نظرة حزب التحرير إلى انعكاس الثورات العربية على القضية الفلسطينية مبنيةً على نظرته إلى حقيقة القضية وواقعها وتاريخها.

بسم الله الرحمن الرحيم

نظرة حزب التحرير إلى انعكاس الثورات العربية على القضية الفلسطينية

 مبنيةً على نظرته إلى حقيقة القضية وواقعها وتاريخها.

أحـــــــمـــد الـــقـــــــــصــــــــــــــص

رئيس المكتب الإعلامي

لحـزب التحرير في لبنان

لقد كانت نشأة حزب التحرير في القدس عام 1953م على يد الإمام المؤسِّس تقيِّ الدين النبهاني متأثرَّة إلى حدٍّ بعيد بنكبة فلسطين، إذ كان رحمه الله قبل تأسيس الحزب من الناشطين الذين نذروا أنفسهم لتحرير فلسطين، وكتب في ذلك كتابه الشهير «إنقاذ فلسطين».

كان المخاض الذي خاضه المؤسِّس في جهوده مع العاملين لإنقاذ فلسطين واكتشافه للخيانات التي أدت إلى ضياعها داعياً إلى إعادة النظر في أسباب النكبة وفي النهج الذي يجب أن يتّبع لتحرير الأراضي المحتلة. فوسّع دائرة نظره لتشمل العالم الإسلامي، إذ أدرك أنّ القضية أكبر وأشمل من مجرَّد ضياع فلسطين إنّها ضياع أمّة بأسرها، فقدت هويَّتها وسلطانها ودولتها، أي خسرت كيانها التنفيذي، فلحق بها من النكبات والهزائم والانحطاط ما لحق بها، ولم تكن نكبة فلسطين على فجاعتها ومأساويتها سوى واحدة من فيض النكبات والمآسي التي لحقت بالأمّة.

إنّ نكبة فلسطين ليست نكبة الفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا الأكثر تضرُّرًا ومأساويَّةً، ولكنّها نكبة الأمّة التي خسرت أرضًا تعدُّ الأقدس لديها بعد الحرمين الشريفين. وبالتالي فإنّ مسؤولية تحريرها لا تقع على أهل فلسطين وحدهم وإنّما على الأمّة الإسلامية جمعاء.

لقد بدأ المكر بفلسطين لاحتلالها والهيمنة عليها منذ أواخر القرن التاسع عشر. ولكنّ الخلافة، ولا سيّما في عهد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، كانت السدّ المنيع أمام هذه المؤامرة على الرغم من ضعفها وتهالكها آنذاك، ورحم الله ذلك السلطان إذ قال للصهاينة: “إن سقطت دولة الخلافة يومًا ستحصلون على فلسطين بلا ثمن”. وهو ما حصل فعلاً.

إنّ الصراع في فلسطين ليس بالدرجة الأولى مع اليهود الذين يحتلّونها، بل هو مع الإرادة الدولية التي كانت وراء تأسيس كيان يهود (وعد بلفور) والتي تتولّى حمايتها ورعايتها حتّى يومنا هذا، وبالتالي فإنّ المعركة أكبر من أن تُحصر بين أهل فلسطين واليهود المحتلين.

لقد زرعت بريطانيا كيان يهود في فلسطين مُنشِئةً أزمة في قلب العالم العربي، من أجل أن تنصرف جهود شعوب المنطقة عن العمل للتحرُّر من الاستعمار وطرد النفوذ الغربي من البلاد إلى الاشتغال بقضية مُفتَعلة تكون دول الغرب حَكَمًا فيها بدل أن تكون عدوًّا يُكافَح ويُطرَد نفوذه من البلاد.

لقد تسنّى للإرادة الدولية بدءًا من بريطانيا ووصولاً إلى الولايات المتّحدة حكّامٌ محليّون ينفِّذون هذه الخطّة، فساهموا في تسليم فلسطين منذ سنة 1948م، وتمكّنوا من استغلال القضيّة الفلسطينية لتكريس عروشهم من خلال الزعم بأنّها قضيّة القضايا وأنّه لا يجوز لأيّ قضيّة أخرى أن تشوِّش عليها. فتاجرت الأنظمة الإقليمية بقضيَّة فلسطين، ثمّ باعتها حين أنشأت منظَّمة التحرير وظهرت بمظهر الداعم لمنظَّمات الكفاح المسلَّح.

ارتمت حركات المقاومة الفلسطينية بأحضان الأنظمة التي تاجرت بها. وكانت ذريعة هذا الارتماء دائمًا أنّه لا بدَّ للمقاومة من أرض تقف عليها وتنطلق منها، فإذا بالغنم تحتمي بالذئاب.

إنّ ثبات كيان يهود على أرض فلسطين طوال خمسة وستّين عامًا ليس ناشئًا عن قوّة هذا الكيان، فهو في حقيقته أوهن من خيوط العنكبوت. ولكنّ ثباته ناشئٌ عن حالة الشلل التي تعتري الأمّة التي فقدت مجرَّد القدرة على مدّ اليد إلى بيت العنكبوت. وفي الحالات القليلة التي أَظهرت فيها إرادتها كانت فاقدة القدرة على تنفيذها، ذلك أنّها خسرت مع سقوط الدولة الإسلامية جهازها العصبي الذي كان بإمكانها أن تعبِّر من خلاله عن هويّتها وأن تنفِّذ إرادتها وتطلُّعاتها. فالأنظمة التي قامت على أنقاض دولة الخلافة لا تمتُّ بصلة إلى إرادة الأمّة ولا إلى هويَّتها ولا إلى تطلُّعاتها. وكلُّ تصرُّف  أو إجراء اتّخذته هذه الأنظمة منذ ما يقرب من قرن من الزمان لا يعبّر بحال عن إرادة الأمّة، وإنّما عن الإرادة الدولية بالدرجة الأولى، ثمّ عن حرص الحكّام وحاشيتهم على الاحتفاظ بعروشهم ونفوذهم.

إن تصنيف قضيّة فلسطين على أنّها قضيّة للفلسطينيين وحدهم هو خذلان لها إن لم يكن خيانة. فقد أُوكلت القضية من خلال إنشاء منظَّمة التحرير وما تبعها من منظَّمات مقاوِمة إلى الحلقة الأضعف في الأمّة، وهم أهل فلسطين الأسرى والمنكوبون الذين لا يملكون أرضًا ينطلقون منها لتحرير فلسطين. وأُعفيت الجيوش المحيطة بالأرض المحتلّة من هذه المهمّة المقدّسة المنوطة شرعًا بالأمّة الإسلامية، ولا سيّما الأقطار المجاورة للأرض المحتلّة.

لقد اشتركت المنظَّمات الفلسطينية كلُّها بالخطيئة حين جعلت سقف مطالبها من الأقطار المجاورة الدعم والتعاطف والمؤازرة والإيواء. فهي بذلك رضيت باستقالة دول الطوق والجوار من مسؤوليّتها عن تحرير فلسطين. كما ساهمت في عزلتها حين ربطت سياساتها ببعض الأنظمة، فكانت تحالفاتها في كثير من الأحيان تسير في خطّ معاكس مع قضايا الشعوب في المنطقة، وذلك حين تحالفت مع أنظمة معادية لشعوبها الإسلامية ومع دول معادية للأمّة. فمن المفارقات العجيبة التي لطالما طُلِب منّا أن نستسيغها أن تكون المقاومة حليفة للنظام السوري على الرغم من عداوته السافرة للتيّار الإسلامي نفسه الذي تنتمي إليه المقاومة فضلاً عن عداوته لشعبه التي لم تعد خافية اليوم على أحد، وحين انضمّ بعض أهل المخيَّمات في سوريا إلى الثورة من منطلق أنّ المؤمنين إخوة سمعنا تصريحات من بعض قادة المنظَّمات الفلسطينية بأنّنا لا نقبل إقحام الفلسطينيين بما لا يعنيهم! ومن قبل وصل الأمر إلى تفويض روسيا بدماء المسلمين في الشيشان بزعم أنّ مشكلة الشيشان شأن روسي داخلي!

إنّ جعل قضيّة فلسطين قضيّة خاصّة بالفلسطينيين هو أحدى حلقات تجزئة قضايا الأمّة الإسلامية وصرفها عن حمل قضيّة واحدة، ألا وهي النهوض من انحطاطها وضعفها عن طريق استئناف الحياة الإسلامية، وذلك عبر إقامة الدولة الإسلامية التي تجمع شمل الأمّة وتستعيد هويّتها بإعادة السيادة للشرع والسلطان للأمّة، وتطرد النفوذ الغربي من البلاد، وتمسك بعوامل القوّة الكامنة فيها، لتحريكها باتجاه تحرير فلسطين وسائر البلاد المحتلّة، ولمعالجة المشكلات المتشابكة والمعقّدة الناشئة عن شلل الإرادة والقرار في الأمّة طوال قرن من الزمان.

لقد نظر الكثير من المراقبين والمعنيّين إلى الثورات التي انطلقت في البلاد العربية على أنّها حجبت قضية فلسطين وصرفت الأنظار عنها إلى القضايا المحلية، وتراجع ذكر القضية الفلسطينية في المنتديات والمؤتمرات بل وفي المقالات ونشرات الأخبار، ما عنى في نظرهم أنّ الثورات أنزلت قضية فلسطين عن مرتبتها إلى مستوى أقل شأناً. والحقيقة أنّ العبرة ليست في كثرة الكلام والضجيج والمؤتمرات والصخب في قضيّة فلسطين، بل العبرة في تحوُّل الأوضاع في المنطقة إلى واقعٍ يكون أكثر وعداً وأملاً لفلسطين وتحريرها، وهذا ما يعد به دبيب الحيويّة والثقة والجرأة الذي بدا واضحًا في الأمّة في العامين الأخيرين مع انطلاق الثورات المباركة.

إنّ الثورة التي انطلقت في المنطقة العربية، ابتداءً من تونس وصولاً إلى سوريا، آذنت بانهيار الأساس الذي قامت عليه تجزئة قضايا الأمّة وبيعها وخيانتها الواحدة تلو الأخرى. وذلك لأنها آذنت بانهيار الأنظمة الجبرية العميلة والعدوّة للأمّة، وبالتالي آذنت بعودة السلطان إلى الأمّة. فإذا استعادت الأمّة سلطانها وتمكّنت من فرض إرادتها على أرض الواقع أمكنها أن تستعيد زمام الأمور وأن تقرِّر مصيرها وفق عقيدتها وإسلامها الذي تعتنقه، الأمر الذي سيقودها بالتالي إلى التحرّر من الهيمنة الدولية والسير في قضاياها المصيرية الواحدة تلو الأخرى، ومن أهمّها تحرير فلسطين. ولنا عبرة في سيرة السلطان العظيم صلاح الدين الأيوبي الذي لم يتمكن من شنّ الحرب الفاصلة لتحرير القدس من الفرنجة إلا بعد إنشاء دولة قويّة حولها تُعلن ولاءها للخلافة الشرعية في بغداد.

إنّ الثورات التي انطلقت منذ سنة 2010م وحتّى يومنا هذا، غيّرت المشهد العامّ إلى حدّ بعيد وجعلت صوت الشعب أعلى كثيرًا من ذي قبل، إلا أنّها على الرغم من ذلك لم تُؤتِ أكلها حتّى الآن، لا في تونس ولا في مصر ولا في ليبيا ولا في اليمن، فضلاً عن سوريا التي لمّا يَسقط طاغيتها بعد. ذلك أنّ الذي حصل حتّى الآن هو سقوط حكّام لا سقوط أنظمة. فما زالت الأنظمة القائمة في هذه الدول أنظمة علمانية دستورياً وتشريعياً وممارسةً، وما زالت مرتبطة بالسياسات الدولية التي لا تُفَصَّل على قياس مصالح البلاد الإسلامية، وإنّما على قياس مصالح الدول الكبرى.

فيما يتعلّق بقضية فلسطين، فإنّ نهج الحكّام الجدد في كلّ من تونس وليبيا ومصر واليمن لم يحصل فيه أيّ تغيّر نوعي، وإنّما تغيّر شكلي اقتصر على بعض الخطابات والاستضافات والاحتفالات والشعارت… فلم يتولّ الحكّام الجدد السلطة إلا بعد أن أَعطَوا المواثيق بأنّ المعاهدات والاتّفاقات الدولية والإقليمية السابقة لن تمسّ، بما في ذلك اتفاقية كامب دافيد الخيانية. ولم يستثمروا ثورات الأمّة وفوزهم بالانتخابات من أجل إعادة صياغة العلاقة مع اليهود على أساس أنّها حالة حرب مع محتلّ ترفض الأمّة وجوده ولا تعترف بقضيّة متعلّقة بحدوده، بل تكرّرت التطمينات من حكّام مصر الجدد حول التزامهم اتفاقية كامب دافيد، ما أضفى نوعًا من الطمأنينة لدى قادة الاحتلال اليهودي حول المستقبل المنظور للنظام السياسي الجديد في مصر. وكلّنا رأى المشهد المشين للسفير المصري وهو يتبادل الأنخاب مع رئيس كيان يهود، وكلّنا قرأ نصّ الرسالة التفخيمية التبجيلية التي وجّهها الرئيس المصري الجديد إلى رئيس هذا الكيان المسخ.

على صعيد الفصائل الفلسطينية: بدل أن تُشعل ثورات العرب الأعمال الجهادية، وبدل أن تدعو قادة الفصائل الثائرين أن يُحمِّلوا الأنظمة المتمخِّضة عن الثورة مسؤوليّاتها لتحرير فلسطين، ازداد الكلام على المقاومة الشعبية السلمية. وظلّت الفصائل الفلسطينية تنتهج أسلوب طبخ الحجارة في قدر ماء، لا يسمن ولا يغني من جوع تحت العنوان نفسه: «المصالحة»، وتشغل الناس بملفّات ترتيب الشأن الداخلي من انتخابات وحكومة ومنظّمة وضمّ فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفة مراقب، دون جديد ذي بال يذكر، ودون وعي على ما آلت إليه أجواء الأمّة بعد الثورة.

قد يُخيَّل للرائي وهو يرقب هذا المشهد المحبِط من تعامل الحكاّم الجدد مع قضية فلسطين أنّ الثورات كانت شرًّا على المسألة الفلسطينية. ولكنّ النظرة يجب أن تكون أبعد مدًى. فالثورة لمّا تنتهِ والحراك السياسي في تونس وليبيا ومصر واليمن بالكاد قد بدأ. إذ قد انطلقت الثورة بشكل عفويّ في هذه الأقطار دون أن تتزوّد بأيّ مشروع سياسي، إذ كانت على ما تحويه من طاقة إسلاميّة بارزة مقتصرةً في انطلاقتها على رفض الظلم والطغيان والتجبّر الذي مارسه الطغاة الجبابرة على مدى عشرات السنين من حكمهم للبلاد. ولكنّ أهل هذه البلاد بعدما استعادوا الثقة بقدرتهم على تقرير مصيرهم واختيار أنظمتهم وتحديد سياساتهم وجدوا أنفسهم أمام ضرورة التفكير في المشروع السياسي الذي يجب أن يحلّ محلّ الأنظمة السياسية العفنة التي فرضها الغرب وعملاؤه عليهم منذ عشرات السنين. وهذا الحراك بدأ يؤذِن منذ الآن بأنّ الأمّة لن تختار سوى الإسلام نظامًا للحياة والمجتمع والدولة. ولَئِن بدأ اختيارها مشاعريًّا وسطحيًّا في حدود ما عُرض عليها من مشاريع وشعارات سياسية فإنّ الواقع المستجدّ يتحدّاها لتُنعِم التفكير في المشروع السياسي الحقيقي الذي ينقلها إلى الحياة الإسلامية من جديد ويعيد إليها هويَّتها التي أضاعتها منذ قرن من الزمان، وحينئذ سيكون أمل فلسطين أكبر وأعظم.

إنّ ثورات المنطقة العربية وإن كانت تجمعها ظروف وملابسات ودوافع متماثلة، إلا أنّها تبقى تتمايز فيما بينها بِسِمات مختلفة. ومن المؤكَّد أنّ ثورة سوريا تمتاز كلّ الامتياز عن سابقاتها من الثورات، من حيث نقاؤها، ومن حيث خذلان العالم لها ومسارعة الدول إلى التآمر عليها لخنقها بداية ثمّ لإجهاضها وسرقتها تاليًا. ولكنّ أهمّ ما يميزها من غيرها أنّ سابقاتها من الثورات سرعان ما أسقطت طغاتها الذين ثارت عليهم ومن ثمّ تحولت بعد ذلك إلى حراكها السياسي والفكري في أجواء ملوَّثة بالثقافة الغربية وبقايا نفوذ دول الغرب وفلول الحكام البائدين، ما عوّق التغيير الحقيقي والانتقال إلى الواقع السياسي الذي ينسجم مع عقيدة المسلمين وانتمائهم الحضاري إلى الإسلام. أمّا ثورة الشام فأمرها مختلف. فلَئِن انطلقت على شاكلة سابقاتها ضدّ الظلم والطغيان، فإنّ تمادي الشهور بها نتيجة خذلان العالم كلِّه لها وتآمره عليها جعلها تبدأ ببلورة مشروعها السياسي وهي في خضم مخاضها الثوري والعسكري، وبدأ مشهدها يسفر عن مشروع سياسي يتّضح يومًا بعد يوم أنّه المشروع السياسي الإسلامي الصافي الذي لا يستلهم أبجديّاته لا من الثقافة الغربية ولا من المجتمع الدولي ولا من (الناصحين) العرب والإقليميين. وها هي مشاريع الغرب والأنظمة الإقليمية التي تريد إجهاض ثورتها وتجييرها للعلمانيين الذين يصونون مصالحها، ها هي هذه المشاريع تتكسّر على صخور الثوار الأنقياء الذين قلّما تلوّث فكرهم بأفكار الغرب وعلمانيته وقواعده السياسية الخبيثة. ولَئِن كانت فلسطين من عقر بلاد الشام و«الشام عقر دار المؤمنين» كما وصفها عليه الصلاة والسلام، فإنّ مِن حقِّها أن تستبشر بثورتها وأن يتطلّع أهل فلسطين إليها بكلّ شوق ولهفة. ولَئِن ركنت بعض حركات المقاومة لنظامها الجبري ردحًا من الزمان، فالأولى بها اليوم أن تركن إلى أهلها الشرفاء الأطهار الذين قال فيهم رسول الله  صلى الله عليه وسلم : إذا «فسد أهل الشام فلا خير فيكم».

ولنتذكر دائمًا أنّ فاتح فلسطين الأوّل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يكن فلسطينيًّا، وأنّ السلطان صلاح الدين الأيوبي محرِّر بيت المقدس من الفرنجة المحتلّين لم يكن فلسطينيًّا ولا عربيًّا، وأنّ خليفة المسلمين السلطان عبد الحميد الثاني الذي حافظ على فلسطين وحماها من المؤامرة الصهيونية ورفض بيعها بقناطير الذهب لم يكن أيضًا فلسطينيًا ولا عربيًّا، ولكنّهم كانوا جميعًا قادة مؤمنين عبّروا عن أُمّتهم حقّ التعبير وكان وليّهم الله ورسوله والذين آمنوا، لا كحكّام هذا الزمان الذين أخلصوا الولاء لأميركا والغرب وحلفائهم من اليهود. فالتاريخ يُثبت فضلاً عن نصوص الشرع أنّ هذه الأمّة حين كانت تواجه أعداءها بوصفها أمّة إسلامية لا بأوصاف قومية أو وطنية أو غيرها، وتحت الراية الإسلامية، كانت الغلبة دائمًا لها، وفاءً من الله تعالى لها بوعده: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )