الحرب الفكرية بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية
1991/12/06م
المقالات, كلمات الأعداد
2,038 زيارة
إنها حرب وليست معركة واحدة. والمهم كسب الحرب في النهاية وليس كسب بعض المعارك فقط. ونحن نفضّل الآن الحرب الفكرية وليس الحرب بالسلاح. الغرب أقوى من المسلمين الآن بالسلاح، ولكن المسلمين أقوى من الغرب في أفكار المبدأ الإسلامي.
الظروف التي يمرّ فيها العالم الآن تحتم اشتداد هذه الحرب واحتدام المعارك الفكرية، والأمل معقود والمؤشرات تدل على أن المسلمين سيخرجون من الحرب ظاهرين ظافرين بتوفيق الله.
ولكن على المسلمين أن لا يتقاعسوا ولا يتواكلوا ولا يتخلف منهم أحد، كلٌّ حَسَبَ طاقته. وهذه الحرب بحاجة إلى توجيه وتخطيط، وهي أيضاً بحاجة إلى إعداد عُدتها وبذل الجهود والتضحيات بالأموال والراحة والشهوات من أجل إعلاء كلمة الله وإحقاق الحق وإبطال الباطل.
ونحن، في هذه الكلمة، سنحاول وضع رؤوس أقلام لمشروع خطة لهذه الحرب المباركة آملين أن تكون مساهمة في التخطيط وخطوة في التعبئة، وراجين أن ينهض أهل الفكر والعزيمة من المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، لأن يضعوا خططاً أفضل، وأن يقدموا تضحيات أكبر، وأن يبذلوا جهوداً أقوى.
لو كان للمسلمين دولة تطبق الإسلام لكانت هي التي تتولّى التخطيط والتنفيذ، وسائر المسلمين يدعمونها. والدولة تضيف إلى الحرب الفكرية حرباً مسلحة. أما وإنه لا توجد الآن للمسلمين دولة تقوم بذلك فقد أصبح هذا الدور من واجب الأحزاب والحركات الإسلامية ومن واجب العلماء والمفكرين والدعاة، ومن واجب كل قادر. ونطرح الآن النقاط التالية:
1- تشكيل لجنة (لا يقل أعضاؤها عن خمسة) يتدارس أعضاؤها برنامج عملهم ويجب أن يكونوا مقتنعين به ومتحمسين له ومستعدين لتحمّل أعبائه.
2- تقوم هذه اللجنة بوضع لائحة بأسماء عدد كبير من أهل الفكر المسلمين، وخاصة الذين عندهم معرفة عميقة بالحضارة الغربية وعندهم قدرة في اللغات الغربية، وغالباً ما يكون هؤلاء عاشوا فترة في البلاد الغربية. والأصل أن تشمل هذه اللائحة المسلمين المؤهلين من جميع بلاد العالم، ومن جميع الأحزاب والحركات والمذاهب الإسلامية، فالمعركة هي معركة الأمة الإسلامية جميعها.
3- تقوم هذه اللجنة بوضع كتاب يتضمن المادة الفكرية التي ستكون السلاح في هذه الحرب: السلاح الهجومي على الحضارة الغربية للإجهاز عليها، والسلاح الدفاعي ضد التشويه والتضليل والافتراءات الغربية.
4- يقوم أعضاء هذه اللجنة، فرادى أو مجتمعين أو حسب المناسب، بالاتصال بالمفكرين المسلمين الموضوعين في اللائحة (المذكورة في البند رقم 2) ليناقشوهم بخطة العمل وبرنامجه وبالمادة الفكرية التي ستكون سلاح الحرب الفكرية. الأصل أن تحصل تعديلات وتحسينات في الخطة والبرنامج والمادة الفكرية على ضوء المناقشات بين أعضاء اللجنة والمفكرين المسلمين ولا بأس أن يضاف على لائحة المفكرين المسلمين أسماء جدد مناسبون. وليس الغرض من الاتصال والنقاش بين أعضاء اللجنة والمفكرين المسلمين هو تنقيح الخطة والبرنامج والمادة الفكرية فقط، بل الغرض الأول هو تعبئة المفكرين المسلمين للقيام بأعباء الحرب الفكرية بين الإسلام والحضارة الغربية. ستبقى هناك اختلافات فكرية بين أعضاء اللجنة وكثير من المفكرين المسلمين، وهذا أمر طبيعي ولا ضرر في ذلك. ولكن، مع ذلك، لا بد من شيء من التنسيق والتعاون، وكلما كان ذلك أكثر كان أحسن.
5- تقوم اللجنة بوضع لائحة بأسماء عدد كبير من المفكرين الغربيين. ويُتَوخّى أن تشمل هذه اللائحة أشهر واقدر أهل الفكر عند الغرب، ونقصد أولئك الذين يُعتبرون فلاسفة الحضارة الغربية وحُماتَها المدافعين عنها، والذين يزينونها للعالم ويحاولون رفع لوائها ونشرها. والقصد من ذلك هو الاتصال بهؤلاء (حُماة الحضارة الغربية) لمناقشتهم في العمق من أجل هزّ قناعاتهم وخلخلة دعائمهم وصرفهم عن الحضارة الغربية الفاسدة إلى حضارة الإسلام.
6- ومن أجل أن يتم النصر في معركة فكرية بين مفكر مسلم ومفكر غربي (النصر للمسلم) لا بد من الإعداد والاستعداد. لا بد من اختيار المفكر المسلم المناسب لمنازلة ذلك المفكر الغربي، وهذا عادة يتطلب أن يحاوره بلغته فيجب أن يكون المفكر المسلم مالكاً لناصية تلك اللغة. ويتطلب أن يقرأ المفكر المسلم المؤلفات أو الأبحاث التي كتبها المفكر الغربي الذي يمجّد فيها حضارة الغرب ويدافع عنها ويزيّنها ويوجد لها المبررات، وتلك التي قد يكون تناول فيها حضارة الإسلام ونقدها وذمها. وعلى ضوء ذلك يضع المفكر المسلم خطة الهجوم لتقويض كل أوهام المفكر الغربي.
7- بعد المناقشة (أو مناقشات عِدّة) التي تتم على نطاق ضيّق بين مفكرين مسلمين ومفكرين غربيين، لا بد أن تجري الدعوة لإجراء مناقشات عامة أو ندوات (مناظرات) بين بعض أبرز رجال الفكر الغربي ومفكرين مسلمين مستعدين. وهذه المناظرة يفضل أن تحصل على الملأ أمام وسائل الإعلام وأن يتم تسجيلها على أشرطة الكاسيت والفيديو ليتم نشرها وتعميمها على المسلمين وعلى الغربيين.
8- المناقشات على النطاق الضيّق (المذكورة في البند رقم 6 أعلاه) والمناقشات العامة، أي المناظرات (المذكورة في البند رقم 7 أعلاه) لا تقتصر على مرة فقط أو مرات قليلة بل لا بد أن تحصل آلاف اللقاءات والمناقشات والمناظرات. فهي تشمل كل مفكر مسلم، إذ عليه أن يبحث عن المفكرين الغربيين ويرتب هو اللقاء، ويعتني هو بما يلزمه من إعداد واستعداد. أما اللجنة فإنها تعتني (حسب استطاعتها) بجانب فقط، ولا تستطيع أن تقوم بالحمل كله نيابة عن الأمة. وتكون ساحة هذه المناقشات والمناظرات هي العالم بأسره، ولكن زخمها سيتركز تلقائياً في البلاد الإسلامية وفي البلاد الغربية التي تعتبر نفسها أمّ الحضارة الغربية ورائدتها.
9- هذه المناقشات والمناظرات يجب أن تحصل بين أبناء الأمة الإسلامية فيما بينهم. إذ أنه يوجد عدد كبير من أبناء المسلمين فُتنوا بحضارة الغرب وصاروا يدافعون عنها وكأنهم من أبنائها، وألّفوا كتباً وشكلوا أحزاباً وحركات للدعوة إليها. وهؤلاء لا بد من الدخول معهم في صراع فكري لإزالة الغشاوات عن أبصارهم، وتعرية الحضارة الغربية أمامهم كي يبصروها على حقيقتها العفنة الفاسدة، وكي يأخذوا العقيدة الإسلامية، والحضارة الإسلامية، ويعودوا إلى صف المسلمين. وهؤلاء المفتونون بثقافة الغرب وطراز عيشه سرعان ما يعودون عن غيّهم حين يرون أساطين الحضارة الغربية يتساقطون حيارى لا يدرون كيف يدافعون عنها.
10- قد يقول قائل: إن أية حضارة يجب أن تكون لها دولة تحملها وتدافع عنها وتطبقها ويراها الناس مجسدة بشكلها الكامل في مجتمع من أجل أن تكون قادرة على مصارعة الحضارات الأخرى. وهذا أمر جيّد ولكنه ليس ضرورياً. فالفكرة الإسلامية صارعت ما كان موجوداً عند العرب من عقائد وعادات ونظم، واستطاعت أن تدحر كل ذلك وتقيم الدولة الإسلامية على أنقاضه في المدينة المنورة ثم توسعت. والأفكار الشيوعية استطاعت أن تصارع الأفكار الرأسمالية وأن تصرعها وأن تقيم دولة في روسيا ثم توسعت. والآن سقطت الأفكار الشيوعية رغم وجود دولة ضخمة لها أو منظومة من الدول. نجحت حين ظنوها صحيحة رغم عدم وجود دولة لها، وسقطت حين كشفوا فسادها رغم وجود دولة لها. والحضارة الإسلامية واضحة المعالم فهي بقيت مطبّقة ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً.
11- المراكز الإسلامية والمساجد المنتشرة في بلاد الغرب يجب أن تكون مراكز لإدارة دفة المعارك الفكرية، هذه المراكز والمساجد يشرف عليها غالباً موظفون يقبضون رواتبهم من هذه الدولة أو تلك، ولذلك فهم موجودون لتنفيذ التعليمات التي تصدر إليهم من الدولة التي وظفتهم، وليس همّهم الأول هو حمل الدعوة الإسلامية. ولكن هؤلاء مسلمون ويمكن بعد شيء من الجهد تعئبهم ودفعهم لأن يصبحوا في طليعة هذه المعارك الفكرية مع بقائهم موظفين ويقبضون رواتبهم من دولهم. وخاصة أن هذه المعارك الفكرية ليست بين أحزاب إسلامية أو مذاهب إسلامية فيما بينها، بل هي بين إسلام وكفر، بين حضارة إسلامية وحضارة غربية. حتى منظمة العالم الإسلامي وما شابهها يجب إشراكها في هذه المعارك.
12- هذه الحرب الآن ليسن بين النصرانية والإسلام كما قد يُخيّل إلى بعض الناس. إنها بين الرأسمالية والإسلام. أبناء الأمة الإسلامية الذين فُتِنوا بالغرب لم يُفْتنوا بالديانة النصرانية بل فُتِنوا بما يُسمّى العلمانية أو الليبرالية أو الحريات أو فصل الدين عن الدولة وعن الحياة وبما يُسمى بالديمقراطية. إذاً الحضارة الغربية هي غير الديانة النصرانية وغير الديانات الأخرى الموجودة في العالم. نعم الكفر كله عدو للإسلام، ولكنّ الكفر الذي غزا بلاد الإسلام، وهدم الدولة الإسلامية وألغى الخلافة الإسلامية، وأثر في عقائد المسلمين وأخلاقهم وأذواقهم، وحل محل أنظمتهم، وما زال يوجه حكامهم ويستعمر بلادهم، ويمنعهم بالقوة من العودة إلى دينهم، ويسلط عليهم اليهود وغير اليهود… هذا الكفر هو العدو الأول الآن، وهذا الكفر هو الحضارة الغربية بزعامة أميركا وحلفائها الذين تعاونوا على المسلمين في حرب الخليج.
13- الفكرة الشيوعية فشلت وسقطت. والمنظومة الاشتراكية انفرطت. والاتحاد السوفياتي تفكك وانهار. حصل كل ذلك ولم تنفعه الآلة العسكرية، ولم تُغْنِ عنه الأسلحة المتطورة والصواريخ النووية. ذلك لأنه انهار من الداخل. وقديماً قال الشارع:
نُعِدُّ المَشْرَفِيَّة والعَوالي وتَقْتتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ
وكل ما فعله الغرب لتدمير المعسكر الاشتراكي هو سباق التسلح كي ينكشف المعسكر الاشتراكي من ناحية اقتصادية. وقد حصل ذلك. وقع اعتبر بعض المراقبين أن تدمير المعسكر الاشتراكي خلال السنتين الماضيتين هو الحرب العالمية الثالثة، أي أن الحرب العالمية الثالثة حصلت بالفعل، وتمت الغلبة فيها للمعسكر الغربي، وتمت تصفية المعسكر الاشتراكي أو هو ما زال على قيد التصفية. إذاً بدأت الحرب العالمية الثالثة بدون سلاح، واستمرت بدون سلاح، وانتهت بدون سلاح إلا سلاح الحرب الاقتصادية عن طريق سباق التسلّح. والآن نحن نستعد ونُعِد للحرب العالمية الرابعة التي بدأت بدون سلاح وستستمر بدون سلاح والتي ستنتهي بدون سلاح إلا سلاح الحرب الفكرية المبدئية عن طريق الصراع الفكري الساحق بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب. والغلبة فيها بإذن الله للإسلام، وقيام الخلافة الراشدة.
14- الحضارة الغربية أصبح أكثر أهلها الآن يلمسون فسادها وعفونتها. وقد سبق أن بيّنا فسادها وعدم صلاحيتها للبشرية في كلمات سابقة. وبيّنا ذلك في بحث القيادة الفكرية في نظام الإسلام. وقد بيّن ذلك غيرنا في مقالات كثيرة وكتب كثيرة وهذه الأمور يجب تفصيلها في الكتاب الذي أشرنا إليه واقترحناه في البند رقم 3 أعلاه، والذي يتضمن المادة الفكرية التي تشكل السلاح لهذه الحرب.
15- المفكرون الغربيون ستكون ردة فعلهم مهاجمة الإسلام والحضارة الإسلامية. وسيتناولون الموضوعات التي سبق أن تناولها المبشرون والمستشرقون من قبل عندما قاموا بالغزو الفكري للمسلمين، ومن ذلك: فكرة الجهاد في الإسلام، وفكرة انتشار الإسلام بالسيف، وفكرة تعدد الزوجات، وفكرة الجمود على تعاليم قديمة وعدم التطور مع العصر، وفكرة الاستسلام للقدر، وفكرة أن الصحابة حارب بعضهم بعضاً، وفكرة أن السنة مشوك في قسم منها، وفكرة أن هناك من يطعن بالقرآن… الخ. وهذه الأمور يحسن بمن سيدخل النقاشات والمناظرات مع المفكرين الغربيين أن يكون على دراية بها وعلى دراية بالرد الصحيح عليها. ولكن الأصل أن نكون نحن المهاجمين وأن تكون حضارتهم هم موضع النقد والنقض.
16- حين يكون اهتمام علماء المسلمين ومفكريهم وقادة الرأي بينهم منصبّاً على هذه المعركة سيشتغل كثير من علماء المسلمين بتأليف الكتب وكتابة المقالات في هذا الحقل: حقل تعرية الحضارة الغربية وبيان زيفها وعفنها وخطرها على الإنسانية. ليسوا بحاجة لأن يعملوا الدعايات ضدها بل يكفي أن يُعَروّها ويزيلوا الستارات الخادعة عنها والبهارج الزائفة التي تستر عيوبها، يكفي ذلك لأن يجعل اتباعها والمبهورين بها يرونها على حقيقتها وينفضّون عنها كما انفضّوا عن الماركسية، وهذا سيجعل مصيرها الانهيار من الداخل كما انهارت الماركسية.
17- (الوعي) لا تقوم عن المسلمين بهذه المهمة بل هي مجرد محرك وموجه، وكل من يجد في نفسه القدرة على القيام بهذا أو بشيء منه أو أحسن منه أن يتوكل على الله ويتحرك
1991-12-06