البلاغ، والبلاغ المبين
1990/01/06م
المقالات
3,927 زيارة
قال تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
وقال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ).
وقال: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ).
وقال: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ).
وقال: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ).
أولاً ـ أهمية البلاغ المبين
لا بد لمن يريد أن يتصدى لعملية التبليغ أن يكون مدركاً أهمية البلاغ المبين، من أنه تبليغ لأعظم نظام جعله الله روحاً وحياة للبشر، وأنه، أي البلاغ المبين، تخليص لعقل الإنسان مما فيه من عقائد باطلة مذلة، وأفكار ومقاييس جعلته عبداً لغير الله، فوق ذلك كله يظهر البلاغ المبين الإسلام قوياً واضحاً، ويظهر مبادئ الكفر هزيلة حين البحث والنقاش. ومن أجل ذلك لا بد من عرض هذا الموضوع لمن أراد خدمة هذا الإسلام.
ثانياً ـ البلاغ المبين لغة
البلاغ: الإبلاغ، والإبلاغ: الإيصال، والاسم البلاغ وبلغت الرسالة.
بَلَغ الشيء: وصل إليه يشمل الحسي والمعنوي.
بلَّغ: أبلغ، أوصل الأمر إليه.
تعليق على المعنى اللغوي:
لا يشير إلى أن البلاغ يتطلب أن يكون فيه مبلغ عنه ولا يشير إلى أنه أي البلاغ يستلزم شرحاً أم لا.
المبين:
بان: اتضح. بيَّن: وضح. أبان: أفصح. بان الشيء وضح وظهر اسم الفاعل: مبين.
أبان الشيء: أوضحه وأظهره. اسم الفاعل مبين. قوله تعالى: (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ).
أي والكتاب البيّن. وقيل معنى مبين: الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلال. وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة…
فمعنى مبين: أنه مبين خبره وبركته، أو مبين الحق من الباطل، والحلال من الحرام. ومبين أن نبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، ومبين قصص الأنبياء.
تنبيه:
إن كلمة مبين التي تعدد ذكرها في أي القرآن الكريم لم يخرج معناها عن المعنى اللغوي في خطة العريض وهو: الظهور والوضوح.
ثالثاً ـ البلاغ المبين شرعاً
1- واقعه:
إيصال الوحي الإلهي إلى الناس مقروناً بالشرح الواضح الدليل: قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ).
وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) وآيات غيرها.
استنتاج:
من واقع البلاغ المبين شرعاً والمدعم بالدليل القرآني نبين ما يلي:
2- حكمنه:
أن البلاغ المبين فرض على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن قوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) وقوله عزّ وجل: (فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) وقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) يفيد الوجوب لأن الحصر وتوكيد، وتكرار التوكيد يفيد التوكيد، ولأن واقع الأمر يغير الوجوب، وهو الرسالة التي أوجب الله العمل بها، وهو لا يتم إلا بعد التبليغ.
والبلاغ المبين فرض على الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية داخلياً وخارجياً.
1- عدم التبليغ:
عدم التبليغ يجعل كل فرد آثماً فاسقاً، وكذلك تكون الدولة عاصية، وهي مسؤولة عن ذلك.
2- المبلَّغ عنه:
إن المبلغ عنه في البلاغ المبين هو الله، وإدراك هذه الحقيقة توجب على المبلِّغ أن يكون أميناً فيما يبلغ من قرآن وسنة فلا يزيد شيئاً من عنده، ولا ينقص ولا يبدل، وإلا كان خيانة وتفريطاً يعرضه للكفر.
كما أن الشرح يجب أن يراعي فيه مضمون الوحي وإلا كان تحريفاً لكلام الله عن مواضعه.
3- عموم التبليغ:
يجب أن يكون البلاغ المبين شاملاً جوانب الإسلام من عقيدة ونظم وقصص، وباختصار: كل ما ورد في القرآن وصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تبليغه.
(يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ…)، و (ما) هنا من ألفاظ العموم.
4- المبلِّغ:
والبلاغ المبين يجب أن يحصل من مبلغ مؤمن فاهم ومدرك لما يبلغ. لأن المبلغ إذا كان غير مؤمن، فلا يؤتمن في تبليغه الوحي الإلهي وبالتالي لن يكون موضع ثقة بين الناس. وكذلك لا بد أن يكون المبلغ فاهماً ومدركاً لما يبلغ وغلا كان التبليغ تشويهاً وتزويراً لما يبلغ.
5- المبلَّغ:
والبلاغ المبين يجب أن يوجهه إلى من عنده فهم وإدراك بصرف النظر عن مستوى الفهم والإدراك، وذلك أن الإسلام كلف البالغ العاقل ومن هنا كان البلاغ المبين موجهاً إلى البالغ العاقل.
6- البلاغ المطلوب:
والبلاغ المأمور به شرعاً هو البلاغ المبين وليس مطلق بلاغ وليس مجرد إيصال القرآن أو السنة إلى الناس.
فالبلاغ الذي أوجبه الله في كتابه هو البلاغ المقرون بالشرح الواضح الظاهر.
ولا يعد الإنسان مكلفاً شرعاً إلا إذا بلغ البلاغ المبين، لأن آيات القرآن تؤكد تأكيداً جازماً على البلاغ المبين. ولأن واقع التكليف بالحكم يتطلب الشرح والتوضيح لما يبلغ من نصوص الشرع (قرآناً أو سنة) كي يتمكّن المبلِّغ من التطبيق والتنفيذ.
7- تحقيق البيان في عملية التبليغ:
أ- بيان النصوص ذات الأفكار الشرعية
يكون البيان بتفهيم النص الشرعي كما يدل عليه واقع النص لا كما يريد المبلِّغ أو المبلَّغ من الصياغة المناسبة لمستوى المبلغ وأن الإدراك عند البشر ليس بسوية واحدة، ومراعاة الحقائق اللغوية والعرفية والشرعية، لأن البلاغ المبين (يعني الأداء الظاهر الواضح).
وهذا الأداء الظاهر الواضح يتحقق إذا روعيت فيه الأمور المذكورة.
ب- بيان النصوص العقيدية
ويتحقق البيان في النصوص ذات القضايا العقيدية بإقامة الدليل النقلي المتواتر إذا كان الموضوع في قضية غيبية غير مدركة عقلاً.
جـ- أما بالنسبة للأمور التي يتمكن العقل من إدراكها، أو إدراك آثارها، فإنها تكون بإقامة الدليل العقلي عليها، مع صياغة الأفكار صياغة محددة المعنى دون احتمال لأكثر من معنى.
ولذلك يكون البلاغ مبيناً إذا كان من شأنه أن يزيل الشك. وقد أجاد محمد جواد مغنية في تفسيره لـ «البلاغ المبين» حين قال: (إن الله قد اختار محمد صلى الله عليه وسلم لرسالته، وأنه قد رسم له منهجاً لتبليغها وهو الدعوة بالحجة والبرهان مع ضبط النفس، وتجنب الخصومة مع اللجوج المعاند، وبهذا الأسلوب الحكيم تتم الحجة على من خالف وعاند ولم يبق له من عذر يتشبث به ويلجأ إليه).
د- بيان النصوص القصصية: ويتحقق البيان في هذا النوع بإيضاح الكلمات والتراكيب حسب ما تدل عليه، وباستخراج العبر والعظات بكلام مثير للمشاعر والعواطف حسب ما تتضمنه هذه النصوص من ألوان العظات والعبر.
رابعاً ـ ما يتطلبه البلاغ المبين من المبلِّغ
1- أن يكون متفهماً لما يريد إبلاغه إلى حد الاستنارة أو ما يقاربها.
2- أن يكون قادراً على تفهيم ما يبلغه.
3- أن يراعي حال من يبلغه، فيقدم له البلاغ على قدر مستواه الفكري.
هذه لمحة حول واقع (البلاغ المبين) وما يتطلبه، وكيفية تحقيق البيان في عملية التبليغ
1990-01-06