التطورات في تشاد
1991/01/08م
المقالات
2,374 زيارة
كانت هزيمة حسين حبري، وانتصار العقيد إدريس ديبي عليه، وتسلمه السلطة في تشاد مكانه في 02/12/90، كانت مظهراً من مظاهر الصراع على النفوذ في أفريقيا بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومهراً لكون الحكم في تشاد يقوم على التوازنات القوية للمكونات العنصرية والقبيلة فيها.
وكانت هذه الهزيمة لحبري ضربة قوية للنفوذ الأميركي في تشاد، وانتصاراً للنفوذ الفرنسي، وللعقيد القذافي، وبالتالي للنفوذ البريطاني.
والرئيس حبري كانت له علاقة بفرنسا، وعلاقة بأميركا. إلا أن علاقته بفرنسا لم تكن دائماً على ما يرام، بالرغم من أن فرنسا ساعدته في صراعه على السلطة ضد غوكوني عويدي، وإن كان ذلك بضغط من أميركا، كما ساعدته ضد ليبيا، لكن علاقته بأميركا كانت أفضل، وقد فتح تشاد أمام النفوذ الأميركي ليدخل ويتوسع، وسهل لهذا النفوذ أن ينظم معارضة ليبية مسلحة ضد القذافي، باستخدام تشاد محطة للتدريب والانطلاق للعمل ضد القذافي وإسقاط حكمه، ومنعه من السيطرة على شريط أوزو الغني باليورانيوم، كما شجع الشركات الأميركية على التنقيب على النفط في بحيرة تشاد.
أما العقيد إدريس ديبي فقد كان من رجال حبري، وحليفاً قوياً له، وكان يشغل منصب القائد العام للقوات التشادية المسلحة حتى شهر نيسان سنة 89 وهو الذي قاد قوات حبري في معارك (فيالارجو) الشهيرة عام 1983 ونجح في إجلاء الجيش الليبي عن البلاد. لكن خلافاً قبلياً قاد إلى اشتراك ديبي مع حليفه حسن جاموس في محاولة انقلابية فاشلة بعد عزله من منصبه في نيسان 89 وهرب بعدها إلى السودان حيث نظم الحركة الوطنية للإنقاذ، وشملت تحالفاً لقبيلتين تعارضان حكومة الرئيس حبري هما الزعاوة والحجارة وتسكنان في المناطق الحدودية التشادية السودانية.
وللعقيد ديبي علاقة قوية بفرنسا، وهو ابن المؤسسة العسكرية الفرنسية، وقد خضع لدورة عسكرية في المدرسة الحربية في باريس عام 1985.
والذي ساعد العقيد إدريس ديبي على الانتصار على حبري في القتال الذي استمر قرابة الشهر بين قوتيهما عدة أمور:
1- كون ديبي بقي مستلماً لرئاسة أركان الجيش التشادي فترة زمنية طويلة حتى عام 89 كسب خلالها شهرة قوية لدى الجيش التشادي، وكان ضابطاً محترفاً يتمتع بكفاءة عالية، حسب تقييم المؤسسة العسكرية الفرنسية له.
2- صداقته القوية مع فرنسا، وتنسيقها الأمر معه، والتزام القوات الفرنسية الموجودة في تشاد جانب الحياد، فلم تقف مع حبري، ولم تساعد قواته ضد جوكوني عويدي، وضد القوات الليبية، وامتنعت عن إمداده بالأسلة التي طلبها منها بعد أن بدأت قوات ديبي بالهجوم.
3- الإمدادات الكبيرة من الأسلحة الذخائر التي قدمتها ليبيا له ولقواته.
4- وقوف السودان على الحياد، فلم تقم بالفصل بين قوات حبري وقوات ديبي عندما بدأ القتال بينهما في إقليم دارفو السوداني غرب السودان لانشغالها بالتمرد في جنوب السودان، ولتفاديها تحدي القذافي الذي يعمل لإزاحة حبري عن الحكم في نجامينا، والقذافي هو الوحيد الذي يمد السودان بالدعم المالي والاقتصادي بعد أن وقف الدعم العراقي.
5- دخول فرنسا وليبيا أطرافاً مباشرة في النزاع ولكن باتفاق هذه المرة ضد حبري وضد النفوذ الأميركي على عكس ما في السابق.
6- وأخيراً على صعيد الميدان العسكري، إذ حصلت قوات ديبي على معلومات عسكرية دقيقة من بعض ضباط القوات المسلحة التشادية المناوئين لسياسة الرئيس حبري، فنصبت قوات ديبي بناء على هذه المعلومات مكمناً محكماً لقوات حبري، أدى إلى حصول معركة عنيفة ذهب ضحيتها أعداد كبيرة من جيش حبري، وفيهم أفراد من كبار الضباط المسؤولين، وأسفرت عن هزيمة منكرة لقوات حبري كسر فيها عمودها الفقري.
وبذلك يكون انتصار ديبي وهزيمة حبري ضربة للنفوذ الأميركي المتنامي.
كما أن انتصار ديبي قدم للقذافي خدمة جليلة في مواجهة ما يعتبره مخططاً أميركياً لزعزعة حكمه، كما تخلص فيه من عدو لدود وقف أمام تصوراته وبرامجه في الدول الأفريقية المحيطة بليبيا.
والسؤال الذي يرد: هل الأوضاع في تشاد بعد هذه الحرب ستأخذ شكل الاستقرار وتسير بشكل طبيعي؟
والذي يغلب على الظن أن هذه الحرب لن تكون آخر الحروب، ولا آخر الصراعات على الحكم في تشاد، فالحكم في تشاد يقوم على التوازنات العنصرية والقبلية. والصراع بينها والتنافس على السلطة لا يتوقف، وكثيراً ما تكون أطراف السلطة المتحالفة أداة من أدوات هذا الصراع وهذا التنافس كما حصل مع الحليفين السابقين حبري وديبي.
وحبري وقد سلم بجلده، وتمكن من الهرب مع بعض رجاله وبعض مساعديه إلى خارج تشاد، وهو رجل طموح ومغرم بالسلطة فمن المستبعد أن يتخلى عن طموحه، والأغلب أنه سيعمل على تجميع العناصر المناهضة للسلطة الجديدة، وعقد تحالفات معها بالانقضاض عليه، كما سبق له أن قام بذلك عندما طرد من السلطة أيام جوكوني عويدي، مما مكنه من العودة ثانية إلى السلطة، واستمر فيها حتى طرده منها حليفه السابق ديبي.
ولا يبعد أن يدب الخلاف بين أطراف الحكم الجديد المتحالفة مع ديبي، كما دب مع أطراف الحكم السابق المتحالفة نتيجة التنافسات العنصرية والقبلية، ونتيجة الصراع على النفوذ بين الدول الطامعة.
كما أن أميركا لن تسكت على الضربة التي لحقت بنفوذها في تشاد، وستعمل على ردها، وإعادة نفوذها إليها، وضرب النفوذ الفرنسي فيها، وإعادة اتخاذها مركزاً من مراكز العمل ضد القذافي لضربه وإنهاء حكمه، لأنها تعتبر مصدر قلق لها في أفريقيا.
ولهذا سيبقى الحكم في تشاد عرضة للاهتزاز وعدم الاستقرار، وهدفاً للصراعات المحلية والإقليمية والدولية¨
1991-01-08