الشاعر: يوسف إبراهيم
شوال 1410هـ أيار 1990م
المجد والإقدام والعلياءُ
|
في أرضها والعزة الشماءُ
|
||
من دوحة الآباء خير هديةٍ
|
يزهو بها الأحفاد والأبناءُ
|
||
غَرْسُ البطولة يا جزائر مزهرٌ
|
عَبِقُ العبير، وروضة غَنّاءُ
|
||
غرسته أيدٍ، بالكفاحِ، أبيةٌ
|
وسقته في ساح الجهاد دماءُ
|
||
فجنيتِهِ نصراً عزيزاً خالداً
|
وكرامة يسموا بها الكرماءُ
|
||
فاسألْ فرنسا كيفَ حُطِّم نابُها
|
وتزلزلَ العدوانُ والأعداءُ
|
||
جاءت تعربد والعُتُوُّ سلاحُها
|
والكِبْرُ تاج والغرور رداءُ
|
||
تختال بالإجرام زاهية الخُطَى
|
فهوى الغرور وديست الخُيَلاءُ
|
||
حتى إذا حُطِمَ الصليب وفُرِّقَتْ
|
حُجُبُ الدُّجى وانجابت الظلماء
|
||
وأطلَّ فجر النصر مؤتلق السَّنا
|
بالمجد يُشْرق وجهه الوضّاءُ
|
||
لَبِستْ قناع الخائنين أراقمٌ
|
ضاقت بنشر سمومها الأرجاء
|
||
وَزَهَتْ عروش للطغاة بموطني
|
وتكاثر الدخلاء والعملاء
|
||
وتأخر السيفُ الأبيُّ وجنده
|
وتقدمَ الأنذال والسفهاءُ
|
||
فإذا البلاد صريعة عصفت بها
|
من كل فجٍ زَعْزَعٌ نكباءُ
|
||
وإذا الكوارث والمصائب جَمّةٌ
|
تنتابها والداء والأرزاءُ
|
||
وإذا فرنسا في الجزائر بعدما
|
زالت وساد عبيدها الؤماءُ
|
||
أرض البطولة والجهاد ذبيحةٌ
|
تَدْمى الجراحُ وتُنْثَرُ الأشلاءُ
|
||
تُشْوى بنار المستبد مَهينةً
|
وتَمَسُّها الضراء والبأساءُ
|
||
وتنوء تحت السوطِ واهنةَ الخطى
|
وتئِنُّ وهي قعيدةٌ شَلاّءُ
|
||
والأمّةُ الشماء تَرْسُفُ ذِلَّةً
|
في القيد وهي أسيرة عَزْلاءُ
|
||
ظمأى ببيداء الحياةِ تقودُها
|
نحو الدمار العصبةُ الرعناءُ
|
||
ويُحَطِّمُ الجلاد شامخَ عزها
|
ويسوسها الأوغادُ والجهلاءُ
|
||
يا ساحةً شهدت معارك عُقْبَةٍ
|
والمجدُ يَرْوى والسيوفُ ظِماءُ
|
||
والأرضُ تحتَ الخيل تَنْبِضُ عِزةً
|
والأفْقُ بالنصر المبين يُضاءُ
|
||
وترابُها بدم الأباة مُعَطَّرٌ
|
وفضاؤها تكبيرةٌ وحُداءُ
|
||
والبحرُ يحتضن الجوادَ مُرَحّباً
|
جَذِلاً، ويهتف للجهادِ الماءُ
|
||
وسل المضيقَ وطارقٌ يجتازُه
|
يحدوهُ عزم صارمٌ ومضاءُ
|
||
ويا فُلْكَهُ بعد العبور تحرَّقي
|
لا رجعةٌ تُرْجى ولا استخذاءُ
|
||
هُنَّ السِّهامُ إذا انطلقن نَوازعاً
|
نحوَ العدوِّ فما لَهُنَّ وراءُ
|
||
متوثبُ الإقدام ليس بناكص،
|
يرضى النكوص ويرجع الجبناءُ
|
||
راياتُه لا تنثني عن غايةٍ
|
يأبى الجهادُ الحرُّ والعلياءُ
|
||
نادى، وما أسمى النداءَ مجلجلاُ
|
يكسو صداهُ جلالةٌ وسناءُ
|
||
يا أيها الجُنْدُ الكواسرُ ما لكم
|
إلا اصطبارٌ في الوغى وبلاءُ
|
||
البحرُ خلف ظهوركم وأمامكم
|
ساحُ القتالِ المرِّ والأعداءُ
|
||
أنتم بها الأيتامُ يملكُ قوتكم
|
في أرضها اللؤماء والبخلاءُ
|
||
أنتم سهامٌ في صدور عدوكمْ
|
أنتم من الله العليِّ قضاءُ
|
||
فوزوا بإحدى الحسنيين فعنده
|
يُرْجى الجزاءُ وتُبتغى النعماءُ
|
||
إن تُنْصَروا فالنصرُ فوق رؤوسكم
|
تاجٌ يَتيهُ ورِفْعَةٌ وإباءُ
|
||
أوْ تُقْتَلوا فشاهدةٌ مبرورةٌ
|
يَسْعى لنيل ثوابها الشهداءُ
|
||
ومَشَتْ بأندلسٍ كتائبُ طارقٍ
|
فإذا عروشُ الظالمين هَباءُ
|
||
وعلى وجوه الكافرين مَذَلَّةًّ
|
وعلى قصور المترفين عفَاءُ
|
||
وأضاءَ نورُ الله حالكها فلا
|
بَغْيٌ يتيه بها ولا استعلاءُ
|
||
وزَها بها الفتحُ المبينُ فَرَجَّعَتْ
|
أصداءه الأجْواءُ والغَبْراءُ
|
||
أَنّى يسيرُ الفاتحون تَفَتَّحَتْ
|
بالنصر أبوابٌ وَرفَّ لِواءُ
|
||
وتجوبُ خيلُ اللهِ آفاقَ المَدى
|
فَتَعُمُّهَا البركاتُ والآلاءُ
|
||
تَحيى المدائنُ بالبشائر، والقُرى
|
وكأنها الأنواءُ والأنباءُ
|
||
سيفٌ يذلِّلُ رأسَ كلَ مُكابِر
|
متغطرس، ومَحَجَّةٌ بيضاءُ
|
||
أكْرِمْ بقومٍ لم تَزَلْ من جودِهَمْ
|
بالغيْثِ تَهْطِلُ ديمةٌ سَحّاءُ
|
||
مَوْتَى ولكنَّ الخلود يضمهم
|
في سِبْرهِ فكأنهم أحياءُ
|
||
ومضتْ عهودُ المجدِ خالدةَ السَّنا
|
يزهو بها تاريخُها الوضّاءُ
|
||
مَجْدٌ تضيءُ الشُّهْبُ من أنوارِهِ
|
وتَغَارُ من عليائِهِ الجوزاءُ
|
||
حتى إذا قعدتْ به أبناؤه
|
وتخلَّفتْ عن ركْبِهِ النُّصَراءُ
|
||
ظهرَ الفسادُ وعمّت الفوضى وقد
|
وُئِدَ الإخاءُ وسادت البغضاءُ
|
||
سَكِرَتْ قصور المترفين خلاعةً
|
غرقت ببحر مجونها الأمراءُ
|
||
وتسابقت فيها القيانُ فما بها
|
إلا رنينُ معازفٍ وغناءُ
|
||
دولُ الطوائف تستبدُّ ملوكها
|
وتقودها الأطماع والأهواءُ
|
||
متفرقون، فصفُّهم متصدِّعٌ
|
عُمْيُ النُّهى فسبيلهمْ عمياءُ
|
||
فتهدمت أوطانهم وعروشهمْ
|
وانهارت الزهراء والحمراءُ
|
||
وجرى القصاصُ عليهمُ فجزاؤهمْ
|
بعد الفتوحِ هزيمةٌ وَجَلاءُ
|
||
هي سُنَّةُ الله التي ما بُدِّلَتْ
|
يوماً، فما للمترفين بقاءُ
|
||
واليوم تجتاحُ الجزائر هَجْمةٌ
|
مسعورةٌ وجهالةٌ جهلاءُ
|
||
وتثور جامحةَ الهبوبِ عَتِيَّةً
|
للظلم عاصفةٌ بها هوْجاءُ
|
||
ويزمجر الوغدُ الجبان بأرضها
|
كالليثِ وهو بعوضةٌ عجفاءُ
|
||
ويضج في المذياع طبلاً صاخباً
|
فتجلجلُ الأصداء والأنباءُ
|
||
حتى إذا زحفَ العدوُّ بجيشِهِ
|
يَبْغي النزال، فَقِطَّةٌ خرساءُ
|
||
كمْ يَدَّعِي المجدَ القديمَ لطارقٍ
|
والمجدُ مِمّا يدعيه براءُ
|
||
كمْ يدّعي ظُهْرَ المَلاكِ، وخُلْقُهُ
|
عُهْرٌ يَضِجُّ خلاعةً وبِغاءُ
|
||
كَمْ يَدّعي الشرفَ الرفيع بمنصب
|
عَفِنٍ، وكلُّ فِعاله خَرقاءُ
|
||
ألقى لسادته قياداً مُذْعناً
|
ومشى كما شاءَ الضلالُ وشاؤوا
|
||
بالغدر مجبولٌ فتحتَ ثيابه
|
ذئبٌ يصول وحيّةٌ رقطاءُ
|
||
متبلّدُ الإحساس تَحْسَبُ أنّه
|
والصّخْرُ والصّنَمُ البليد سواءُ
|
||
رأسٌ من الفكر المنير مُعَطَّلٌ
|
خاو، ووجهٌ ليس فيه حياءُ
|
||
كُشِفَ القناعُ فليس يخفى قُبْحَهُ
|
تمويةُ زيفِ خادعٍ وطِلاءُ
|
||
يا نفحةَ الأمس التي من طيبها
|
تتعطّر الأجواءُ والبيداءُ
|
||
هُزِّي رُفاةَ المجدِ تُبْعَثُ أُمَّةٌ
|
أغفتْ وطالَ برمسها الإغفاءُ
|
||
واستنصري غيْثَ الهداية عَلَّهُ
|
يَسْقي الرمالَ، فتزهرُ الصحراءُ
|
||
واستنهضي هِمَمَ الأباةِ بها
|
فلا يسمو بغير التضحياتِ بناءُ
|
||
أبناءَ عُقْبةَ في الجهادِ وطارقٍ
|
نَعْمَ البنونَ وبورك الأبناء
|
||
المجدُ في بيداءَ لاهِبَةٍ اللّظى
|
ظمآن تلفح وجهه الرمضاءُ
|
||
فاسقوه من نبعِ الفِداءِ فطالما
|
رَوّاهُ منكم في الجهادِ فداءُ
|
||
الغرب قد حمل الصليب كأنما
|
بُعِثَتْ به أجدادُه القدماءُ
|
||
وسلاح إسرائيل فتاكٌ كما
|
يسري الوباءُ، ويستبدُّ الداءُ
|
||
تختالُ في القدس الطَّهور كأنها
|
في كل قلبٍ حَرْبةٌ نجلاءُ
|
||
وتُعينُها دولُ الصليب كأنها
|
في جسمِها القَزَمِ الهزيلِ دماءُ
|
||
وَيمُدُّها في الشِرقِ الحادٌ على
|
الإسلام شُنَّتْ حَرْبُهُ الحمراءُ
|
||
مهما تصارعت المطامعُ بينهمْ
|
فجميعُهُمْ في حربنا حلفاءُ
|
||
قد أوقدوها نارً كُفْر حاقدِ
|
فَعَنا العبيدُ وأَذْعنَ الأجَراءُ
|
||
مسعورٌ، يصلى نارَ لهيبها
|
صنعاُ والفيحاءُ والبطحاءُ
|
||
تشقى بها أرض النبوّةِ والهُدى
|
والقدسُ والمعراجُ والإسراءُ
|
||
والمِنْبَرُ الشاكي المحرّفُ لم تَزَلْ
|
في القدسِ من أنّاته أصداءُ
|
||
سيناءُ والجَوْلانُ والأردنُّ
|
في أَتّونِها والصخرةُ العصماءُ
|
||
تستصرخُ الأطفال في وقَدَاتِها
|
تشكو شيوخٌ حُرّقَتْ ونساءُ
|
||
والهند والأفَغان في زَفَراتِها
|
والقَيْروانُ وتونسُ الخضراءُ
|
||
يشقى جميع المسلمين بِحَرِّها
|
بكلِّ قُطْرٍ ذِلّةٌ وشقاءُ
|
||
تُذْكي زبانيةُ الضلال لهيبَها
|
نَهماً وأجسادُ الشعوب شِواءُ
|
||
سَكِروا بكل دمٍ بريءٍ نازفٍ
|
مُسْتَنْقِعينَ كأنهُ الصهباءُ
|
||
ومن الخيانة يبتغون تجارةُ
|
بيعٌ لهم في سوقِها وشِراءُ
|
||
فيها تبارى المترفون تكاثراً
|
وتسابق الحكامُ والزعماءُ
|
||
في مصنع الغربِ المُعَلِّمِ رُكِّبُوا
|
فالفردُ منهم آلةٌ صَمّاءُ
|
||
يستوردون الفكر من أسواقه
|
عَفِناً كما تُستوردُ الأزياءُ
|
||
يبشرون بنهجه وكأنّهمْ
|
للغرب في أوطانهم سفراءُ
|
||
في كل يوم دعوةٌ هدامةٌ
|
في كل نادٍ صحيةٌ نكراءُ
|
||
للشرق أو للغرب قد فُتِنوا
|
بها وانقادت الأهواءُ والآراءُ
|
||
جَعَلوا عقيدتَها العقيمَ دِعامةً
|
للحكْمِ، وهي سخيفة جوْفاءُ
|
||
يا رافعينَ الراية العليا وفي
|
ميدانها يتسابق الشَرفاءُ
|
||
والناصرينَ الدولة الكُبرى إذا
|
ما راح يعلو للجهاد نداءُ
|
||
والحاملينَ العبءَ تحت لوائِها
|
طاب الكفاحُ وهانت الأعباءُ
|
||
سيروا على هَدْيٍ تُنيرُ طريقكم
|
في الحالكات شريعةٌ غرّاءُ
|
||
أمُّ المكارِم كيف يرضى أهلُها
|
بالذل، وهي عزيزة شَمّاءُ
|
||
أحْيوُا خلافَتَها فليسَ يعيدُها
|
نوحٌ على أطلالها وبكاءُ
|
||
بأبي حُماةُ المجد رُوّادُ العُلى
|
وسياجُهُ، والسّادَةُ النُّجبَاءُ
|
||
أنصارُ دين الله أنصارُ الهُدى
|
ورُعاتُهُ ودُعاتُه الأَكفاءُ
|
||
المشرقون بكلِّ لَيْلٍ حالكٍ
|
صافي الدُّجى يشو به البُصراءُ
|
||
الناشرونَ بكلِّ أرضٍ ظِلَّهُمْ
|
وكأنَّهم للعالمين سَماءُ
|
||
القائدون الأمَّةَ الحيرى بلا
|
مَنِّ، وهم حُرّاسُها الأُمَناءُ
|
||
صانوا عهودَ الحقِّ ما حَنِثوا
|
وكم للعهد عند الأوفياءِ وفاءُ
|
||
مَهَروا المعالي بالنفوسِ رخيصةً
|
وبكلِّ غال تُمْهَرُ الحسناءُ
|
||
يَبنونَ للإسلامِ صرحاً شامخاً
|
فتبارك البُنْيانُ، والبنّاءُ
|
||
في ظِلَّهِ تسمو الحياةُ عزيزةً،
|
وبه تُقامُ المِلَّةُ العوجاءُ
|
||
يحيى قلوبَ اليائسين، فنوره
|
لليائسين بِشارةٌ ورَجاءُ
|
||
يأسو جِراحَ البائسين، فَهَدْيُهُ
|
لذوي الجِراح النازفات شِفاءُ
|
||
ويُنيرُ درب التائهين، فنهجُهُ
|
في حُلْكَةِ الليل البَهيم ضِياءُ
|
||
راموا له نِدّاً فأعجز هَدْيُهُ،
|
وتراجع الأَنْدادُ والنظراءُ
|
||
ورماهُ كلُّ الحاقدين فحُطِموا
|
وهوى المُغيرُ وهدَّهُ الإعياءُ
|
||
وتربّصوا كي يطفئوه، ونورُهُ
|
أعيى الزمانَ فما له إطْفاءُ
|
||
يا نَفْحَة الشِّعر المُكَبَّلِ أشْرقي
|
نوراً بهِ تتمزقُ الظلماءُ
|
||
من أَيْنَ لي شِعْرٌ يُوَفِّي حَقَّهُ
|
يعْيى البيانُ ويعجزُ البُلغاءُ¨
|