الاعانات يأكلها الأغنياء
1992/01/25م
المقالات
2,276 زيارة
طفل أفريقي أو آسيوي يجلس على الأرض، عيناه تتجهان إلى السماء، معبرتين عن اليأس. الهزال يبرز فيه العظام، ويوحي باقتراب الموت، والذباب يتراكم على وجهه ورجليه.
هذه الصورة تستعمل لاستدرار عطف المحسنين ودفعهم إلى التبرع، واظهار الوجه الانساني للدول التي ترعى مثل هذه الأعمال، والدعاية للفكر الانساني الذي تعتنقه. وهي صورة اعلانية.
إن الاعانة على المستوى الدولي تختلف كلياً عن الاعانة على المستوى الفردي كل الاختلاف.
فكيف تتم الاعانة على المستوى الدولي:
إن كل الدول في العالم تساهم في ميزانية الأمم المتحدة. وعلى هذا فإن لك إنسان يدفع لهذه المؤسسة العالمية. غنياً كان أم فقيراً.
والدول تدفع مساهماتها حسب نسبة معينة من انتاجها القومي الخام. فإذا كانت الولايات المتحدة تقدم ما نسبته 25% من ميزنية الأمم المتحدة فذلك لأن انتاجها القومي الخامي مرتفع جداً ولكنها تدفع نفس النسبة إلى تدفعها بنغلادش على سبيل المثال. فنفس النسبة تدفع من قبل الدول الفقيرة والدول الغنية فالمواطن في الدولة الفقيرة يقدم نصف دولار من دخل سنوي لا يتجاوز 250 دولار يقوم بنفس التضحية التي يقدم عليها مواطن دولة غنية يقدم خمسين دولاراً من دخل سنوي يبلغ 25 ألف دولار.
المبلغ الاجمالي للاعانات في العالم يقدر حالياً بـ 60 مليار دولار سنويا. والاعانات لم تتم مباشرة من اليد إلى اليد ولا حتى من دولة إلى دولة وإنما تمر عبر مؤسسات مختصة في الاعانة.
هذه المؤسسات هي على ثلاثة أنواع: النوع الأل وهو الأكثر شهرة هي المؤسسات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة نذكر منها برنامج الأمم المتحدة للتنمية الذي تبلغ ميزانيته 800 مليون دولار سنوياً. ومنظمة التغذية والزراعة الدولية (الفاو) بميزانية تتراوح بين 500 و600 مليون دولار سنوياً. والمنظمة العالمية للصحة (OMS) وميزانيتها 500 مليون دولار سنوياً. والصندوق الدولي لرعاية الطفولة (اليونيسف) بميزانية 400 مليون دولار سنوياً. والمنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) وميزانيتها 370 مليون دولار سنوياً. والمفوضية العليا للاجئين (HCR) الخ.
النوع الثاني هو أكثر أهمية ويشمل البنوك وصناديق النقد الدولية. أهم هذه المؤسسات يخضع رسمياً للأمم المتحدة لكنه يتمتع باستقلالية تامة في التصرف. وهي البنك العالمي. وصندوق النقد الدولي (FMI) البعض الآخر يخضع لتجمعات اقليمية مثل الصندوق الأوروبي للتمنية الذي أسسته بلدان المجموعة الأوروبية. أو البنك العربي للتنمية الإفريقية الذي تموله أساساً الأقطار الخليجية.
النوع الثالث هو المظمات الحرة التي تقوم على التبرعات وتختص في بعض أنواع الاعانة وهي منتشرة أساساً في البلدان الغربية.
وحسب الأعراف الدولية فإن المبالغ المخصصة للإعانة يجب أن يتوفر فيها شرطان: 1- أن لا تصرف لأغراض عسكرية. 2- أن لا تقدم على شكل قروض.
أما الاستفادة من الاعانة فهي تتم بطريقتين: إما عبر مشاريع في البلدان النامية تمولها جزئياً أو كلياً المؤسسات الدولية أو على شكل اعانات عاجلة في حالة كوارث طبيعية مثلاً.
من يستفيد من الاعانات؟
إن الأموال المرصودة للاعانات سنة 1950 بلغت 1,8 مليار دولار والآن تقارب 60 مليار دولار. فمن يستفيد من هذه الاعانات.
إن الأمم المتحدة كانت تدعو سنة 1960 البلدان الغنية لتخصيص 1% من انتاجها القومي الخام للاعانة ثم تنازلت سنة 1967 إلى 75% وفي 1970 إلى 70% ومع ذلك فإن أغلب البلدان الغنية ما زالت بعيدة عن تحقيق هذا الطموح.
والأمر الذي يجهله الكثيرون هو أن الـ 60مليار دولار لا تصل كلها إلى المحتاجين. فمؤسسات الإعانة تحتاج إلى مبالغ ضخمة لفتح المكاتب وتشغيل الموظفين وإرسال الخبراء وكلها تؤخذ من المبالغع المرصودة.
أين تصرف الاعانات؟
موظفو الأمم المتحدة يبلغ عددهم 50 ألف موظف وأبسط مرتب يتجاوز دخل وزير في إحدى البلدان الفقيرة وتنقلاتهم تكلف سنوياً 100 مليون دولار وهو مبلغ يتجاوز 7 مرات الاعتمادات التي تخصص عادة لمشاريع صغيرة ومتوسطة للاعانة.
لتنظيم الندوات الدولية تشغل الأمم المتحدة 2500 شخص وتخصص 140 مليون دولار سنوياً.
أما قسم العلاقات العامة فيستحوذ على 75 مليون دولار وهذه كلها مصاريف لا تفيد المحتاجين بشيء المنظمات التي تغيث العالم الثالث تختار دائماً العالم المتقدم والغني مقراً لها: مكانت الأمم المتحدة تأخذ أضخم الأبنية في نيويورك، منظمة التغذية والزراعة مقرها عاصمة لا تعاني من المجاعة هي روما.
المنظمة العالمية للصحة فتحت مكاتبها في جنيف التي يتمتع سكانها بصحة جيدة. كما تضم هذه المدينة مقر المفوضية العليا للاجئين أما اليونيسكو فقد اختارت الاستقرار في أحد أفخم الأحياء الباريسية.
هذا يعني بالطبع أن هذه المنظمات تدفع مبالغ ضخمة للايجار والهاتف والكهرباء والسيارات وتعويض مصاريف الاقامة لموظفيها. وكل هذه المبالغ تذهب إلى مؤسسات غربية.
أما علاقاتها بالبلدان النامية فتتطلب القيام بأسفار مستمرة تكلف 100 مليون دولار سنوياً.
وإذا ما تطلب بعض المشاريع حضور خبراء وموظفين على عين المكان فإن أجورهم تتجاوز أحياناً المبالغ المخصصة للمشاريع نفسها.
ومؤسسات الاعانة ليست وحدها المستفيدة عن العملية. فبلدان الإقامة أي البلدان الغنية تجني منافع جمة. المساهمة الإيطالية مثلاً في منظمة التغذية والزراعة لا تتجاوز 6 ملايين دولار وبما أن مقر المنظمة هو روما فإنها تشغل عدداً كبيراً من الإيطاليين وتدفع لهم أجوراً تتجاوز اجمالياً 60 مليون دولار أي عشر أضعاف المساهمة الإيطالية.
المشاريع في العالم الثالث تتطلب أيضاً تجهيزات مختلفة (سيارات ـ أدوات ـ مواد ـ آلات ضخمة..) وهذه التجهيزات تشترى من البلدان الغنية وتساهم بذلك في تنمية اقصادها وربح مؤسساتها. ويقدر حالياً أن 70% من الأموال التي يقدمها الأميركيون للاعانة لا تتعدى حدود الولايات المتحدة لأنها تخصص للشراء من مؤسسات أميركية. وإحدى قنوات التفلزيون الفرنسي قدمت منذ أشهر حواراً حول المنظمات الحرة للاعانة اعتبر فيه الكثير من المشاركين أن تخصيص 80% من التبرعات للمصاريف العامة للمنظمة (أجور أي سفر) هو أمر معقلو تماماً.
وبصورة أكثر شمولاً فإن البلدان الغنية تحقق منافع كثيرة من عمليات الاعانة.
فالمؤسسات الغربية هي التي تبيع تجهيزات المشروع.
والخبراء الغربيون هم الذين يوظفون لإدارته.
والتنقلات تتم عبر وكالات السفر الغربية.
والمكاتب تستأجر في العواصم الكبرى.
إضافة إلى ذلك هنالك استفادة غير مباشرة. إقامة مشروع في إحدى البلدان النامية يستعمل آلات غربية وذلك يعني أن البلد المعني سيشتري في المستقبل كل قطع الغيار من المؤسسة التي باعته الآلات وسيلتجيء دائماً فنييها لإصلاح الأعطال.
وتقديم مواد غذائية إلى بلد يدفعه في العادة إلى شرائها من البلد الذي قدم له المساعةد. الرئيس الأميركي ريغان قال مرة: «إن إعاناتنا الخارجية ليست فقط رمزاً للتقليد الأميركي المتميز بالكرم وحسن النية إنها تخذم أيضاً مصالحنا القومية». وفعلاً فإن الإعانات غالباً ما استعملت لمساعدة حلفاء سياسيين ومنعت عن الخصوم. الاتحاد السوفياتي أعان كوبا إعانة ضخمة في مناخ الخرب الباردة ثم تخلى عنها لما انفرج الوضع الدولي للولايات المتحدة خفضت بدورها إعاناتها الدولية للاجئين الأفغان ـ نيكاراغوا تمتعت بقروض كبيرة في عهد سوموزا ثم رفض البنك الدولي إعانتها في عهد نوريغا ثم استؤنفت الإعانة في عهد شامورا الحالي.
من يعين من؟
لم يعد خافياً اليوم أن مبالغ التحويلات من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية تعادل أحياناً مبالغ التحويلات من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة. فالبلدان الفقيرة تحصل على إعانات وقروض أما البلدان الغنية فتحصل على العقود الضرورية لإقامة مشاريع الاعانات وعلى الأموال التي يستولي عليها المسؤولون ويحولونها إلى البنوك الغربية. على مبالغ الديون المسترجعة وفوائد هذه الديون. وبلدان مثل البرازيل وكولومبيا والمكسيك تخصص أكثر من ثلثي دخلها لإرجاع الديون المترتبة عليها. وما يصلها من إعانات لا يعادلة الكفة.
وباعتبار أن البلدان الغنية تعاني حالياً من انحسار في نشاطها الاقتصادي فإنها تحتاج إلى ملايين من الدولارات لتنشيط الدورة الاقتصادية والتي تتأمن عن طريق القروض التي تعد بمثابة ادخار..
أهم المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والتي تتولى تقديم الإعانات:
1- البنك الدولي: أهم مؤسساته: البنك الدولي للتعمير والتنمية (واشنطن)، الجميعة العالمية للتنمية (واشنطن)، المؤسسة المالية العالمية (واشنطن).
2- مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (جنيف).
3- منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة أهم مؤسساتها: المجلس العالمي للتغذية (روما)، البرنامج العالمي للتغذية (روما)، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (روما).
4- صندوق نقد الأمم المتحدة للطفولة (نيويورك).
5- صندوق النقد الدولي.
6- المفوضية العليا للاجئين (جنيف).
7- المنظمة العالمية للصحة (جنيف).
8- منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (فيينا).
9- البرنامج الأممي للتنمية (نيويورك).
10- البرنامج الأممي للبيئة (نيروبي).
11- مكتب الأمم المتحدة للتنسيق والإعانات في حالة الكوارث (جنيف).
12- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (باريس)□.
عن مجلة «الفرسان» 113/05/91
1992-01-25