ماذا يجري في أذربيجان؟
1990/02/07م
المقالات
2,150 زيارة
ونص رسالة شيخ إسلام ما وراء القوقاز إلى غورباتشوف، ونداؤه للمسلمين في العالم
في 13 كانون الثاني 1990م اجتمع زهاء 70 ألف شخص في ساحة لينين وسط مدينة باكو عاصمة أذربيجان مطالبين باستقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفياتي وتحرير إقليم كاراباخ من الأرمن.
وكان المسلمون الأذربيجانيون قد قاموا بإحراق الحدود بين أذربيجان وإيران مطالبين بالوحدة مع إخوانهم المسلمين الأذربيجانيون في إيران.
وفي يوم الاثنين الواقع في 15 كانون الثاني 1990م دارت معارك ضاربة بين المسلمين الأذربيجان والأرمن ذكرت وسائل الإعلام أنها أدّت إلى سقوط عشرات القتلى بينما ذكرت مصادر أخرى أن العدد وصل إلى المئات وقد استخدمت في هذه المعارك طائرات الهليكوبتر والهاونات والمدافع الرشاشة. وقد نقلت جواً وبراً عشرات الآلاف من المتطوعين من الجهتين إلى مناطق الاشتباكات. وقد ذكرت المصادر عن استقدام الأرمن المتطوعين من الجيش الأرمني السرّي من لبنان وقالت مصادر أذربيجانية أن عدداً من مقاتلي الجيش السرّي الأرمني وصل أخيراً بطريق الجو من بيروت إلى بريفان عاصمة أرمينية ومنها إلى مناطق المعارك، وأضافت المصادر أن قوات المسلمين الأذربيجان قد أسرت مقاتلين أرمن وكان بينهم (أشخاص يتكلمون الأرمنية والعربية فقط ولا يجيدون الروسية).
وفي يوم الخميس 18 كانون الثاني 1990م أعلن وزير دفاع النظام الشيوعي السوفياتي عن استدعاء الجنود الذين شاركوا في غزو أفغانستان كما أعلن التعبئة العامة في المناطق المتاخمة للقوقاز. وقامت مجموعات أرمنية مسلحة بالمدرعات بمهاجمة قرية كيركي بناخيتشيفان والتي تضمّ مسلمين أذربيجانيين.
وقد صرّح زهراب شمهالوف الناطق باسم (الجبهة الشعبية) الأذربيجانية في 18 كانون الثاني 1990م في لقاء مع الصحافيين، أن الصراع الحالي لا يحمل صفة دينية ولكنه أضاف أن الأرمن يحاولون التركيز على هذا الجانب لتأمين (دعم الدول المسيحية). وكان الأرمن قد نظموا في موسكو تظاهرة رفعت فيها شعارات تدعو (الأشقاء الروس إلى مساعدة إخوانهم المسيحيين).
وفي يوم الاثنين 22 كانون الثاني 1990م وجّه شيخ الإسلام شكر الله باشا زادة رئيس الإدارة الدينية لمسلمي ما وراء القوقاز رسالة إلى العالم الإسلامي دعا فيها: “الرأي العالم في العالم الإسلامي الإعراب عن موقفه من جريمة قتل الشعب الأذربيجاني”. قال في نداء عاطفي: “وضعنا سيئ وأننا ننتظر ولو برقية تعزية، ولو صوتاً من أشقائنا يندد بما حصل، القتلى لدينا كثيرون جداً وإطلاق النار مستمر. نحن في حصار ليس في باكو بل في أذربيجان كلها، حتى الهواتف مقطوعة… والتلفزيون لا يعمل ونحن مقطوعون عن الرأي العام”.
وطلب شيخ الإسلام من “سفارات البلدان الإسلامية في موسكو أن تقول رأيها. ترى هل تخاف غورباتشوف؟ حتى برقيات لم تصل إلى الإدارة الدينية من هذه السفارات لكي نشعر أن وراءنا سنداً لأننا مسلمون”.
وليل السبت ـ الأحد (18 ـ 19 كانون الثاني) حمل مئات الآلاف من سكان باكو نعوشاً وصور القتلى الذين سقطوا في الاشتباكات أثناء دخول الجيش الروسي إلى العاصمة الأذربيجانية. وقالت مصادر عن عدد القتلى من مسلمي أذربيجان قد يصل إلى المئات وربما يتجاوز الألف. وقد قامت القوات الروسية باعتقال عدد كبير مسلمي أذربيجان بتهمة (التحريض على الشغب).
وبينما القوات الشيوعية تجتاح أذربيجان، قام الأرمن بإطلاق النار على بلدة (بوابة الذئاب الأذربيجانية فقتل 12 مدنياً مسلماً).
هذه صورة موجزة تنقلها (الوعي) إلى قرائها لإعطائهم فكرة عمّا يجري لإخوانهم المسلمين في أذربيجان. وكان شيخ إسلام ما رواء القوقاز قد حذّر، في رسالة وجهها إلى غورباتشوف وعتّمت عليها وسائل الإعلام، الجيش السوفياتي من تحوّل أذربيجان أفغانستان ثانية. وهنا نورد نص الرسالة:
إن كلماتي لعاجزة عن التعبير عن أسى الشعب الأذربيجاني وكره الذي لا يعرف الحدود، الكرب الذي حل إلى الأبد في أفئدة الملايين. وأقول ذلك ليس لكي تشاطرنا آلمنا وتعرب عن التعازي، إذ أن ذلك سيكون إهانة لشعبي كله وإهانة لذكرى أبناء بلدي. إن الآثام التي اقترفت خلال الأيام الماضية في باكو لا يقبلها العقل فشوارع المدينة ملطخة بدماء مئات الضحايا والأبرياء وبينهم أطفال ونساء وشيوخ. وأن الجثث المشوهة تبعث الرعشة في القلوب.
فقد رهستها جنازير الدبابات وأطلقت عليها النيران من الرشاشات والمدافع الرشاشة. ولا يمكن أن يكون هناك أي تبرير لهذه المجزرة الدموية والجريمة الشنعاء التي حظيت بموافقتك كرئيس للدولة. إن الشعب الأذربيجاني يرفض بغضب وازدراء الاتهامات الاستفزازية التي وجهت إليه وزعم أنها سبب إدخال القوات وبينها ما يسمى بالعامل الإسلامي، الذي زعم أنه خطر على الدولة السوفياتية. وفي هذا الصدد أود تأكيد ما يأتي: إن الانتماء إلى الأديان وبينها الدين الإسلامي هو تحد للشيوعية والغطرسة القومية اللتين تعتبران خطيئة. وأنت تعرف حق المعرفة، وقد أبلغتك ذلك شخصياً، إن رجال الدين المسلمين في ما وراء القوقاز كانوا وما زالوا يعتبرون أنه لا يجوز استغلال الأفكار الدينية في الصراع السياسي والنزاعات القومية. وأنت تعرف حق المعرفة أن الإسلام، حتى عندما بلغ التوتر أقصاه، كان يدعو إلى التعقل والسلام وحسن الجوار.
وهذا ما يزيد سخطنا على المزاعم التي تقال في شأن ما يسمى بالعامل الإسلامية الذي يدعي أنه عامل لزعزعة الاستقرار. ومن البديهي تماماً أن ذلك يستهدف غرضاً محدداً وهو الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، الأمر الذي يمكن أن يزيد من ضراوة النزاع القومي. وأؤكد لكم أننا لن ندخر وسعاً لاطلاع الرأي العالم العالمي على الحقيقة كاملة. فالخزي وحده جدير بالبلد الذي تعمد سلطاته، لأغراض النزعة الإمبراطورية، ليس إلى تهدئة الحزازات بين القوميات بل إلى استثارتها. البلد الذي حول الجيش إلى سفاح يقتل أبناء وطنه، بلد للإنسان فيه حقوق في الموت أكثر من حقه في الحياة الكريمة. إن الرصاص الذي أطلق في باكو، إنما أطلق على قلوب بشرية حية. إنها رصاصات قتلت في نفوس ملايين الناس آخر الآمال في (البيريسترويكا) وأنت بإدخالك قوات التنكيل التي تتصرف تصرف المحتلين. إنما أسأت إلى سمعة السلطة السوفياتية وأكدت أن مفاهيم مثل سيادة الشعوب وكرامتها غريبة عنها. لقد أثبت فشلك كقائد سياسي وبرهنت أنك أخفقت كزعيم للدولة. وتبددت الأسطورة عنك كمناضل من أجل السلام. فمن التجديف أن يطلق هذا اللقب على إنسان يوقع بيد (معاهدات) السلام مع دول أخرى، ويبارك باليد الثانية أعمال التنكيل ضد مواطني بلده.
في أي حرب ضروس لم يقتل الأطباء والممرضون، أما أنت فقد باركت قتل الشعب ما في ذلك طبيبان هبا لمساعدة أناس يموتون.
وإعراباً عن إرادة الشعب الأذربيجاني أطالب بسحب القوات فوراً من باكو. فلا يمكن الحديث بلغة السلاح مع أي شعب، بما في ذلك الشعب الأذربيجاني. وقد يستمر ذلك عشرة أيام أو عشرة سنين كما حصل في أفغانستان، وبعون الله تعالى، وعلى رغم كل شيء، ستنتصر العدالة التي استشهد في سبيلها أبناء وبنات شعبي الذين خرّوا صرعى برصاص الجنود السوفيات.
وأنا إذ أؤمن بذلك إيماناً عميقاً أرفع صلواتي إلى العلي القدير طالباً الرحمة لأرواح الضحايا الأبرياء والعقاب الصارم للقتلة ولمن دبر جرائم القتل ودفع إليها.
رافقتنا رحمة الله تعالى
(الوعي)
هذه المشاكل والآلام التي تنتاب شعوب الأمة الإسلامية في مختلف البلاد تذكرنا بل تهزنا بعنفٍ للبحث عن الحل الجذري لمصائب هذه الأمة.
هذا الحل هو العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله، هو العودة إلى إقامة دولة الخلافة الراشدة التي يلتف حولها المسلمون والتي تطبق فيهم شريعة الإسلام، والتي تهب لنجدتهم وإنقاذهم حين يلحق بهم ظلم أو الحيف، والتي تهب لمساعدة المظلومين من كل دين ولون، والتي تحمل إرسال الرحمة والهداية للعالمين.
أما الآن حين ينادي شيخ الإسلام فيما وراء القوقاز من سيستجيب له؟ كل الحكام في البلاد الإسلامية عملاء لدول الكفر ويطبقون على شعوبهم قوانين الكفر، فهل يتحركون لنداء إسلامي يأتيهم من بعيد؟
بالأمس صرخت امرأة: وامعتصماه فلباه المعتصم خليفة المسلمين، فأين من يلبي النداء اليوم؟
1990-02-07