ذكرى المولد النبوي الشريف: ذكرى تكليف وتشريف
2017/12/26م
المقالات
4,631 زيارة
ذكرى المولد النبوي الشريف: ذكرى تكليف وتشريف
ذكرى المولد النبوي الشريف هي ذكرى حياة بأكملها، وليست ذكرى يوم محدد بعينه. هي ذكرى، إكرامها يكون بإطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مدى الحياة، وليس بإقامة الاحتفالات الدينية في يوم من السنة فحسب. هي ذكرى عمل وليست ذكرى تعطيل…
لا شك أن المسلمين يحبون رسولهم الكريم أيَّما حب… بيد أن حبه يقضي بطاعته أيَّما طاعة، قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[آل عمران: 31] تصاحب المسلمين في هذه الذكرى الفرحة ، وفي الحقيقة في هذه الذكرى يجب أن تمتلئ النفوس فيها بالحسرة على ما وصل إليه المسلمون من بعدٍ عن امتثال تعاليم رسولهم الكريم الذين يحتفلون بذكرى مولده، وبعدٍ عن التأسي الحسن به… وفي موازاة ذلك، يجب أن يشحذ المسلمون عزيمتهم لإعادة وضعهم إلى ما كان عليه زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليه وصحابته الكرام…
لقد وصف الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بأوصاف يجب أن يتخذها المسلمون أوصافًا لهم، قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)) [الفتح]. وهل يكون المؤمنون شهداء على الناس إلا بأن يكونوا تمامًا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من تبليغ للدين وتحكيم لشرعه وجهاد في سبيل الله… إلا بأن يكونوا فعلًا كما يريدهم الله ورسوله أن يكونوا بقوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ143) [البقرة]…
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )[سبأ: 28]، وكيف نكون مثله صلى الله عليه وآله وسلم بأن نبلغ الإسلام كله للناس كافة إلا بالجهاد في سبيل الله، وأين هو هذا الجهاد الذي تحمله دولة إسلامية: تهيئ له السلاح وتقيم له المصانع والمختبرات، وتفتح به البلاد، وتهدي به العباد؟!…
وقال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) فأين المسلمون اليوم مما يرضي الله ورسوله بإقامة الحكم بما أنزل الله…
وقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) [القلم]. وفي هذا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ” [رواه البخاري] أي كان يتخلق بكل ما جاء به القرآن من عقائد وأحكام في جميع شؤون الحياة.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)) [المائدة]، فأين الخلافة الراشدة التي تحكم بما أنزل الله، ويعز فيها الإسلام وأهله، ويذل فيها الكفر وأهله؟!…
وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ )(128) [التوبة]. ومعلوم أن لفظ المؤمنين يشمل جميع المؤمنين إلى يوم القيامة. فأين الحرص على المؤمنين، كل المؤمنين، اليوم، والذي يريده الله منا أن يكون بيننا؟ وهل يكون إلا بأن تجتمع كلمتهم على إمام خليفة راشد، يكون جُنَّةً لهم، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين…
الآيات في هذا المجال كثيرة، والعبرة بقراءتها وفهمها والتعبد بها على هذا الصعيد…
يقولون (إحياء الذكرى) وهل يكون الإحياء إلا بإعادة الحياة إلى هذا الدين بتجديده ليعود كما كان. ولا يعود كما كان إلا بأن نعود كما تركَنا صلى الله عليه وآله وسلم (خلافة راشدة على منهاج النبوة) يرضى عنها ساكن السماء من الملائكة، وساكن الأرض من المؤمنين، وتُرضي رب العالمين، رب العرش العظيم.
من هذا المنطلق والفهم لهذه الذكرى ندعو المؤمنين أن يمتثلوا أمر الله بامتثال سيرة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تمامًا على ما كان عليه رسوله، قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )(21) الاحزاب
لقد تركنا الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا كل ضالٍّ. قال تعالى: ( قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين) [يوسف: 108].
2017-12-26