إلى دعاة الإسلام في الجزائر
1992/02/10م
المقالات, كلمات الأعداد
2,059 زيارة
لا تصطدموا بالجيش حتى لو اصطدم الجيش بكم. ولا بقوى الأمن الداخلي. الجيش وقوى الأمن هم جزء من الأمة. هم اخوتكم وأولادكم. وقد سمعنا مؤخراً وسائل الإعلام في بعض بلاد المسلمين تقول بأنه لم يبق مجال للتفاهم السلمي، ولا بد من اللجوء إلى العنف! ونحن نقدم النصيحة المخلصة إن شاء الله، ونقول لكم: احذورا استعمال العنف مهما كانت الدوافع أو المغريات.
الشعب معكم وسيزداد التفاقه حولكم ما دمتم صامدين شرط أن لا تلجأوا إلى العنف، فإذا استعملتم العنف فإن الشعب سيتخلى عنكم.
ولا تفكروا بالتحوّل عن العلنية إلى السرّية. إن التحوّل إلى السرية هو بمثابة خنقٍ للعمل، أو هو عبارة عن إلغاء تسعة أعشار النشاط في حمل دعوة الإسلام. قد يؤدي العمل العلني إلى منع الصحف أو اقفال المراكز أو اعتقال من يتكلم. وليكن ذلك إذا لم يمكن تفاديه. فإذا سحبوا الرخصة التي منحتها الدولة فإن الرخصة التي منحها الله باقية (بل هي واجب وليس مجرد رخصة). وإذا قفلوا المراكز فكل بيت هو مركز وكل مسجد هو مركز وكل ساحة أو شارع هو مركز. وإذا منعوا الصحفة الدورية فيمكن إصدار نشرات أو كتيبات غير دورية. وإذا اعتقلوا أشخاصاً يستمر غيرهم في الدعوة، والشخص المعتقل يمكنه أن يتحدث ضمن السجن. ولا يستطيعون وضع كل شخص في زنزانة ولا يستطين أن يسجنوا كل الشعب.
ولا تتراجعوا عن المواجهة الفكرية الصريحة القوية. أنتم تحملون الفكر الإسلامي وتتمسكون بالقرآن وبسنة النبي ﷺ. فأنتم على حق وخصمكم على باطل. وقديماً قيل: أمّا الباطل فإلى ساعة. وأمّا الحق فإلى قيام الساعة. وقد قال الله تعالى: )وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(. والحق يحتاج إلى من يحمله ويعلنه بلسان فصيح وحجة ساطعة وعزيمة قوية. وبعد ذلك فالحق كفيل بازهاق بالباطل. أنتم تحسون في داخلكم أنكم مع الله وأن الله معكم وأنكم تعملون لخير دينكم وأمتكم. وهذا الإحساس يعطيكم قدرة هائلة على التحدي والصبر. بينما خصمكم يحس أنه ظالم وأنه يعمل ضد دينه وضد أمته، وهذا يجعله مهزوماً من الداخل.
وعليكم أن تعلموا أن أخذ تأييد الناس لا يكفي لأخذ السلطة. وقد أدركتم الآن هذا إدراكاً حسياً. في غالبية بلدان العالم الثالث السلطة تكمن في الجيش. وأخذ السلطة يتطلب أخذ الجيش. وأخذ الجيش يتطلب العمل في طلب النصرة من الذين لهم وزن في الجيش. فعليكم بطلب النصرة من أهل القوة.
وعليكم أن ترتقوا من العمل الجبهوي إلى العمل الحزبي المنضبط. وهذا يتطلب منكم أمرين أولهما أن يكون لكم أمير مطاع بناء على نظام داخلي شرعي، وثانيهما أن تتبنوا أفكاراً محددة تبينون فيها حدود العقيدة الإسلامية وتبينون فيها الأنظمة الشرعية التي ستطبقونها عند تسلمكم الحكم، فتبينون نظم الحكم والاقتصاد والاجتماع والعقوبات والتعليم والسياسة الخارجية، وتبينون فيها طريقة العمل ووسائل العمل وما يجب وما يجوز وما لا يجوز للحزب أن يقوم به.
إن العمل الجبهوي يبقى مخلخلاً وقابلاً للاختلافات والشقاقات. أما العمل الحزبي فهو تكتل متماسك. ويجب أن تكون القناعة بالأفكار المتبناة الموحدة هي الرابط بين الأعضاء، وليس مجرد الصداقة أو المصلحة.
ولا بد أن تثقفوا الأمة بالثقافة التي حددتموها وتبنيتموها كي يكون التفاف الأمة حولكم هو التفافاً حول المبدأ الإسلامي بعقيدة وأفكاره وأحكامه. وفورة الحماسة المشاعرية قد تخمد، فإذا لم يكن هناك مفاهيم وقناعات وأفكار واضحة عند الأمة فإنها سرعان ما تتحول. فاهتموا كثيراً بالوحدة الفكرية فيما بينكم وفيما بينكم وبين الأمة.
أنظار العالم الآن مسلطة عليكم. الكفار يرتعبون من تحرككم. والمسلمون فرحون بكم ويعقدون الأمل على حركتكم المباركة. فاصمدوا واصبروا واحسنوا فإن انتصاركم في الجزائر سيجعل المسبحة تكرّ في جميع البلاد الإسلامية. أنتم الآن تمهدون الطريق وتضربون المثل، فكونوا قدوة حسنة، وتذكروا قول رسول الله ﷺ: «من سَنّ سينة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن يَنقُص من أجورهم شيء» وهذه نعمة يمنّ الله بها عليكم فلا تتهاونوا بها بل كونوا أحقَ بها وأهلَها.
الشيوعية انهارت، والرأسمالية (الحضارة الغربية) تترنح الآن للانهيار من داخلها. والاسلام يتحفز ليستأنف دوره في العالم من جديد. والأمة الإسلامية تتحرك لتقتعد المكانة التي جعلها الله لها: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ(. وفي الوقع الذي نرى بارقة النصر تلوح على أرض الواقع نرى بارقة النصر أيضاً تلوح من خلال وعد الله سبحانه عبادَه المؤمنين بالنصر وتكفله بأن ينصر الإسلام ويظهره على كل المبادئ والأديان: )هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(. )وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ( وسيفتح الإسلام روما كما فتح القسطنطينية تحقيقاً لوعد رسول الله ﷺ، فعن عبد الله بن عمروا بن العاص قال: «بينما نحن حول رسول الله ﷺ نكتب إذ سُئل رسول الله ﷺ: أي المدينتين تفتح أولاً اقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله ﷺ مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني قسطنطينية». والنصوص في هذا كثير. فنسأل الله أن يكرمنا ويحقق على أيدينا إقامة الخلافة الراشدة، وفتح روما وبقية عواصم العالم لاذلال الكفر وإعلاء كلمة الله .
1992-02-10