستولي على هذا السلاح فإنه عند ئذٍ يدمّر هذا السلاح. تدمير سلاح المسلمين حرام واستيلاء العدو على هذا السلاح حرام ولكن تدميره هو أخف هذين الحرامين.
ونحن نرى أن الأمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى وضع قاعدة. فالاستنباط يجري من النصوص مباشرة. ولعل سهولة تناول النص هو الذي يصرف الأصوليين عن تقعيد القواعد. وإذا أراد بعض العلماء أن يضعوا هذه القاعدة ويطبقوها فلا بأس شرط أن يطبقوها بشكل منضبط. والضبط هو:
1- أن يكون الشرع نص على تحريم الأمرين وأن يكون الشرع نص على أن أحدهما أشد من الآخر.
2- أن يكون المسلم في مأزق حقيقي وأنه محتوم عليه اختيار أحد الحرامين.
فهل تنطبق هذه القاعدة في حال الانتخابات النيابية التي جرت في لبنان هذه الأيام (وما شاكلها)؟ يقولون بأن هناك مقاعد نيابية سيشغلها بعض المرشحين، وعلى فرض أن هناك مقعداً جميع المرشحين له كفار أو فسّاق ولكن بعضهم أقل سوءاً من بعض، أَوَ ليس الأنسب أن نتقدم وننتخب من هو أقل شراً من يره لملء هذا المقعد؟ (بناء على قاعدة أهون الشرين). والجواب هو أن القاعدة لا تنطبق هنا للأسباب التالية:
أ- الحكم على هذا المرشح أو ذاك أنه أخف حراماً أو أشد حراماً ليس آتياً من الشرع بل من العقل والمزاح.
ب- العقل والمزاح حين أصدرا الحكم (على المرشح) أصدراه بناء على معلومات غالباً ما تكون قاصرة وغير ممحصة.
ج- هذا الحكم هو على مستقبل المرشح، أي سيتصرف في المستقبل. مما يجعل الحكم أقل دقة.
د- عند إصدار الحكم (العقلي ـ المزاجي) على المرشح يتخذ بعضهم مصلحته الفردية كمعيار للخير أو الشر، ويتخذ آخرون المصلحة العامة للناس كمعيار، ويتخذ غيرهم مصلحة الدين كمعيار. وهذا مما يبعد تطبيق القاعدة عن الانضباط.
هـ- إن توصيل النائب الذي هو أقل سوءاً وفساداً من غيره إلى المقعد النيابي يؤدي إلى الارتياح النفسي عند الناس، وهذا بدوره ينفس من غضبهم على النظام وعلى الأوضاع ويجعلهم يقنعون بهذه الترقيعات الجزئية. وهذا بدوره يطيل عمر النظام الفاسد.
القاعدة ليست منطبقة على هذا الواقع (واقع الانتخابات) لا من قريب ولا من بعيد. المشكلة هي أن هناك نظام كفر مسيطراً على المجتمع والواجب هو هدم هذا النظام وإزالته وإقامة النظام الإسلامي محله. وهذا يحتاج إلى جهود وإلى وقت، ويحتاج إلى تحريض المسلمين ضد هذا النظام، وكلما زادت مساوئ النظام زادت نقمة الناس عليه. ولذلك لا نعمل على ترقيع هذا النظام ولا على إصلاحه لأن الترقيع والاصلاح يزيد في عمره كما يزيد الترقيع في عمر الثوب البالي. هذا النظام لا بد له من ثورة انقلابية لا تبقي منه ولا تذر.
أما الذين يرقعون فإنهم يسيئون ولا يحسنون من حيث يشعرون أو لا يشعرون، يسيئون إلى الدين لأنهم يبقونه بعيداً ما داموا يرقعون نظام الكفر ويطيلون عمره، ويسيئون إلى المسلمين لأن المسلمين مصلحتهم الحقيقية تدور مع شريعتهم فأينما كان شرع الله فثَّم مصلحة المسلمين □
1992-09-26