سؤال وجواب؟
1989/08/06م
المقالات
2,546 زيارة
السؤال: في كتب السيرة والحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من حجة الوداع حبس الناس في مكان بين مكة والمدينة يقال له «غَديرُ خُمّ» وخطبهم، ومما قاله: «من كنت مولاه فعليّ مولاه». ما هو الداعي لحبس الناس وخطابهم؟
الجواب:
قُبَيْلَ حجة والوداع تلك وبعد الفراغ منها مباشرة وصلت إلى مسامع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلمات فيها طعن بعلي رضي الله وسمع هذا الكلام من ناس كثير وكان هذا الكلام جديداً وقد فشا في قسمٍ من الحجيج. فأراد صلى الله عليه وسلم أن يصحح الموقف ويقطع دابر هذا الكلام قبل أن يتفرق الناس وتنتشر الأقاويل، فيصبح بعد ذلك من العسير التصحيح والتفهيم.
أمّا ما هي هذه المطاعن ولماذا جاءت في هذا الوقت فإليك البيان:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل خالد بن الوليد على رأس جيش إلى اليمن قبل بضعة أشهر من حجة الوداع. وقد روى الإمام أحمد في مسنده: (عن عبد الله بن بُريْدةٍ قال: حدثني أبو بُريْدةُ قال: أبغضتُ علياً بُغضاً لم أُبْغضه أحداً قط، قال: وأحببتُ رجلاً من قريشٍ لم أحبّه إلا على بغضه عليّاً. قال: فبُعث ذلك الرجل على خيل، فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه علياً. قال: فأصبنا سَبْياً، قال: فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعث إلينا من يخمّسه. قال: فبعث إلينا علياً، وفي السّبْيِ وصيفة من أفضل السبي. قال: فخمّس وقسَم فخرج ورأسه يَقْطُر، فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ فقال: ألمْ تَروْا إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فإني قسَمتُ وخمّستُ فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل عليّ ووقعتُ بها. قال: فكتب الرجل إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: ابعثني. فبعثني مصدقاً. قال: فجعلتُ أقرأ الكتاب وأقول: صَدَقَ. قال: فأمسكَ يدي والكتاب فقال: «أتبغض علياً» قال: قلت: نعم. قال: «فلا تبغضه، وإن كنت تحبه فأزدد له حُباً، فالو الذي نفس محمد بيده لنصيب آل عليّ في الخمس أفضل من وصيفة» قال: فما كان من الناس أحدٌ بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم أحبّ إلي من علي).
وقد أورد البخاري هذا الحديث مختصراً. وقد كان ذلك قُبِيْلَ حجة الوداع. وقد رجع خالد بن الوليد إلى المدينة ورجع معه بعض الجيش وبقي بعضه مع عليّ في اليمن. وأراد عليّ أن يحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّر على الجيش رجلاً وسار هو مسرعاً مع بعض الرجال ليدرك الحج.
جاء في سيرة ابن هشام: (لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حُلّةً من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه. فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل. قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوتُ القوم ليتجملوا به إذ قدموا في الناس. قال: ويلك انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز. قال: وأظهر الجيش شكواه لما صُنع بهم).
وجاء في سيرة ابن هشام أيضاً: (عن أبي سعيد الخدري، قال: اشتكى الناس علياً رضوان الله عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا علياً، فوا لله أنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يشكى).
وروى البيقهي: (عن أبي سعيد الخدري، قال: بعث رسول الله عليّ بن أبي طالب إلى اليمن، فكنت فيمن خرج معه، فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا ـ وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً ـ فأبى علينا وقال: إنما لكم فيها سهم كما للمسلمين. قال: فرغ عليّ وانطلق من اليمن راجعاً أمّر علينا إنساناً، وأسرع هو وأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم». قال أبو سعيد: وكنا سألنا الذي استخلفه ما كان عليّ منعنا إياه، ففعل، فلما عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت، ورأى أثر الركب قدّم الذي أمّره ولامه. فقلت: أما إن لله عليّ لئن قدمت المدينة لأذكرنّ لرسول الله ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق).
وجاء في سيرة ابن كثير: (والمقصود أن علياً لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعليٌّ معذور فيما فعل لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج، فلذلك ـ والله أعلم ـ لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته وتفرغ من مناسكه ورجع إلى المدينة فمرّ بغدير خُمّ قام في الناس خطيباً فبرّأ ساحة علي ورفع من قدره ونبّه على فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس).
وروى الإمام أحمد: (عن ابن عباس عن بُريدة، قال: غزوتُ مع علي اليمنَ فرأيت منه جفوةً، فما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرتُ علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير، فقال: «يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من كنتُ مولاه فعلي مولاه». قال ابن كثير عن هذا الحديث: إسناده جيد قوي ورجاله كلهم ثقات.
وقد كان خطابه عليه وآله الصلاة والسلام في الناس بغدير خم يوم الأحد في الثامن عشر من ذي الحجة.
وليس الدافع لهذا الخطاب في هذا الوقت هو ما توهمه بعضهم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يوصي بالخلافة من بعده لعلي رضوان الله عليه.
والعبارات التي قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطابه هذا والتي يذكرها علياً فيها هي عبارات فيها تزكية لعلي ومديح وفيها توصية بموالاته ونصرته ومحبته وتحذّر من معاداته أو خذلانه.
والحمد الله رب العالمين.
1989-08-06