نص الخطاب الذي ألقاه وليد جنبلاط في بعقلين في 22/07/89 في ذكرى شهداء بعقلين
1989/08/06م
المقالات
2,404 زيارة
«نتساءل جميعاً ومن حقكم ومن حق الذي خسروا أغلى ما عندهم أن يسألوا إلى أين؟ أو أن يتساءلوا إلى أين؟ إلى أين لبنان؟. وكنت أتمنى أن أبشر بالخير بالسلام. بالعيش المشترك، بالتعايش، بنجاح اللجنة العربية الثلاثية وعلى رأسها (الملك) فهد بن عبد العزيز، بنظام ديمقراطي عادل يعطي المساواة والرخاء والطمأنينة للجميع من أقصى عكار إلى أقصى الجنوب. كنت أتمنى أن أقول لكم أن الحرب انتهت لكني لا أستطيع أن أقول هذا لأنني من واجبي أن أقول لكم أن الحرب فقط في بدايتها. ومن واجبي أن أقول هذا لأنني كما سبق لي أن طالبتكم ولبيتم الدعوة على مشارف حرب الجبل عام 1982، طالبتكم بالتضحية فضحيتم، طالبتكم بالاستشهاد فاستشهدتم، طالبتكم بالسير قدماً، نحو التحرير فحررتم، مجدداً أطالبكم بالدعوة نفسها. أقول هذا لأنني أرى المرحلة اليوم كمرحلة عام 1982. وكأننا على مشارف غزو انعزالي ماروني ـ إسرائيلي جديد. أقولها وأتحمل مسؤولية ما أقول.
إنني أرى المرحلة وكأننا على مشارف غزو ماروني انعزالي إسرائيلي جديد بلون عربي عراقي اليوم، لكن الأساس غزو ماروني إسرائيلي انعزالي جديد. لذلك وفي هذه اللحظة المصيرية نطالب إخواننا المسيحيين قبل غيرهم الذين يقولون عن أنفسهم أنهم عرب، الذين يرفضون الانعزال، الذين يريدون العدالة والمساواة، الذين ركبوا الموجة الوطنية، أن يقفوا الموقف الحقيقي قبل فوات الأوان، لأن المسألة قد تبدأ في لبنان، أو قد ابتدأت في لبنان لكنها ستنتهي أبعد بكثير من لبنان، وما من عرض، وما من نظام مهما قوى ومهما امتلك من دبابات وجحافل وإمكانات مالية إلا هو مهدد إذا قامت إسرائيل المسيحية الانعزالية الجديدة المرتبطة بإسرائيل اليهودية الصهيونية المرتبطة بالغرب.
إذا كانوا يريدون حرباً صليبية جديدة فنحن لها ونحن مضطرون أن نكون لها. أما إذا كانوا يريدون سلماً عادلاً فنحن نريد سلماً عادلاً ولا نطالب بأكثر من حقوقنا، هذا ما أقوله اليوم. ونحن في هذه القاعة نسمع دوي المدافع ونعلم ماذا يجري على الجبهات. نطالب المسيحي. نطالب المسيحي أولاً بقول كلمة الحق لنتفادى الحرب الصليبية. بعضهم اختار الطريق الصواب بعدما ضل، والكلام يقال على ايلي حبيقة. وكانت تفصلنا وايلي حبيقة حروب ضارية ودم كثير، لكنه قال: إنني معكم، والتقينا معاً. لكن نسأل أبا الهول، الصامت الأكبر سليمان فرنجية مثلاً. أين هو مما يجري اليوم؟ نسأله فقط سؤالاً صغيراً: هل اغتيال طوني فرنجية ابنه على يد الانعزال اللبناني آنذاك المتمثل ببشير (الجميل)، وللانعزال ألوان، بشير، أمين، سمير، ميشال عون، وغداً يأتينا غيرهم، للانعزال ألوان. هل اغتيال طوني كان محض مصادفة؟ كان خلافاً على ترابه شطا؟ أم كان موضوعا سياسياً؟ فإذا كان خلافاً على ترابه شكا، يحصل خلال كل يوم، أما إذا كان موضوعاً سياسياً، فليتفضل وليخرج من صمته، من عليائه في اهدن أو زعرتا أو من أعالي بشري.
وفي تلك المناطق. نسأل رينه معوض وميشال اده وجان عبيد و… و… وكل الراكضين وراء الرئاسة. أين هم مما يجري؟. ينتظرون أن ينحرنا ميشال عون؟ أن تنتصر إسرائيل؟ أن ينتصر صدام حسين؟ كي يركبوا الموجة. كما سقط ـ ونحن نعرف من هو ريمون اده تاريخياً، لكننا أعطيناه فرصة ـ عاد إلى أصله، ابن أميل اده. هل جميع هؤلاء أمثال ريمون اده؟ابن أميل اده؟ أم نستطيع أن نقول أن هناك صوتاً مسيحياً مارونياً بالتحديد، عربياً مخلصاً؟
ولن أتكلم عن الشعب الفقير، مسكين الشعب الفقير، الشعب المسيحي والشعب المسلم، مسكين، أتكلم عن القيادة المارونية لأنه إذا ما استمرت تلك القيادة على ما هي عليه، يحق لنا نحن أن نقول أن هذا الزواج الذي حصل عام 1943، نريد اليوم الطلاق. ما حدا مجبور بها لزواج الماروني. بدنا نطلق. فليأخذا «مونتي كارلو»، جونية وكسروان، ما بدنا نروح لهونيك. ولنعيش نحن معاً في بيروت والضاحية والجبل وصيدا والجنوب والبقاع. واعتقد إننا نستطيع أن نعيش ولدينا الإمكانات لنعيش. وإذا ـ كما سيصدر غداً ـ صدرت أصوات لتقول أن وليد جنبلاط لا يريد التقسيم، لا، إن وليد جنبلاط لا يريد التقسيم. نريد أن نعيش وسنطالب بالعيش المشترك، وفي الوقت نفسه سنطالب ولنا الحق، وهذا من شأننا كي نحفظ وجودنا، أن نطالب بالوحدة، وأقولها بكل صراحة، بالوحدة الكاملة والشاملة مع سوريا، لأننا لا نستطيع أن نبقى في هذه الدوامة، دوامة العنف، ولا نستطيع أن نبقى في ظل الاستعمار السياسي والاقتصادي للقيادة المارونية، من البطرك إلى غير البطرك. ومهما قصد بعضهم إلى الديمان أو غير الديمان، المسألة ليست في الديمان، المسألة في غير الديمان، المسألة هي ما تقدمت به القوى الوطنية اللبنانية وسوريا، في الإصلاح السياسي الجذري. أما إذا كانوا يريدون كما سمعنا من بعض السفراء، الفرنسي والأميركي وبعض السفراء العرب، الأخضر الإبراهيمي، وغير العرب، أن يقوموا بوعد بالإصلاح في مقابل الانسحاب السوري من جبل لبنان بالتحديد، كما طالب بشير الجميل عام 81 ـ 83 سوريا. قال لهم انسحبوا من جبل لبنان وخذوا البقاع. معنى هذا تهجير كل المسلمين وعلى رأسهم بني معروف. فإذا كانوا يريدون هذا مجدداً، لن نقبل بهذا. لذلك نقول لهم ونطالبهم، هؤلاء الذين يدعون بالمسيحية الوطنية العربية مثل فؤاد الطحيني، ورينه معوض وانتم تعرفونهم أكثر مني، أن يقفوا تلك الوقفة التاريخية ليرفضوا هذا المخطط، وإلا من حقنا أن نطالب بالوحدة المطلقة مع سوريا. وفي النهاية أثبتت التجربة أن ما يسمى استقلال لبنان وسيادة لبنان ووحدة لبنان كل هذا الكلام كذب. وكذب، يريدون فقط مصالح الكنيسة المارونية، يريدون فقط مصالح أزلام الكنيسة. البعض من المسلمين وغير المسلمين يريدون فقط الامتياز مثل بكركي والبعض في بيروت يستخدمون الفقراء من مسيحيين ومسلمين للحفاظ على النظام. نحن نريد المساواة والعدالة من ميس الجبل في الجنوب إلى تكريت في عكار. هذا من حقنا. ولا لبنان كما كان. نحن ندفنه اليوم وفي هذه اللحظة هذا ما أحببت أن أقوله اليوم في هذه المرحلة التاريخية في هذا اليوم الذي نتذكر فيه جميعاً الثورة العربية الكبرى ثورة جمال عبد الناصر وكمال جنبلاط، لنؤكد مجدداً أننا على عهد جمال عبد الناصر وكمال جنبلاط سائرون. إننا سنبقى لنحمل مشعل العروبة بالتحالف الوثيق والموضوعي والأساسي مع سوريا، مع الجيش العربي السوري. مع حزب البعث العربي السوري، مع القوى الوطنية اللبنانية كل القوى الوطنية اللبنانية من «حزب الله» إلى المقاتلين على كل الجبهات.
ماذا اقترح؟. أجدد وأطالب الذين يدعون الوطنية في الصف المسيحي أن يقفوا في هذه اللحظة وإلا فات الأوان ولا أعلق أهمية على ما يقوله الحص أو غير الحص. مناحة الحص المعروفة والمدروسة. المعروفة والمدروسة الكلام ليس بكلام من قبل النحيب الكلام مطلوب منه، أطالبه كي يخفف عن نفسه وعن أنفسنا أن ينشئ مجلساً عاماً للأضرار، لأن الأضرار ستزداد في بيروت والجبل وكل المناطق. أن ينفق الميزانية التي لم تنفق بعد على المناطق الوطنية بالتحديد بيروت والجبل أو أن يجمعنا (حكومة الرئيس الحص) ما حدا منعه أن يجمعنا». في بيروت في بيت الدين في البقاع، في الشام. يجمعنا بدل أن يتهرب ويذهب برسائل فضفاضة وغامضة إلى العرب أو كما قيل لنا، أنه سيزور اليوم الديمان. أو غير الديمان. لا. الأساس هو مساعدة الشعب الفقير في بيروت، وفي رأس النبع، في كل بيروت في الضاحية وفي الجبل، الصمود السياسي والاجتماعي والعسكري والانطلاق لاحقاً نحو الكلام الصريح مع مسيحيي لبنان. يريدون الوحدة، للوحدة شروط. يريدون التقسيم، نحن نريد الوحدة مع سوريا. نتخلى عن كل لبنان، كل ما يسمى استقلال لبنان ووحدة لبنان و… و… أسطورة. ما دخلنا لا حل وسط إما المراوغة ومطالبة العرب بفك الحصار من أجل الوصول إلى هدنة ومن أجل الوصول إلى انتخاب رئيس جمهورية. من أجل إطالة الوقت، نحن نعلم أن الترسانة المارونية ازدادت ونحن نعلم أن النيات هي فقط السيطرة على جبل لبنان. ونحن نعلم أن النيات هي طرد المواطنين العرب من جبل لبنان إلى الضاحية إلى بيروت إلى كل مكان ووصل جزين بسوق الغرب. وعندما ـ لا سمح الله ـ يتحقق هذا تصل إسرائيل من مرجعيون إلى زغرتا. هذا هو المشروع الحقيقي. لا يبالون بالبقاع، لا يريدون البقاع، لأن في البقاع غالبية إسلامية. يريدون فقط جبل لبنان، وهذا هو صراع تاريخي ـ عمره 300 سنة. يريدون جبل لبنان، وبالمصادفة نحن في الجبل وقاومنا هذا المشروع، نجحنا حتى الآن لكن علي ومن واجبي أن أنبهكم إلى مخاطر ما يجري لئلا تذهب كل التضحيات سدى ولئلا تناموا على حرير إذا صح التعبير ولئلا تنغشّوا. بما يجري في الكواليس الكبرى من رسول أتى ورسول ذهب، من لجنة عربية شكلت هنا أو هناك، سداسياً وثلاثياً هذا لا يعني أنني لا أتمنى النجاح للجنة العربية برئاسة (الملك) فهد بن عبد العزيز الذي وحد السعودية فنطالبه كما وحَّد أبوه السعودية وأرسى العدالة في السعودية أو يوحد لبنان بجهوده ويرسي العدالة والعروبة في لبنان وإلا نحن أحرار في أن نختار الطريق الذي نريد والطريق الذي نريد هو الوحدة وفقط الوحدة مع سوريا.
أتانا في الأمس مثلاً سفير فرنسا وسفير أميركا. فقط للمعلومات ـ سفير فرنسا الجديد قال أن لبنان ليس مثل بقية الدول العربية. فقلنا له صحيح لبنان يتمتع بتنوع معين سياسي وطائفي، قد لا يوجد في البلاد العربية ونريد الحفاظ عليه من خلال نظام ديمقراطي عادل، نريد الخروج من صيغة 1860 فأجاب، قائلاً: «لكن مسيحيي لبنان لا يريدون أن يصبحوا مثل مسيحيي الشرق الأوسط فقلنا له: وماذا يجري لمسيحيي الشرق الأوسط قل لي بربك تصادف الأمور وتصادف الحقائق أن المسلمين العرب أكثر من المسيحيين. لكننا لم نسمع حتى الآن، وأنتم لم تسمعوا كما اعتقد باضطهاد ضد المسيحيين في الشرق الأوسط، لا في سوريا ولا في مصر ولا في العراق ولا في غير مكان، طبعاً عليهم أن يتبعوا لعبة الأقلية كما نحن نتبع إذا أردنا أن نعود إلى مناطق الاقلية. لكن مسيحيي الشرق الأوسط ساهموا كما نعمل، كما قرأنا في التاريخ وتعلمنا في الكتب، ساهموا في الحضارة العربية. القومية العربية، الثقافة العربية، الآفاق العربية، الوحدة العربية، ـ طيب. شو في عليهم؟ يريد سفير فرنسا، ويا للأسف، وكنا نظن أن فرنسا غيّرت من سياستها، يريد أن يذكرنا بعهود الانتداب، بـ 1860 عندما أتى عسكر فرنسا إلى الشوف بالتحديد، ليواكب مجدداً المهجرين المسيحيين. نقول لفرنسا ولأكبر من فرنسا: تستطيع أن تعود فرنسا إلى لبنان حاملة رسالة العدالة لجميع اللبنانيين لكنها لن تعود أبداً بعسكرها وستهزم بعسكرها مهما قويت.
أما السفير الأميركي أو من سبقه: تعاملوا مع الواقع تعاملوا مع ميشال عون. قلنا له، لن نتعامل مع ميشال عون. عليكم أن تجدوا طريقة مناسبة تخففوا عن جميع اللبنانيين مزيداً من الآلام والتضحيات. خذوا ميشال عون إذا أردتم إلى فلوريدا لأن فلوريدا هي ملجأ كل الطغاة من سوموزا إلى غيره، كلهم راحوا إلى هناك، وريحونا ثم تريدون أن تنصحونا بميشال عون. تفضلوا حلوا قصة نورييغا في باناما مثلاً. نتعامل، نحن على استعداد للتعامل مع كل مسيحي وطني صريح لكن لن نتعامل مع الطغمة العسكرية مهما كلف الأمر، لأننا نعرف نيات تلك الطغمة وإبعاد سياسة تلك الطغمة الذي ويا للأسف يقف معها حتى الآن بعض المسلمين لكن هذا البعض سيسقط. نتذكر التاريخ عندما قامت حرب الجزائر تعامل معهم بعض الجزائريين وانتهى هؤلاء ولجأوا اليوم إلى فرنسا وأيضاً نتذكر التاريخ عندما قامت ثورة جبل العرب. تعامل معهم بعض من العرب أو بعض من السوريين أو بعض من الدروز وسقط هؤلاء وانتهى هؤلاء وانتصرت ثورة الجزائر وانتصر سلطان باشا الأطرش. هذا هو كلامي اليوم في هذه المناسبة مناسبة شهداء بعقلين مناسبة الثورة العربية الكبرى الحقيقية ثورة جمال عبد الناصر مناسبة تجديد العهد للمسيرة. لا أعدكم بالورود أو الرياحين. أطالبكم ونطالب أنفسنا بالصمود، بالصمود المعنوي والسياسي والمادي والمعركة طويلة لكننا سننتصر».
1989-08-06