زوال الكيان اللبناني: ما أثره؟
1989/09/06م
المقالات, كلمات الأعداد
1,851 زيارة
جاء في تقرير اللجنة الثلاثية (فهد، الحسن، بن جديد): «أن الأزمة اللبنانية التي بقيت أربعة عشر عاماً من دون حل أصبحت تشكل مصدر خطر عظيم على العالم العربي بسبب تزايد احتمالات التقسيم والتجزئة في لبنان».
وكان الملك حسين وصدام حسين في اجتماعهما في بغداد في 18/08/89 (بحضور عرفات) أعلنا أنهما: «اتفقا على وجوب مسارعة الزعماء العرب إلى مواجهة التهديدات الخطيرة التي تحيق الأمن العربي نتيجة الوضع الراهن في لبنان».
ونشر ريمون إده مقالاً في 16/08/89 في صحيفة (لوموند9 الفرنسية قال فيه: «يجب أن تتفق أميركا وروسيا على إنقاذ لبنان حالاً، إلا إذا كانتا متفقتين على تقديمه هدية إلى جارتيه إسرائيل وسوريا. سيكون ذلك بداية لبلقنة المنطقة».
وقالت جريدة النهار البيروتية (اميل خوري) في 19/08/89: «اللجوء إلى الحلول العسكرية الخطرة قد تشعل المنطقة وتهدد السلام العالمي فيها، وتعرضها لخطر البلقنة، وهو ما حذر ويحذر منه حسني مبارك والملك حسين».
وقال الشيخ زايد في 23/08/89: «لن نسمح مهما بلغ البذل والتضحية بسقوط لبنان لأن سقوطه هو سقوط العرب وسقوط الجامعة. كذلك لن نرضى بأن تنشأ سابقة السماح بتفتيت وطن عربي فيما يتفرج أشقاؤه من دون تدخل علني وصريح، وإلا صارت تلك قاعدة».
كلام الشيخ زايد هذا يفسر سبب القلق الذي يعتمل في نفوس حكام العرب. إنهم يخشون أن تكون سابقة وتصير قاعدة. قطر قوي يضم إليه قطراً صغيراً، أو يضم إليه قسماً من هذا القطر. إذا حصل ذلك بين سوريا ولبنان فإن الأردن سيكون معرضاً لهذا المصير، والعراق سيكون كذلك، ودول الخليج بها فيها السعودية ستكون معرضة لذلك ودول أخرى كثيرة ستتوقع هذا المصير.
إنهم لا يخافون على لبنان بل يخافون على أنفسهم، ويفكرون بالمثل القائل: أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأسود.
يريد العرب أن يظلوا 22 دولة ولا يريدون أن يتوحدوا، ولا يريدون أن ينضم بعضهم إلى بعض. هل هذه رغبة شعوب العرب أو حكام العرب؟ إنها رغبة الحكام، إنما شهوة أصحاب الكراسي ليحافظوا على كراسيهم، الشعوب براء من هذه الرغبة. الشعوب تتوق للوحدة لأن في الوحدة قوة وفي التفرق ضعف، لأن الله أمر بالوحدة ونهى عن الفرقة، أمر بوحدة المسلمين جميعاً وليس العرب وحدهم. المسلمون اليوم 44 دولة. يقول الله تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا[ وقد فرض الله على المسلمين أن يكونوا دولة واحدة تحت راية خليفة واحد مهما كثر عددهم ومهما اتسعت رقعة بلادهم، وجميع أئمة الدين متفقون على ذلك. فمن أين جاءتنا بدعة التفرق والتمزيق لنصبح 44 قطعة، وليصبح العرب وحدهم 22 مزقة. هل شعوبنا أرادت ذلك؟ هل مصلحتنا تتطلب ذلك؟ هل العقل السليم يرتاح لذلك؟ معاذ الله، إنه عدونا الكافر المستعمر عدو العرب وعدو المسلمين هو الذي فرقنا ومزقنا ليسهل عليه إذلالنا واستعمارنا على قاعدة (فرِّق تَسُد).
الذي يسمع الحكام يقولون بأنهم ضد تقسيم لبنان وضد بلقنة المنطقة وضد تقسيم بقية الأقطار يتوهم أنهم فعلاً ضد التقسيم وضد التفتيت وضد التجزئة. ولكن ما هذا الذي أنت فيه، حينما تكونون 44 قطعة أو 22 مزقة، أليس هذا تفتيتاً وتقسيماً؟! لماذا تقبلون بذلك وتحافظون عليه إذا كان التقسيم والتفتيت عيباً؟ أم أن أحدكم يرفض التقسيم خشية أن تذهب قطعة من مقاطعته فيكون رفضه للتقسيم من أجل الطمع الشخصي وليس حباً بوحدة البلاد ومصلحة العباد.
إن زوال الكيان اللبناني هو غير زوال لبنان، إن زوال الكيانات الـ 22 أو الـ 44 ليس زوالاً للأرض التي تقوم عليها هذه الكيانات ماذا لو عاد لبنان جزءاً من بلاد الشام؟ وماذا لو عاد الأردن والعراق وفلسطين وسوريا ولبنان دولة واحدة في بلاد الشام؟ وماذا لو عادت بلاد الشام ومصر والسودان والحجاز واليمن والخليج وشمال أفريقيا دولة واحدة؟ وماذا لو عادت بلاد العرب والترك والعجم والباكستان والهند وأندونيسيا وسائر بلاد الإسلام دولة واحدة.
لماذا تخشون من دمج قطرين متجاورين معاً (لبنان وسوريا مثلاً) وتعتبرون ذلك سابقة خطرة وتخافون أن تصبح قاعدة تسري على أقطاركم الواحد تلو الآخر؟!
رُبَّ قائل يقول: إذا كان دمج قطرين برغبة أهلهما فليكن أما دمجهما باستيلاء أحدهما على الآخر فهو خطأ.
إذا نظرنا إلى لبنان نجد أن أهله هم أهل الشام ولبنان لم ينفصل عن سوريا حتى هذه اللحظة. ففي أيام المتصرفية سنة 1864 لم يُفصل عن الدولة العثمانية وفي سنة 1915 ألغت الدولة العثمانية المتصرفية. وفي سنة 1920 صار لبنان مع سوريا تحت الانتداب الفرنسي فأضافت فرنسا أقضية جديدة إلى حدود المتصرفية القديمة وبقيت سوريا ولبنان معاً تحت الانتداب. ولما حصل الاستقلال الشكلي على الانتداب لم يحصل بين سوريا ولبنان تمثيل دبلوماسي لأن البلدين قطر واحد، وما زال هذا الأمر قائماً حتى الآن.
وإذا حصل استفتاء الآن في لبنان على الانضمام إلى سوريا فإن حوالي 60% من النصارى و97% من المسلمين سيقولون: نعم علماً أن النصارى يشكلون دون ربع أهل لبنان. أي أن أهل لبنان يريدون الوحدة مع سوريا.
وهذا شأن جميع البلاد العربية والإسلامية. إنها كلها تريد الوحدة ولكن الحكام العملاء وأسيادهم المستعمرين يمنعون ذلك.
وعلى فرض أن بعض الشعوب تريد الانفصال وترفض الوحدة هل يتم الرضوخ لإرادتها أو تجبر على الوحدة جبراً؟ ولو راعينا إرادة الانفصال عند بعض الشعوب لوجب الآن فصل جنوب السودان عن شماله، ولكان وجب اقتطاع قسم من العراق ومن إيران ومن روسيا وتركيا وسوريا من أجل وطن للأكراد. وإذاً لما بقي قطر في العالم إلا وتمزق بناء على الرغبات المتقلبة عند الشعوب والقبائل.
وكما يسوغ للحكام أن يحارب الفئة التي تريد أن تمزق الدولة يسوغ له أن يحارب الفئة التي تريد أن تحافظ على التمزق أو الانفصال الموروث.
العرب لم يكونوا 22 دولة والمسلمون لم يكونوا 44 دولة. في أيام الاستعمار الحديث حصل هذا التمزيق لمصلحة هذا الاستعمار وضد مصلحة الأمة وضد عقيدتها. وكل من يريد أن يحافظ على هذه التجزئة والتفرق والتمزق هو خائن لأمته ولعقيدته وهو عميل لهذا الاستعمار الكافر.
وقد نجح هذا الاستعمار في إقناع نفر من أبناء هذه الأمة بأن هذه التجزئة هي لمصلحتهم وقال لهم: هذا استقلال وهذه حرية، وأغراهم بالمحافظة عليها.
إن داء أمتنا اليوم آت من عدم تحكيم الشرعية الإسلامية ومن تمزيق الأمة ومن التخلف الفكري (وليس الاقتصادي).
إذا كان الحكام يرون في زوال الكيان اللبناني زوالاً ليكاناتهم فمرحباً بهذا الزوال. الشيخ زايد يقول بلسان الحكام: زوال كيان لبنان هو زوال للجامعة العربية وزوال للكيانات العربية. والشعوب تقول: هذا هو مطلبنا وهدفنا.
عندما تردد جيش مؤتة في مصادمة العدو (الذي يفوقهم بثلاثين مرة) قال لهم عبد بن رواحة رضي الله عنه: «إن التي ترهبون لَلّتي خرجتم تطلبون: الشهادة». والذي يخوفنا الحكام الآن من حصوله هو عينه الذي نريد الحصول عليه.
1989-09-06