لَقَدْ أَمرَ أَمْرُ دعاة الخلافة أمْراً عظيماً
2013/08/29م
المقالات
3,470 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
لَقَدْ أَمرَ أَمْرُ دعاة الخلافة أمْراً عظيماً
عبد الرحمن المقدسي (تراب) – بيت المقدس
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الطَّوْلِ والآلاء، مميت الأحياء ومحيي الأموات، ومبيد الأشياء ومعيد البريّات، ومنزل القرآن ومجزل العطيات، مجري الفُلك، ومالك المُلك، مقدر الآجال والأفعال والأقوات، ومحصي عدد الرمل والقطر والنبات. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الرُّسُلِ والأنبياء، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأتقياء… ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مدّخرة لوقت الممات. ونشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء وأفضل المخلوقات. وبعد:
الحمد لله القائل في كتابه الحكيم: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7 ).
عندما رأفتْ أمُّ المؤمنيَنَ خديجةُ بنتُ خوْيلدَ رَضِيَ الله عَنْهَا لحالِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وهيَ تراهُ يحملُ الرسالةَ الجديدةَ لقومهِ ويتعبُ ويكد ويلقى ما يلقى في حملِها؛ قالتْ لهُ: اِرتحْ يابنَ عمِّ. فأجابها صلى الله عليه وسلم: لا راحةَ بعدَ اليومَ يا خديجة.
فالأمرُ في نظرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعظمُ مِن أن يحسبَ فيه للراحةِ حساباً. فثقلُ همِّ الدعوةِ كثقلِ حملِها، نقيضانِ للراحةِ، إذا أدركَ حاملُ الدعوة مسؤولياتِه في الدعوةِ، واستشعرَ عظمَ العملِ الذي هوَ بصددِه.
والثبات على حمل الدعوة أيها الأخوة، أن يستمر حامل الدعوة في حملها دونما كلل أو ملل، وأن يصبر على شدائدها، مهما اختلفت هذه الشدائد وتنوعت، فقد تكون نفوراً من النّاس، وقد تكون ملاحقة من السلطة، وقد تكون محاربة وتضييقاً في الرزق، وضنك في العيش، وقد تتعدى ذلك كله فتكون القتل في سبيل هذه الدعوة.
ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة لنا، به نتأسى وبهداه نسترشد، ولم يزل صحابته هم المثال الصادق لحملة الإسلام، نسرّي عن أنفسنا بسيرتهم العطرة، ونستصغر ما نقدمه تجاه ما قدموه، وما هذه الكلمة إلا وقفة يسيرة مع السيرة الطيبة للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم في مكة المكرمة، مهد الرسالة، وموضع التفاعل، وموطن اختبار الثبات على الدعوة وتحمل شدائدها، لنرى ونستهدي بسيرتهم وهم يعملون لإقامة دولة الإسلام التي كرّمنا الله بالعمل لها، ونذرنا أنفسنا لتحقيقها. فقد قام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعداد كتلةٍ سياسيةٍ كان أفرادها رضي الله تعالى عنهم قرآناً يسير على الأرض، صَقَلَت شخصياتِهم بالإسلام، فكانت عقلياتُهم عقلياتٍ إسلامية تفكر وتخطط وتقيس الأمور بمقياس الإسلام، وكانت نفسياتُهم نفسياتٍ إسلامية تُحب لله وتُبغض لله، وترضى برضى الله وتغضب لما يغضب الله، فكانوا خيرَ أمّةٍ أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر ويؤمنون بالله. وعلى أكتافهم قامت دولة الإسلام الأولى، وقد تعاهدها هؤلاء الكرام، بعد النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن تبعهم ،رضي الله عنهم، يسوسون الناس بالقرآن والسنة، ومقياس أعمالهم الحلال والحرام، وغاية غاياتهم رضوان الله عز وجلّ، وطريقة حملِهمُ الإسلامَ للناس هي الدعوة والجهاد، حتى استمرت هذه الدولة ما يقارب أربعة عشر قرناً من الزمان، إلى أن تآمر عليها الكفار وقاموا بهدمها وإلغاء نظام خلافتها عام 1342هجري. وقاموا بتقسيم بلادها فيما بينهم، لامتصاص خيراتها واستعباد أهلها فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
وبما أنّنا على طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم سائرون بَدءاً بالتثقيف المركّز ومروراً بالتفاعل وانتهاءً باستلام الحكم وتطبيق الإسلام إن شاء الله، كان لزاماً علينا الشرب من النبع الصافي، والماء العذب الذي لا ينضب، النبع الذي شرب من مائه الصحابة الكرام الأطهار البررة، من محمد طبّ القلوب ودوائها صلى الله عليه وسلم.
وسنقف بإذن الله تعالى مع حديث أبي سفيان بن حرب مع هرقل الروم: حيث جاء في صحيح البخاري: «حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ. فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ:كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا. وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ. قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا. قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ: أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: «بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: (( لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَر))، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ». صحيح البخاري.
عبادَ الله، جاء في المعاجم… أَمِرَ أَمرُ: أي ارتفع شأنه وكَثُر واشتَدّ. وكان المشركون ينسبون النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي كبشة ، وهو رجل من خزاعة خالف قريشاً في عبادة الأوثان، وعبد الشعرى العبور، فلما خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في عبادة الأوثان شبَّهوه به .
كلمة قالها أبو سفيان لأصحابه بعد أن رأى عِظم الدعوة الإسلامية وارتفاع شأنها واشتداد عودها، تلك الدعوة التي خاطبت العقول والقلوب، مدوية في جنبات الأرض مشارقها ومغاربها، حتى بات هرقل الروم أعظم ملوك الأرض آنذاك يخافه ويخاف دعوته ويحسب له ألف حساب، حتى وصل به الأمر أن يقول لأبي سفيان إنه لو كان عند محمد عليه الصلاة والسلام لغسل عن قدميه!
ونحن اليوم نقول: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ دعاة الخلافة أمراً عظيماً، حتى بات ملوك الأرض وحكامها وقادتها ومن والاهم يحسبون لهم ألف ألف حساب، كيف لا؟ وها هم المجاهدون في سوريا عقر دار الإسلام يعلنون بكل صراحة جهاراً نهاراً أنهم يعملون لإقامة دولة الخلافة الثانية الراشدة على منهاج النبوة، وقد تعاهدوا فيما بينهم وبين دعاة الخلافة على ميثاق العمل لإقامة دولة الخلافة الإسلامية في سوريا، على أنقاض عرش بشار الهالك قريباً بإذن الله، وقام قادة الكتائب المجاهدة والألوية بالتوقيع على الميثاق معلنين بذلك هدف الثورة السورية رافضين كل طرح غير هذا الطرح، من مثل الدولة المدنية والديمقراطية، بل وتبنى الثوار مشروع الدستور لدولة الخلافة الذي قدّمه دعاة الخلافة.
كل هذا ليدل دلالة واضحة أن دعاة الخلافة قد أمِرَ أمرهم أمراً عظيماً، وعلا شأنهم وذكرهم في شتى وسائل الإعلام مع ما تتعمده تلك الوسائل الإعلامية من طمسه ودفنه أو حرفه عن حقيقة الصراع في سوريا، الصراع بين الإسلام والكفر.
فهذه البلاد العربية والإسلامية عجّ فيها المنادون والعاملون للخلافة وتطبيق الإسلام في سدة الحكم كتونس والباكستان ومصر واليمن وليبيا والأردن وباقي بلاد العالم حتى وصلت المطالبات إلى عقر دار الكفر، فهرع الغرب الكافر إلى إعلان النفير العام تجاه دعاة الخلافة في سوريا وسائر الدول، وما إدراج جبهة النصرة في سوريا على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي إلا دليل على عداء أميركا ودول العالم لمشروع دولة الخلافة الإسلامية. وقد اشتركت الدول الكبرى جميعاً فيما يجري في الشام. وتململت جامعة الدولة العربية وتحركت، وأذنت لأميركا وانبطحت، وألقت ما فيها من حياء وتخلت، والمراقبين إلى الشام أرسلت، وما قَلِقَ نبيلها على أمر عربي قلقه على الشام وثورتها التي تفجرت. ثم بدأت الأمم المتحدة ودوائرها في نيويورك تتمطى، وتعقد اجتماعات تترى، وترسل المبعوثين والمراقبين إلى الشام لإعطاء المهل لطاغيتها لعله يثبت في وجه الإعصار ويبقى. ثم كشفت روسيا عن وجهها القبيح، وأمدت طاغية الشام بالدعم السياسي والعسكري الصريح، وأعطته الصواريخ من طراز (إس 300)، وجمعت روسيا كيدها مع إيران وحزب الله وأتوا صفاً، ولسان حالهم يقول: ( وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ). هذا هو منطق فرعون، وهذه هي لغته، ولكن الله سبحانه وتعالى كان له بالمرصاد، فأبطل سحره وفضحه وأغرقه وجنده، ثم نجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية. وهكذا سيكون سقوط الطاغية وحلفائه وأسياده، مزلزلاً بإذن الله، كما زلزل الله فرعون وقومه، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. ويضاف إلى هذا كله، حشود على جبهة الجولان، واستنفار للجيوش المحيطة بها والمجاورة لها، ورفع للحظر عن تسليح المعارضة بأسلحة غير فتاَّكة، وحراك سياسي محموم في تركيا لانتخاب رئيس للمعارضة، واشتداد لمعارك القصير وحلب وغيرها مع دخول مقاتلي حزب الله علناً في المعمعة، وقرب اشتعال الساحة اللبنانية نتيجة الهزات الارتدادية لخروج مقاتلي حزب الله منه إلى الأراضي السورية، وحمام الدم في العراق، وبوادر التمرد على حكومة المالكي ومقاتلتها بالسلاح، وزيارة جون ماكين مرشح الرئاسة الجمهوري الأميركي إلى الشام ولقاءاته مع مقاتلي المعارضة من الجيش الحر، وتحركات رئيس النظام المصري وغيره من الرؤساء في العالم تشعر بأن حرباً عالمية ثالثة قد اندلعت، وستسفر عن قيام الخلافة بإذن الله، وتغيير معادلة السياسة الدولية بعد أن تتغير إقليمياً في عقر دار الإسلام الشام.
عباد الله، لقد صدق أبو سفيان نفسه وقومه في رده على أسئلة هرقل الروم حين سأله عن طهر وعفاف وصدق وأمانة وأخلاق نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى عن صدق دعوته، فأبت نفسه حياءً الكذب إلا أن يقول صدقاً، ولو كان ذلك خلافاً مع أفكاره ومعتقده… فنَقل الصورة على حقيقتها دون تشويه أو تزييف. بعكس حكام اليوم الذين استمرؤوا الكذب والتزوير، لكن الله لهم بالمرصاد، وما جاؤوا به من السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ، وسينقلب السحر على الساحر، وسيتحقق فينا وعد الله ورسوله، فيما رواه أحمد والبخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها». حديث صحيح. فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله.
أيها الناس، عباد الله: أختم كلامي بمقولة هرقل الروم حين تكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان: « فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ … فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ».
فالبَدارِ البَدارِ أيها المسلمون، والوحا الوحا يا أصحاب الهمم العالية، فإن الغرس قد آن حصاده، وإن الأرض دارت كما كانت في عهد الرسالة حيث الروم والفرس قد خالطهم هرم وشيخوخة، وغرور بالنفس وعنجهية، إلا أن أعداء الأمس كانوا على شرف وأخلاق أكثر من أعداء اليوم الذين لا يعرفون خلقاً أو فضيلة. وإن العنجهية تقتل صاحبها مهما بلغ من قوة، وهذا واقع الكفار في عالم اليوم، فاستبشروا، أيها المسلمون، بظهور الغلبة عليهم، وعودة الخلافة على منهاج النبوة، فتعودوا كما كنتم خير أمة أخرجت للناس، وتعود دولتكم، الدولة الأولى في العالم، تطبق الإسلام بينكم، وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، ناشرةً الحق والعدل في ربوع العالم، فتفتح روما وتُطهر فلسطين من رجس يهود، وعندها يرضى عنا ساكن الأرض وساكن السماء، فالعمل العمل لها من قبل أن يأتي يوم لا ينفع النادمين ندمهم، وعندها لاتَ ساعةَ مَندمِ، ولاتَ حينَ مَناص.
فواللهِ الذي رفع السماء بلا عمد، سنملك موضع قدمي أوباما إن شاء الله زعيم أكبر دولة في العالم اليوم، كما ملكنا موضع قدمي هرقل من قبل، زعيم أكبر دولة في العالم آنذاك، وما ذلك على الله بعزيز.
( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) )
2013-08-29