واقع العملات الإلكترونية الجديدة مثل يبيتكوين والحكم الشرعي المتعلق بهما
أبو خالد الحجازي
البيتكوين عبارة عن عملة إلكترونية يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق رئيسية، من أبرزها أن هذه العملة هي عبارة عن عملة إلكترونية بشكل كامل، يتم تداولها عبر الإنترنت فقط دون وجود فيزيائي أو حسي لها، كما تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، لكن يمكن استخدامها كأية عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت، أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية.
من يصدر العملات الإلكترونية
على عكس العملات التقليدية التي عادةً ما تكون مدعومة بأصول معينة مثل الذهب أو العملات الأخرى، فإن “بيتكوين” يتم دعمها وإنتاجها من قبل المستخدمين أنفسهم، ويقصد بالمستخدمين أي شخص يرغب في التعامل مع “بيتكوين” ويمتلك جهاز حاسوب واتصال بالإنترنت، ويتم هذا من خلال عملية تُدعى “التنقيب ” “Mining” وهو عبارة عن تطبيق خاص يقوم المستخدم بتثبيته على أي جهاز حاسوب، ثم يقوم التطبيق بعملية إنتاج عملات “بيتكوين” جديدة وبشكل بطيء، فيستطيع المستخدم من خلال هذه العملية الحصول على قطع “بيتكوين” النقدية الافتراضية مقابل استخدام التطبيق للقدرة الحسابية التي يقدمها معالج جهاز الحاسوب الخاص به في توليد كميات جديدة من العملة. نظام عمل “بيتكوين” يسمح فقط بإنتاج 21 مليون وحدة بيتكوين حول العالم.
إنفاق “بيتكوين” أو تحويلها لعملات حقيقية
بالإضافة إلى شراء المنتجات، يستطيع المستخدم تبديل قطع “بيتكوين” النقدية الموجودة لديه بعملات أخرى حقيقية، عملية التبديل هذه تتم مابين المستخدمين أنفسهم، الراغبين ببيع مبالغ “بيتكوين” وشراء عملات حقيقية مقابلها، أو العكس، ونتيجةً لذلك تمتلك “بيتكوين” سعر صرف خاص بها، ويزيد هذا السعر أكثر حيث يصل اليوم إلى 2800 دولار بعد أن كان يعادل بضعة دولارات فقط قبل 3 سنوات.
قبل معرفة الحكم عن البيتكوين، علينا أن نفهم واقع العملات وإصدار النقود.
كل دولة من الدول تصطلح على اتخاذ وحدة معينة من شيء معين، تجعلها أساسًا تنسب إليها الأشياء الأخرى والجهود وتقاس بها، وتسكّها على شكل معين وطراز خاص بها بوزن وعيار محددين ثابتين. وقد درجت المجتمعات، من قديم الزمان، على جعل هذه الوحدة القياسية من الأشياء التي لها قيمة في ذاتها، فاتخذوا الذهب والفضة مقياسًا تنسب إليه جميع السلع والجهود، لأن للذهب والفضة قيمة ذاتية في العالم أجمع، وسكّوا منها قطعًا نقدية على كل معيّن، وطراز خاص، بوزن وعيار معينين محددين.
إن الدولة التي تتخذ الوحدة الذهبية أو الفضية أساسًا لنقدها تكون سائرة على النظام المعدني، فإن جعلت الوحدة الذهبية هي الأساس لنقدها الذي تسكّه عملةً لها؛ تكن سائرة على قاعدة الذهب (أو على نظام الذهب). وإن جعلت الوحدة الفضية هي الأساس لنقدها الذي تسكّه عملة لها؛ تكن سائرة على قاعدة الفضة (أو على نظام الفضة). وإن جعلت وحدة الذهب ووحدة الفضة -جنبًا إلى جنب- أساسًا لنقدها الذي تسكّه عمله لها؛ تكن سائرة على قاعدة الذهب والفضة أو على نظام المعدنين.
أما الدولة التي تتخذ النقود الورقية عملةً لها تبادل بها السلع والجهود؛ فإنها تكون سائرة على نظام النقد الورقي. فإن كان الورق الذي تطبعه وتجعله نقدًا وعملةً لها نائبًا عن ذهب أو فضة؛ تكن الدولة سائرة على نظام النقد الورقي النائب. وإن كان الورق الذي تطبعه وتجعله نقدًا لها له غطاء ذهبي أو فضي يعادل نسبة معينة من قيمته؛ تكن سائرة على نظام النقد الورقي من نوع الوثيقة. أما إن كان الورق الذي تطبعه وتصدره وتجعله نقدًا وعملة لها ليس نائبًا عن ذهب أو فضة، وليست له أية تغطية بذهب أو فضة؛ اعتبرت الدولة سائرة على النظام الورقي الإلزامي.
والنقد الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم هو الذهب والفضة، أي الدنانير والدراهم، وكانت تتوفر فيه ثلاثة أمور:
– إنه كان مقياسًا للسلع والخدمات، أي أنه توفرت فيه علة النقدية، أي كان أثمانًا وأجورًا.
– إنه كان صادرًا عن سلطة معلومة ليست مجهولة تصدر الدنانير والدراهم.
– إن النقود كانت شائعة بين الناس وليست خاصة بفئة دون أخرى.
وبالتحقق من توفر الشروط التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم للنقود في “البيتكوين” ، يتبين أنها لا تتوفر فيها الأمور الثلاثة:
-
“بيتكوين” ليست عملة لأنها لا تحقق شروط العملات؛ فواقع العملات هو أنها تصدر فقط من قبل الدولة أو سلطة معروفة وليس أفرادًا، و”البيتكوين” كما قلنا يمكن أن يصدرها أي شخص يمتلك جهاز حاسوب واتصال بالإنترنت من خلال عملية “التنقيب” “Mining”. وحتى لو سميت عملة إلكترونية لكن حقيقتها أنها فقط سلعة إلكترونية يمكن لأي فرد مؤهل إنشاؤها، ولها قيمة في السوق تزيد وتنقص حسب الطلب؛ لذلك لا ينطبق على “البيتكوين” أحكام العملات.
أي باختصار، هي ليست صادرة عن سلطة معلومة بل مجهولة…
-
“بيتكوين” سلعة إلكترونية وهمية، وليس لها حقيقة إلا ثقة بعض الناس فيها، وحامل “البيتكوين” لا يمكن أن يستفيد منها كما يستفيد الناس من برامج الحاسوب الإلكترونية. أي إنها ليست شائعة بين الناس، بل هي خاصة بمن يتداولها ويقر بقيمتها، أي هي ليست للمجتمع كله…
-
لا تعترف كثير من البلدان بـ “البيتكوين” كعملة، ولذلك لا يمكن استعمال بيتكوين لشراء معظم السلع والخدمات، أي هي ليست مقياسًا للسلع والخدمات على إطلاقها، بل هي فقط أداة تبادل لسلع وخدمات معينة…
ولذلك فإن عملة “البيتكوين” ليست نقدًا من ناحية شرعية.
وعليه فإن البتكوين هو ليس أكثر من سلعة، ولكن هذه السلعة مجهولة المصدر، ولا ضامن لها، ثم هي تتيح مجالًا كبيرًا للنصب والاحتيال والمضاربات والمخادعات، وإذًا فلا يجوز بيعها ولا شراؤها، وبخاصةٍ وأن مصدرها المجهول يُوجد شكوكًا في أن هذا المصدر ليس بعيدًا عن الدول الرأسمالية الكبرى وخاصة أميركا… أو عصابة مرتبطة بدولة كبرى لها غرض خبيث… أو بشركات دولية كبرى للقمار وتجارة المخدرات وغسيل الأموال وإدارة الجرائم المنظمة...
وبالخلاصة، إنها سلعة مجهولة المصدر لا ضامن لها، عرضة لعمليات النصب والاحتيال وهيمنة الدول الرأسمالية المستعمرة، وبخاصة أميركا؛ لاستغلال هذه الأمور لنهب ثروات الناس… ولذلك فلا يجوز شراؤها للأدلة الشرعية التي تنهى عن شراء وبيع كل سلعة مجهولة، ومن الأدلة على ذلك:
-
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلمعن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل أو وزن، ونهى عن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص.
رواه ابن ماجه واللفظ له، والترمذي مختصرًا، وابن أبي شيبة، وأحمد، والدارقطني، والبيهقي، وابن حزم، كلهم من طرقٍ عن جهضم بن عبد الله اليمامي عن محمد بن إبراهيم الباهلي عن محمد بن زيد العبدي عن شهر بن حوشب عنه به، قال الترمذي: “هذا حديث غريب”
-
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» رواه الطبراني في الكبير والبزار.
-
عن نافع عن ابن عمر قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلمعن بيع الغرر»، وقد أخرج مسلم النهي عن بيع الغرر من حديث أبي هريرة وابن ماجه من حديث ابن عباس والطبراني من حديث سهل بن سعد، ولأحمد من حديث ابن مسعود رفعه: «لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» فشراء السمك في الماء نوع من أنواع الغرر، ويلحق به الطير في الهواء والمعدوم والمجهول والآبق ونحو ذلك.
-
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمعَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ وَالْمُخَابَرَةِ»، وقَالَ أَحَدُهُمَا: «بَيْعُ السِّنِينَ هِيَ الْمُعَاوَمَةُ»، وَعَنِ الثُّنْيَا: «وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» رواه مسلم.
-
– أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمعَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَر» وأخرجه كذلك الترمذي عن أبي هريرة «بيع الحصاة»
وَمِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَبَيْعُ الْعَبْدِ الآبِقِ، وَبَيْعُ الطَّيْرِ فِي السَّمَاءِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْبُيُوعِ، وَمَعْنَى بَيْعِ الْحَصَاةِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ بِالْحَصَاةِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ.
الدلائل التي استعرضناها تشير إلى حرمة بيع السنين، أي بيع ثمرة النخلة أو نخلات بأعيانها سنتين أو ثلاث، فإنه يبيع شيئًا لا وجود له حال العقد. وحرمة بيع الثمر والزرع قبل ظهوره، وكل هذا من باب بيع الغرر أو المجهول، وينطبق هذا على واقع البيتكوين فهو سلعة مجهولة المصدر، ولا جهة رسمية أصدرتها تكون ضامنة لها، فعليه فلا يجوز بيعها وشراؤها.