سؤال وجواب
1988/08/05م
المقالات
2,807 زيارة
سؤال (1)
وردت العبارة التالية في مجلة (الوعي) عدد 11 ص 29: “وقد جاء في الأحاديث أمر بمنازعة الحاكم الظالم (دون قتاله) لردعه عن الظلم”. هل يعني هذا الكلام أنه لا يجوز قتل الحاكم الظالم والذي لا يطبق أحكام الإسلام إن أتيحت الفرصة؟
جواب:
لم يرد في نصوص الأحاديث أمر بقتل الحاكم الظالم، أو الحاكم الذي لا يطبق أحكام الإسلام. النصوص جاءت تخض على أمر مثل هذا الحاكم بالمعروف ونهيه عن المنكر والصبر عليه. أما في حالة حكمه علناً بأنظمة الكفر فإن النصوص جاءت تأمر بمقاتلته (وليس بقتله) لإجباره على إزالة المنكرات العلنية، أو عزله.
وهنا لا بدّ أن نفرق بين حالين:
الأولى: إذا كانت الدار دار إسلام، تطبق فيها أنظمة الإسلام. في هذه الحال إذا ظلم الحاكم فإن واجب المسلمين تجاهه أن يحاسبوه ويأمروه بالمعروف وينهوه عن المنكر وأن يصبروا عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعظم الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر»، وقال: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله». وقال: «تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطِع».
أما إن تعدى ظلمه إلى درجة أنه صار يهمل بعض أحكام الشرع القطعية ويسن بدلاً منها أنظمة من غير الشرع، كمن يعطل الحدود ويضع بدلاً منها عقوبات وضعية، أو كان يسن قانوناً يبيح الربا مطلقاً أو يبيح الخمور مطلقاً، فإن هذا يكون قد أظهر الكفر البواح. أي صارت المعاصي ترتكب علناً وهو يسمح بها ويحميها (سواء كان هو كافراً أو عاصياً فقط دون أن يكفر).
في مثل هذا الوضع لا تكفي محاسبته بل لا بدّ من التغيير عليه أو تغييره ولو أدى ذلك الثورة عليه بالسلاح. والثورة هنا لا تكون لقتله بل لتغيير المنكر الذي سمح به. قال صلى الله عليه وسلم: «كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو تقصرنه على الحق قصراً». وفي حديث عبادة بن الصامت: «وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان». وقد تؤدي مقاتلة الحاكم إلى قتله أو قتل بعض رجاله.
الثانية: إذا كانت الدار دار كفر أصلية مثل فرنسا وإنجلترا وأميركا وروسيا، أو كانت دار كفر غير أصلية مثل البلاد الإسلامية الآن، فالبلاد الإسلامية كانت دار إسلام تطبق أنظمة الإسلام قبل إلغاء الخلافة، ولما احتلها الكفار وفرضوا عليها الانتداب والغوا أنظمة الإسلام وطبقوا أنظمة الكفر، عادت دار كفر.
نقول: إذا كانت الدار دار كفر (أصلية أو غير أصلية) فمن الطبيعي أن تكون أحكام الكفر بواحاً فيها وأن تكون المنكرات علنية وأن تأخذ الصفة القانونية، وأن يكون الإسلام غريباً فيها. والعمل في هذه الحال لا يكون كالعمل في الحال الأولى.
في الحال الأولى: الدار دار إسلام وتسيطر فيها أنظمة الإسلام، ولكن تبرز فيها بعض المنكرات ويتهاون الحاكم في شأنها، أما في الحالة الثانية فالدار دار كفر والسيطرة فيها لأنظمة الكفر ويسمح فيها ببعض أنظمة الإسلام. العمل في الحال الثانية لا يكون بالثورة المسلحة على الحاكم، بل يكون بحمل الدعوة الفكرية للأمة لتركيز مفاهيم الإسلام عندها كي ترفض دار الكفر وأنظمة الكفر. وبعد أن تصبح أوضاع الناس مهيأة لرفض أنظمة الكفر وتطبيق أنظمة الإسلام يكون العمل لتغيير الحاكم والنظام معاً عن طريق النصرة كما كان يفعل رسول الله r في مكة ثم في المدينة حين هاجر إليها.
وبناء على ذلك فإن قتل الحاكم الجائر أو الذي يطبق أنظمة الكفر ليس مطلوباً وليس مقصوداً فالمطلوب والمقصود هو تغيير نظام الكفر، أو تغيير المنكرات الظاهرة، والأصل أن يتم ذلك عن طريق ضغط الأمة والرأي العام.
أما اغتيال الحاكم، إذا لاحت فرصة، فإنه لا يغيّر شيئاً، بل يأتي حاكم بدل حاكم، وتبقى الأمور على ما هي عليه.
سؤال (2)
يوجد في العالم حوالي مليار مسلم. والشريعة الإسلامية هي أفضل شريعة للبشرية لأنها من عند الله. فلماذا لا توجد لهؤلاء المسلمين دولة تطبق هذه الشريعة؟
(مصطفى ـ بلجيكا)
جواب
نعم الشريعة الإسلامية هي أفضل نظام للبشرية وليس فقط للمسلمين. فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة للبشرية، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) والأنظمة التي يضعها البشر، مهما علت وسمت عقول هؤلاء البشر، لا ترقى إلى مستوى الأنظمة التي يضعها خالق البشر. فهو العالم بما ينفع وما يضر وهو العالم بكل زمان ومكان.
والمسلمون الآن يقارب عددهم المليار. ولكن المسألة ليست في العدد. وفي هذا المقام نتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أَوَمِنْ قِلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل إنكم يؤمئذ كثير، ولكنكم غُثاءً كغثاء السيل، ولينـزعَنَّ الله المهابَة من صدور عدوكم، وليقذفن في صدوركم الوهَن، قالوا: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت».
إن هذا الحديث ينطبق انطباقاً دقيقاً على وضع الأمة الإسلامية في هذه الأيام. إن مَرَض المسلمين هو : حب الدنيا وكراهية الموت. ودواء المسلمين هو في العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله. قال تعالى: ( فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى @ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) وقال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنة رسوله».
واتباع الكتاب والسنة ليس معناه أداء العبادات فقط، بل أخذ الإسلام كاملاً بداءً بالعقيدة وانتهاء بأصغر الأحكام. وهذا يحتاج إلى حمل الدعوة الإسلامية للمسلمين أنفسهم كي يفهموا الإسلام نقياً صافياً، بعدما استطاع أعداء الإسلام تحريف كثير من المفاهيم الإسلامية ووضع غشاوات تضليلية على العقول.
ونحن نرى أن الأمة الإسلامية آخذة في الصحوة والعودة إلى رشدها، ولكن هذا يحتاج إلى تضافر جهود جميع المسلمين الواعين للأخذ بيد أمتهم إلى شاطئ النجاة من براثن الدول الكافرة المتكالبة المتداعية علينا تداعي الأكلة إلى قصعتها.
ويجب أن يتوج المسلمون الواعون جهودهم ليس فقط بإيجاد الوعي الصحيح عند الأمة، بل بإقامة دولة إسلامية، خلافة راشدة على منهاج النبوة، تحكم بما أنزل الله، وتستأنف حمل الرسالة الإسلامية إلى العالم عن طريق الدعوة والجهاد معاً.
سؤال(3)
ما هو دور الفتاة المسلمة في حمل الرسالة الإسلامية: هل هي مكلفة شرعاً بحمل الدعوة كالرجال، أو أن هذا ليس فرضاً عليها؟
(آمال ـ البقاع ـ لبنان)
جواب
الأصل في التكاليف الشرعية إنها للرجل والمرأة على السواء، ولا يوجد فرق بينهما في التكليف إلا حيث جاءت النصوص تضع هذه الفروق.
فحينما وردت عبارة: «يا أيها الذين آمنوا» فهي تشمل الإناث كما تشمل الذكور، فليس من حاجة لعبارة: (يا أيتها اللواتي آمنَّ). والقاعدة في اللغة العربية أن الخطاب للمذكر يشمل المذكر والمؤنث، أما الخطاب للمؤنث فهو لا يشمل المذكر بل هو مقتصر على المؤنث. ومن هنا فإن عبارات: (يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، المسلمون تتكافأ دماؤهم، ولا تقتلوا النفس، المسلم أخو المسلم، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأتموا الحج والعمرة لله، طلب العلم فريضة على كل مسلم، أفشوا السلام بينكم…الخ) هذه العبارة كلها بصيغة المذكر ولكنها تشمل المؤنث بالاتفاق.
وهناك أحكام خاصة بالرجال، قامت القرائن على بيان أنها لا تشمل النساء، وأحكام خاصة بالنساء، قامت القرائن على أنها لا تشمل الرجال. فالرجال قوامون على النساء، والرجال يدفعون المهور والنفقات وتكون بأيديهم عقدة الطلاق. والرجال ليس عليهم عدة وفاة ولا عدة طلاق والنساء عليهن ذلك. وعورة المرأة تختلف عن عورة الرجل، شهادة المرأة تختلف عن شهادة الرجل، والمرأة تنقطع فترة عن الصلاة أو الصيام، ولا ينقطع الرجل، وحصة الرجل في الإرث غير حصة المرأة…الخ.
ونعود إلى السؤال، وهو دور المرأة المسلمة في حمل دعوة الإسلام.
إن حمل الدعوة الإسلامية ليس عملاً واحداً حتى نبحث له عن حكم شرعي واحد، وليس هو مسألة واحدة، بل هو مجموعة كبيرة من الأعمال، ومن ثمّ فإن لها مجموعة كبيرة من الأحكام الشرعية. ونحن سنذكر شيئاً من ذلك هنا إن شاء الله.
1- إن الإيمان والالتزام بالحلال والحرام هو فرض على المرأة كما هو فرض على الرجل.
2- إن طلب العلم بالأحكام الشرعية المتعلقة بأفعالها فرض عليها، والرجل فرض عليه بالنسبة لأفعاله.
3- إن الأمر بالمعروف والنهي واجب على المرأة كما هو واجب على الرجل كل بحسب إمكاناته.
4- إن محاسبة الحكام هي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي واجبة على النساء والرجال.
5- إن تعليم أحكام الإسلام للمسلمين ومحاربة أفكار الكفر والضلال هي من أعمال النساء والرجال.
6- إن العمل لإقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة للحكم بما أنزل الله هي من أعمال النساء والرجال.
7- إن إيجاد كتلة أو حزب يعمل لإعادة الخلافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والانخراط في مثل هذا الحزب هو فرض كفاية على الرجال والنساء.
إن هذه الأمور كلها وجدناها قد وردت في نصوص تشمل الجنسين الرجال والنساء. وبالإضافة إلى هذه الأمور العامة التي يستوي فيها الرجال والنساء وجدنا حالات خاصة بالرجال ويستثنى منها النساء ضمن هذه الأمور العامة. و من هذه الحالات:
1- لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها بدون إذن وليها، سواء أكان الولي أباً أو أخاً أو زوجاً أو عماً…الخ وهذا يحد من نشاطها ومن قدرتها على التحرك.
2- لا يجوز للمرأة أن تتردد على الأماكن الخاصة التي فيها رجال أجانب إذا لم يكن معها زوج أو محرم، وهذا أيضاً يحد من نشاطها ومن قدرتها على التحرك.
3- إذا دخلت المرأة في حزب، وأمرها أمير الحزب بأمر، وأمرها وليها بأمر آخر فعليها أن تطيع أمر وليها، ما يكن أمر وليّها معصية قطعية، أو معصية في نظره.
وبعبارة أوسع، نحن نعلم أن طاعة الأمير واجبة (ضمن حدود إمارته)، سواء كان أمير جيش أو أمير حكم أو أمير سفر أو أمير حزب. ونحن نعلم أيضاً أن طاعة الأب وطاعة الزوج واجبة. كل ذلك في غير معصية الله. فإذا تضاربت طاعة الأب أو الزوج مع طاعة الأمير، فبأيهما تأخذ الواجب هو الأخذ بطاعة الأب أو الزوج لأن النصوص جاءت تشدد على هذه الطاعة أكثر من تلك.
إن من أهم الأمور في حمل الدعوة الإسلامية هو الالتزام بأحكامها. إن التزام المرء (رجلاً كان أو امرأة) بأحكام الإسلام هو بحد ذاته دعوة للإسلام. فالمرأة حين يكون لباسها شرعياً، ويكون سلوكها إسلامياً في أسرتها وبين زميلاتها وأقاربها، وحين تكون أخلاقها إسلامية، وحين تكون تحتقر العادات الأجنبية والمظاهر الأجنبية، وتفتخر بين معارفها بالإسلام وأفكار الإسلام وأحكام الإسلام، حين تتمثل هذه الصفات الإسلامية فيها تصبح داعية للإسلام من حيث لا تدري، فالقدوة الصالحة هي الأساس الأول في الدعوة وخاصة عند المرأة المسلمة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
1988-08-05