الإسلام أم مذهب التحريف باسم التجديد والعصرنة
1994/11/30م
المقالات
1,979 زيارة
بقلم: محمود عبد الكريم حسن
لا يفتأ الكافر المستعمر يفكر ويخطط وينفق أموالاً صَدّاً عن سبيل الله، وإمعاناً في تضليل المسلمين، وإذلالهم، ونهب أموالهم وخيراتهم، وليس من الصعب على الكفار أن يحدوا بين أبناء المسلمين، وحتى ممن يسمون علماء أو مفكري المسلمين، من يصدر الفتاوى بالشكل والمقياس الذي يطلبه هؤلاء الكفار أو عملاؤهم من حكام المسلمين. وهؤلاء هم علماء السلاطين.
ولكن الله غالب على أمره، مهما فكَّر الكافر ومهما قدَّر. ودين الله ظاهر على كل كافر وكل شرك: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). ودعوة الحق ماضية في سبيلها الحقً والتضحيات في سبيل الله عدل وحق. والعدول عن السبيل الذي اختطه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الانحراف عنه قيد شعرة باطل وفيه الخسران والشقاء.
وها هي الدنيا أينما نظرت وحيثما حللت تدل على صدق وعد الله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) فرغم كل خطط وأساليب التضليل والإبعاد عن الإسلام، فالأمة اقتربت وتقترب من الإسلام، ولا تجد ملاذاً إلا فيه وإليه. وكل البدائل تهاوت مع دعاتها.
إن الأمة تتململ هنا، وتتأهب وهناك تنتفض هنالك، منذرة بتواصل العمل الإسلامية في كل بلاد المسلمين، العمل المتحرر من أي توجيه أو هيمنة أو صلة بالكفر الغربي أو مفاهيمه، والمحكوم بشريعة الله فقط.
هذا الواقع يسير في طريقه الحتمي، إنه وعد الله. مفاهيم الإسلام تتغلغل وتتعمق في الأمة، ومفاهيم الكفر تندحر امثالاً لسنة الصراع بين الإيمان والكفر.
ولا يمكننا أن نتجاهل أن هزيمة الكفر هذه أمام الإسلام، هي فقط على مستوى المفاهيم والقناعات والأفكار والتوجهات العامة عند الأمة. أما على صعيد الدساتير والقوانين فهي كفر وموضوعة بالغصب والقهر.
وكذلك الأمر على صعيد ما يُنَفَّذُ من هذه القوانين، وعلى صعيد الكيفية التي ترعى بها شؤون الناس من قبل الأنظمة. فالأمة مقهورة عملياً، يُنَفَذُّ بها وعليها وباسمها ما لا تريده ولا ترضاه، كالمفاوضات ومعاهدات السلام مع اليهود، وكتكريس انقسام الأمة إلى دويلات هزيلة ذليلة أمام أميركا وغيرها. وكالاعتداءات المستمرة على المسلمين ومقدساتهم في كل مكان. وكالمشاريع التي عملت وتعمل عليها الأنظمة وأجهزتها، مثل تحديد النسل، وتسهيل الزنا، والدعة إلى تأخير الزواج، وكخنق كل صوت للحق، وتصوير الإسلام الحقيقي بأنه إرهاب وتطرف وإجرام.
فالصورة باختصار هي: الأمة تريد الإسلام ليس غير، وهي محكومة بالكفر رغماً عنها، وتتوق إلى الإطاحة بأنظمتها الظالمة وإقامة الدولة الإسلامية.
أمام هذه الصورة لواقع المسلمين، ما هو فعل أو رد فعل الكفر أو جبهة الكفر؟
لم تتغير سياسة الدولة الاستعمارية تجاه البلاد المستعمَرة. وهي استمرار استعمار الشعوب واستغلال ثرواتها والإبقاء عليها تابعة لها وواقعة تحت هيمنتها في كل المجالات.
والصراع بين دول الكفر الاستعمارية على النفوذ والسيطرة على بلاد المسلمين مستمرة وإن ظهر فيه تفوق كبير لأميركا. وفيما يتعلق بمواجهة الإسلام فسياسية أميركا ذات ثلاث شعب:
أولاً- استمرار السياسة السابقة، وهي الغزو والفكري وإحلال المفاهيم الغربية مكان الأحكام والمفاهيم الإسلامية. والإصرار على هذا الأمر باستهتار بالمسلمين وبمشاعرهم، رغم رفض المسلمين لهذه المفاهيم ووعيهم على أنها كفر وانحطاط. من ذلك: مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة وما طرح فيه من أفكار مناقضة لقطعيات الإسلام، كالدعوة إلى إضفاء شرعية على العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وعلى اللواط، وكالدعوة إلى تحديد النسل. وعقد هكذا مؤتمر في بلد من أمهات بلاد المسلمين يدل على استهتار كبير بالمسلمين وعلى عداء سافر للإسلام وللمسلمين. وكذلك البرامج التعليمية والتثقيفية في كافة وسائل الإعلام كالمدارس والجامعات وكالصحافة والإذاعة والتلفاز. وكلها تنشر الإباحية والجنس وتركز على القيمة المادية. بل تعمد هذه السياسة بكلّ صفاقة ووقاحة إلى عمليات حذف وإضافة لنصوص وفقرات متعلقة بأفكار قطعية ومفاهيم أصيلة عند المسلمين.
إن هذا طبيعي من عدو حاقد فاقد للقيم الإنسانية، حضارته مادية ومفاهيمه دنيئة وسلوكه منحط، والمتعاونون معه في هذا سلوكهم يحكي حال من تلبسه الحقارة ويلفُّه الصَّغار.
ولا تعتبر هذه السياسة ضربة ذكاء، بل ستؤدي إلى كشف مدى عداء هذا الكافر وعملائه للإسلام والمسلمين. وستجعل من لا يدرك مناقضة بعض الأفكار الغربية للإسلام، يراجع أفكاره ومواقفه من الكفر وعملائه، لتزداد الهوة بين الإسلام وبين أعدائه اتساعاً وعمقاً، الأمر اللازم والضروري لأحداث المفاصلة بين الإيمان والكفر، ولتحقيق العزل الكامل للأنظمة وزبانيتها عن الأمة. فالخير كل الخير في أن يسفر العدو عن وجهه وليس في أن يمثل أمام الأمة دور الصديق الحريص على المسلمين.
ثانياً- استمرار في العداء وفي العمل للقضاء على الأفكار والمفاهيم والأحكام الإسلامية الصحيحة وعلى دعاتها؛ الأفكار والمفاهيم المأخوذة من الإسلام من غير تأثر بالغرب وحضارته؛ الأفكار التي تدعو إلى إقامة الدولة الإسلامية والحكم بما أنزل الله، الأفكار التي تجعل القرآن والسنة وما يرشدان إليه المصدر الوحيد للتشريع، الأفكار التي تبين عداء الغرب وتضليله وكذبه ووحشيته،والتي تبين وجوب القضاء على الاستعمار وعلى إسرائيل، والتي تبين ضلال الحضارات والعقائد وفساد الأنظمة في العالم، وتبين وجوب حمل الرسالة الإسلامية بالدعوة وبالجهاد على العالم كله، لإخراجه من الظلمات إلى النور.
ويتبين هذا الخط الثاني لسياسة الكافر المستعمر في القتل اليومي للمسلمين في أماكن كثيرة بتهمة التطرف والأصولية والإرهاب ومعاداة السلام. ويتأكد من التصريحات العلنية لأئمة الكفر في الدول الغربية حول ضرورة استئصال الحركات الإسلامية الموصوفة بالإرهاب بزعمهم. يسمون الإسلام إرهاباً ثم يقولون بضرورة القضاء على الإرهاب. ينكلون ويقتلون ويذبحون ويخترعون الأساليب الشيطانية في التعذيب الجسدي والنفسي، ثم بعد ذلك يستعملون إعلامهم الكاذب لإظهار براءة الجلاد ووحشية الضحية. ثم هم بعد ذلك يتحدثون عن حرية الكلمة وحرية التعبير والرأي التي يمارسونها، وعن الإرهاب الفكري الذي يمارسه دعاة الإسلام. وإنه لتضليلٌ أيُّ تضليل وكذب ما أبشعه من كذب: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
وهذا أيضاً مما يعمق الهوة بين الإيمان والكفر، ويعجل في زوال أنظمة الكفر وفكر الكفر. نعم أن فيه تضحيات كبيرةً وأذىً وعذاباً، ولكن هذا هو طريق التغيير، هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وسينتهي بإذن الله تعالى بسقوط الكفر وأولياء الشياطين، وبنصر الإسلام وإقامة الدولة الإسلامية، قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ).
ثالثاً- رأى الكافر المستعمر أن التوجه الإسلامية يزداد قوة في الأمة، وأن عملية استئصاله مستحيلة. وقد شبه أحدهم الحركة الإسلامية في الأمة بالمسمار الذي كلما ضربته كلما ازداد عمقاً وثباتاً، ورأى أن الأنظمة الحالية في بلادنا قد استُهلِكتْ، وعُدمت الثقة بينها وبين شعوبها. فهو – إذن – يرى أنه لا بد أن يتدارك الأمر قبل أن يصل الإسلام إلى السلطة. ولذلك عمد إلى ما سميناه هنا الخط الثالث. وهو التعامل مع الإسلام. وهو باختصار: إذا كان الإسلام حتمياً، فليأتِ على طريقة أميركا بدل أن يأتي رغماً عنها. أي بترتيب وصول أشخاص يتفاهمون مع أميركا، وتسهيل وصول الإسلام بعد تفريغه من محتواه، ووصوله بشكل يخدم سياسة أميركا بدل أن يعاديها. وهذا ما نطلق عليه تجوزاً: (إسلام أميركا). وهذه الطريقة لا تثير عند أميركا مخاطر ذات شأن، فقد جربتها ونجحت. وليس في هذا الإسلام سوى اسمه وبعض الشعائر والشعارات. وهو يعادي الغرب وأميركا في الخطب والشعارات والتصريحات فقط. فأميركا لا تخافه. فالخط الثالث في مواجهة الإسلام عند الغرب هو إسلام مفرغ من مضمونه. أو إسلام بلا إسلام.
والكافر المستعمر والمهيمن لا يَعْدَمُ شخصيات تقوم بهذا الدول فتروج للأفكار الغربية وتحرّف الإسلام تحت عناوين إسلامية. إن بعض هؤلاء الأشخاص لا يقومون بهذا التحوير للإسلام خدمة للكفار، ولا طمعاً بمنصب أو مال، بل بحسن نيّة. هؤلاء يئسوا من انتصار الإسلام وعودته إلى المعترك الدولي. وخافوا على الإسلام أن يصبح مهجوراً إذا لم يَجْرِ تطويره ليواكب العصر. فلجأوا إلى التحوير والتحريف بسبب يأسهم وانهزامهم الداخلي، وانبهارهم بأفكار الغرب.
هذه النظرة ليست توقعاً منطقياً فحسب، وإنما هي واقع نلمسه في طروحات وأفكار وعناوين كالتالي: تجديد أصول الدين. تجديد الدين. الحاجة إلى فقه جديد. الواقعية أو فقه الواقع. فقه الضرورات. فقه الموازنات. فقه المصالح والضرورات. أخف الضررين. الضرورات تبيح المحظورات. مقاصد الشريعة. مرونة الإسلام.
وهذه الطروحات يستخدم لها دعاتها مبررات لا تنطبق عليها. أو هي عناوين يطبقونها على وقائع وحالات لا تنطبق عليها. فهي تستخدم للتوصل إلى أفكار كالتالي:
أ- ديمقراطية الإسلام. ولأجل هذا تستخدم التعريفات المائعة. فالديمقراطية هي العدل وعدم الجور. والإسلام ساسه العدل ويحظر الجور. فالإسلام إذاً ديمقراطي. والديمقراطية هي الشورى. والشورى من الإسلام. فالديمقراطية إذاً هي بضاعتنا رُدّت إلينا.
ب- الحريات العامة، يتم تصوير الإسلام بأنه دين الحرية والحريات. وأن الإسلام قد أقر قبل الغرب بمئات السنين. فحرية العقيدة مثلاً مضمونة والمرتد لا يقتل شرعاً بدلالة أن الإسلام ضمن حرية العقيدة. وحديث «من بدل دينه فاقتلوه» يطبق فقط في حالة كان المقصود من الارتداد تقويض الدولة الإسلامية. وكذلك حرية تعدد الأحزاب السياسية القائمة على عقائد كفر كالشيوعية والعلمانية فالإسلام لا يمنعها بزعمهم.
جـ- أهل الذمة والجزية – يبحث لها عن مبررات لكي تصبح مستساغة، ويفتش في أقوال الفقهاء على ما يتناسب وذوق العصر أو الفكر الغربي.
د- الجهاد انقضى عهده. أو هو حرب دفاعية فقط. والدعوة لها وسائل كثيرة غير الجهاد.
هـ- الخليفة أجير عند الشعب. ولا مانع بل الأفضل تحديده مدة له. وجيب أن يُسار إلى تقليص صلاحياته. وسن القوانين ليس راجعاً إليه بل للشعب، ولا مانع من تعدد الدول الإسلامية.
و- مجلس الشورى هو صاحب صلاحية التشريع الملزم. والخليفة ملزم بتبني ما يصدر عنه.
ز- تولي المرأة للحكم جائز لأن الدليل على عدم الجواز يتناقض مع المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة.
حـ- جواز الاستفادة والأخذ عن الحضارات الأخرى. فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
ط- الربا يجوز بل يقول بعضهم بوجوبه وذلك للضرورة وللمصلحة ولأخف الضررين.
وهذه الآراء – وهي على سبيل المثال لا الحصر – يتم التركيز عليها، فتراها نفسها عند كثيرين من هؤلاء (المعاصرين المعتدلين)، ويرددها كل منهم في أكثر من مناسبة، ويتذرعون لذلك بأن الإسلام مرن وصالح لكل زمان ومكان، وبأن الدين يسر، وبأنه لا ينكر تغيير الأحكام بحسب المصلحة.
وهكذا يصحب الإسلام ثوباً فضفاضاً يتسع لما يناقضه، ومرناً نلويه كما نشاء. ويذهب دعاة هذا (الإسلام العصري) أكثر من ذلك، فتشطح بهم رؤاهم في حرية العقيدة ليصبح المسلمون واليهود والنصارى كلهم أهل كتاب ومؤمنين، ومدعوين إلى التكاتف والتعاون ضد الكفر. وإذا صدمهم القرآن بنصوصه القطعية: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ)، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) إذا صدمهم القرآن بهذه النصوص وغيرها، ترى أحدهم يقول: «نرتكب أخطاء لأن تخطيطنا تحكمه النصوص أكثر من الواقع».
ومثل هذا القول لا يقوله قائله، وهو متصدر لحركة إسلامية، إلا لضيق في الصدر من نصوص قطعية لا يمكن تأويلها لتتفق مع توجهه الفكري والسياسي، ولا يستطيع أن يتراجع عنها، فهو يسير في خط مرسوم، فلا بد إذاً من توجيه الخطأ إلى الاحتكام الكامل للنصوص. وتأصيلاً لهذا المنهج التبريري تطفوا على السطح أفكار أقرب إلى الأصول منها إلى الفروع، مثل: العقلنة وفقه الواقع وفقه المصالح والضرورات والموازنات. والخط البياني لاتجاه هذا المنهج ينبئ بأن محاورته ومحاججته وبيان زيفه ستؤدي به إلى أحد أمرين: إمّا الأسفار بأنه ليس إسلامياً، وإما التوجه نحو التفسير الباطني للنصوص ووصف من يكشف أباطيلهم بالجهل وقصر الباع.
ومن باب كشف الزيف ورد الكيد سأورد بعض النصوص الحرفية لأرباب هذا المنهج التبريري التي تؤكد على وجدة التوجه السياسي والفكري فيما بينهم وعلى بعدهم عن الإسلام من جهة أخرى. وذلك للتأكيد على وجود هذا المنهج.
يقول أحدهم وهو رائد هذا المنهج التبريري: «إن الصحوة الإسلامية هي حركة تقدم وتوجيه، وليست موجهةً ضد أحد. قيادة الحركة الإسلامية تلقت تعليمها في الدول الغربية وتأثرت بثقافاتها، يريدون أن نستفيد من ثقافاتهم ولا يريدون الإصغاء إلينا. أقوم شخصياً بجهود حثيثة للتقارب الحضاري الغربي والعربي الإسلامي…» ويقول هو نفسه حول وحدة الأديان ولجهة أن الاختلافات بين الأديان هي كالاختلافات بين المذاهب كالسنة والشيعة مثلاً يقول: «يجب العودة إلى الدين. فالدين عالميٌ واللهُ للجميع، والله لم يرسم الحدود الطبيعية السياسية، لأن الأديان جميعها عالمية» ويقول: «إذا أردنا أن نلغي التقسيمات القديمة (العرقية واللونية) علنيا أيضاً أن نعيد تصنيف التقسيمات السابقة بين الأديان ونضعها في إطار معادلة جديدة – دينيون وغير دينيين – فالعالم اقترب من بعضه البعض وأصبح يعيش حالة واحدة وتجارة واحدة وحروباً مشتركة».
ورداً على سؤال إن كان يجري اتصالات بوزير الخارجية الفرنسي قال: «لا. ولكن نجري اتصالات مع مسؤولين كبار جداً في الدولة الفرنسية».
ويقول آخر من رواد هذا المنهج: «ما نزال نرتكب أخطاء وما زال جانب كبير من الخلل موجوداً في حركتنا وفي الحركات الإسلامية كلها لأن تخطيطنا تحكمه النصوص أكثر مما يحكمه الواقع». ويقولك «من التجني وصف سلوك حكامنا بأنه انعكاس واستجابة لإرادة الغرب، لأن الغرب يمارس الحكم بعقلانية ويرى أن الإسراف في العنف الذي يمارسه اتباعه سيفضي إلى عنف أشد».
ويقول أيضاً رداً على سؤال حول فتحة خطوطاً مع الأميركيين: «نحن من أنصار الحوار في داخل أمتنا وفي خارجها ومن أنصار الحوار بين الإسلاميين وبين القوميين، ونحن نطالب ونسعى إلى الحوار بين الإسلام والغرب لأن العالم أصبح قرية صغيرة».
وهذا نفسه هو من دعاة حق المرأة في الحكم وحتى أن تكون أمير المؤمنين، لأن الإسلام ضمن حقوق المساواة بين الرجل والمرأة بزعمه. ورداً على سؤال حول علاقته بالذي ذكرنا نصوصه أعلاه وهو مجتهد هذا المنهج قال: «(هو) مجدِّد. وهو أستاذ لجيل من الإسلاميين وأنا منهم من حيث فكره الأصولي ونهجه الواقعي والعملي» ثم قال: «هو في مقام الأستاذية لجيلنا» ويقول أيضاً: «إن الديمقراطية الغربية قدَّمت آلية جديدة لو اعتمدنا لساهمنا في تجاوز مشاكلنا. لا سيما أن هذه الديمقراطية التي استوحشناها لأنها جاءت من الغرب مصحوبة بدبابات، الديمقراطية لها أصول في ديننا هي الشورى، هي عقد البيعة التي أسست للسلطة، هي بضاعتنا ردّت إلينا ولم نفقه».
ويقول: «إن الردة لا تقام عليها الحدود، والحساب عليها يكون في الآخرة».
ويقول شخص ثالث من رواد هذا المنهج: إن المرتد كان يقتل لأن الارتداد «كان يعتبر مخالفة سياسية عقائدية وثورة مسلحة ضد الأمة الإسلامية جديدة العهد». ويقول حول حرية الرأي والتعبير في مثل مسألة سلمان رشدي: «وأما بشأن السب والإهانة للمقدسات والشخصيات (كالنبي مثلاً) فلم تكن وصية القرآن إلا التسامح ومقاطعة السابين». ويقول هذا الثالث أيضاً: «الجهاد حالة دفاعية محدودة وأن أحكام القرآن والسنة دقيقة ومحدودة في هذا المجال».
ويقول رابع انتصاراً للمصلحة كما يراها بعقله وإن خالفت النص وفي معرض شرحه لفقه الموازنات، يقول: «هل نجيز للعناصر المسلمة العمل في البنوك والمؤسسات الربوية أم نفرغها من كل عنصر متدين ملتزم؟». ثم يقول: «وفي ضوء هذا الفقه (فقه الموازنات) أفتي الشباب المسلم الملتزم إلا يدع عمله في البنوك وشركات التأمين ونحوها وإن كان في بقائه بعض الإثم، لما وراء ذلك من استفادة خبرة يجب أن ينوي توظيفها في خدمة الاقتصاد الإسلامي، مع إنكاره للمنكر ولو بقلبه وسعيه من الساعين لتغيير الأوضاع كلها إلى أوضاع إسلامية».
ولهذا الأخير كتاب صياغته حذره، تشعر في نهاية كل جملة أو فقرة وكأنه انتهى من تفخيخ قنبلة يخشى أن تنفجر فيه. فهو يدعو إلى تجديد الإسلام استناداً إلى الحديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» ويعرِّفنا بأنه ليس المقصود من التجديد الإزالة، وإنما إعادة الشيء أقرب ما يكون إلى صورته الأولى. ولكن عن التفصيل فيما يريده، نراه يريد تعديلاً. ونحن نذكر هنا بعض عناوين كتابه، ونلفت إلى أننا سنعود إن شاء الله للمناقشة التفصيلية لطروحات هذا المنهج، ولكن ذكر هذه النُبَذ من الأقوال أو العناوين تعطي صورة عن الاتجاه العالم لهذا المنهج.
ومن هذه العناوين: مهمة الحركة تجديد الإسلام. حاجتنا إلى فقه جديد. فقه الموازنات. فقه الأولويات. الحركة وقضايا الحرية السياسية والديمقراطية. ومما يقوله تحت هذا العنوان: «لا أتصور أن يكون موقف الحركة الإسلامية إلا مع الحرية والديمقراطية السياسية». ومن العناوين أيضاً: الحركة الإسلامية والحوار مع الآخرين. الحوار مع العقلاء من العلمانيين. الحوار مع عقلاء الحكام. الحوار مع العقلاء في الغرب. الحوار الديني (الإسلامي المسيحي). الحوار الفكري مع المستشرقين. الحوار السياسي مع الغرب.
إذاً، هناك خط ثالث في سياسة الكافر المستعمر في مواجهة الإسلام، وهناك أدوات تتجاوب مع هذا الخط وتحاول أن تضع له قواعد وأصولاً.
وإن يكبُرْ في نفوس بعض هؤلاء أو أتباعهم بعضُ الذي نقول، نُذَكّرهم أن الحق أحق أن يقال، ويُعرَف الرجالُ بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال. وأن الهدف هو نهضة الأمة الإسلامية بالإسلام، وليس المحافظة على حركة أو قائد أو مركز. إن القضية قضية دعوة إسلامية، صراع بين الإسلام والكفر. والإسلام قد حرَّم علينا في هذه الدعوة المصانعة والمداهنة أو التنازل، أو أن نكون غامضين مع الدعاة أو مع الأمة، وقد كانت النصوص واضحة وقاطعة في هذا المجال. وكذلك كانت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يعمل لإعلاء شأن الإسلام.
قال تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: «(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلاَ تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ). أوَليست هذه أوصاف هؤلاء الذين ندعى إلى الحوار معهم وللتعامل معهم والانفتاح عليهم.
وقال تعالى مخاطباً رسول الكريم ومحذّراً من أي نوع من الالتفاف إلى ما يقوله الكفار، أو أية محاولة لإرضائهم ول بأقل القليل: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا).
وقال أيضاً: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ).
وقال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وفي شأن الوضوح في الطريق والغاية وخاصة من الأتباع يقول تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ). صدق الله العظيم.
1994-11-30