إقامة الخلافة هو التحدي الحقيقي للأمة
2013/11/29م
المقالات, كلمات الأعداد
2,003 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
إقامة الخلافة هو التحدي الحقيقي للأمة
تراكمت الأوضاع البائسة والمؤلمة في عالمنا الإسلامي بشكل أرهق كاهل الناس وأنهكهم واستهلكهم، باتوا يشعرون معها بأن أحداً لا يأبه لمآسيهم وبأنه – أكثر من أي وقت مضى – لا وزن لهم ولا قيمة، فمعاناتهم تزداد والخراب يعم كل ما هو حولهم على كل صعيد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً.
في الوقت ذاته، لا تزال بلادنا محطّ نظر كل طامع بثرواتها وكل طامح لأن يلعب دوراً ما في هذا العالم. ورغم تمكن الغرب عبر الأنظمة الحاكمة وما اصطنعه لشعوبنا من هويات ورايات وشعارات وتوجهات اقتصادية ومناهج ثقافية وتعليمية زائفة، تحفظ التبعية له بشكل تلقائي، وتجعله الحَكمَ الفصل والآمر الناهي في قضاياها، رغم كل هذا، ما زالت الدول الكبرى تتسابق وتتصارع على التدخل في التفاصيل الدقيقة من شؤوننا لتضبط إيقاع أي حركة أو حراك في بلادنا بما يضمن لها استمرار هيمنتها، بل وتحشد جيوشها في بلادنا وترسل بوارجها إلى شواطئنا وتقيم كبريات القواعد العسكرية فيها، ما يطرح سؤالاَ أساسياً حول حقيقة ما يخيف الغرب ويثير هواجسه ويؤرقه!؟
إن المتابع لحملات دول الغرب المتعاقبة وسياساته الشرسة في العالم الإسلامي يتراءى له أن وراء ذلك أكثر من سبب، إلا أن المدقق فيها يدرك أن لها بعداً جوهرياً مشتركاً دائميّاً، يتمثل في الحيلولة دون إقامة المسلمين لدولة الخلافة الإسلامية، التي يهدد قيامها الأنظمة الحاكمة التابعة للغرب في بلادنا، ويجعلها طبيعيّاً آيلة للتداعي والانهيار، كما يلغي قيامُها وجودَ أوساط الغرب السياسية والفكرية والاقتصادية المهيمنة على مصير الأمة ومقدراتها.
إن إعادة الخلافة يعني إيجاد نظام حكم منتج لأوساط ثقافية واقتصادية وتعليمية وسياسية ولاؤها للأمة وقضاياها، ويعني كذلك صياغة هوية الأمة وتوجهاتها ومناهجها بحسب التصور الإسلامي للحياة. وهذا شيء لا تطيق دول الغرب احتماله، إذ إن شرايين حياة الغرب ممتدة في كل بقعة من بلادنا، وهو يرى أن استمرار طريقة عيش شعوبه الرغيد والاستهلاكي الباذخ، والحفاظ على نمو دوله واستقرار مجتمعاته وانطلاقها في العالم رهن باستمرار استعمارها المباشر وغير المباشر لبلادنا عبر أدواتها السلطوية والفكرية والاقتصادية والإعلامية المرتبطة به والموالية له. لذلك لا يفوت الدول الغربية – حتى أثناء مناوشاتهم وتنافسهم فيما بينهم – تذكير بعضهم بعضاً بخطر الإسلام وما تمثله دولة الخلافة عند قيامها من تهديد، وذلك لضمان ضبط صراعاتهم ضمن إطار لا يسمح بحصول اختراق يغير قواعد اللعبة السياسية الدولية القائمة.
نعم، إن الخلافة هي الدولة الجامعة للأمة، وهي التي تجسد نظام الحكم في الإسلام الذي يصوغ علاقات الفرد والمجتمع والدولة بحسب أنظمة متفردة ومتميزة تتضارب مع الأعراف والقوانين الدولية المعمول بها، والمنبثقة بطبيعة الحال عن تصورات المبدأ الرأسمالي للحياة، ما يعني أن العمل على إقامتها يصطدم مع أجندة الدول الرأسمالية المهيمنة على العالم، التي ترى أن استمرار تفوقها يوجب استغفال الآخرين واستعبادهم واستعمارهم، لذلك فإنها لا تألو جهداً في دق جرس الإنذار من خطر الإسلام والتحذير من الخلافة في كل مناسبة، على نحو ما جاء في خطاب طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بقوله «إننا نُجابِهُ حركةً تسعى إلى إزالةِ دولةِ إسرائيلَ، وإلى إخراجِ الغربِ منَ العالمِ الإسلاميِّ، وإلى إقامةِ دولةٍ إسلاميةٍ واحدةٍ تُحَكّمُ الشريعةَ في العالمِ الإسلاميِّ عن طريقِ إقامةِ الخـلافة لكلِّ الأمةِ الإسلاميةِ.» كما قال رئيس روسيا فلاديمير بوتين: «إن الإرهاب الدولي أعلن حرباً على روسيا بهدف اقتطاع أجزاء منها وتأسيس خلافة إسلامية!» كذلك ما أكده مستشار الأمن القومي ووزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسينجر بقوله: «إنَّ العدوَّ الرئيسيَّ هو الشريحةُ الأصوليةُ الناشطةُ في الإسلامِ التي تريدُ قلْبَ المجتمعاتِ الإسلاميةِ المعتدلةِ وكلِّ المجتمعاتِ الأخرى التي تَعتبرُهَا عائقاً أمامَ إقامةِ الخـلافة». لحقهم في ذلك الرئيسُ الفرنسيُّ نيكولا ساركوزي بقوله: «لا داعي لاستعمالِ لغةِ الخشبِ لأنَّ هذهِ المواجهَةَ يرغبُ فيها «المتطرفون» الذينَ يحلُمُونَ بإقامةِ الخـلافة من إندونيسيا إلى نيجيريا، رافضينَ أيَّ شكلٍ مِنْ أشكالِ الانفتاحِ وأيَّ شكلٍ مِنْ أشكالِ الحداثةِ والتنوعِ» بحسبِ زعمِهِ.
كذلك ما انفك زعماء وسياسيون بارزون بالتذكير مع كل حدث في سياق الحراك الحالي في المنطقة العربية من أن مقصود الحركات الإسلامية المنخرطة في الحراك القائم هو إقامة الخلافة الإسلامية، وأن إقامة الخلافة في واحدة من بلدان الثورات لن يقف عند حدودها. وهذا ما دأب وزير الخارجية السوري وليد المعلم بشكل صريح في أكثر من مناسبة التصريح به، مؤكداّ أن «خطر الخلافة لن يقتصر على سوريا وحدها، إنما سيشمل دول المنطقة بما فيها الأردن ولبنان وتركيا»، معتبراً أن نظامه يدافع عن هذه الدول بقدر ما يدافع عن سوريا نفسها.
كذلك توالت تحذيرات المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي ووزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيله ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وغيرهم في مناسبات مختلفة، لافتين النظر إلى أن عدم إجراء حسابات دقيقة للتدخل الغربي في سوريا قد يخرج الأمور عن السيطرة ويسمح للإسلاميين بالسيطرة على الوضع ما يهدد مصالح الغرب.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 27/9/2013م حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من أن «أكثر المجموعات المسلحة قوة في سورية هي المجموعات الجهادية، التي ليست لها أي علاقة بالديمقراطية، والتي تهدف إلى تدمير الدول العلمانية، وإقامة خلافة إسلامية».
لهذا كله يحرص الغرب على أن تبقى بلادنا متخلفة ومشلولة وخالية من أسباب القوة بكل أشكالها. وها هو يسارع بعد أن أدرك أن نظام الأسد آيل للسقوط، وأن كل الدعم الذي تم توفيره له إقليمياً ودولياً لم يعد قادراً على تأهيله من جديد، وبعد أن تأكد بأن التغيير بشكل ما قادم لا محالة، يسارع الغرب إلى إزالة آخر سلاح ردع متوفر في سوريا ضد (إسرائيل)، لهذا توجهت جهود الدول الكبرى برعاية روسية أميركية مباشرة وبتواطؤ مذهل من النظام لتدمير ترسانة الأسلحة الكيمياوية السورية على نسق ما سبق أن فعله الغرب في العراق سابقاً.
هكذا يتبين بشكل جليّ أن السياسات المعتمدة من قبل الدول الكبرى وعملائها في العالم الإسلامي تأخذ بعين الاعتبار البعد الإسلامي المتمثل بإقامة الخلافة كتهديد مصيري لها، يوجب عليها التصدي له، والحيلولة دون تمكن العاملين في الدعوة الإسلامية من إقامة الخلافة على أنقاض الكيانات المصطنعة – المريضة والهزيلة والبائسة – التي تضمن حالة تخلف الأمة وتبعيتها للغرب، الذي يُطبِق عليها بفكيه ويلتهم ثرواتها بشره منتظم.
لذلك صار لزاماً على المسلمين إدراك أن عودتهم للإسلام من خلال إقامة الخلافة الإسلامية هو البعد الجوهري للصراع بين الغرب والعالم الإسلامي، وأن إقامة الخلافة هي القضية المركزية والمصيرية الأولى للأمة اليوم، فهي تاج الفروض وأم القضايا، ولا كرامة للأمة ولا تحرر لإرادتها ولا استقلال لقرارها سوى بإقامتها. لذلك يجب أن تتوجه كل الجهود بشكل مباشر لتصب فيما يؤدي إلى إنجاز هذه الغاية. ويجب التنبه إلى أن تحقيقها يقتضي أموراً أهمها:
– إيجاد وعي حقيقي في الأمة على الخلافة كنظام للحكم، لا يقبل الشرع سواه ولا يستقيم أمر الأمة بحال بدون إيجاده. كما يجب أن يتم العمل بشكل حثيث على نشر الأحكام والمعايير والمعالجات التي تميز الخلافة عن غيرها من أنظمة الحكم، مع تقديم تصور عملي لما يمكن أن يكون عليه حال الخلافة عند إقامتها، مما يوصد الأبواب أمام المحاولات المشبوهة لتسويق أنظمة حكم أخرى للمسلمين، بعد عملية تلفيق لتوفيقها مع الإسلام، كأنظمة الحكم الديمقراطية والدولة المدنية. بهذا تسقط تلك الطروحات المخادعة كما تسقط معها تلك المحاولات الدؤوبة لتشويه الخلافة من خلال تسليط الضوء على نماذج مضللة من الواقع أو التاريخ.
– الوقوف على الطريقة الشرعية العملية لإقامة الخلافة والالتزام بها، أي ربط الغاية بطريقة إنجازها على نحو معين بعيداً عن الإجمال والتعميم، بحيث يتمكن حملة الدعوة من السير على ضوء الشرع الذي يسعون إلى تحكيمه بالطريقة التي حددها الشرع نفسه وفي الوقت ذاته عليهم أن يتلمسوا كيف تساهم أحكام هذه الطريقة بشكل عملي في وضع لبنة وراء أخرى لتشييد صرح الخلافة، ما يدرأ عنهم خطر التخبط والإحباط ويدفعهم مبصرين قدماً إلى الأمام في ظل إنجازات واضحة المعالم، تبث فيهم الطاقة لمواصلة العطاء والتضحيات، لإتمام مهامهم بشكل متناسق ومترابط ومثمر لإقامة الخلافة.
– الإيمان الصادق برعاية الله للدعوة وحفظه لدينه ونصره لأتباعه، وبدوام النظر إلى ما في يد الله وحسن الظن به، فالنصر والتمكين منه وحده سبحانه، مما يستوجب بالتالي الثبات على المبدأ وما يقتضيه من انقياد لشرع الله وثبات على هديه وتمسك بمنهجه بشكل جاد مجد صادق ومبصر لتحقيق التغيير على النحو الذي يرضيه.
قال تعالى: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ]
2013-11-29