سؤال وجواب؟؟
1989/10/06م
المقالات
2,201 زيارة
السؤال 1: القتال في سبيل الله، هل لنشر الإسلام؟ أو هو يشمل أنواعاً أخرى من القتال؟
الجواب 1:
لقد شرع الله للمسلمين أن يقاتلوا لنشر رسالته وإعلاء كلمته. وشرع القتال لحماية المسلمين وحماية أموالهم وأرضهم وحماية دينهم. وشرع القتال لاستنقاذ الأموال والأرضين. وشرع القتال لنصرة المستضعفين في دار الكفر.
أما القتال لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله فقد وردت فيه نصوص كثيرة من آيات وأحاديث نكتفي بذكر بعضها، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) وقال: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
وأما القتال لحماية المسلمين وأموالهم وأعراضهم ودينهم، فهو بديهي أيضاً، فقد حارب المسلمون يوم أحد حين جاء المشركون يهاجمون المسلمين في المدينة. وقد حاربوا يوم الأحزاب وحفروا الخندق لحماية أنفسهم وأموالهم ودينهم. وقال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قُتِل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد». وهذا القتال الذي هو للحماية ينطبق عليه أنه قتال في سبيل الله مثل القتال لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله.
وأما القتال لاستنقاذ الأموال التي غصبها الكفار من المسلمين، فإنه داخل في قتال حماية الأموال. فحديث «من قتل دون ماله فهو شهيد» يشمل استنقاذ المال بعد غصبه كما يشمل حماية المال من الاغتصاب. والأرض والبيوت هي من المال، وتأخذ بعض الأحكام الزائدة عن المال من نقود وثمار ومواش. ولذلك فإن القتال لاستنقاذ فلسطين والأقصى، واستنقاذ بقية بلاد المسلمين المغصوبة هو قتال في سبيل الله.
ولا يكون للمقاتل أي أجر إذا لم تكن عند النية على أنه يقاتل في سبيل الله. القتال هو من العبادات، والنية ركن في العبادات. جاء في الحديث الشريف: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حميّة ويقاتل رياءً، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله» وجاء في روايات أخرى: «يقاتل للمغنم» و«يقاتل غضباً». قال الشوكاني في نيل الأوطار: (والحاصل من الروايات أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء: طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب). فمن كانت نيته أنه يقاتل لأن الله شرع له هذا القتال وكان فعلاً قتالاً مشروعاً فهو في سبيل الله وإن كان لتحصيل حقوقه وحماية عرضه ونفسه وماله. وما دام القتال من العبادات فهو مشمول بالحديث الشريف: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى».
وأما القتال لنصرة المستضعفين فقد قال الله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) والآية نزلت في المستضعفين من مسلمي مكة الذين لم يستطيعوا الهجرة، ولكنها ليست خاصة بهم، وليست خاصة بالمستضعفين من المسلمين بل هي تعم المستضعفين من غير المسلمين. وهذا القتال لنصرة المستضعفين في دار الكفر يكون حسب استطاعة الدولة الإسلامية. وما دام قتالاً مشروعاً أَمَرَ به الله فهو في سبيل الله، ولو جاء عطفاً على (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) والعطف لا يدل دائماً على المغايرة، فقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ) لا يعني أن الذين في الأرض غير الذي في السماء.
ومن باب القتال لنصرة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الموجودين في دار الكفر، القتالُ لنصرة المسلمين الذين يعيشون في دار الكفر ويحملون تابعية دار الكفر لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ).
ومن باب القتال لحماية الدين والمحافظة على وحدة المسلمين قتال البغاة الذين يخرجون عن طاعة خليفة المسلمين، وقتال الفئة الباغية. وكذلك قتال الحاكم الذي يحكم بأنظمة الكفر البواح.
كل هذا يعتبر قتالاً في سبيل الله.
السؤال 2: الحاكم الذي يحكم بأنظمة الكفر البواح، لا يُتصوّر منه أن يقاتل في سبيل الله، فهل يجوز القتال تحت قيادته؟
الجواب 2:
الحاكم الذي يزعم أنه مسلم يكون القتال تحت رايته واجباً، وللنظر كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صوّر لنا الحاكم بفسقه وفجوره ثم أمرنا أن نقاتل تحت قيادته. قال عليه وآله الصلاة والسلام: «وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس، قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» وقال: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر».
فحين يصوّر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الحاكم بأنه فاجر وبأن قلبه قلب شيطان (أي هو في حقيقته كافر) وبأنه يعمل الكبائر، ولكنه مع ذلك يزعم أنه مسلم. ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسمع له ونطيع (فيما عدا المعصية)، وأمرنا أن نقاتل تحت قيادته. لقد كان رسول الله يعلم عن طريق الوحي هذه الأوضاع وبيّن لنا الأحكام. فلا يقال: (لا يتصور من أمثال هؤلاء الحكام أن يقاتلوا في سبيل الله). إذا كان هؤلاء الحكام الذين يحكمون بالكفر البواح وقلوبهم قلوب الشياطين يحاربون المسلمين فلا يجوز القتال معهم، وإن كانوا يقودون المسلمين لمحاربة الكفار فالقتال تحت رايتهم واجب. فمثلاً إذا قاتلوا إسرائيل فالقتال واجب وإذا قاتلوا فرنسا فالقتال واجب، وإذا قاتلوا أية دولة كافرة أو أية فئة كافرة فالقتال معهم واجب، حتى لو كانت نيتهم لغير الله، ولو أعلنوا أنهم يقومون بعمل قومي أو وطني ما دام هذا العمل في حقيقته من الأعمال المشروعة. والجندي الذي يقاتل وتكون نيته لله لا يضره قائده أو حاكمه الذي تكون نيته لغير الله.
أما إذا كان الحاكم كافراً علناً، وليس فقط يحكم بأنظمة الكفر، فإن الحكم الشرعي يختلف، فلا يجوز القتال تحت راية الحاكم الكافر ولو قاتل في سبيل القومية أو الوطنية، فالمسألة ليست معللة بالشعار الذي يرفعه الحاكم أو الهدف الذي يعلنه، وليست مبنية على حقيقة عقيدته، بل هي مبنية على ما يظهره الحاكم من كونه مسلماً أو كافراً، وعلى واقع العمل من كونه مشروعاً أو حراماً.
السؤال 3: ورد في «الوعي» العدد 25 والعدد 26 ما خلاصته أن الحكام الحاضرين طاعتهم واجبة في شؤون الحرب، وأن من يخالف أوامرهم يكون آثماً. ثم ورد على غلاف العدد 28 ثناء على شخص (فريد علي مصطفى) الذي خالف حكام الأردن واجتاز الحدود ليقاتل اليهود. أليس هذا تناقضاً؟
الجواب 3:
السؤال دقيق، ولكن التدقيق أكثر يظهر أن لا تناقض. وسنضرب مثلاً للإيضاح: شخص يقلد المذهب الشافعي يرى أن لمس المرأة ينقض الوضوء فيحرم على اللامس أن يصلي دون إعادة الوضوء. وشخص يقلد المذهب الحنفي يرى أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، فيلمس ويصلي. إذا سألت الشافعي يقول لك: الوضوء منقوض فالصلاة باطلة وفاعل هذا آثم، ثم نرى هذا الشافعي يصلي مع هذا الحنفي في جماعة واحدة، ويدعو له: تقبل الله طاعتك. أي أنّ وضوء اللامس في نظر الشافعي يكون منقوضاً في حق الشافعي وليس في حق الحنفي، وفاعل هذا يأثم إذا كان على رأي الشافعي ولا يأثم إذا كان على رأي الحنفي.
والمسألة التي عالجتها المجلة هي من المسائل الخلافية، والمجلة أعطت رأيها وبينت الحكم الشرعي الأقوى. والقاعدة هي أن الذي يتصدى لإعطاء حكم شرعي عليه أن يعطي الحكم الذي رآه أقوى، دون أن يقول: هذه مسألة خلافية وفلان قال فيها بكذا وغيره قال بكذا، ولا يتعرض لبسط الخلاف إلا حيث تدعو الحاجة.
وإنكم لترون أن هذه المسألة من المسائل الدقيقة التي قد تخفى على بعض العلماء فضلاً عن العوام.
والأمر الراجح عند المجلة أن شخصاً مثل (فريد علي مصطفى) يرى في اليهود عدواً خبيثاً، ويرى في حكامه عملاء للعدو مفرطين بالبلاد والعباد والدين، إن شخصاً كهذا لا يفهم إلا أن الإسلام يحضه على مخالفة حكامه ليقاتل أعداءه. فالأمر الراجح أن نيته لله وأنه يقلد في عمله من يرى مشروعية ذلك.
ونحن لا يسعنا أن نقول له ولأمثاله إلا: بارك الله بكم، وندعو الله أن يقبل طاعتكم ويكتبكم عنده من الشهداء.
والأمر هكذا في كل مسألة خلافية. فإذا تبنى الخليفة رأياً في المسألة فإن رأيه يرفع الخلاف ويصبح واجب الالتزام، والذي يخالفه يكون آثماً، ولا تبرأ ذمته بتقليده لمذهب مجتهد آخر.
السؤال الرابع: ورد في العدد 28 من «الوعي»: (لا يجوز للأفراد أن الأحزاب أخذ رهائن أو معاقبتهم أو قتلهم سواء كانوا من أهل البد أو من الذين دخلوا البلد بإذن الحاكم). مع أن بلالاً رضي الله عنه حين رأى أمية بن خلف أسيراً مع عبد الرحمن بن عوف أخذه منه وقتله؟
الجواب 4:
إن ما فعله بلال رضي الله عنه لا ينطبق على اخذ الرهائن. أمية بن خلف هذا هو الذي كان يعذب بلالاً في مكة لأنه أسلم، وهو الذي كان يأمر بوضع الصخرة على صدره في الحر، وبلال ثابت على قوله: أحد، أحد، وفي معركة بدر رأى بلال أمية بن خلف يسير مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان قد أسره عند هزيمة المشركين وأراد حمايته من أجل أن يأخذ فديته. فأراد بلال قتله وأراد ابن عوف حمايته، فاستعان بلال ببعض الصحابة وقتله، وكان ذلك أثناء المعركة. ويجوز شرعاً للجنود أن يقتلوا أعداءهم في المعركة حتى لو استسلموا. أما إذا أسرت عدوك ونقلته أسيراً من أرض المعركة إلى أرض غيرها فلا يجوز لك بعد ذلك أن تقتله. أو إذا انتهت المعركة ومعك أسرى فإنه لا يجوز لك قتلهم. ولكن إذا كانت المعركة ما زالت دائرة والأسير ما زال في أرض المعركة فإنه يجوز قتله. وقد عاتب الله يؤمئذ رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يقتل الذين استسلموا بل أخذوهم أسارى طمعاً بفديتهم، قال تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ).
فما ورد في المجلة في شأن حكم الرهائن صحيح وعمل بلال رضي الله عنه لا علاقة له بذلك من قريب ولا من بعيد.
أما، إذا كان هناك رأي فقهي آخر يخالف رأينا فنحن نعتبر رأينا هو الصواب، ولذلك فنحن نبين الرأي الصواب وندعو إليه.
1989-10-06