بعد أن وقفت الحرب ضد العراق، وخرجت أميركا منها وقد جسدت تفردها في الموقف الدولي، وفي رسم السياسة الدولية، وخرج منها جورج بوش بشعبية في الولايات المتحدة لم يسبق لغيره من الرؤساء في أميركا أن حصل على مثلها، وقف بوش 6/3 في الكونغرس ليعلن انتهاء حرب الخليج، ومما جاء في خطابه: إن عملية السلام في الشرق الأوسط لا تنتهي بانتهاء تحرير الكويت وحدد أربعة تحديات رئيسية تحتاج إلى حل في منطقة الشرق الأوسط ذكرها على التوالي: 1- الترتيبات الأمنية المشتركة في المنطقة. 2- والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل والصواريخ المستخدمة لإطلاقها. 3- والعمل من أجل خلق فرص لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي. 4- وتعزيز التعاون الاقتصادي من أجل السلام والتقدم في الشرق الأوسط.
وبالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي تابع في خطابه قائلاً: إنه حان الوقت لوضع حد للصراع العربي الإسرائيلي بعد انتهاء حرب الخليج، وعلينا أن نعمل لخلق فرص جديدة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وقد حان الوقت لكي نضع حداً للنزاع العربي الإسرائيلي» وأشار إلى أن ذلك «يجب أن يقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وفقاً لقراري الأمم المتحدة 242 و338 اللذين يطالبان بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وأكد «أن مبدأ الأرض من أجل السلام يجب أن بطبق بالدبلوماسية، وإن هذا المبدأ يجب أن يصاغ ليضمن لإسرائيل الأمن والاعتراف بوجودها، وفي الوقت نفسه يضمن الحقوق المشروعة للفلسطينيين» وأعلن أنه سيرسل وزير خارجته جيمس بيكر إلى الشرق الأوسط لأجل أن يعمل على حل هذه التحديات.
ونحن قبل أن نبدأ بالتعرض لهذه التحركات المتلاحقة التي قام بها بيكر في المنطقة لحل قضية الشرق الأوسط، وما وصلت إليه هذه التحركات، موقف أطراف النزاع في المنطقة منها، نود أن نعيد أولاً التأكيد على الثوابت التالية:
1- إن أميركا عدوة حقيقية للإسلام والمسلمين جميعاً، ومنهم العرب، فيجب أن يتخذ منها موقف العداء، فهي تنظر للمسلمين نظرة احتقار واستصغار، ورغم ما قدمه حكامهم لها من خدمات كبيرة مكنتها من فرض هيمنتها على غالبية منطقة العالم الإسلامي، ومع ذلك فإنها لا تحسب لهم حساباً حقيقياً عند رسم سياستها في منطقة العالم الإسلامي، ومن باب أولى في رسم السياسة العالمية، لأنها ترى أنهم أقل شأناً من ذلك، وتراهم أنهم أطوع لها من بنانها، وأنهم يتسابقون إلى خدمتها، وطلب رضاها، وتقديم كل ما تطلبه منهم من خدمات لتحقيق مصالحها، ولو كان ذلك على حساب أمتهم وشعوبهم وبلدانهم. وهي تهدف بشكل دائم أن تكون لها الهيمنة التامة على منطقة العالم الإسلامي.
وإنها هي التي أوجدت الكيان اليهودي، وجعلته يصل إلى هذه الدرجة من القوة والصلف والعنجهية، بحيث يبقى بشكل دائم أقوى من دول المنطقة مجتمعة تسليحاً وقوة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل، التي تعمل على حرمان المسلمين منها، سواء بقيت حالة الحرب بينها وبين دول المنطقة أو وجدت حالة الصلح والسلم.
لذلك، وأميركا هذا حالها، فيجب أن توضع على رأس قائمة أعداء الإسلام والمسلمين، وأن تتخذ حيالها حالة العداء، وأن يعمل المسلمون بكل ما أوتوا من قوة لقلع نفوذها ومصالحها، والحيلولة بينها وبين أن تبقى مهيمنة على منطقة العالم الإسلامي ومنه العربي، وأن ينظروا إلى كل تحرك من تحركاتها في العالم الإسلامي نظرة الشك والريبة وأن يعملوا على إفشاله، لأنها لا تتحرك إلا لتحقيق مصالحها، وضد مصالح المسلمين.
وهذا كما ينطبق على أميركا ينطبق كذلك على رأس الأفعى بريطانيا، كما ينطبق على فرنسا، فهما عدوتان لدودتان للإسلام والمسلمين، ولا تعملان إلا لتحقيق مصالحهما على حساب مصالح المسلمين.
2- اللقاء بيننا وبين الكيان اليهودي في فلسطين لا يجوز أن يكون إلا في ساحة الجهاد، لأنه كيان عدو كافر، اغتصب أرضاً من مقدسات المسلمين بتآمر ودعم من أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الكفر، العدوة للإسلام والمسلمين، وبخيانة وتقاعس من حكام العرب والمسلمين. والإسلام يوجب على المسلمين كافة ومنهم العرب أن يتخذوا حيال هذا الكيان اليهودي الكافر حالة الجهاد حتى يزال من أساسه، مهما كلف ذلك المسلمين من تضحيات وأموال، ومهما طال أمد الحرب مع اليهود.
3- المفاوضات مع اليهود لعقد الصلح معهم خيانة لله ولرسوله ودينه وللمؤمنين، وتنازل عن الأرض المقدسة لليهود الكفار، مهما كان شكل هذا الصلح الذي يراد التوصل إليه، سواء أكان بإعطاء الفلسطينيين دولة فلسطينية مستقلة بجانب الدولة اليهودية، أم دولة في اتحاد فدرالي أو كونفدرالي مع الأردن، أم بإعطائهم حكماً ذاتياً فقط في بعض أجزاء من الضفة الغربية وقطاع عزة.
وسواء أكانت المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة في مؤتمر سلام دولي، أو في مؤتمر إقليمي، بإشراف الأمم المتحدة، وبحضور الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أو بغير إشراف الأمم المتحدة، وإنما بإشراف أميركا وروسيا فقط.
وسواء أكان المؤتمر الذي يراد عقده قائماً على أساس فكرة مبادلة الأرض بالسلام وفق قراري مجلس الأمن 242 و338 أم كان قائماً على غير ذلك.
وسواء أكانت المفاوضات ستسير على أساس شقين، شق بين اليهود والدولة العربية، وشق بين اليهود والفلسطينيين، أم كانت ستسير على غير هذا الأساس. وسواء أكانت الوفود العربية والوفد الفلسطيني في وفد واحد، أم كانت في وفود متعددة. وسواء أكان الوفد الفلسطيني مكوناً من أعضاء منظمة التحرير، أم كان مؤلفاً من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الذين لا علاقة لهم بمنظمة التحرير.
فكل ذلك خيانة وإثم، ويحرم على أي مسلم أن يشارك فيها، أو أن يؤيدها أو أن يقبل بها. فلا صلح مع اليهود ولو على شبر من الأرض، بل حرب وجهاد حتى يهدم الكيان اليهودي في فلسطين، وحتى يطرد اليهود من أرض فلسطين الطاهرة ومن بلاد المسلمين كافة.
4- حكام المسلمين في البلاد الإسلامية، ومنها العربية يستحقون العزل. وعزلهم واجب على المسلمين. وذلك لأنهم فضلاً عن كونهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ويضعون شعوبهم في سجن كبير، فإن لهم ضلعاً تآمرياً وخيانياً في استمرار وجود الكيان اليهودي في فلسطين، وفي بقائه وتثبيته، وفي المساهمة في إيجاد هيمنة الدولة الكافرة على بلاد المسلمين وتقويتها، وفي جلب الكوارث على المسلمين وعلى البلاد الإسلامية، والتي آخرها كارثة الخليج الفظيعة، التي أذلت المسلمين، ودمرت العراق والكويت، وأوقعت آلاف القتلى وتشريد الملايين من أبنائه، والتي كان لحكام الجزيرة العربية، وحكام دول الخليج الذين استدعوا القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية وغيرها، وموّنوها ودفعوا نفقاتها، وقاتلوا معها وتحت رايتها، وغيرهم الذين ساندوا أميركا، وقاتلوا معها، وتحت لوائها إخوانهم المسلمين في العراق، ولحكام العراق الذين تسببوا فيها بزجهم العراق في الصراعات الدولية المتنافسة على السيطرة على الخليج ونفطه بتآمر من بريطانيا، والذين أساءوا التصرف، ولم يحسنوا التقدير – لا قبل الحرب ولا أثناءها ولا بعدها – ولم يعملوا على تلافي الحرب، والحيلولة دون وقوعها بعد أن رأوا ما حشدته أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم من حشود عسكرية ضخمة مزودة بأحدث الأسلحة وأقواها، حتى أتاحوا لأميركا ومن معها تدمير العراق والكويت، والقضاء على بنية العراق التحتية، وقدراته العسكرية والاقتصادية. كان لهؤلاء الحكام جميعاً أثر في هذه الكارثة الفظيعة المدمرة.
وبناء على ما تقدم فواجب على الأمة الإسلامية أن تعمل على عزل هؤلاء الحكام الذين يحكمونها، وأن تقيم مكانهم خليفة يحكم فيها بما أنزل الله.
والآن بعد الانتهاء من التأكيد على الثوابت التي يجب أن يعض عليها المسلمون بالنواجذ، والتي لا يجوز أن تغيب عن أذهانهم لحظة واحدة ليتخذوا حيالها الإجراءات اللازمة بشكل دائم، وفق ما يقتضيه الحكم الشرعي، نعرض إلى التحركات الأميركية المتلاحقة في المنطقة، فنقول: إنه وإن كانت تبرز هذه التحركات الأميركية جدية بوش في السعي للتوصل إلى حل مشكلة الشرق الأوسط في الظاهر، وإيجاد صلح بين العرب واليهود، لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وفق قرارات الأمم المتحدة، ليثبت لحلفائه من الدول العربية، الذين ساندوه وقاتلوا معه وتحت لوائه، ولغيرهم من الدول أنه جاد في السعي لإقرار السلام والأمن في العالم، وفق النظام الدولي الجديد، وحسب قرارات الأمم المتحدة، وليؤكد على مصداقيته، وأنه لا يكيل بصاعين: صاع للعرب، وصاع آخر مخالف لليهود، وإنما يكيل للجميع بصاع واحد، وفق الشرعة الدولية، والقانون الدولي، ووفق قرارات الأمم المتحدة. ولذلك أرسل وزير خارجيته إلى منطقة الشرق الأوسط، مرات متلاحقة – اغتناماً للفرصة السانحة التي نتجت عن أزمة الخليج – ليقوم بالسعي بين العرب واليهود للتوصل لحل مشكلة الشرق الأوسط، بالرغم من بروز التشدد الإسرائيلي، ورفض اليهود لفكرة مبادلة الأرض بالسلام، وتنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و338 التي نادى بها بوش في خطابه للكونغرس بعد انتهاء حرب الخليج، وبالرغم من عدم وجود بارقة أمل مشجعة على الاستمرار في هذه التحركات.
إن الناظر فيما صدر عن بوش نفسه، وعن وزير خارجيته من تصريحات، وما قامت به أميركا من تصرفات في تحركات وزير خارجيتها المتلاحقة يتبين له كذب بوش، وعدم وجود جدية حقيقية عنده لحل مشكلة الشرق الأوسط، وعدم مصداقيته، وأنه يكيل بكيلين مختلفين: كيل للعرب أعلن فيه الحرب على العراق بحجة عدم انصياعه لقرارات مجلس الأمن، ودمر قدرات العراق العسكرية والاقتصادية، وقضى على بنيته التحتية، وكيل مختلف لليهود – رغم عدم انصياعهم لقرارات مجلس الأمن من زمن طويل – اقتصر فيه على الأعمال السياسية والدبلوماسية، وألزم نفسه بها تجاه اليهود رغم إصرارهم على عدم الانصياع لمقررات مجلس الأمن، وأعلن أنه سوف لا تستعمل أميركا غيرها ضد اليهود، من مثل الإجراءات التي استعملها ضد العراق.
وهذا واضح من تأكيد بوش في خطابه أمام الكونغرس في 6/3 بعد انتهاء الخليج حيث أكد «أن مبدأ الأرض من أجل السلام يجب أن يطبق بالدبلوماسية» كما أنه واضح في تصريحات وزير خارجيته بيكر، رغم ما لقيه من اليهود من رفض لفكرة مبادلة الأرض بالسلام، ومن رفض لعقد مؤتمر السلام على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 حيث قال في 13/4 في المؤتمر الذي عقده في دمشق هو والشرع: «دعوني أقُلْ بأن هناك اتفاقاً عاماً فيما يتعلق بحقيقة أنه لا يمكن فرض الحلول على الأطراف، لذلك فإن أي مؤتمر يعقد يجب أن ألا يكون هدفه فرض الحلول، وإجراء تصويت على ذلك» وعندما سئل في نفس المؤتمر من أحد الصحفيين، بأنكم قلتم لا يمكن فرض حلول، لكن كيف ستقومون بتنفيذ قرارات مجلس الأمن في عملية السلام؟ أجاب بيكر قائلاً: «إن أفضل ما في هذه القرارات التي تخلق إطاراً للأطراف المعنية هو الجلوس حول طاولة المفاوضات المباشرة، ومناقشة خلافاتها» وفي 14/3 صرح قائلاً: «لا يمكن لأحد فرض السلام في الشرق الأوسط، إذا كانت أطراف النـزاع لا تريد مصالحة حقيقية» وهو يدرك أن اليهود هم الذين لا يريدون مصالحة حقيقية وفق قرارات مجلس الأمن، ويرفضون فكرة مبادلة الأرض بالسلام.
كما أن بيكر رد على فيصل الحسيني أثناء اجتماع الوفد الفلسطيني به عندما طلب منه الحسيني أن يمارس ضغطاً اقتصادياً على إسرائيل، فرد بيكر عليه قائلاً: «بأنه ليس مستعداً لمثل هذه الضغوط، ولكن لضغوط سياسية أو دبلوماسية فقط»
أما الأعمال والتصرفات التي اتخذتها أميركا أثناء تحرك وزير خارجيتها بيكر فكانت في كثير منها مجاراة لليهود، واستجابة لما يقدمون له من مقترحات، فاستجاب لهم بقبول أن يكون مؤتمر السلام إقليمياً لا دولياً، كما استجاب لهم بأن تكون المفاوضات مباشرة بين العرب واليهود وفي شقين، شق بين الدول العربية واليهود، والشق الآخر بين الفلسطينيين واليهود، كما استجاب لهم بأن لا يكون أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية أعضاء في الوفد، كما جاراهم في التعرض لبحث الجزئيات الشكلية والهامشيات التي يطرحونها كل يوم، والبعد عن البحث في جوهر القضية لإضاعة الوقت وتفويت الفرصة على نجاح المساعي الأميركية للسلام.
ولو كانت أميركا جادة حقيقة في حل مشكلة الشرق الأوسط، وكانت تكيل للجميع بصاع واحد، وتلتزم الشرعية الدولة، والقانون الدولي، ومقررات مجلس الأمن لبادرت بعد التصلب اليهودي، ورفض اليهود الانصياع لفكرة مبادلة الأرض بالسلام، ورفضهم تنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و338 رغم قيام بيكر بثلاث جولات في المنطقة، لبادرت برفع الأمر لمجلس الأمن ليتخذ قرارات تلزم اليهود بتنفيذ قراراته السابقة، فإن لم تلتزم فرض عليها العقوبات الاقتصادية والحصار الاقتصادي، فإن لم تستجب طلب من مجلس الأمن اتخاذ قرار بإلزامها بتنفيذ القرارات بالأعمال العسكرية كما فعل مع العراق.
لكن أنّى لبوش أن يتخذ ذلك وهو نصراني كافر، واليهود كفار مثله، والكفر ملة واحدة، واليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، كما ورد في القرآن الكريم، وهم جميعاً صف ضد المسلمين. هذا والانتخابات للرئاسة الأميركية ستبدأ في السنة القادمة، وأصوات اليهود في الولايات المتحدة لها قيمة ترجيحية في النجاح للرئاسة، ولعضوية الكونغرس.
أما هدف أميركا من هذه التحركات فهو إقامة دولة في جزء من الضفة وغزة، متحدة مع الأردن في اتحاد فدرالي، أو كونفدرالي، عقب مرحلة انتقالية لمدة ثلاث أو خمس سنوات، تشكل خلال هذه الفترة الانتقالية حكومة فلسطينية ذاتية تتمتع بالحكم الذاتي، وتوفر للفلسطينيين في الضفة والقطاع استقلالاً إدارياً، تتولاه مجلس لمختلف قطاعات النشاطات، في حين تتولى إسرائيل أثناء هذه الفترة السياسة الخارجية والأمن، وتبقى لها السيادة.
وهذا ما جعل أميركا تعود للدور الأردني، وتُبقي على الملك حسين – رغم غيظها الشديد منه لوقوفه بجانب العراق – لأنه مقبول لدى اليهود، ويمكن أن يكون مسهلاً لقبول اليهود بمنظمة التحرير، وذلك من خلال قبوله بتشكيل وفد أردني فلسطيني مشترك للتفاوض مع اليهود، وبعد انقضاء الفترة الانتقالية تقام الحكومة المتحدة مع الأردن في اتحاد فدرالي أو كونفدرالي، وبعد تحقيقها قد تسعى أميركا للإزاحة بالملك حسين، وتحول الأردن بضفتيه إلى جمهورية ذات غالبية فلسطينية.
كما أن أميركا تهدف إلى إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية وإسرائيل، وعقد صلح بينهم. ومن ثم تطبيع العلاقات بين الطرفين، وإشراك إسرائيل في الترتيبات الأمنية، والتعاون الاقتصادي، وبذلك تكون أميركا قد صاغت المنطقة وفق ما خططت لها من ترتيبات.
أما الدول العربية فليسوا مشكلة، وليست هناك من جانبهم أية عقبة في طريق الحل، فقد أبدوا استعداداً ن تكون المفاوضات في مؤتمر إقليمي، وأن تكون مباشرة بينهم وبين اليهود، وذات شقين، وأن يكون الوفد الفلسطيني مكوناً من غير أعضاء منظمة التحرير ولو في المرحلة الأولى، لذلك لا يوجد لدى أميركا إشكال بالنسبة لهم، وهم قابلون بما تريده أميركا وتمليه.
أما منظمة التحرير فإنها تتهافت على الصلح مع اليهود، وعلى إشراكها في المفاوضات، وتقبل بحكومة ذاتية مؤقتة ضمن تسوية مرحلية تبقى فيها إسرائيل مسيطرة على السياسة الخارجية والأمن والسيادة، والوجود العسكري اليهودي في الأماكن الاستراتيجية في الضفة والقطاع، على أن تؤدي هذه التسوية المرحلية إلى مفاوضات نهائية بين الفلسطينيين واليهود. وهي تعتبر أن كونها هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وإشراكها في مفاوضات الصلح مع اليهود هو جوهر القضية، وليس إنهاء الاحتلال اليهودي لفلسطين.
أما العقبة الكأداء أمام التحركات الأميركية فهم اليهود. فهم يرفضون فكرة مبادلة الأرض بالسلام، ويرفضون الانصياع لقراري مجلس الأمن 242 و338 كما يرفضون المؤتمر الدولي، ويرفضون إشراف الأمم المتحدة على المفاوضات، حتى لا يُلزموا بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ويصرون على مؤتمر إقليمي ينعقد لجلسة واحدة فقط، تؤدي إلى قيام مفاوضات مباشرة بين الدولة العربية واليهود، وبين الفلسطينيين واليهود، ويرفضون أن يكون الوفد الفلسطيني مكوناً من أعضاء منظمة التحرير أو من أي شخص له علاقة بالمنظمة، أو أن يكون من سكان القدس الشرقية لأنهم يعتبرونها أرضاً يهودية وعاصمة إسرائيل، ويصرون على أن يكون الوفد الفلسطيني مكوناً من سكان الضفة وغزة حسب خطة شامير لعام 89.
وهم يريدون الفصل بين النـزاع العربي اليهودي، والنـزاع الفلسطيني اليهودي، لمحاولة عقد معاهدات سلام جديدة مع دول عربية أخرى، على غرار مصر، حتى لو لم تكن هذه الدول لها حدود مع فلسطين. وهم يحاولون أن يأتوا كل يوم بمقترحات جديدة، ويجرّون بيكر لمحادثات في أمور جزئية ثانوية، وفي أمور هامشية لإغراقه في متاهات لا أول لها ولا آخر، لإبعاده عن البحث في جوهر القضية. وهم يصرون على بناء المستوطنات في الضفة وغزة، ويرفضون التوقف عن بنائها، ليوجدوا واقعاً جديداً على الأرض يصعب الرجوع عنه، بعد أن يجعلوا سكان المستوطنات اليهودية في الضفة وغزة أكثر من السكان العرب فيها.
وهم بكل هذه الأعمال يهدفون إلى إضاعة الوقت، وإفشال مهمة بيكر وهم يخططون إذا ما ازداد الضغط عليهم أن يلجأوا إلى حل الكنسيت، والإعلان عن انتخابات جديدة، في موعد يكون قريباً من موعد الانتخابات الأميركية. وبذلك يوقفون أثر الضغوط، ويؤجلون مساعي السلام، حتى تمر الانتخابات الأميركية، وحتى تتركز الإدارة الأميركية الجديدة، ويعملون في هذا الوقت على ملء الضفة وغزة بالمستوطنات الجديدة وإيجاد الواقع الذي يعملن على إيجاده، بغية أن يفرضوا على الفلسطينيين من أهل الضفة والقطاع، وعلى العالم أجمع الحل الذي يريدون.
والذي يغلب على الظن أن تحركات بيكر سوف لا تكون نتيجتها أفضل من تحركات من سبقه من وزراء خارجية الولايات المتحدة. وسيبقى اليهود على تعنتهم وصلفهم وإفسادهم في الأرض حتى يأذن الله للمسلمين بالقضاء عليهم، واستئصال شأفتهم. وهذا سيحصل بإذن الله ولا بد. كما ورد في الأحاديث الصحيحة. فاعتبروا يا أولي الأبصار¨
18 من شوال 1411هـ 02/05/1991