التفرّدُ الأميركي… أطماعٌ وتحدّيات
2017/07/24م
المقالات
3,686 زيارة
التفرّدُ الأميركي… أطماعٌ وتحدّيات
حمد طبيب – بيت المقدس
إن من طبيعة المبدأ الرأسمالي أنه مبدأ يرسخ وينمي فكرة الجشع والطمع وحب الذات، والتنافس والتطاحن من أجل المنافع المادية وحب السيطرة على الغير… وهذا الأمر ليس خاصًا بالأفراد وأصحاب رؤوس الأموال من البنوك والشركات وأصحاب الأعمال… إنما هو كذلك متأصل ومتجذّرٌ عند الدول القائمة على أفكار هذا المبدأ المادي الهابط… يقول المفكر الاقتصادي (آدم سميث) في كتاب (ثروة الأمم): «إن الجشع الشخصي هو أعلى مراتب الأخلاق؛ فبقدر ما يكون الفرد جشعًا يكون متخلقًا، وهذا ما آل بالإنسانية إلى الصراع والحروب من أجل التملك والسيطرة… فكان إهدار الثروة والتنافس في إهدارها أهم ما ميز الحضارة الحديثة…» ويقول (بيلي جيرو) في مؤلَّفِه (الكتاب الأسود للرأسمالية): «تتسلح الرأسمالية – ولتبرير أفعالها الجانحة وجرائمها الدموية – بمثل عليا نبيلة؛ مثل الدفاع عن الديمقراطية، الحرية، النضال ضد الديكتاتورية، الدفاع عن قيم الغرب، في حين إنها تدافع أصلًا عن مصالح طبقة مُتملكة، تريد أن تستولي على أموال وموارد الشعوب وفرض وصايتها عليها… ويساعد في نشر هذه السياسة حكام اقتصاديون وسياسيون وصحافة ووسائل إعلام…» وقد أدت هذه النظرة السقيمة الهابطة إلى الشرور والحروب والدمار والخراب، واستعمار الشعوب ومصّ دمائها… والعمل على إزالة الخصوم من ساحة الصراع؛ من أجل التفرد، والبقاء في حلبة الصراع بلا منافس أو حتى مشارك… فقد شهد العالم الرأسمالي حربين كبيرتين؛ الأولى (1918م-1914م)، والثانية (1945م-1939م) وأدت هاتان الحربان إلى الدمار والخراب، وملايين القتلى والجرحى والمعوقين؛ في المجتمعات الأوروبية والأميركية، حيث بلغت خسائر الحرب العالمية الأولى والثانية من الأرواح حوالى80 مليون إنسان… وقد استخدمت أميركا في الحرب الثانية القنبلة النووية في اليابان؛ حيث قتلت أكثر من 240000 إنسان في دقيقة واحدة، عدا عن الأمراض المزمنة؛ التي خلفتها بسبب الإشعاعات النووية!!…
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشكل المسرح الدولي بثوبه الجديد، وبدأ التطاحن والتنافس بين الدول الخارجة من الحرب (أميركا وأوروبا) من جهة، وبين (أميركا والاتحاد السوفياتي) من جهة أخرى .. وكان من أبرز معالم هذا المسرح الدولي بعد الحرب:
1- خروج أميركا منتصرة بقوة عسكرية كبيرة، وسلطان ونفوذ واسع؛ فكانت سيدة الدول الغربية، وقائدتها في المعسكر الغربي، ووضعت أوروبا الغربية تحت جناحها في المنظومة العسكرية الغربية (حلف الأطلسي 1949م).
2- بروز المعسكر الشرقي (بقيادة روسيا)؛ بقوة عسكرية كبيرة، وتشكل حلف وارسو مقابل الأطلسي 1955م؛ حيث وضعت روسيا دول أوروبا الشرقية تحت جناحها لمواجهة خطر حلف الأطلسي…
3- تشكيل القوانين الدولية عبر منظومة الأمم المتحدة (1945م)، ووضع اتفاقات دولية خاصة باستخدام الأسلحة النووية، وحقوق الإنسان، والعلاقات بين الدول…
4- عقدت الدول العظمى اتفاقًا اقتصاديًا شهيًرا بعد الحرب سنة 1945م سمي باتفاق (بريتن وودز) وكان من أبرز بنودها (وضع الدولار عملة عالمية) ترتبط بها كل العملات بغطاء نقدي معين، بنسبة معينة من الذهب، وظل هذا الاتفاق ساري المفعول حتى سنة 1970م حتى عُوِّم الدولار في عهد الرئيس نيكسون…
5- استمرار التنافس – السياسي والعسكري – بين المعسكرين، وخاصة بين أميركا والاتحاد السوفياتي. وقد تقلَّب هذا التنافس بين حرب ساخنة وباردة، حتى وقعت معاهدة الوفاق بين العملاقين سنة 1619م من القرن الماضي…
6- إن أوروبا المحطمة بسبب الحرب، كانت بحاجة إلى أميركا عسكريًا واقتصاديًا؛ اقتصاديًا لإعادة البناء، وعسكريًا لحمايتها من أطماع الاتحاد السوفياتي، في التوسع وبسط النفوذ نحو أوروبا؛ فكان مشروع مارشال لإعمار أوروبا، وكانت اتفاقات الحماية تحت مظلة حلف الأطلسي…
لقد ظل هذا الواقع الذي أفرزته الحرب العالمية – بتقسيماته وقوانينه – وظل التنافس بأشكاله المتعددة: الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بين دول المعسكر الغربي فيما بينها، وبين المعسكر الغربي والشرقي. وقد كان هذا التنافس يتقلب بين حرب باردة، وسياسة وفاق، وحرب بالوكالة بين عملاء وأتباع العملاقين، إلى أن انتهى بالهزيمة التاريخية سنة 1990م من القرن الماضي؛ حيث انهار المعسكر الشرقي، وانحلَّ حلف وارسو، وتناثرت أشلاء دوله إلى عدة دول؛ لا تربطها سوى علاقات سياسية واهية مع روسيا الاتحادية… وبانهيار الاتحاد السوفياتي فقد ظهر المسرح الدولي بشكله الجديد وهو (شبه التفرد الأميركي) في قيادة العالم ورسم سياساته بلا منافس أو منازع حقيقي، باستثناء بعض الأمور من المشاركات العسكرية والسياسية تقوم بها الدول الكبرى؛ إما مغرمة أو مرغمة؛ كما جرى في حرب الخليج الأولى والثانية، في العراق وأفغانستان، وكما يجري اليوم في أرض الشام…
لقد حاولت دول أوروبا أن تلمّ شملها فيما بينها، وتتقوى بنفسها بعد انتهاء المنظومة الشرقية، لكن محاولات أوروبا لم تؤتِ ثمارها في المسرح الدولي في الوقوف في وجه أميركا وغطرستها، وإن كانت قد آتت ثمارها في بعض الجوانب النقدية والاقتصادية… والسبب هو أن الاتحاد الأوروبي الذي تشكل في هذه المرحلة لا يملك مقومات الوحدة؛ لا تاريخيًا، ولا واقعيًا، ولا عرقيًا، عدا عن العداوات المتأصلة بين الدول والشعوب عبر الأزمان… ورغم ضعف منظومة هذا الاتحاد، فان أميركا لم تتركه وحده في الساحة يفعل ما يشاء، ويمضي في تقوية أواصر وحدته السياسية مستقبلًا؛ حيث إنها عملت (اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا) – كما عملت من قبل مع حلف وارسو- على عرقلته وإضعافه؛ تمهيدًا لتفكيكه نهائيًا مستقبلًا. وقد شجعت في الآونة الأخيرة بريطانيا على الخروج من هذه المنظومة لفتح الطريق أمام انشقاقات أخرى؛ حيث شجع (ترامب رئيس أميركا) البريطانيين على التصويت لصالح الانفصال، ودعا دولًا أخرى لحذو النهج البريطاني… ومع هذا التشجيع لم تتوانَ أميركا منذ نشأة هذا الاتحاد في محاربته اقتصادياً عن طريق أدواتها الاقتصادية، وعن طريق التحكمات في الدولار، وأسعار البورصة والنفط والذهب… ويمكن القول إن الاتحاد الأوروبي ليس بذي شأن كبير أمام أميركا وسياساتها، وخاصة بعد زوال الاتحاد السوفياتي من المسرح الدولي… بل إن أميركا تسخّر هذا الاتحاد في كثير من الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهو مرغم لا يستطيع التحدي ولا التصدي لسياساتها، ولم يقف تسخير أميركا عند حد الاتحاد الأوروبي – كدول عظمى – بل إنها تسخر كذلك روسيا الاتحادية في خدمة مشاريعها السياسية والعسكرية والاقتصادية…
إن أطماع أميركا هذه الأيام – في الحقيقة – لا تقف عند حد تسخير دول الاتحاد الأوروبي وروسيا في خدمة مشاريعها السياسية، وفي غطرستها العسكرية، وأطماعها في دول العالم… بل إن أميركا تسعى إلى ما هو أكبر من التسخير؛ فإلى ماذا تسعى أميركا هذه الأيام في ظل الواقع الدولي الحالي، وما هي الأدوات التي تستخدمها لتحقيق أطماعها؟؟.
الحقيقة، إن أميركا اليوم تسعى إلى فرض واقع (التفرد الدولي والهيمنة العالمية بلا منازع). صحيح أنها الآن تفرض واقعًا من شبه التفرد بالمشاركة والمساعدة، إلا أن أميركا تطمع وتطمح إلى ما هو فوق ذلك. تطمح إلى التفرد دون منازع؛ ومن أجل ذلك، فإنها تحاول أن تقضي على خصومها المعاندين في الحلبة الدولية؛ بإضعافهم أو تحجيم دائرة نفوذهم في دائرة إقليمية مغلقة، أو تفكيك منظومتهم. وقد عبر عن ذلك بوش الابن في لقاء مع الرئيس الفرنسي في واشنطن في حرب الخليج الثانية؛ حيث قال: «إن الدول التي ليست مع الولايات المتحدة فهي ضدها، وإن أي شريك مع الولايات المتحدة يجب ألا يعبر عن تعاطفه فحسب، بل يجب أن يشارك بعمل». فهي أي (الولايات المتحدة) تقوم بأعمال عديدة لبلوغ هذه الغاية في (التفرد الدولي) منها:
أولًا: السعي لإضعاف الاتحاد الأوروبي، ومن ثم العمل على تفكيك هذا الاتحاد؛ وذلك عن طريق الضغوطات الاقتصادية، وافتعال الأزمات داخله؛ الاقتصادية والسياسية، وتشجيع بعض البلاد للخروج من منظومته…
ثانيًا: تسعى لإبقاء روسيا ضعيفة اقتصاديًا؛ تعيش في أزمات داخل اتحادها، وتلهث وراء أميركا من أجل تحقيق منافع ومصالح مادية، كما تسعى لإبعادها عن أي تفكير في الدخول في أحلاف مع الدول الأخرى مثل الصين، وذلك عن طريق الترهيب والترغيب…
الأمر الثالث: هو سعيها لجعل الصين دولة إقليمية، وذلك بالعمل على إفشال مشاريعها التوسعية بما جاورها من دول جنوب شرق آسيا؛ مثل فيتنام أو كوريا أو تايوان أو غيرها في بحر الصين الجنوبي… وبقائها تحت هيمنة الدولار، والحاجة إلى الأسواق الأميركية لتسويق بضاعتها…
الأمر الرابع: تسعى وتعمل لأن تبقى القوة العسكرية والاقتصادية الأولى على الدوام، وأن يكون الدولار الأميركي هو المهيمن على كل العملات العالمية دون منازع، وأن تبقى متفوقة في أسواقها وفي إنتاجها، أي حجم الإنتاج!!…
فهل تتمكن أميركا من الوصول إلى ما تطمح إليه دوليًا: من القضاء على الخصوم السياسيين والعسكريين، وإبقاء حلبة الصراع الدولي خالية من أي خصم لها مستقبلًا، وإبقاء دول العالم تسير خلف أعمالها السياسية دون معارض ولا منافس، وإبقاء عرش الدولار على ما هو عليه من الهيمنة النقدية؟!.
الحقيقة، إن أميركا لها أدوات وعملاء، ومناطق نفوذ تميزها عن غيرها من الدول – كما ذكرنا – ولكن هذا كله لم يجعلها حتى الآن تتفرد في القضايا الدولية كما تريد بشكل مطلق؛ أي بشكل متفرد تفردًا كاملًا… وقد جربت من قبل أن تخوض صراعًا عسكريًا أحاديَّ الجانب في العراق، مع مشاركة رمزية من بعض الدول… فكانت النتيجة كارثية عليها، وما زالت تعاني حتى اليوم من آثار هذه المغامرة؛ حيث كانت إحدى أسباب الأزمة المالية سنة 2008م؛ مما دفع الرئيس أوباما لأن يقول: «إن الولايات المتحدة لن تخوض حربًا برية أخرى في العراق بعد خروجها منه». فأميركا إن كانت عملاقًا في كل شيء، إلا أن هذا العملاق يعاني من أزمات داخلية عديد منها:
1- أزمات اقتصادية خانقة، تتمثل بارتفاع أرقام العجز في الميزان التجاري حيث بلغ حسب إحصائية وزارة التجارة الأميركية لسنة 2017م 50 مليار دولار، وارتفاع نسبة البطالة 5.7 سنة 2016م، والتضخم 2 %، وهو ما زال يعاني من آثار أزمة 2008م.
2- أزمات سياسية داخل اتحاده، وقد هددت عدة ولايات سابقًا بالانفصال عن هذا الاتحاد بسبب الأزمات المتكررة… فقد جاء على لسان (ريك بيري) حاكم تكساس في اجتماع للمحافظين: «إنه يؤيد الانفصال عن الاتحاد»، وقال المتحدث باسم الحركة القومية في تكساس (ديف موندي): «إن الانفصال هو ردنا الوحيد؛ لأن الدولة الفدرالية متفتتة، ولم يعد ممكنًا إصلاحها مع طريقة عمل النظام السياسي الحالي».
3- كراهية الشعب الأميركي للحروب خارج أرضه، وحبه للرفاه وبحبوحة العيش وكثرة الإنفاق والبذخ… حيث يقدر الاقتصاديون أن نفقات أميركا تفوق ناتجها القومي الضعفين…
4- أزمات ومشاكل عرقية تتمثل في التمييز بين البيض والسود، وبين الإنجلو-سكسون وغيرهم… في السياسة والاقتصاد…
هذا من حيث الوضع الداخلي والأزمات، وطبيعة التركيبة الأميركية… وأما بالنسبة لموضوع الصين؛ فإنها في الحقيقة عملاق اقتصادي بلا شك، وهي تنمو يومًا بعد يوم بشكل سريع… إلا أنها لا تملك من الأدوات ما تملكه أميركا، ولا حتى ما يؤهلها لأنه تكون دولة مؤثرة في حلبة الصراع الدولي، وسياسة القضايا الدولية في المنظور القريب… فهي:
أولًا: دولة مرتبطة باتفاقات كبيرة مع أميركا اقتصاديًا؛ حيث تمثل صادرات الصين إلى أميركا ربع صادراتها إلى العالم تقريبًا…وهناك شركات أميركية كثيرة عابرة للقارات تمارس نشاطها الاقتصادي داخل الصين… وفي الوقت نفسه، فان الصين تملك في خزينتها من الرصيد الدولاري ما يقارب 3.5 ترليون دولار حتى سنة 2016م…
ثانيًا: الصين دولة مقطوعة الشرايين في الخارج؛ من حيث مناطق النفوذ؛ فهي ليست كأميركا، ولا حتى دول أوروبا من هذه الناحية… ويمكن القول: إنها منكفئة على نفسها، أو على محيطها من بعض الدول المجاورة…
ثالثًا: لا تملك من التفوق العسكري ما تملكه أميركا؛ لا من حيث التقدم والتقنية، ولا من حيث القواعد العسكرية عبر العالم، ولا في مشروع حرب النجوم، ولا في سلاح الردع ولا غير ذلك…
ومع ذلك فإن أميركا لا تريد لهذا العملاق الاقتصادي أن يخرج عن دائرته الإقليمية إلى دول أخرى، أو أن يفكر في تقارب دولي مع روسيا، أو أي من دول أوروبا… لأنه بذلك يصبح للصين قوة إضافية تمكنها من التنامي الاقتصادي فوق الحد المرغوب به أميركيًا، وبالتالي فإن الصين يمكن أن تنفذ بعض ما تصبو إليه من التخلص من الرصيد الدولاري، ومن هيمنة الدولار عالميًا.. وبذلك توجه ضربة قاضية للاقتصادي الأميركي، إن لم يكن للاتحاد الأميركي برمته؛ لذلك فان سياسة أميركا تجاه الصين تتمثل في أمور منها:
1- الإبقاء على هيمنة الدولار كعملة عالمية، وترهيب الصين من أي تفكير مستقبلي بالتخلي عن الدولار؛ ولهذا كانت ردة الفعل عند أميركا قوية عندما بدأت الصين باستبدال بعض رصيدها من الدولار بالذهب، حيث عمدت أميركا إلى التهديد بإلغاء اتفاقية التعرفة الجمركية، وهددت كذلك بتقليص الواردات من الصين والتي تشكل حوالي 25 %، وقامت برفع سعر الفائدة أكثر من مرة…
2- اتخاذ الربط الاقتصادي مع التجارة والصناعة الصينية أداة ضغط دائمة للإبقاء على الهيمنة الأميركية، وعدم تفكير الصين بالانفصال الاقتصادي أو التحرر من هذه الهيمنة…
3- العمل على إضعاف الروابط الخارجية مع الصين وخاصة مع الدول المجاورة؛ كي لا تقوى وتتوسع دائرة قوتها الاقتصادية، وخاصة مع المستعمرات القريبة القديمة، أو مع روسيا…
4- العمل على إبعاد روسيا عن الصين، وتسخيرها في إضعاف الصين، بدل التقوّي بها ضد معسكر أميركا وأطماعها…
5- إدخال الصين في سباقات عسكرية واقتصادية تؤدي إلى إرهاقها؛ كما فعلت مع روسيا ومع دول أوروبا هذه الأيام… وكان آخرها رفع قيمة الفائدة؛ مما اضطر الصين كذلك إلى رفعها مجاراةً لأميركا، مما تسبب بإرهاق التجارة الخارجية نتيجة ارتفاع الأسعار…
فهل تستطيع أميركا الإبقاء على الصين دولة إقليمية محجمة، وفي الوقت نفسه، تحت رحمة الدولار والأسواق الأميركية؟! أم إن الصين سوف تستعيد تاريخها القديم كدولة مؤثرة وقائدة للدول المجاورة لها في جنوب شرق آسيا، ومن ثم تقف ندًا لأميركا بدل المعسكر الشرقي الفاني؟!…
إن الصين لا تملك حتى الآن ما يؤهلها لأن تنعتق من هذه السطوة الأميركية، وإن محاولاتها بتوسيع دائرة نفوذها الاقتصادي حتى في الدول المجاورة تزعج أميركا، وتستطيع أميركا بأدواتها وقدراتها وأحلافها الدولية والإقليمية أن تردع الصين، وتمنعها من السير في هذا الاتجاه… ولا تستطيع الصين – كما ذكرنا – أن تخرج عن هذه السطوة إلا بمساعدة دولة كبرى لها تأثيرها وقوتها؛ مثل روسيا إذا سارت معها، ولا يمكن لروسيا أن تسير مع الصين وتجازف هذه المجازفة الخطرة لأن مصالحها مع أميركا أقوى وأفضل من مجازفة غير مأمونة العواقب، وإن روسيا تخشى من عواقب هذا الفعل من أميركا.
من هذا الباب نقول: بأن الدول الفاعلة على المسرح الدولي حاليًا ليس عندها المقومات، لا الاقتصادية، ولا السياسية لتقف أمام عنجهية أميركا وسعيها نحو التفرد العالمي؛ لا الاتحاد الأوروبي، ولا روسيا، ولا الصين، بشكل منفرد… وإن أي تقارب بين هذه الدول ليس في الحسابات الحالية… وفي الوقت نفسه، فإن أميركا بأزماتها ووضعها الداخلي وضعف الرابطة بين اتحادها لا يمكنها أن تتفرد في سياسة وتقرير مصير العالم دون مساعدة ومساندة من الدول الكبرى… وإن هذا الأمر سيبقى على ما هو عليه في المسرح الدولي، وفي حلبة الصراع الدولي حتى تبرز دولة مبدئية لها قوتها ولها سيادتها، ولها فكرها المميز، ولا تحسب حسابًا لا لأميركا ولا لغيرها… عندها، فإن أميركا وغيرها من الدول ستنزل عن عرشها المخادع المتسلط على دماء الناس ولقمة عيشهم… وشيئًا فشيئًا فان هذه الدولة ستسحب البساط من تحت هذه الدول الواهية؛ أولها الولايات المتحدة… وهذا الأمر لا يتحقق إلا بدولة واحدة هي دولة الخلافة الراشدة الموعودة… فنسأله تعالى أن يكرمنا بها عما قريب لنتخلص من ظلم الدول الشريرة، وننعم في ظل عدل الإسلام… آمين يا رب العالمين…
2017-07-24