المسألة اللبنانية: أين وصلت؟
1989/08/06م
المقالات, كلمات الأعداد
2,088 زيارة
اللجنة الثلاثية أعلنت أنها وصلت إلى طريق مسدود، وأصدرت تقريراً أنحت فيه باللائمة على سوريا. وقد فنّد فاروق الشرع، وزير خارجية سوريا تقرير اللجنة، كما فنّدته أيضاً جهات كثيرة. ولا شك أن اللجنة تجاوزت حدود المهمة التي رسمها مؤتمر القمة الذي شكل اللجنة. فهل كان خروج اللجنة عن البرنامج الموضوع باجتهاد منها أو بتوجيه من الخارج؟ ولماذا تعلن عن الفشل في الوقت الذي أجل فيه الملك فهد زيارته لأميركا من أجل تذليل العقبات التي تواجه اللجنة. وما هي حقيقة المشروع التقسيمي الذي يتحدثون عنه؟ وهل من علاقة بين تحريك أزمة الرهائن والحال التي وصلت إليها المسألة اللبنانية؟
للإجابة عن هذه التساؤلات دعونا نرجع بالذاكرة إلى المباحثات اللبنانية الإسرائيلية بإشراف أميركا في 1984 التي أوصلت إلى اتفاق 17 أيار. جميع الأطراف كانوا يظنون أن أميركا جادة للوصول إلى هذا الاتفاق، حتى أن الغالبية الساحقة من النواب اللبنانيين وافقوا عليه ظناً منهم أن أميركا تدعمه حقيقة. وفي الوقت الحاسم ذهب السفير الأميركي إلى أمين الجميّل (رئيس الجمهورية) وحذره من التوقيع عليه. وهكذا ذهب الاتفاق أدراج الرياح. أي أن أميركا تتقن تمثيل الأدوار.
وقد كانت أميركا عقدت اتفاقاً مع سورياً في الصيف الماضي (1988) هو اتفاق مورفي ـ الأسد، وبناء عليه قال مورفي: إما أن تنتخبوا مخايل الضاهر وإما لبنان إلى الفوضى. وبناء عليه قال ايجلبيرجر: أن انسحاب القوات السورية من لبنان سيزيد الوضع سوءاً. وبعد مرور ثلاث أشهر تراجع ايجلبيرجر عن موقفه وأيد الانسحاب السوري، وتراجعت أميركا عن اتفاق مورفي ـ الأسد على لسان سفيرها في بيروت (مكارثي) وصارت تساير ميشال عون.
والراجح أن أميركا لم تتراجع عن جوهر اتفاق مورفي ـ الأسد بل تراجعت عن بعض جوانبه أمام ضغط فرنسا والفاتيكان وبعض النصارى.
مؤتمر القمة في الدار البيضاء كلف لجنة ثلاثية وحدد منهاج عملها وكان ذلك مما تريده أميركا. ولكن تبيّن أن العراق يزود عون وجعجع بكميات هائلة من الأسلحة ويساهم في إيصالها الأردن وإسرائيل. واللهجة التي يتكلم بها عون وتصميمه على التصادم مع سوريا تشير إلى أنه يعمل ضمن خطة يتعاون فيها مع العراق والأردن وإسرائيل (أي أنها خطة إنجليزية رغم عدم ظهور الإنجليز على المسرح). وحين قال بأنه سيدك أسوار دمشق فهو يكشف من حيث لا يدري أن هذه الخطة لا تكتفي بضرب سوريا في لبنان، بل تشمل ضرب النظام السوري في دمشق.
وقد حاولت أميركا مسايرة عون وإقناعه بالعدول عن الخطة ورغبت إلى فرنسا لإقناعه ولكن دون جدوى. ومن جملة محاولات أميركا لثنيه عن الخطة جعلت اللجنة الثلاثة تتجاوز الحدود المرسومة لها وتقترب من مطالب عون لإقناعه أن الانسحاب السوري يمكن أن يتم بالعمل السياسي عن طريق اللجنة.
وكان رأي أميركا تأجيل زيارة الملك فهد من أجل أن يقوم بالمساعي لدى العراق والأردن وعون وسوريا للتخلي عن الخطة وليس سبب التأجيل مرضياً أو خلافات داخلية ضمن الأسرة السعودية.
والراجح أن إقدام إسرائيل على خطف الشيخ عبد الكريم عبيد في هذا الوقت بالذات هو عمل مساعد ومكمّل لهذه الخطة. ولكن قبل أن توظف إسرائيل هذا الخطف في هذه الخطة كانت ردة الفعل سريعة جداً، وهي إعطاء الإنذار وتنفيذه بشنق الرهينة الأميركية (هيجينز) وتوجيه إنذار آخر بإعدام وهينة أميركية أخرى (سيسيبيو) إن لم يُفرَج عن الشيخ عبيد. وقد ولّد ذلك صدمة عنيفة في أميركا، وتحركت قطع الأسطول الأميركي باتجاه شرق المتوسط، وجرى الحديث عن الانتقام وارتبكت إسرائيل وتصدعت الخطة.
إن تحرك قطع الأسطول الأميركي كان في الظاهر من أجل موضوع الرهائن ولكنه في الحقيقة من أجل إجهاض الخطة الإنجليزية التي كان عون على وشك البدء بتنفيذها.
هذه الخطة أشار إليها أميل خوري في جريدة النهار البيروتية في 08/08/98 حيث قال: (فإذا لم يضع العرب حداً لهذه الحال المأساوية، فإن لبنان سيلجأ، في رأي مرجع رسمي في «الشرقية» إلى مجلس الأمن. وإذا لم يجتمع لسبب من الأسباب أو لم يتوصل إلى اتخاذ قرارات تضع حداً لهذه الحال، فسيلجأ عند ئذٍ إلى أي دولة أو دول مستعدة لإنقاذ لبنان وتخليصه من محنته التي طال أمدها وطال التفرج عليها). وقد سمّى نعوم في عدد الجريدة نفسه الدول التي يمكن أن تنقذ لبنان، وقال: (وهم يستندون في ذلك إلى القوة المحلية المدعومة بتأييد وربما أكثر من تأييد من فرنسا والعراق) وخجل نعموم من ذكر إسرائيل مع أنهم يعتبرونها حاميتهم الأولى بعد فرنسا.
الجانب الظهر من الخطة هو رفض انتخاب رئيس جمهورية ورفض الإصلاحات قبل خروج سوريا من لبنان، وخروج سوريا يكون بضربها عسكرياً لأنها ترفض الخروج بالتفاهم. ضرب سوريا عسكرياً سيجعل بعض الدول تتدخل عسكرياً لمنع سوريا من اجتياح الشرقية، هذا هو الجانب الظاهر ونتيجته التقسيم. أما الجانب الخفي والذي كشف عنه عون بحديثه عن دك أسوار دمشق فلا نملك تفصيلات عنه. وكان الحص قد تحدث في 04/08/89 عن التدويل والقبرصة، قال: (إن التدويل لن يؤدي في أحسن الاحتمالات إلى أكثر من القبرصة). ونقلت جريدة النهار في 21/07/89 (أن القيادة السورية حذرت اللجنة العربية من مخاطر مشروع تقسيمي في لبنان ينبغي التصدي له بمسؤولية لما ينطوي عليه من أخطار على لبنان والمنطقة العربية.
لذلك يرى أن الوضع يسير، إما إلى حل سياسي وبذلك تنتهي الأزمة وهذا هو المطلوب، وإما إلى التقسيم الذي يعني الحرب، لأن القوى الوطنية والإسلامية وسوريا لا يمكن أن تقبل إطلاقاً بتقسيم لبنان).
وصرح عبد الحليم خدام في 07/08/89 (أن أزمة لبنان قد دخلت في الآونة الأخيرة مرحلة شديدة الخطورة، الأمر الذي بات يتطلب عملاً إنقاذياً حاسماً يخرج لبنان من معاناته ويمنع استفحال المشروع الهادف إلى تحويله إلى إسرائيل ثانية في المنطقة).
إن قدوم قطع الأسطول الأميركي إلى سواحل لبنان هو لقطع الطريق على أية دولة تريد التدخل في لبنان عن طريق البحر سواء كانت فرنسا أو إسرائيل أو غيرها، وهو يشبه نزول الأسطول الأميركي في لبنان سنة 1958 أثناء الثورة على شمعون، فقد نزلت أميركا لتقطع الطريق على نزول الأسطول الإنجليزي عندما حصل الانقلاب في العراق. وبذلك تعتبر خطة الإنجليز التي كان عون على وشك تنفيذها، تعتبر قد أحبطت بعد مجيء الأسطول الأميركي. فهل فهم عون ذلك أو أن الإنجليز لم يخبروه بعد؟
والآن ليس من المتوقع أن تعود اللجنة الثلاثية إلى عملها رغم نداءات بوش الكاذبة، إذ لو كان بوش يريد استمرارها لما أوعز لها أن تعلن فشلها وتعلن انحيازها.
والمتوقع أن يطلب ميشال عون من مجلس الأمن إخراج سوريا من لبنان، وسيفشل. وإذا لم يوجد له الإنجليز مخرجاً، فإن المتوقع منه أن يضرب ويستنجد ببعض الدول، ولكنه سيجد نفسه وحيداً وسيتحطم تحت الضربات السورية. وستحاول فرنسا نجدته ليس من أجل إنقاذ ميشال عون بل من أجل إنقاذ لبنان وإنقاذ الموارنة. ولكن أميركا ستعرقل مسيرة الدعم الفرنسي حتى يُقضى على ميشال عون فتدخل أميركا لإنقاذ الموارنة وحماية لبنان، وتفاوض سوريا على مغادرة «الشرقية» ويسلمون حبيقة قيادة القوات بدل جعجع، وينتهي عون، ويضعون تعديلات دستورية ويقومون بانتخابات نيابية ورئاسية وتشكل حكومة موحدة.
1989-08-06