الحكومة الفلسطينية
1988/09/05م
المقالات, كلمات الأعداد
2,041 زيارة
في أول شهر أيلول الجاري قال ياسر عرفات في ليبيا بأن المجلس الوطني الفلسطيني سيجتمع في الفترة بين نهاية أيلول وبداية تشرين الأول لمناقشة مسألة إقامة حكومة فلسطينية. وقال عرفات بأنه مستعد لإقامة سلام مع إسرائيل في مقابل إقامة دولة فلسطينية.
وفي أول أيلول أيضاً أعلن الشيخ عبد الحميد السايح (رئيس المجلس الفلسطيني) في عمان بأن القيادة التونسية أبلغت القيادة الفلسطينية استعدادها لاستضافة حكومة في المنفى في حال قيامها.
وأضاف الشيخ السايح أن المشاورات مستمرة في شأن القرار الفلسطيني، هل سيكون إعلان الاستقلال، أو إقامة حكومة منفى، أو حكومة مؤقتة، أو قبول قرار مجلس الأمن رقم 181 لسنة 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة فلسطينية، أو تعديل ميثاق منظمة التحرير وتبني برنامج سياسي يحظى بتأييد عالمي.
وفي تونس قال صلاح خلف: إذا انتهت الانتفاضة من دون أن نحقق أي هدف فسنكون مجرمين. فأصبح على المنظمة القيام بمبادرة سياسية.
ونقلت الصحف أن ديكويار الأمين العام للأمم المتحدة في صدد تأليف لجنة قانونية لدرس مسألة تسليم الأراضي التي تنسحب منها إسرائيل إلى هيئة الأمم المتحدة.
وقد تداولت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة تصريحات كثير من المسؤولين الفلسطينيين والعرب وغيرهم حول تشكيل الحكومة الفلسطينية، حتى أنها ذكرت أسماء أعضائها.
في كلمتنا هذه، التي نكتبها والألم يعتصر قلوبنا بسبب اللامبالاة التي يبديها المسلمون تجاه أكبر خيانة ترتكب في حق فلسطين، سنذكر بإيجاز:
1- من هي الجهة التي تقف وراء مسألة الحكومة الفلسطينية..
2- من هو المخطئ ومن هو المصيب في هذه المسألة.
3- هل سيعطون دولة فلسطينية في جزء من فلسطين أو أن الأمر مجرد خدعة.
بخصوص النقطة الأولى:
إن ريغان، رئيس أميركا، يريد أن يترك أثراً في مسألة فلسطين يسجله له التاريخ، وهذا الأثر هو أخذ موافقة الأطراف على المؤتمر الدولي. أنه يريد أن يرسي الأسس لهذا المؤتمر، ليباهي أنه عمل شيئاً كما عمل سلفه كارتر في مسألة (كامب ديفيد). ولذلك فإن ريغان تفاهم مع غورباتشيف على أسس المؤتمر الدولي، وأرسل مبعوثيه وعلى رأسهم شولتز إلى البلاد العربية لإنجاز هذه المهمة قبل انتهاء ولايته.
إن أميركا هي التي ضغطت على الملك حسين ليترك أمر الضفة والقطاع لمنظمة التحرير، ثم رتبت مؤتمر القمة العربي في الجزائر ليضغط على الملك حسين من أجل هذا الغرض، وصارت أميركا تدعم الانتفاضة في الضفة والقطاع حينما صارت هذه الانتفاضة أداة طيّعة في يد ياسر عرفات ومنظمته.
إن هدف ريغان هو الإسراع في تهيئة منظمة التحرير من أجل الاعتراف بدول إسرائيل، حتى تصبح هذه المنظمة مؤهلة للاشتراك في المؤتمر الدولي، وذلك من أجل اكتمال عناصر هذا المؤتمر.
إن ريغان ليس مستعجلاً على إقامة دولة فلسطينية، وليس هدفه أخذ أرض من إسرائيل لإعطائها للفلسطينيين، وليس هدفه حل مسألة فلسطين أو ما يسمى بمسألة الشرق الأوسط.
إن هدف ريغان لا يزيد عن إنجاز مادة إعلامية يسجلها التاريخ بجانب اسمه. واستطاعت أميركا أن تخدع ياسر عرفات ومنظمته والفصائل الملتفة حوله بأنها ستساعدهم على أخذ الأرض من اليهود لإقامة دولة لهم في جزء من الضفة والقطاع، واشترطت عليهم أن يعترفوا بدولة إسرائيل وأن يعدلوا ميثاقهم الذي يتكلم عن تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر. والآن فإن عرفات ومنظمته يسيرون في هذه المسألة في ركاب أميركا، مع أنهم أمضوا سحابة عمرهم في المنظمة وهم عملاء للإنجليز.
ومن وعود أميركا لهم بأنها ستساعدهم في المستقبل على جعل دولتهم تشمل شرق الأردن، وذلك بإطاحة الملك حسين وأسرته من الحكم. وهذا ما يجعل الملك حسيناً شديد الحساسية وشديد الحذر تجاه مسألة الحكومة الفلسطينية.
وأما النقطة الثانية:
فأنا نسمع من يقبل بفكرة الاعتراف بدولة إسرائيل. إن هؤلاء يعتبرون أنفسهم أذكياء، ويعتبرون مخالفيهم أغبياء. يقولون بأن العالم كله يعترف بدولة إسرائيل ولا يمكن أن يسمح لنا بإزالة هذه الدولة، فالأفضل لنا أن نسترجع جزءاً ما دمنا لا نستطيع استرجاع الكل. ويقولون، بناء على نصيحة الحكام العرب والوسطاء الأجانب، إذا بقينا على لهجة رمي اليهود في البحر، وتدمير دولة إسرائيل، وتحرير كل الأرض من البحر إلى النهر، إذا بقينا على ذلك فإننا سنخسر التأييد العالمي، وستكسب إسرائيل هذا التأييد. ويقولون بأن الحكمة تقتضي أن نكون واقعيين، وأن نسعى لدخول المحافل الدولية والمؤسسات الدولية، ولا يتم ذلك إلا إذا قبلنا بالقوانين الدولية والمقررات الدولية وصرنا جزءاً منسجماً مع المعادلة الدولية.
وهذا المنطلق يبدو مقنعاً إلى حد ما. وبذلك فإن من ينتقد سلوك المنظمة في اعترافها بإسرائيل سيتهم بأنه عاطفي، وأنه لا يصلح لممارسة السياسية. ويمكن من خلال هذا المنطق إقناع الرأي العام السكوت، بل بالقبول والتأييد لطروحات المنظمة بالتنازل لليهود عن القسم الأكبر من أرض فلسطين.
فكيف للمرء العاقل أن يعرف الخطأ من الصواب في مثل هذه المسائل؟
هناك من يقول بأن مقياس الخطأ والصواب هو رأي الأكثرية، فما تراه الأكثرية صواباً فهو صواب وما تراه خطأ فهو خطأ. وهناك من يقول بأن هذا المقياس هو رأي أهل الخبرة. وهناك من يقول بأن هذا المقياس هو رأي المسؤول الذي يمارس الصلاحية.
في هذه المسالة بالذات، مسألة الاعتراف بدولة اليهود واغتصابها للأرض، فإن الصواب بيّن والخطأ بيّن.
فلسطين كلها أرض إسلامية وهي جزء من البلاد الإسلامية، وإذا جاز شرعاً أن يسكن فيها ناس من غير المسلمين، فإنه لا يجوز أن تقام فيها دولة لغير المسلمين ولو على شبر منها ولا يحل لأهلها أن يقولوا: هذه أرضنا ونحن أحرار في أن نعطيها لليهود، لأن أهلها لا يملكون أكثر من الانتفاع بها. وأرض فلسطين أرض خراجية لأنها فتحت فتحاً، ورقبة الأرض الخراجية هي ملك لبيت مال المسلمين، والأفراد الذين يملكونها لا يملكون رقبتها بل يملكون منفعتها فقط.
وما دام في المسألة حكم شرعي فلا محل لرأي الأكثرية أو الأقلية، ولا محل لرأي أهل الخبرة أو المسؤولين. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).
أما إن تذرّع بعضهم بالقول بأننا لا نستطيع أن نحرر فلسطين بالقوة، ولا نستطيع أن نحرر فلسطين كلها، فالجواب هو أن الله لا يكلف نفساً إذا وسعها، فإذا كنا عاجزين الآن فعلينا أن نستعد ونزيد من قوتنا لنتلافى عجزنا، وأن نصبر ونثابر حتى نتمكن من تخليص حقوقنا. والذي صبر أربعين سنة دون استعداد يمكن أن يصبر بضع سنين وهو يستعد. أما أن يقوم في حالة ضعفه بالتنازل عن حقوقه لعدوه فهذا هو الخطأ أو الجهل أو الخيانة.
ولا قيمة في هذا المجال لما يقتنع به شخص أو أشخاص ولو ظنوه صحيحاً ما دام يتصادم مع شرع الله. قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً @ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
وهذه المسألة، وهي التنازل عن فلسطين لليهود والاعتراف بدولة اليهود على ارض فلسطين، هي من أكبر الجرائم، ولا يشفع لهم جهلهم، ولا يفيدهم أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. قال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ).
وأما النقطة الثالثة:
فإن المنادين بالاعتراف بإسرائيل يبدو على أكثرهم القناعة أنهم سيحصلون على قطعة أرض يقيمون عليها دولة. ولكنهم لو دققوا قليلاً لفهموا أن في الأمر خدعة. لقد سبق وذكرنا في النقطة الأولى أن ريغان ليس همه أكثر من تأمين الاعتراف بإسرائيل، وأخذ موافقة جميع الأطراف على المؤتمر الدولي. وفي حال استطاع ريغان أخذ هذه الموافقة فإنه يكون قد أرسى الأساس وترك لمن يأتي بعده السير في المفاوضات. وعلى فرض نجاح ريغان في غرضه، وعلى فرض أن المؤتمر الدولي عقد جلسة قبل رحيل ريغان، وحضرت منظمة عرفات هذه الجلسة، فهل يتوقع عاقل أن يستطيع المؤتمر إقناع اليهود بإعطاء الأرض لأهلها؟ وأن مفاوضات مثل هذا المؤتمر تستمر عشرات السنين قبل أن يحقق أي شيء. وهذه مسألة طابا خير شاهد.
إن المساعي الحميمة داخل منظمة عرفات الهدف منها ليس إقامة حكومة مؤقتة أو حكومة منفى أو إعلان الاستقلال. الهدف هو تعديل ميثاق المنظمة والاعتراف بدولة إسرائيل.
إن أميركا كانت قد تعهدت لإسرائيل من أيام كيسنجر بأن لا تعترف بالمنظمة ولا تجتمع معها علناً ما دامت المنظمة لم تعترف علناً بدولة إسرائيل.
والآن طلبت أميركا من المنظمة أن تعترف بإسرائيل علناً وأن تعدل ميثاقها حتى يصبح مقبولاً من إسرائيل وأميركا، وأقنعت أميركا رجال المنظمة بأن هذا هو السبيل الوحيد من أجل أن تعترف أميركا بالمنظمة وتضغط على إسرائيل لتقبل الجلوس والمفاوضة معها. وسارع رجال المنظمة للبحث. ووصلوا إلى نتيجة طالما تحدثوا عنها، وهي تحويل المنظمة إلى حكومة، ووضع ميثاق جديد لهذه الحكومة يلبي رغبة أميركا ورغبة إسرائيل. وحتى يصبح الميثاق الجديد شرعياً لا بد من أخذ موافقة المجلس الوطني الفلسطيني عليه. وهم الآن في خضم هذه المسألة.
إن المنظمة ستحقق رغبة أميركا ورغبة إسرائيل بالاعتراف العلني الصريح بدولة إسرائيل وبصياغة الميثاق بشكل لا تعترض عليه إسرائيل ولا دول العالم. ستحقق المنظمة كل هذا خلال شهر أو شهرين، إن استطاعت. وذلك قبل أن تحصل على أي شبر من الأرض، ولن تحصل على اكثر من حضور جلسات المؤتمر الدولي. فتكون المنظمة أعطت كل شيء ولم تأخذ أكثر من الجلوس على طاولة مع اليهود.
إن عرفات وكثيراً من أعوانه يعلمون هذا، ومع ذلك هم سائرون في الطريق وهذا يعتبر تفريطاً وخيانة يجب أن تلقى جزائها في الدنيا، ولا يكفي أن نكله إلى الله ليحاسبه يوم القيامة.
أسرة «الوعي»
1988-09-05