مشكلة الاحتباس الحراري نتيجة طبيعية للنظام الرأسمالي ونظرة الإسلام لها
2013/08/29م
المقالات
3,839 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلة الاحتباس الحراري
نتيجة طبيعية للنظام الرأسمالي ونظرة الإسلام لها
الأستاذ عبد الناصر موفق
لقد أدى الاستخدام الجشع وغير المدروس من قبل الإنسان للثروات والموارد الطبيعية التي سخرها الله سبحانه وتعالى له في هذه الأرض إلى الإضرار الكبير بالبيئة الطبيعية، والبيئة الطبيعية هي مصطلح يقصد منه جميع الكائنات الحية والأشياء غير الحية التي توجد أو تحدث بشكل طبيعي على الأرض أو جزء منها. فالدول والشركات الغربية أتلفت مباشرة أو بطريق غير مباشر الغابات والأنهار وقضت على كثير من الحيوانات حتى أصبح بعضها مهدداً بالانقراض، الأمر الذي دعا لنشوء ما يسمى بمنظمات حماية الحيوان. وكذلك الحال بالنسبة للبيئة فقد تم إرسال ملايين من أطنان النفايات السامة من الدول الغربية الصناعية إلى ما يسمى بدول العالم الثالث مما نتج عنه تلوث الأراضي والأنهار والبحار في تلك البلدان حيث إن جزءاً كبير من هذه النفايات هو نفايات سامة مثل البطاريات والرصاص الثقيل، وهي ذات تأثير مباشر على الجهاز العصبي للإنسان، وقد أدى ذلك إلى ظهور الكثير من الأمراض الخطيرة، في تلك البلدان.
هذا هو حال البيئة بشكل عام، ولكن في العقود القليلة الماضية حظيت مسألة واحدة تتعلق بالبيئة بالاهتمام الشديد، وهي ظاهرة التغير المناخي الناتجة عن الاحتباس الحراري، حيث إن نتائج هذه الظاهرة تعمُّ العالم بأسره فلا تسلم من آثارها أي دولة أو منطقة، وقد أدى ذلك إلى حصول اهتمام عالمي بهذا الأمر وانعقاد مؤتمرات علمية ومحافل دولية ولقاءات قمة للبحث في أسباب المشكلة وكيفية علاجها ومدى مساهمة دول العالم في التصدي لها، وحرصَ القائمون على مثل هذه اللقاءات على صياغة اتفاقيات دولية تتضمن التزامات بما يرونه حلاً لمشكلة المناخ وتصدياً لأسبابها.
والاحتباس الحراري يطلق على ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي. وحسب المتسببين في هذه المشكلة أن هذا الارتفاع هو نتيجة لانبعاث الغازات التي تسهم في ذلك، ومن بين هذه الغازات غاز CO2 (39%) وبخار الماء (55%) والغازات الدفيئية (6%): الغازات المفلورة (HFC: Hydrofluocarbures, PFC : Perfluocarbures, SF6 : Hexafluorure de soufre) الميثان (CH4) والأزوت (N2O) والأوزون (O3). وتختلف قدرة رفع درجة الحرارة من غاز لآخر، ويقاس تأثير الغاز بتقنية تسمى التأثير الإشعاعي (Forçage Radiatif) حيث هناك من له قدرة التأثير تفوق غاز CO2 بآلاف المرات مثل الغازات المفلورة (24000 مرة). ومنها من له قدرة تأثير لفترات طويلة جداً تصل لعشرات آلاف السنين مقارنة مع غاز CO2، ويستعمل هنا معيار يسمى طاقة التدفئة الإجمالية أيPotentiel de Réchauffement Global (PRG) ، للمقارنة مع غاز CO2 الذي يأخذ رقم واحد كقيمة مرجعية لمدة قرن، وتصل هذه القيمة إلى 25 مرة عند غاز الميثان و22800 مرة عند الغازات المفلورة (SF6).
ومن النتائج التي سوف تحدث نتيجة هذا الارتفاع، ذوبان الجليد الذي سوف يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، الأمر الذي سوف يؤدي إلى غرق الجزر المنخفضة والمدن الساحلية، بالإضافة إلى حدوث موجات من الجفاف وتصحر مساحات كبيرة من الأرض، وانقراض العديد من الكائنات الحية.
ولسنا هنا في صدد مناقشة هذه الظاهرة من ناحية علمية، وإن كانت تحتاج لمثل هذا النقاش حيث تعددت الآراء حولها، ولكننا هنا سوف نفترض صحة هذا المفهوم ونتناول الموضوع من خلال أربعة محاور أساسية:
من المسؤول عن هذه الظاهرة وعن تدهور حالة المناخ بشكل عام؟
الرأسمالية وحلولها المطروحة لهذه الظاهرة ومدى انبثاقها من المبدأ الرأسمالي.
وجهة نظر الإسلام بالتعامل مع المناخ الطبيعي والأحكام التي تتعلق بذلك.
الحل الحقيقي لمشكلة المناخ.
إن مشكلة البيئة بمعناها الشامل تعود في أساسها إلى أسباب فكرية وأزمة أيديولوجية عميقة نتج عنها ممارسات منتظمة أدت إلى حدوث الأزمة البيئية وتفاقمها، ونستطيع أن نقرر أن الثورة الصناعية التي حملت القسط الأكبر من إثم إحداث الخلل البيئي قد انطلقت وتطورت في الغرب، ولا يزال الغرب هو الرائد فيها والعالم في ذلك تبع له. وهي حضارة ذات طابع مادي مصلحي تقضي فلسفتها بإقصاء الخالق سبحانه وتعالى عن شؤون الحياة، وتدعو إلى الحريات ومنها حرية التملك والحرية الشخصية، وتجعل المصلحة مقياس الأعمال، وترى سعادة الإنسان في حصوله على أكبر قدر ممكن من المتع الشخصية. وما يعنينا مباشرة هنا، أنها تعتبر المشكلة الاقتصادية هي الندرة النسبية للسلع والخدمات. وبمثل هذا الأساس الفكري كانت المعالجة المطروحة من قبل الرأسمالية هي زيادة الإنتاج، فقد جعلت مقياس النجاح الاقتصادي في حجم الدخل القومي ومعدل زيادة النمو، دون الالتفات إلى أثر ذلك على البيئة، وقامت الشركات الكبرى باستنزاف الموارد الطبيعة وملء الأسواق بكميات ضخمة من المنتجات. ومن أجل تصريف هذه المنتجات وتحقيق الأرباح قامت بتعزيز مفهوم الاستهلاك في المجتمع، وأصبح استبدال السلع لدى الأفراد بسلع أخرى جديدة دون وجود حاجة فعلية لمثل هذا الاستبدال أمراً مقبولاً بل مطلوباً في واقع المجتمعات، هذا بالإضافة إلى أن وجود مفهوم الندرة النسبية لدى الرأسمالية أدى إلى وجود مفهوم أخر لا يقل خطورة على البيئة عندهم ألا وهو أنه لا بد من المفاضلة دائماً بين التقدم والقضايا البيئية وكأن التقدم يقتضي الاعتداء على البشر والحيوانات والطبيعة المحيطة بنا، حيث إن مفهوم الندرة النسبية يعني أن حاجات البشر لا متناهية بينما الموارد الطبيعة متناهية؛ وعليه إشباع الحاجات اللامتناهية لا يكون إلا على حساب الموارد المتناهية، دون وجود أي اهتمام لتوزيع الثروة على أفراد المجتمع الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أعداد الفقراء حول العالم. فحسب إحصاءات من تقرير الأمم المتحدة يقول: “يعيش على كوكب الأرض 6 مليار من البشر، يبلغ عدد سكان الدول النامية 4.3 مليار، يعيش منهم ما يقارب 3 مليار تحت خط الفقر… وأن أكثر من 80 % من الأرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية». في حين تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل مجموع الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل (41%) من سكان العالم مجتمعين، وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% فقط من هذه الثروة لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي. وبينما يموت 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض، وتقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه 9 من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.
وعلى ما تقدم فالمسؤولية المباشرة هي على النظام الرأسمالي وفلسفته الخاطئة التي جرَّت الويلات على العالم، ولا يجوز بأي حال من الأحوال قبول أن تتحول هذه المسؤولية إلى مسؤولية فردية بأن يقال لا تستعمل ملطف الجو أو لا تستعمل الكهرباء وما شابه ذلك، حيث إن مثل هذا التقنين من قبل الأفراد يقابله بالوقت نفسه بيع لهذا الفائض الذي قنَّنه الأفراد من قبل الشركات. ولتوضيح هذه النقطة لا بد لنا من أن نستعرض الحلول التي أوجدتها الرأسمالية لمشكلة بمثل هذا الحجم، وعندما أقول بمثل هذا الحجم أود أن أقتبس قول رئيس الوفد السوداني لمؤتمر كوبنهاجن رداً على المساعدات المقترحة للدول النامية حيث قال: «إن العشرة مليارات لن تكفي لشراء توابيت لمواطني البلدان النامية» وإلى قول أنطونيو ليمار رئيس وفد الرأس الأخضر لمؤتمر كوبنهاجن: «ما نتفاوض عليه هو بقاؤنا على قيد الحياة. البعض منا يشهد منذ الآن هجرة شعبه من أراضيه»،
فالحل الرأسمالي من اتفاقية كيوتو إلى مؤتمر كوبنهاكن تكوَّن من جزئين:
الجزء الأول: أرسى نظام الحصص المتعلق بـ CO2 والذي يسمي “Cap and trade system» حيث إنه جزء لا يتجزأ من برتوكول كيوتو وكل الاتفاقيات التي تلته، وبحسب هذا النظام فإن الدول المشتركة التي تخبر عن كمية CO2 المنبعثة من صناعاتها تلتزم بتخفيض الكمية المخبر عنها بالنسب المتفق عليها وهي بحدود 20%، وطريقة ذلك أن الشركات الموجودة في تلك الدول تكون لها نسبة محددة من الكمية المعطاة للدولة، وعلى هذه الشركات تخفيض نسبة الانبعاثات على مر الزمن، وبذلك تنخفض الانبعاثات إلى الحد الذي ألزمت به الدولة نفسها. ويحق للشركات التابعة للدول الموقعة أن تستخدم كل الكمية المخصصة لها من الانبعاثات أو تكتفي بكمية أقل من ذلك، ولهذه الشركات الحق في بيع ما يفيض عن الكمية المحددة لها في السوق العالمية لشركات أخرى تود أن تزيد من كمية CO2 المنبعث نتيجة لزيادة صناعتها، مما أدى إلى ظهور CO2 كسلعة تحدد أسعارها حسب قاعدة العرض والطلب. إن آليات نظام “كاب أند تريد سيستم” تهدف إلى تخصيص حقوق ملكية التلويث للشركات الأكثر تلويثاً والبلدان التي تتبع لها هذه الشركات، حيث يقول نيكولاس ستيرن “كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي “ معلقاً على هذا النظام: “إن الركيزة الأساسية لتداول الانبعاثات هي إعطاء حقوق الملكية لأولئك الذين يُلَوِّثُونَ، ومن ثم السماح لهم بالتداول التجاري”، وبناء عليه فقد أصبح CO2 سلعة لها سوقها الخاص المعروف باسم سوق CO2.
أما الجزء الثاني من الحل فيكمن في التنمية النظيفة، حيث إن آلية التنمية النظيفة تسمح للدول الصناعية بزيادة حصصها من CO2 عن طريق شراء اعتمادات تخفيض CO2 من الدول النامية. وبناء على هذا المفهوم للتنمية النظيفة فإن الشركات ليست بحاجة لتخفيف التلوث حتى لو استنفذت حصصها من نسبة التلوث المنصوص عليها، إن هذا النظام يطبق من خلال جعل الشركات الغربية أو البلدان النامية الموقعة تنفذ مشاريع تساعد على مكافحة انبعاث CO2، ووفقاً لبروتوكول كيوتو فإن هذه المشاريع تعطي حصصاً إضافية من اعتمادات إنتاج CO2، حيث تعمد هذه الشركات التي حصلت على هذه الحصص نتيجة لتنفيذها مثل هذه المشاريع إلى بيعها في السوق العالمية، وعليه عوضاً عن تخفيض نسبة الانبعاثات يؤدي ذلك لزيادتها.
هذا باختصار الحل الذي تطرحه الرأسمالية تجاه مشكلة بهذا الحجم، ونستطيع أن نرى كيف يؤدي هذا الحل إلى مزيد من الاحتكار، وإلى مزيد من تكدس الأرباح لدى الشركات الكبرى في العالم، هذا ولا بد لنا أن ننوه إلى أنه منذ بداية هذه الاتفاقيات إلى الآن لم يحصل أي انخفاض في حرارة الأرض أو تقليل لانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري مما يدل دلالة قطعية إلى أن هذه الاتفاقيات إما أنها فاشلة بحد ذاتها أو أن تطبيقها فاشل، وفي كلا الأمرين فإن المسؤولية تقع مباشرة على الدول الرأسمالية وليس على أي أحد سواها.
أما الإسلام فلا يقر مفهوم الندرة النسبية للسلع والخدمات، وإنما يطلب منا الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى قد سخر لنا ما في الأرض جميعاً، وكفل لنا الرزق حيث قال سبحانه وتعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)). وقال سبحانه وتعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)). وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)). وقال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا). ولذا فالإسلام يرى أن المشكلة الاقتصادية هي توزيع الثروة لا الندرة النسبية، فلا يجعل همه منصرفاً إلى زيادة الإنتاج بل إلى مكافحة فقر الأفراد، وإلى سد حاجات الناس لا إلى تكديس الثروات في أيدي قلة فيما يرزح باقي الناس تحت الفقر والعازة.
هذا بالإضافة إلى أن الملكية في الإسلام على ثلاثة أنواع:
الملكية الفردية: وهي حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة، يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه. والحق في ملكية العين ليس ناشئاً عن العين نفسها ولا عن طبيعتها أي عن كونها نافعة أو غير نافعة، وإنما هو ناشئ عن إذن الشارع.
ملكية الدولة: وهي كل مال كان الحق فيه لعامة المسلمين والتدبير فيه للخليفة يخص بعضهم بشيء من ذلك حسب ما يرى، كالخراج والفيء والجزية… وما شابهها.
الملكية العامة: وهي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين. والأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم، ومنع من أن يحوزها الفرد وحده، والملكية العامة تتحقق في ثلاثة أنواع هي:
ماهو من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها، كالماء والمراعي ومصادر الطاقة، قال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» رواه أبو داود.
المعادن التي لا تنقطع: المعادن ملكية عامة وليست ملكية فردية ولا ملكية دولة، وهذا يشمل المعادن الظاهرة كالملح والكحل والياقوت وما شابهها أو المعادن الباطنة التي لا يتوصل إليها إلا بالعمل والمؤونة، كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص وما شاكلها، وسواءٌ أكانت جامدة كالبلور أم سائلة كالنفط والزئبق الأحمر، فإنها كلها معادن تدخل تحت الحديث.
الأشياء التي من طبيعة تكوينها تمنع الفرد من حيازتها وتختلف عن القسم الأول، كالطرق والغابات والأنهار والبحار والبحيرات والخلجان والمضايق ونحوها، ويلحق بها المساجد ومدارس الدولة ومستشفياتها والملاعب والملاجئ والغلاف الجوي والهواء وما شابهها.
وكما هو واضح أن مفهوم البيئة يقع ضمن الملكية العامة، فهي ملك للمسلمين جميعاً بحيث لا يجوز للشركات أو الأفراد أن تتملكه أو أن تسيء إليه، حيث جعل الإسلام الإفساد في الأرض جريمة منكرة، فقال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) ). ومما هو واضح تماماً أن تلويث البيئة هو من باب إهلاك الحرث والنسل، وقد حكم الإسلام بوجوب رفع الضرر حيث كانت القاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار»، والقاعدة «الضرر يزال» وقاعدة «كل فرد من أفراد المباح إذا كان ضاراً أو مؤدياً إلى ضرر حرم ذلك الفرد وظل الأمر مباحاً».
وعليه يمنع الضرر الواقع على الملكية العامة من ناحية. ومن ناحية أخرى فإنه وجب إزالة هذا الضرر للقواعد المذكورة سابقاً. هذا وقد جعل الإسلام آليات لتطبيق هذه المعالجات منها: قاضي الحِسْبَة حيث من واجبه إزالة الضرر المتحصل من الشركات أو الأفراد على الملكية العامة، وكذلك قاضي المظالم يعمل على إزلة الضرر المتحصل من الدولة على الملكية العامة. ومما لا شك فيه أن البيئة تندرج تحت الملكية العامة. وبهذه الآلية يحفظ الإسلام البيئة ويزيل الضرر الذي قد يلحق بها من جراء اعتداء الشركات أو الدولة عليها، ومرة أخرى أركز على إزالة الضرر وليس مخالفة المتسبب بالضرر. فالقاعدة الشرعية الضرر يزال. وعليه إزالته لزوماً، ومن ثم مخالفة أو معاقبة المتسبب إن رأى القاضي ذلك، وليس الحال كالنظام الرأسمالي الذي يستبدل المخالفة المالية بالإزالة، الأمر الذي يؤدي إلى بقاء الضرر على ما هو عليه دون إزالته في أغلب الأحيان.
وعلى ما تقدم يتوضح لنا حرمة الإساءة للبيئة في الإسلام باعتبارها حقاً للمسلمين وجب الحفاظ عليه ووجب إزالة الضرر في حالة حدوثه، ولكن الإسلام لم يكتفِ فقط بتحريم الإساءة للبيئة، وإنما حضَّ على الإحسان لها وأثاب على هذا الإحسان، فقد ورد عن النبي صلى لله عليه وسلم ما نصه: «الإيمان بضع وسبعون شـعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، وقال عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري ما نصه: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له»، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»، وقوله عليه الصلاة والسلام «ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها، قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمى بها».
وكذلك الإسلام قد عالج المفهوم المصاحب لمفهوم الندرة النسبية ألا وهو الاستهلاك. فقد حرم الإسلام الترف واعتبره إثماً. والترف باللغة البطر والغطرسة من التنعم، ومما لا شك فيه أن الاستهلاك بالمفهوم الرأسمالي يصل لهذا المستوى.
وعليه نجد أن الإسلام عالج مشكلة البيئة من محاور عدة:
فقد بين خطأ مفهوم الندرة النسبية وأن المشكلة مشكلة توزيع الثروة وليس إنتاجها…
عالج مشكلة الإساءة للبيئة من ناحية وجوب إزالة الضرر ومنعه باعتباره ملكاً للجماعة…
وعزز مفهوم الإحسان للبيئة…
هذا بالإضافة لمعالجة الفهم المتعلق بالاستهلاك حيث أوجد نمط حياة خاصاً بالمسلمين قائماً على عدم الإسراف ومراقبة الله تعالى في كل كبيرة وصغيرة، والمفاضلة المستمرة بين نعيم الدنيا الزائل ونعيم الآخرة الباقي حيث كان الصحابة رضوان الله عليهم يحاسبون أنفسهم على المباح.
وبذلك نكون قد استعرضنا كل من الرؤية الرأسمالية والإسلامية لمشكلة البيئة بشكل تفصيلي، ولكن كيف يكون الحل؟ حالياً نشهد نسبة تلوث عالية وهي في ازدياد مستمر، وإذا صحت الدراسات البيئية فالعالم بأسره على شفير الهاوية؛ فلا بد من وجود حل سريع وفعَّال لهذه الأزمة. وأقول بكل ثقة إن الرأسمالية غير قادرة على أن تقدم حلاً للبشرية وخاصة أنها بمفهومها الأيديولوجي السبب الرئيس بهذه الأزمة، وأي حل سوف تقدمه سوف ينبثق من عقيدتها الأمر الذي لن يجدي أي نفع، علماً بأنها هي التي تقدم كل الحلول إلى الآن، تلك الحلول التي لم تأتِ إلا بمزيد من الفشل والأسى.
وعليه إذا أردنا أن نزيل المشكلة لا بد لنا من أن نزيل السبب الرئيسي لها ألا وهي الرأسمالية. فبغير هذا الأمر لا يكون هناك أي حل لمشاكل البشرية ومنها مشكلة البيئة، حيث قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ) .
وربما هذه المشكلة مبالغ فيها كثيراً مثل فيروس أنفلوزا الخنازير الذي تبين أنه من اختراع مخابر صنع الأدوية لغرض النصب والاحتيال على أموال الغير، لأن أبرز ما في النظام الرأسمالي هو حرية التملك سواء بالاستعمار بالنسبة للدول أو النصب والاحتيال بالنسبة للشركات.
وأما دعوات مقاطعة البضائع فهي أقرب ما تكون للخيال. فهي مستحيلة التطبيق هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا تؤدي لحل مشكلة المناخ، حيث إن المشكلة ليست بالمصانع ولكن المشكلة في الرأسمالية أيديولوجياً، إن الرأسمالية هي عقيدة كلية ينبثق عنها نظام. وهذا النظام قد أثبت فشله وجر الويلات على العالم من أزمة مناخ إلى أزمات مالية متتالية ولا نعلم ما هي الأزمات القادمة، ناهيك عن الفقر والبؤس الذي يعيش به سكان العالم، ومن المعلوم أن النظام لكي يزال يحتاج إلى نظام بديل يحل محله، وليس هناك من نظام صحيح إلا النظام الإسلامي، سائلين الله عز وجل أن يمنَّ علينا بسرعة تطبيقه، رحمة بالبشر والحيوان والشجر، والله الخالق البارئ المصور هو أرحم الراحمين والقادر على كل شيء.
2013-08-29