حكم التشبه بالكفار
1990/01/06م
المقالات
9,346 زيارة
السؤال:
بعض المسلمين يتبعون عادات النصارى من الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام والاحتفال برأس السنة الميلادية ويزينون بيوتهم ومتاجرهم بالأشجار أو الأنوار. فما هو حكم ذلك؟
الجواب:
جاء في صحيح البخاري: «عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب، فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يَسْدِلون أشعارهم، وكان المشركون يَفْرُقون رؤوسهم. فَسَدَلَ النبي صلى الله عليه وسلم ناصيتَه ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ».
من هذا الحديث ومن أمثاله نهم أن التشبه بأهل الكتاب أو المشركين وموافقتهم كان مباحاً للرسول صلى الله عليه وسلم فيما لم يرد له فيه شرع. قال ابن حجر: (كان يحب موافقة أهل الكتاب ليتألّفهم ولو أدّت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان. فلمّا أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله واستمرّ أهل الكتاب على كفرهم انحصرت المخالفة في أهل الكتاب) [فتح الباري 10/297]. ونقل ابن حجر أيضاً: (والذي جزم به القرطبي أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافقهم لمصلحة التأليف).
هذه الموافقة كانت مباحة للرسول صلى الله عليه وسلم فيما لم يؤمر فيه. ثم جاء النهي للنبي صلى الله عليه وسلم عن موافقتهم أو التشبه بهم. وأَمَرَ المسلمين بمخالفة اليهود والنصارى ومخالفة المجوس ومخالفة المشركين. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» [البخاري ومسلم]. وقال: «جُزّوا الشوارب واعْفُوا اللحى وخالفوا المجوس» [أحمد ومسلم] وفي رواية «وخالفوا المشركين». وقال: «غيِّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى» [الترمذي والنسائي وأحمد]. وقال: «ليس منّا من تشبه بغيرنا» [الترمذي]. وقال: «من تَشَبّهَ بقوم فهو منهم» [أبو داود وأحمد]. وعن أبي معمر قال: «كنا مع عليّ رضي الله عنه فمرّ به جنازة فقام لها الناس، فقال علي رضي الله عنه: من أفتاكم هذا؟ فقالوا: أبو موسى. قال: إنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فكان يتشبه بأهل الكتاب. فلما نُهِيَ انتهى» [أحمد].
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يصوم عاشوراء ثم أمر بصوم تاسوعاء مخالفة لليهود. وكان يستقبل في الصلاة بيت المقدس ثم حوّل الله القبلة إلى البيت الحرام. واليهود لا يخالطون المرأة الحائض فأمر صلى الله عليه وسلم المسلمين بمخالطة الحائض حتى قال: «اصنعوا كل شيء إلى الجماع» فقال اليهود: (ما يدع من أمرنا شيئاً إلا خالَفَنا فيه). وقد روى أبو داود عن أم سلمة: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم السبت والأحد يتحرى ذلك ويقول: إنهما يوما عيد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم». [وللنسائي وأحمد ومثله]. وقال ابن حجر العسقلاني: (وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت عن الثلاثين حكماً. وقد أودعتها كتابي الذي سميته: القول الثبت في الصوم يوم السبت) [فتح الباري 10/298].
قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُؤمر فيه. وكان ذلك قبل اكتمال نزول الشريعة الإسلامية. أما بعد اكتمالها وبعد نزول قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا[ فلم يبق هناك شيء لم يُؤمر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يَبْقَ شيء لم ينزل عليه حكمه، بل أعطاه حكم كل شيء كما قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ).
ونحن نعلم أن أحكام التكليف في الشريعة الإسلامية خمسة: الفرض والندب والحرام والكراهة والإباحة. فالمسلم مخيّر ضمن دائرة المباح فقط. إذ أن المباح كما حدده علماء الأصول هو ما ورد الدليل السمعي من الوحي بالتخيير فيه بين الفعل والترك. وألْحَقَ الأصوليين بالمباح ما ورد الدليل السمعي من الوحي برفع الحرج عن فعله وتركه.
فهل يحل للمسلم أن يجامل الكفار ومنهم أهل الكتاب من يهود ونصارى ومنهم الملحدون والبوذيون وغيرهم من ملل الكفر، هل يحل للمسلم أن يجامل الكفار ضمن دائرة المباح وأن يوافقهم ويعمل ما يرضيهم؟ وهل يحل للمسلم أن يقلد الكفار ضمن دائرة المباح؟
نعم يحل للمسلم أن يجامل الكفار وأن يعمل ما يرضيهم ضمن دائرة المباح لقوله تعالى: (لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ).
هاتان الآيتان صنفتا الكفار صنفين، أحدهما في حالة سلام ووفاق مع المسلمين، وهؤلاء لا ينهى الله المسلمين أن يبروهم ويقسطوا إليهم. وكلمة تبرّوهم تشمل كل عمل جميل تستحسنه النفس ما دام ليس منهياً عنه فيجوز عيادة مرضاهم وتعزيتهم في مصائبهم وتهنئتهم في أفراحهم (باستثناء أعيادهم) ومساعدتهم في حاجاتهم وما شاكل ذلك. وكلمة (وتُقْسطوا إليهم) تشمل حفظ حقوقهم وأعراضهم وكرامتهم ومعاملتهم كما يُعامل المسلم. وقد وضع الفقهاء القاعدة الشرعية «لهم ما لنا من الإنصاف وعليهم وما علينا من الانتصاف». وقد فصلت كتب الفقه هذه المسائل بشكل وافٍ.
أما الصنف الثاني من الكفار، وهم الذين في حالة حرب وعداء مع المسلمين، وهم الذين وصفهم الله بقوله: (الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ). هؤلاء لا يحل للمسلم أن يجاملهم ولا أن يرضيهم بقول أو فعل ولا أن يتولاهم أو يصادقهم. والأصل مع هؤلاء هو إغاظتهم والنيل منهم كما قال تعالى: (وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ).
فغير المسلم حين يعيش مع المسلمين في وئام وسلام ويتعامل معهم باستقامة ووفاء فإن شريعتهم تأمرهم بالبر والإحسان (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
وحين كانت العلاقة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود في أول هجرته إلى المدينة علاقة حسنة كان خطابه لهم ليّناً، وكان يتصرف معهم بشكل يرضيهم ويوافقهم محاولاً أن يتألفهم، وكانت تنزل عليه آيات القرآن التي تذكرهم بفضل الله عليهم من مثل قوله تعالى: (يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ). ويخبرهم أن القرآن مصدق لما معهم: (وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ). (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
وحين ساءت العلاقة مع اليهود صار الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطبهم: «يا إخوان القرَدَةَ». وصارت تنزل آيات القرآن التي تلعنهم مثل قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ). وقوله تعالى: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا). وقوله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).
اليهود هم اليهود بمكرهم وخداعهم وقلة الخير فيهم سواء حين كان القرآن والرسول ليّناً معهم أو حين صار يهاجمهم ويلعنهم ويكشف سوء طويتهم. ونحن نفهم من ذلك أن الكافر (يهودياً أو غير يهودي) حين يظهر لنا المودة وحسن المعاملة (ولو رياءً) فنحن نقابله بالمودة وحسن المعاملة. وحين يظهر لنا العداء ويطعن في ديننا ويظاهر عدونا علينا فيجب أن يلقى منّا الدرس القاسي.
رُبَّ قائل يقول: إن النصوص الشرعية جاءت تحث على مخالفة الكفار بشكل مطلق، وهذا يشمل الكفار الذين يظهرون لنا المودة وحسن المعاملة كما يشمل الذين يظهرون لنا العداوة، ويشمل الأعمال في دائرة المباح كما يشمل الأعمال الأخرى، فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» وهناك نصوص مثل: «خالفوا المجوس». «خالفوا المشركين». «خالفوا أهل الكتاب».
والجواب عن هذا هو أن المخالفة للكفار لم ترد بشكل مطلق بل هي مقيدة بمسائل معينة وهي التي وردت فيها نصوص، وهي المسائل التي قال ابن حجر عنها: (جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت عن الثلاثين حكماً). وهذه المسائل التي وردت الأحاديث فيها تنطبق على الكفار سواء أظهروا لنا العداوة أو المودة. أما غير هذه المسائل والتي تقع ضمن المباح فنحن مطلوب منها مسايرة الكفار ومجاملتهم فيها ما داموا يظهرون لنا المودة كما سبق وبيّنا. وأما الذين يعادوننا فليس لهم منا إلا العداوة.
ورُبَّ قائل يقول: إن النصوص الشرعية جاء تنهى عن التشبّه بغير المسلمين بشكل مطلق، فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم» وقوله: «ليس منها من تشبه بغيرنا».
وللإجابة عن ذلك نقول بأن مسألة التشبه تحتاج إلى تفصيل. فالتشبه كي تنطبق عليه هذه النصوص ويصبح مذموماً ومنهياً عنه لا بد أن يتوفر فيه شرطان:
الأول: هو قصد التشبّه.
الثاني: هو أن يكون موضوع التشبه من خصوصيات أولئك القوم المتعلقة بكفرهم.
أما الشرط الأول وهو قصد التشبه، فذلك لأن مجرد حصول المشابهة عن غير قصد لا يطلق عليها في اللغة اسم (التَّشَبُّه). فالمتشبِّه (أي المقلد) هو الذي يحاكي (يقلِّد) المتشبَّه به من أجل فعله. فالتشبه هو تقليد أو هو نوع من الاتباع. فول حصل أن امرأة مسلمة تعيش في بلاد ليس فيها نصارى وليس فيها راهبات ولبست لباساً يشبه لباس الراهبات وهي لا تعلم إلا أنها تلبس لباساً شرعياً. فإن هذه المرأة لا إثم عليها لأن التشبه لم يحصل رغم حصول المشابهة.
وأما الشرط الثاني، وهو أن يكون موضوع التشبه من خصوصيات أولئك القوم، فذلك أن الأمر إذا كان شائعاً بين أقوام عدة فلا يقال لمن يقوم به بأنه تشبه بقوم دون غيرهم. فمثلاً حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منها من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال» [البخاري] فلا يد أن يكون الأمر من خصوصيات الرجال كي يكون محرّماً على المرأة فعله، أو يكون من خصوصيات النساء كي يكون محرّماً على الرجل فعله.
على أن التشبه بقوم من الكفار ليس محرماً بشكل مطلق، بل التشبه المحرّم مقيد بما هو متعلق بكفرهم فقط، أي بما هو متعلق بوجهة نظرهم في الحياة وعقيدتهم. أما إذا كان لدى القوم أمور لا تتعلق بدينهم ووجهة نظرهم في الحياة فلا يحرم علينا أخذها منهم ما دامت لا تتعارض مع ديننا.
فمثلاً لا بأس على المسلمين إذا تعلموا العلوم التجريبية والرياضيات والصناعات والطب، وما شاكلها من غير المسلمين ولا بأس عليهم إن قلّدوا الكفار في ذلك لأن هذه الأمور لا تتعلق بعقيدة الكفار ولا بوجهة نظرهم بل هي أمور تجريبية عالمية. وهذه كما يجوز للمسلمين أن يستنبطوها هم ويسبقوا العالم إليها يجوز لهم أن يتعلموها من غيرهم إذا سبقهم إليها. وهذا يدخل تحت عموم قوله تعالى: (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ). وقوله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
ومثلاً لا بأس على المسلمين إذا استفادوا من بعض الترتيبات أو الأنظمة الإدارية المعمول بها عند الكفار. فلا بأس من اقتباس تنظيم شؤون السير (السيارات وما شاكلها) في المدن أو شؤون المطارات أو السجلات في مختلف الدوائر بوساطة الكمبيوتر أو غيره. وقد سبق لسيدنا عمر أن أدخل الدواوين إلى إدارة الدولة الإسلامية نقلاً عن الفرس. وحفر المسلمون الخندق لحماية المدينة عملاً برأي سلمان الفارسي الذي كان اقتبس ذلك عن غير المسلمين. واقر رسول الله صلى الله عليه وسلم التعامل بالنقود الفارسية والرومانية، وأقر أن يتعلم المسلمون الكتابة من أسرى بدر. وهذه الأمور وإن جاءت من الكفار ولكنها لا تتعلق بكفرهم فلا يحرم على المسلمين أخذها إذا رأوا في ذلك نفعاً لهم. وقد أخذوها فعلاً. وهي كذلك تندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم».
أما إذا كان الأمر من خصوصيات الكفار المتعلقة بعقيدتهم ووجهة نظرهم في الحياة، أي المتعلقة بكفرهم فإنه لا يجوز أخذها بحال، وهذا ما يشير إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لتتبِعُنَّ سَنَنَ من قبلكم شِبراً شِبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبّ تبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن» وقد مرّ المسلمون في عصور الانحطاط، ونهض أهل الغرب، وانتصروا على المسلمين عسكرياً، وضللوهم عن دينهم فكرياً. وأُصيب المسلمون بفتنة عظيمة أطارت صوابهم، فتخلوا عن شريعتهم وقلدوا الغرب الفاتح تقليداً أعمى. ولا غرابة فهذه طبيعة البشر. يقول ابن خلدون في مقدمته: إن المغلوب مولع في تقليد الغالب.
الغرب الغالب قال للمسلمين المغلوبين: الرابطة هي القومية وليس الدين، فاتبعوه. وقال لهم: النظم العصرية المناسبة هي النظم التي جاء بها الغرب، وليس الشريعة الإسلامية البالية، فصدقوه. وقال لهم: العصر هو عصر الحريات وليس عصر الحلال والحرام، فوافقوه. وقال لهم: لا تستطيعون العيش بدون الغرب وثقافة الغرب والارتباط بالغرب والاعتماد على الغرب، فخضعوا له.
فإذا كان المسلمون لا يرون هذه المصائب التي أصابتهم في دينهم فمن باب أولى أن لا يروا بأساً في تقليد الكفار في الأمور الأخرى كالاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام.
إن هذا يشبه من لا يرى الخشبة في عينه ويسأل عن قشةٍ صغيرة في غين غيره.
كثير من خطباء الجمعة أو الذين يصدرون النشرات تحدثوا هذا الأسبوع عن تحريم احتفال المسلمين بعيد النصارى وتحريم تقليد النصارى في شعائرهم الدينية. هذا جيّد. ولكن ما بالهم لا يتعرضون لما هو أفظع من ذلك. ما بالهم يباركون أنظمة الكفر المطبقة عليهم، وما بالهم يهنئون الرئيس الكافر برئاسة الجمهورية ويزعمون أنه رئيس شرعي.
إن احتفال النصارى بميلاد المسيح عليه السلام هو شعيرة من شعائرهم الدينية. وهو ليس من قبيل العلوم أو الأمور الإدارية النافعة للمسلمين. فلا يجوز لمسلم أن يختلف به. فلا يجوز له أن يأتي بشجرة أو غصن شجرة أو أن يزيد في الأنوار ولا أن يعلق الصور ولا أن يشتري اللعب الخاصة بالميلاد ولا أن يصنع طعاماً خاصاً بالميلاد، ولا أن يطلق النار. لا يجوز له أن يفعل ذلك في بيته أو متجره أو مكتبه أو سيارته أو شارعه ولا يجوز له تعطيل أعماله من أجل الاحتفال.
وكما لا يجوز ذلك في عيد الميلاد (25 كانون الأول) فكذلك لا يجوز ذلك على رأس السنة الميلادية (1 كانون الثاني) لأن المناسبتين هما مناسبة واحدة وهي الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام.
وليس هذا انتقاصاً من قدر رسول الله وكلمته المسيح ابن مريم عليه السلام، هو التزام بشريعة الإسلام التي تنهانا عن تقليد غيرنا من أمور العبادة والدين.
وكذلك لا يجوز للمسلمين أن يقيموا مراسم عيد في مولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لأن المسلمين لهم عيدان فقط هما الفطر والأضحى ويوم الجمعة له احترام العيد أيضاً. أما جعل يوم مولد محمد صلى الله عليه وسلم عيداً فهذا بدعة ابتدعها بعض المسلمين في عصور متأخرة. وجاءت هذه تقليداً للنصارى. فالإثم فيها من جهتين: من كونها بدعة ومن كونها تقليداً للكفار في أمر ديني.
وتقصد التعطيل يوم الجمعة من أجل تعطيل النصارى أعمالهم يوم الأحد وتعطيل اليهود أعمالهم يوم السبت حرام لأنه تشبه بالكفار في أمر ديني.
والذي يعلق القرآن في صدره من أجل أن النصارى يعلقون الصليب في صدورهم هو آثم لأنه يتشبه بالكفار في أمر ديني.
هناك من يظن أن جعل مولد محمد صلى الله عليه وسلم عيداً ليس بدعة وليس تقليداً للنصارى، بل هو تكريم للرسول وهذا من تعظيم لشعائر الله لما أهمله رسول الله ولما أهمله الصحابة الكرام والتابعون وتابعوا التابعين الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب». ونحن نعلم أن العبادات توقيفية فلا يجوز أن نزيد عليها، أو ننقص منها، لأننا نعبد الله كما حدد لنا هو سبحانه وليس كما نتوهم نحن أنه عبادة أو أنه تعظيم لشعائر الله. والبدعة ليست إلا عبادة لم يشرعها الله، بل ابتدعها صاحبها وظن أنها تقربه إلى الله زُلْفى
1990-01-06