القمّة غير العادية في الدار البيضاء
1989/06/10م
المقالات, كلمات الأعداد
2,425 زيارة
انعقدت في الدّار البيضاء في المغرب قمة للرؤساء العرب من 23 إلى 26 أيار 1989.
الغرض من هذه القمّة الطارئة موضوع واحد: موضوع تتميم الاعتراف بإسرائيل. وعلى هامش هذا الموضوع بحثوا في مشكلة لبنان ومشكلة إيران والعراق.
شاء بعضهم إن يسميها قمة فلسطين أو قمّة عودة مصر أو قمة مبادرة السلام الفلسطينية.
وهذه كلها أسماء لمسمى واحد هو توصيل الاعتراف بدولة اليهود إلى مراحله الأخيرة.
هل ما يجري معقول؟ بعض المسؤولين العرب قالوا: عادت مصر إلى العرب، فرد عليهم إسحاق رابين مستهزئا: بل عاد العرب إلى مصر.
مؤتمر القمة العربي في بغداد سنة 78 قرر طرد مصر من الجامعة العربية لأنها اعترفت بالدولة اليهودية المغتصبة المعتدية. والآن ندم الحكام العرب أنفسهم وعادوا إلى مصر معتذرين. فقد صرح أمين الجامعة العربية ألقليبي في 1089/9/ لإذاعة فرانس انتر بقوله 🙁 غياب مصر كان فضيحة. لقد شكل بالتأكيد غلطة سياسية). عاد العرب إلى مصر وعلم إسرائيل يرفرف فوق القاهرة. هل بقي حاكم عربيّ واحد يرفض الجلوس مع من يعترف بالدولة المغتصبة المعتدية؟!
قادة منظمة التحرير ساروا في الطريق الذي سار فيه أنور السادات من قبل. وكم وصموه بالخيانة وصبوا على رأسه من لعنات. لقد حاول عرفات أن يقوم بزيارة إلى القدس كما فعل معلمه السادات. وقد حصل على الموافقة العربية. ولكن إسرائيل رفضت استقباله وخشيت إسرائيل أن يفاجئها في القدس لأنها تعلم انه لا يحترم نفسه. فهدد شامير بأنه سيودعه السجن إن هو جاء.
قادة منظمة التحرير ومجلسا المسمى بالوطني اعترفوا بدولة إسرائيل. وحاولوا مخادعة الجماهير فأعلنوا قيام دولة فلسطين. أين أقمتموها على الورق؟! أم في الإذاعات، أم في أوهامكم؟
وقد ساعدهم في التدجيل هذا السيل الكبير من الدول التي اعترفت بدولة فلسطين. وحولت مكتب المنظمة إلى سفارة. وصار عرفات رئيس دولة بدل رئيس منظمة.
في 19 88/12/ قال عرفات في النمسا (إن قيام دولة فلسطين سيكون في اقل من خمس سنوات).ثم صرح في 11 89/5/ أنّه (يمهل نفسه سنتين لإقامة دولة فلسطين). لماذا شطب عرفات ثلاث سنوات في أقلّ من خمسة أشهر؟ انه التدجيل من اجل أن يكون تفويضه شاملا.
حين زار عرفات باريس بدعوة ميتران في أول أيار 89 أعلن إلغاء الميثاق الفلسطيني. ومن جملة ما قاله هناك: (يجب أن يكون مفهوما أنني انتخبت – أي رئيسا لدولة فلسطين – بناء على برنامج سياسيّ يقوم على أساس دولتين: أما الميثاق فأصبح في حكم الملغي).
الميثاق الذي أعلن عرفات إلغاءه لأنه عفي عليه الزمن تم إقراره في دورة المجلس الفلسطيني الرابعة في القاهرة في 68/8/17 أي انه مازال فتيّا.
وتنصّ المادة الثانية من هذا الميثاق الملغى على إن فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة إقليمية لا تتجزّأ والآن هو يقول: على أساس دولتين. أي قرار الأمم المتحدة رقم 181.
وتنص المادة التاسعة على أن الكفاح المسلح ،هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. وهو بذلك إستراتيجية وليس تكتيكا. والآن هو يقول (إن إسرائيل ستدرك عاجلا أم آجلا إن السلام هو أهم من أي شيء آخر بالنسبة لها).
والآن تجري المباحثات في شان الانتخابات في الضفة والقطاع. وقد نصحت أمريكا قادة المنظمة أن لا
يرفضوا الانتخابات وطلبت من حكام العرب أن يفوضوا المنظمة ويشجعوها على السير في هجومها السلمي . كي يتم لأميركا إحكام الاعتراف بإسرائيل.
وجاء في مؤتمر القمّة الذي سمّوه غير عادي ليقرر عودة العرب الى مصر وليطلق يد عرفات ويفوضه تفويضا كاملا كي يكمل الشوط السلمي مع إسرائيل الى آخره. وقد فعل مؤتمر القمّة ذلك بسرعة وهدوء.
فعله بسرعة لان الأمر كان مطبوخا ومتفقا عليه. وتمت الدعوة الى مؤتمر القمة من اجل إقراره والتوقيع عليه.
وفعله بهدوء لان الأمر فيه خيانة وتفريط، وفيه نقض لعهود وإلغاء لمواثيق، وفيه احتقار لعقول الناس، وفيه هدر للكرامات، مرورا على ذلك بهدوء، وستروا عيوب بعضهم لأنهم اتفقوا على الخيانة والضلال.
ليتهم اختلفوا لان اختلاف العملاء رحمة للأمة، يفضح بعضهم بعضا فيخجلوا. ولكن الذّين يخجلون ماتوا. الله سبحانه يقول (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وهؤلاء فعلوا العكس تماما.
وكي يشغلوا الناس عن جريمتهم فإنهم فتحوا ملفّ لبنان لا ليبحثوا موضوع لبنان، ولكن ليجعلوا منه قنابل دخان تخفي خيانتهم وتستر عورتهم.
وربّ سائل يسأل: من الذي دعا لهذا المؤتمر؟ ولماذا جعل غير عادي؟ وماذا يريدون منه بالضبط؟
أما الذي دعا فهو الملك الحسن وياسر عرفات. وأما صاحب الخطة فأمريكا (وبقيّة الدول من انجلترا وفرنسا وروسيا فيه موافقة).
وأما ما جعله غير عادي فلان أميركا مستعجلة من جهة وتريد إعطاء الموضوع أهمية من جهة أخرى.
أما ماذا تريد أميركا (ومعها الدول الكبرى الأخرى) فهو تتميم الاعتراف بإسرائيل كيف؟
أميركا وافقت على خطة شامير (أو على خطوطها العريضة) المتعلقة بانتخابات الضفة والقطاع. وتريد أميركا من منظمة التحرير أن توافق عليها وتوعز لجماعتها من أهل الضفة الغربية وقطاع غزة بالموافقة. فإذا حصل ذلك يكون قد صار للضفة والقطاع ممثلون منتخبون بطريقة ديمقراطية وبموافقة المنظمة وموافقة الدول العربية وموافقة الأمم المتحدة وإسرائيل. وبذلك تصبح شؤون الضفة والقطاع غير تابعة لمنظمة التحرير وغير تابعة للملك حسين أو غيره من حكام العرب بل تصبح محصورة في هؤلاء الممثلين المنتخبين وبذلك تكون أميركا قد فصلت بشكل نهائي مسالة الضفة والقطاع عن المنظمة وعن العرب وربطتها بهؤلاء الممثلين المنتخبين من أهلها. وهؤلاء مربوطون بدورهم بدولة إسرائيل التي لن تعطيهم أكثر من حكم ذاتي مهما طال الزمان.
عرفات وقادة المنظمة الآخرون هل يعرفون ذلك؟ حكام العرب هل يعرفون ذلك؟ المفروض أنهم يعرفون وسواء عرفوا أم جهلوا فالأمر واضح: أميركا لا تريد إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع. إنها لا تريد أكثر من حكم ذاتي مرتبط بإسرائيل كما جاء في اتفاقات كمب ديفيد. إسرائيل لن تتراجع شبرا واحدا غربيّ نهر الأردن عن طريق المفاوضات. إسرائيل لن تتراجع دون حرب. وأميركا تخدع عرفات وقادة المنظمة والدول العربية حين تظهر ليونة في شان قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية.
إن خطة أميركا في شان الفلسطينيين هي: جعل الأردن يستوعب من فيه (وهذا حاصل) وجعل سوريا تستوعب من فيها (وهذا ليس حاصلا حتى الآن ولكنه على وشك الحصول) وجعل إسرائيل تستوعب أهل الضفة والقطاع دون أن تحاول طردهم الى لبنان والأردن. إسرائيل كانت تحاول طرد نصف مليون من الضفة الى الأردن ولبنان. ولكن ضغط أميركا من ناحية وضغط الانتفاضة من ناحية أخرى منعها من ترحيلهم وتريد أميركا من إسرائيل أن تستوعبهم في حكم ذاتي.
وإذا كان لابد للفلسطينيين من إقامة دولة فأميركا لاترى مكانا لها إلا شرق الأردن. أي مكان الملك حسين. وإسرائيل تسكت عن ذلك. لان في ذلك حلا لمشكلة عندها. والملك حسين يحسب لذلك ألف حساب.
المهم أن يفهم أهل فلسطين، أن دولة فلسطين التي أعلنها عرفات وأعلنها المجلس الفلسطيني، لا تزيد عن إعلان في الهواء. عرفات ترك الكفاح المسلح من اجلها ويريد إقامتها عن طريق التنازلات المتتابعة.
ناموا على حرير يا أبناء فلسطين، وغدا بعد سنتين سيوقظكم عرفات لتجدوا دولة قائمة في فلسطين أقامها لكم عرفات وزملاؤه النجباء عن طريق المفاوضات وعن طريق الهجوم السلمي وعن طريق الوعود الأميركية وعن طريق مؤتمرات القمّة.
1989-06-10