«الخلافة الراشدة» البديل الحضاري، بل الأصيل، الذي لا خلاص للمسلمين والبشرية بدونه
2018/05/22م
المقالات
12,268 زيارة
«الخلافة الراشدة» البديل الحضاري، بل الأصيل، الذي لا خلاص للمسلمين والبشرية بدونه
م. باهر صالح
(عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين)
صحيح أن الحق قائم بذاته، وهو مستغنٍ عن غيره في بيان صحته وصوابه؛ ولكن مقارنته بالباطل أدعى للبيان وأقرب إلى التصور والإدراك. فكون الإسلام هو الحضارة الحقة التي من شأنها أن تُسعد البشرية وتأخذ بيدها إلى دروب النور والهدى والرشاد، أمرًا يمكن القطع به بمجرد القطع بأنّه الدين الحق الذي أتى من عند الله الحق، وهو الذي ارتضاه الله لعباده ليكون لهم شرعة ومنهاجًا. ولكن بالنظر إلى الأقران والأبدال يكون البيان أجلى والصورة أوضح، فمن يشاهد مدى الإفلاس الحضاري الذي يصيب العالم وحجم تهاوي الحضارة الرأسمالية وفسادها، يصل إلى الإحساس الفكري بحاجة البشرية إلى حضارة بديلة تأخذ بيدها وتنقذها مما هي فيه.
فالعالم في ظل هيمنة الحضارة الرأسمالية بات يكتوي ويتلوى من ألم الضيق والظلم والفساد، وهو في حق المسلمين أشد وأشد، فالحضارة الرأسمالية قد أفسدت على الناس عيشهم في شتى مناحي الحياة وضروبها، فعلى صعيد الحق والباطل والعدل والظلم، فالحضارة الرأسمالية قد سحقت الضعفاء وداست عليهم من أجل طغمة من المتنفذين والرأسماليين؛ إذ داخليًا، جعلت من القوانين والأنظمة درعًا يحتمي بها المتنفذون من المساءلة والعقاب، وأداة بيدهم لتمرير ما يشاؤون من أجل زيادة بسطتهم وسلطانهم وطغيانهم، واجتمع عند هؤلاء النفوذ والمال، فازدادوا قوة على قوتهم، فتعاملوا مع المجتمع وكأنه مزرعتهم الخاصة، فتاجروا بالجنس والرقيق والمخدرات والسلاح، فأدخلوا الفحش والجريمة في كل بيت وفي كل ناد، غير مكترثين بما آلت إليه المجتمعات وما صار إليه الناس. وخارجيًا احتلوا البلاد والشعوب من أجل مص دمائهم وتسخير مقدراتهم لأجل تلك الطغمة المتنفذة تحت حجج كاذبة ومبررات واهية.
أما على صعيد الأمن والأمان، فقد بات الأمن في ظل الحضارة الرأسمالية عملة نادرة، الطلب عليها مرتفع، وثمنها غال لا يقدر عليه إلا المتنفذون وأشياعهم، فجرائم القتل والسرقة والاغتصاب والسطو المسلح باتت حدث كل ساعة، بل كل لحظة… ويا ليت الأمر قد توقف عند ذلك الحد، بل زاد المتنفذون على ذلك بأن صاروا يخوفون الناس ويتاجرون بأمنهم وأمانهم، وصارت شركات الأمن «القتل» من مثل شركة بلاك ووتر شركات عالمية تنشر الدمار وتسفك الدماء أينما حلت، وتُستأجر من أجل ذلك لتحقيق مآرب سياسية قذرة.
أما على صعيد الغنى والفقر، فأبرز ما في الحضارة الرأسمالية أنها حضارة الرأسماليين والأغنياء التي تمتاز بتركيز المال بين أيدي حفنة من الناس على حساب الأغلبية الساحقة التي تزداد فقرًا وضيقًا؛ إذ في ظل الحضارة الرأسمالية باتت ثروات العالم بأيدي القلة القليلة وازداد الفقراء فقرًا. فقد جاء في تقرير لمنظمة أوكسفام الدولية نشر في 28 كانون الثاني/يناير 2018م، أن نحو 8 دولارات من كل 10 دولارات تم كسبها في عام 2017م ذهبت إلى 1 في المائة من البشر، وهم الأغنى في العالم، وأشار التقرير إلى أن خمسين في المائة من الطبقة الدنيا من سكان العالم لم يحصلوا على أي زيادة في الثروة. وقالت أوكسفام إن هذا الاتجاه يدل على أن الاقتصاد العالمي يميل لصالح الطبقة الغنية التي تكافأ بالثروات الطائلة بحسب موقع (سي إن إن).
ومن جانبها، قالت الرئيسة التنفيذية لمنظمة أوكسفام الدولية (ويني بيانيما): «إن زيادة عدد أصحاب المليارات ليس علامة على اقتصاد مزدهر، بل علامة من علامات النظام الاقتصادي الفاشل». وقالت (بيانيما): «إن العمال الذين يصنعون ملابسنا وهواتفنا ويحصدون مزارعنا يتم استغلالهم من أجل إثراء الشركات الكبرى وأصحاب الأموال. ويعيش معظم الناس في بلدان تقل فيها المساواة في الدخل بين الأغنياء والفقراء، فالأغنياء يزدادون ثراء، بينما حال الفقراء لا يتغير».
وأما على الصعيد الأخلاقي وسلم القيم، فالحديث عما أحدثته الحضارة الرأسمالية في الأخلاق والقيم يطول ويصعب اختصاره، فقد جعلت الرأسمالية من المجتمعات غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وأدخلت الفحش والرذيلة إلى كل بيت، وانتشر العري والسفاح والزنا، وباتت قصص الرذيلة لا تلفت الأنظار إلا إن كانت بأعداد مهولة وغير متصورة، كحال ساعي البريد المتقاعد في ولاية تينيسي الأميركية الذي بلغ من العمر 87 عامًا، والذي أثبت تحليل الحمض النووي أنه قد أنجب أكثر من 1300 طفل بالزنا من نساء الولاية التي كان يعمل فيها، وقال ساعي البريد المتقاعد: «لست خجولًا مما فعلت موضحًا أن موانع الحمل لم تكن منتشرة بشكل واسع خلال ستينات القرن الماضي؛ لذا فإن كل ذلك قد حدث»! وبات الكذب والغش والخداع من سجايا المجتمعات الرأسمالية حتى اشتهرت مقولة «القانون لا يحمي المغفلين» وكأنها حق ومسلّمة لا شية فيها.
فحاجة البشرية إلى حضارة راقية بديلة هي كحاجة الحياة إلى الماء أو أشد، وهي عند المسلمين أشد وأشد، فالمسلمون فضلًا عن الضيق الذي أصابهم بسبب الرأسمالية الفاسدة المطبقة عليهم، فقد كان نصيبهم من الشر أكبر، إذ فرض الغرب علينا حضارته فرضًا، وأرسى أعمدةً له وأوتادًا، واصطنع لاستعماره سواتر ودروعًا تقيه من غضبة الأمة وتحركها، فنصب حكامًا عملاء له يسومون الناس سوء العذاب، واتخذ لفكره إعلامًا ومفكرين وأبواقًا ينافحون عن حضارته ويروجون لثقافته في بلاد المسلمين، وأغدقوا الأموال على المضبوعين والعملاء والأتباع حتى وإن كانوا شيوخًا وعلماء كعلماء السلاطين وأجراء الأقلام، وضيَّقوا الخناق على المخلصين والأحرار، أفرادًا وأحزابًا، وفرَّقوا المسلمين إلى دويلات وأشياع ومذاهب لتحول دون وحدتهم واستعادة عزهم. ولأن الغرب يعلم أن أحاسيس الوحدة ستبقى تراود المسلمين وتدفعهم إلى التحرك لما فيها من قوة وعزة، فقد عمد إلى إلهاء المسلمين بأشكال وحدة فاسدة تغنيهم أو تصرفهم عن الوحدة الحقيقية التي تجمع قوتهم وتلم شعثهم وتضاعف قوتهم، تارة على شكل وحدة عربية، وأخرى على شكل وحدة قومية، وثالثة على شكل وحدة جامعية وروابط وهمية شكلية، ورابعة على شكل تعصب طائفي أو مذهبي… إلخ، وكل ذلك لتُصرف الأذهان بعيدًا عن شكل الوحدة الحقيقية التي تحتاج إليها الأمة وتحنّ لها، ألا وهي وحدة إسلامية في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
فالخلافة الراشدة هي السبيل العملي والشرعي الوحيد لوحدة الأمة وجمع شملها، فمن ناحية عملية لا شيء يجمع الأمة، بعربها وعجمها، وأبيضها وأسودها، وبعيدها وقريبها… غير الإسلام الذي اتخذته لنفسها ورضيت به وسلمت من خلاله لله تسليمًا. فالإسلام هو الدين الذي دان به كل مسلم ورضيه لنفسه مختارًا غير مجبر، مفتخرًا به غير نادم عليه، وهو الدين نفسه الذي يرضى به أن يكون عنوانه وسمته وصفته التي يميز بها ويحاكم على أساسه، فما اختار أحد لونه ولا لغته ولا قومه ولا شيعته ولا وطنه، ولكن كل المسلمين اختاروا الإسلام ورضوا به دينًا وسلموا به تسليم المحب المنيب، فهو والله أحق ما يدعى به المسلم ويحاكم على أساسه، وهو ما لا يكون ولا يتصور حدوثه بدون دولة خلافة راشدة تجمع المسلمين.
أما من ناحية شرعية، فقد أوجب الله على الأمة الوحدة وحرم عليها الفرقة والنزاع، وفرض عليها أن تكون تحت ظل خلافة واحدة، وهو نظام الحكم السياسي الوحيد المقبول شرعًا للأمة الإسلامية، وذلك لما روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومَنْ بايع إمامًا، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر». ولما روى مسلم عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أتاكم وأمرُكُم جميعٌ على رجل واحد، يريد أن يشقّ عصاكم، أو يُفرّق جماعتكم، فاقتلوه». ولما روى مسلم عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». ولما روى مسلم أن أبا حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم».
فالخلافة هي شكل الوحدة الشرعي، وهي النظام السياسي الذي أراده الله للأمة، وبه تعود الأمة رائدة العالم ودولته الأولى، وتكفُّ يد المستعمرين والمحتلين لبلادها، فما تغطرست علينا أميركا ويهود وروسيا ومن قبلهم بريطانيا وفرنسا؛ إلا بعد أن هدموا دولة الخلافة العثمانية في الثامن والعشرين من رجب لعام 1342ه، فالغرب قد أذاق الأمة الويلات بعد أن هُدمت خلافتهم؛ احتل بلادهم، وفرق جماعتهم، وسرق أموالهم، وهتك أعراضهم، ودنس مقدساتهم، ونصَّب على الأمة حكامًا مجرمين ساموا الناس سوء العذاب، وحكموهم بالحديد والنار وسطوة المال، وما تزال الأمة في ضنك وفقر وهوان حتى يكتب الله لها أن تستعيد عزتها في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، فهذه فلسطين ومسجدها المبارك يدنسها يهود ويعيثون فيها الفساد والإجرام، وتلك الشام والعراق واليمن وليبيا وتونس ومصر… تئن من القتل والظلم والجور، وباقي بلاد المسلمين في آسيا الوسطى وبورما وبنغلادش وأفغانستان والصين وروسيا وكشمير… تصرخ مما يصيبها في دينها ومالها وولدها…
الخلافة هي السبيل الوحيد لاستعادة الأمة إرادتها وقرارها السياسي، وما من سبيل لرفع وصاية الغرب علينا أو عمالة الحكام له إلا بإقامة الخلافة الراشدة التي تكون فيها السيادة للشرع وحده، ويحكمها خليفة يخرج من رحم الأمة وحضنها، وتختاره الأمة بمحض إرادتها وبكامل حريتها؛ لتنطلق بعدها الأمة مكبِّرة مهلِّلة تحرِّر المستضعفين، وتفتح البلاد، وتنشر الإسلام في ربوع العالم؛ لتنقذ الناس من ظلم الرأسمالية وجورها وظلام الأديان وبطلانها إلى عدل الإسلام ورحمة الله، فتحقق الأمة مراد الله سبحانه وتعالى القائل: ]وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ[، فالأمة الإسلامية لا سبيل لتعود صاحبة رسالة تحملها إلى الناس كافة إلا في ظل الخلافة الراشدة التي تجمع أسباب القوة وتسخرها لنشر دين الله كما فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وإن أسباب القوة كامنة وظاهرة في الأمة وبلادها، وما تحتاج إلا إلى تسخير وإعادة نظم من قادة مخلصين، فالأمة الإسلامية أمة عظيمة بإمكاناتها البشرية الهائلة والعقول المبدعة التي تزخر بها، فالمسلمون يبلغون ربع سكان العالم تقريبًا، وهم بدينهم وإيمانهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم يمكن جمعهم على قلب رجل واحد، وهو ما لا يمكن لغيرنا، ومقدرات الأمة الاقتصادية محط أنظار أميركا والمستعمرين، بل وأسالت لعابهم وأطلقت جشعهم من كثرتها، فبلاد المسلمين فيها النفط والغاز والمعادن والثروات الطبيعية والثروات السمكية والمياه الدافئة والطاقة الشمسية، فمنطقة الخليج العربي تحتوي على أكبر احتياطي للنفط المعروف في الكرة الأرضية، وهي خزان النفط الأول في الأرض، كما أن الكشوف الحديثة أثبتت أن الخزان الثاني في الأهمية على مستوى العالم هو في منطقة جمهوريات وسط آسيا (الإسلامية)، والمنطقة الممتدة من بحر قزوين إلى القفقاس. بالإضافة إلى أن ثروات نفطية وغازية مهمة أخرى تتركز في بلاد العراق والشام، وهنالك بحيرة نفطية أخرى في جنوب السودان والقرن الأفريقي، وثالثة ممتدة من مصر إلى الجزائر… وإذا ما أضفنا إليها أن العالم الإسلامي الممتد من أفغانستان وباكستان والفلبين شرقًا إلى شواطئ المحيط الأطلسي وسواحل المغرب وموريتانيا والسنغال غربًا، ومن أواسط آسيا والقفقاس والبلقان وشمال أفريقيا شمالًا وإلى جنوب آسيا وجزر إندونيسيا وأواسط أفريقيا السوداء جنوبًا، إذا علمنا أن هذا العالم الإسلامي يمتلك من الثروات المعدنية المختلفة مخزونًا هائلًا استراتيجيًا؛ بحيث إن عددًا من دوله تعتبر من الدول الأولى المصدرة لمعادن صناعية مهمة، وإذا أضفنا إلى ذلك الثروات الحيوانية والزراعية التي تتوفر عليها هذه المناطق، بالإضافة لما توفره مصادر المواصلات البرية والبحرية والجوية وحقوق (الترانزيت) لهذه المنطقة التي تحتوي على أهم أربعة مضائق ومعابر مائية عالمية من أصل خمسة هي مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، ومضيق جبل طارق، وتشكل أجواؤها عقدة مواصلات بين الجهات الجغرافية الأربع في العالم، يتضح من ذلك كله حجم الثروات التي تمتاز بها الأمة الإسلامية عن غيرها. ويكفي على سبيل المثال أن نعلم أن 65% من استهلاك أوروبا للغاز الطبيعي يأتي من الجزائر مرورًا بالمغرب. وأن نعلم أن جزيرة العرب تحوي 75% من احتياطي النفط المعروف في الأرض، وأنها تنتج نحو 16 مليون برميل نفط يوميا!! وأن أحد حقول النفط في جنوب العراق قادر على إنتاج 5 مليون برميل نفط يوميًا، هذا عدا عما ينتج من الغاز فيها.
وأما من ناحية عسكرية، فبلاد المسلمين فيها الملايين من الجيوش الفعليين والاحتياط، وعندها القدرات النووية والكيماوية والصاروخية وسلاح الجو والبحر والبر، وجنودها شجعان لا يقوى الاستعمار على مواجهتهم، بل ويخشاهم وهم في ثكناتهم رابضين.
كل هذا يجعل ولادة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ولادة قوية من الساعات الأولى، لأنها ستجمع أسباب القوة وتحزم أمرها، ولن يعييها الرجال ولا المال ولا الموقع، بل كل ذلك سيكون بيدها عناصر قوة وبطش لمن تسول له نفسه أن يمكر بالدولة أو ينال منها، ونحن إذ نتحدث هنا عن الخلافة الجامعة، ولا نتحدث عن دولة قطرية ضيقة، بل نتحدث عن دولة إسلامية تجمع المسلمين كلهم، وتوحد بلادهم التي تمزقت لحوالى ستين دويلة لتجعل منها دولة واحدة عزيزة قوية، فيعود خليفتها ليخاطب السحاب أن يمطر حيث شاء، فخراجه عائد لبيت مال المسلمين كما خاطبه سلفه الصالح.
وهذا أمر بات أقرب من ذي قبل، وميسورًا في ظل ما وصلت إليه الأمة من وعي لم يسبق لها أن وصلته منذ هدم الخلافة، وإرادة صلبة تشكلت عبر السنوات الأخيرة في معركة الأمة مع الباطل في الشام والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن ومصر وآسيا الوسطى، فقد أصبحت الأمة تدرك اليوم أكثر من ذي قبل بكثير أن سر قوتها وسر عداء الغرب لها هو الإسلام الذي يخشى الغرب عودته إلى سدة الحكم، وأصبحت عزيمة المسلمين وإرادتهم أصلب من ذي قبل لما عانته من جراء سكوتها على الظلم والاستعمار طوال العقود الماضية، ولما شهدته من إمكانية تحقيق مراد الأمة إذا ما عزمت أمرها واستعذبت التضحية في سبيل الإسلام. وجوهر الأمر ولبّه هو الوعي السياسي والفكري، فوعي الأمة على فساد الأبدال وظلم الأنظمة والحكام، وصلاحية الإسلام وخيريته وأحقيته في أن يحكم الناس به، هو الطاقة التي امتزجت بنفوسها، وتتفلت على شكل مظاهر تتشكل بين الفينة والأخرى في تحركات وأوضاع، وإن كانت ليست في الصميم؛ ولكنها تعبر عما في الصميم، وتساهم في أن يميز الله الخبيث من الطيب.
وبلاد المسلمين اليوم مهيَّأة لاحتضان الإسلام ودولة الخلافة القادمة إلى درجة كبيرة وكافية، فانعدام الاستقرار والتململ قد أصاب كل بلدان العالم الإسلامي، والحراك قد انطلق في كثير منها، وهو وإن كان يتم احتواؤه وتضليله حينًا من قبل أعوان الغرب وأدواته؛ ولكن حاله كحال من يغطي النار بالرماد، والماء بالتبن. والسبب أنّ خلع الحكام العملاء والحاجة للتغيير وإقامة حكم الإسلام في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة قد أصبح قناعات لدى الأمة، قد يحول دون ظهورها عند البعض الخوف؛ ولكنه لا يلغيها أو يمحوها. والأمة وفي ظل وجود المخلصين فيها كـ حزب التحرير الذي يأخذ بيدها نحو التغيير، ويقودها إلى الأخذ بحلاقيم الحكام المجرمين لإنهاء حقبة الاستعمار والهوان، قد باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق غايتها وأمنيتها، كيف لا، والحزب في ذلك يستنصر الله، ويلجأ إليه في الأمر كله، قال تعالى: ] وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا ٣[.
2018-05-22