الكتّاب العرب… والمسلمون: في الجنة أم في النار؟
1995/01/31م
المقالات
1,934 زيارة
بقلم: الدكتور أحمد موسى عادل الشيشاني جامعة الملك سعود/ الرياض
(هذه الكلمة كتبت قبل الهجوم الروسي الشرس على العاصمة والمدن الشيشانية).
الكتّاب العرب والمسلمون بحاجة غلى مزيد من درجات الجهاد بالكلمة في نصرة شعب البوسنة وشعب الشيشان، هذين الشعبين المسلمين اللذين يتعرضان الآن لهجمة سياسية وعسكرية شرسة. ومن المفارقة أن عدو الشعبين المسلمين اللدود في كلا البلدين هو روسيا الاتحادية، لأن الصرب يستعينون بروسيا التي تدعهم بالسلاح والرجال باستمرار منذ بدء عدوانهم الوحشي على شعب البوسنة. وتهريب الأسلحة المتطورة المخزونة في ألمانيا الشريعة لحلف وارسو السابق إلى الصرب، واستخدامُ حق الفيتو لمنع حظر النفط عن الصرب لهما أبلغ دليل بأن روسيا الاتحادية هي المظلة العسكرية والسياسية الرئيسية للصرب.
أما بالنسبة للشيشان، فأكاذيب روسيا الاتحادية حول حيادها في النـزاع بين الرئيس الشرعي لجمهورية الشيشان الرئيس جوهر دواديف و«المعارضة الشيشانية»، انكشفت بوضوح خلال الاعترافات الأخيرة لوزير الدفاع الروسي والصحافة الروسية بأن ما تسمى بالمعارضة الشيشانية هي «فبركة روسية» وبأنه يدون روسيا الاتحادية وخبرائها العسكريين وبدون طائرات السوخوي والطائرات العمودية والدبابات والأموال الروسية فإن المعرضة الشيشانية كانت قد استؤصلت منذ زمن بعيد خصوصاً وأنها لا تتمتع بأي تأييد شعبي داخل جمهورية الشيشان والتي تدل التطورات الحالية فيها بأن الرئيس دودايف هو زعيم الشعب الشيشاني بل وزعيم شعوب شمال القوقاز الإسلامية، والتي تدفق المتطوعون منها بالمئات كما نقلت وكالات الأنباء العالمية، إلى غروزني للقتال إلى جانب الرئيس دودايف ضد الغزو الروسي الوشيك لجمهورية الشيشان.
وحيث أن «القلم» هو بمثابة اللسان في التعبير بالكلمات المكتوبة مقابل الملفوظة باللسان، فإن ما قاله ومل يقله الكُتّاب العرب عن شعب البوسنة بحاجة إلى تمحيص، خصوصاً وأن كَلْمَ اللسان (القلم) أنكى من كلم السنان، وبالتالي فإن روسيا الاتحادية تستحق كَلْمَ اللسان وبأقصى الدرجات لأن الجزاء يجب أن يكون من جنس العمل. وما تفعله روسيا الاتحادية بشعبي البوسنة والشيشان هو من أبشع درجات العدوان.
ما يخص شعب البوسنة، فإن الأقلام العربية اكتفت بالشجب والتنديد بوحشية الصرب وخرقهم للقرارات الدولية، لكنها تناست المحرّك الرئيسي على روسيا الاتحادية في العالم العربي والإسلامي من حيث التجارة وإعطاء التسهيلات التجارية ومن حيث إقامة المشاريع المشتركة خصوصاً وقد تبين بما يدع مجالاً للشك وبعد موقف روسيا الاتحادية الأخير في مجلس الأمن حيال القضية البوسنة، بأن ما يتعرض له شعب البوسنة من مآس إنسانية سببها الحقيقي هو روسيا الاتحادية وبريطانيا وفرنسا وهم «الثالوث الشيطاني» في مأساة البوسنة.
باختصار: لم تطالب «الأقلام العربية والإسلامية» باستخدام السلاح الاقتصادي العربي والإسلامي لرفع الظلم والاضطهاد وحرب التجويع والإبادة التي يتعرض لها شعب البوسنة، وكأن أقصى ما جادت به هذه الأقلام في ميدان «جهاد الكلمة» هو «البكاء على أطلال سراييفو وبيهاتش» وغيرها من المناطق البوسنية، وإنصافاً لهذه الأقلام فإن «مدادها سال كالأنهار» وذلك حزناً على مصير شعب البوسنة.
أما فيما يخص جمهورية الشيشان، فإنه للأسف الشديد لم تحرّك أقلام الكتّاب العرب والمسلمين ساكناً وكأنها تشارك الدول العربية والإسلامية في وجهة نظرها السياسة والتي تعتبر أن ما يحدث في جمهورية الشيشان هو من «الشؤون الداخلية لروسيا الاتحادية وبأن الشيشان هم «انفصاليون» وبأن جمهورية الشيشان هي «شعب روسي يحاول الانفصال».
وإلى أصحاب هذا «الرأي السياسي» حكومات وكتّاباً أقول:
وَيْحَكُم: وهل نسيتم حرب القوقاز الأولى وكيف قاتلت شعوب شمال القوقاز الإسلامية تحت راية التوحيد الإسلامية ضد قوات القياصرة الروس الغازية لشمال القوقاز؟
هل نسيتم الإمام منصور الشيشاني والإمام غازي محمد والإمام شامل الداغستانيين وجهاد هؤلاء الأئمة دفاعاً عن حرية بلادهم الإسلامية؟
هل انقضاء السنوات على الظلم يجعل هذا الظلم شرعياً ويصبح المظلوم مذنباً لأنه طالب بحقه عندما أراد الله وشاء له ذلك؟
غ كانت هذه هي القاعدة، فإن إسرائيل هي الحاكم الشرعي للفلسطينيين وبالتالي فإن الانتفاضة الفلسطينية ومن قبلها الثورة الفلسطينية كانتا خارجتين عن الشرعية، ودعم العرب والمسلمين لكليهما كان تدخلاً في الشؤون الداخلية لإسرائيل.
هكذا يقول المنطق يا أهل المنطق ويا أولي الألباب.
للذكير يا أيها الكُتّاب العرب والمسلمون:
كِتابُ الكتابة والمؤرخة الأميركية «لزلي بلافش» والذي يعتبر أفضل المراجع التاريخية الخاصة بحرب القوقاز الأولى، حلم إسم «سيوف الجنّة» وقد اختارت المؤرخة والكاتبة الأميركية هذا الاسم من واقع أحداث هذه الحرب والتي لخّصتها المؤرخة الأميركية في مقدمة الكتاب بالقول:
حرب المريدين(*) هي حقبة وزمن الشريعة الإسلامية في شمال القوقاز حيث قام شامل بإحياء وفرض الشريعة الإسلامية في شمال القوقاز واستخدمها كمصدر قوة ضد الغزو الروسي.
إنها حقبة قاتل فيه جنود شامل حرباً مقدسة من أجل الله ومن أجل الحرية. إنها حقبة سار فيها المقاتلون الجبليون لقتال الروس وهم يرتلون القرآن ويترنمون بالأناشيد الدينية وكانت سيوفهم بالنسبة لهم… مفاتيح الجنة». [من كتاب «سيوف الجنة»، صفحة2 Sabres of Paradise].
خسائر القوات القيصرية خلال الثلاثين سنة المتواصلة التي استغرقتها حرب القوقاز الأولى بلغت نصف مليون جندي وضابط جنرال هلكوا في بلاد الشيشان والداغستان.
وللتذكير أيضاً:
في عهد الشيوعية. قال ستالين عام 1944 بنفي الشعب الشيشاني بأكمله (وشعوب إسلامية أخرى في الاتحاد السوفياتي السابق) إلى سيبيريا وكازاخستان وقيرغيزيا وهلك من ذلك الكثير من الشعب الشيشاني في معسكرات الاعتقال الرهيبة في مناطق النفي. أكثر من ربع مليون شيشاني بين شيخ وامرأة وطفل وشاب وذلك بسبب التعذيب أو البرد أو الجوع. [من كتاب «قتلة الأمم»، ص28 The nation Killers للمؤلف الأوروبي روبرت كونكوست].
على أي حال. وإذا كان هذا «التذكير» والعودة إلى الماضي لن يُحرّك «سكون» أقلام الكتّاب العرب والمسلمين لنصرة الشعب الشيشاني في المذبحة الوشيكة التي سيتعرض لها من «الوطن الأم» للصرب، روسيا الاتحادية، فعندها لا يسعني إلا القول: سامحكم الله وأدخلكم الجنة على «إيمانكم الضعيف»، ولكن لتعلموا بأن الشعب الشيشاني سيثبت لكم بأن الشاعر أبو تمام صدق حين قال:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحَدُّ بين الجِدّ واللعب
وسيوف المسلمين في الشيشان ومعها سيوف المسلمين في شمال القوقاز ستكون على رقاب الروس تماماً كما كانت سيوف جنود المعتصم على رقاب الكفار. فجميعها سيوف إسلامية، والسيوف الإسلامية عندما تُسلّ دفاعاً عن حرمة أرض الإسلام فهي بالتأكيد… «سيوف الجنّة».
فرسان الميدان في الجنة… وفرسان الكلام في النار إذا خرست ألسنتهم عن نصرة الحق.
(*) المريدين: نسبة إلى الحركة المريدية Muridism والتي قادت المقاومة الإسلامية ضد الغزاة الروس في حرب القوقاز الأولى والمريد هو الشخص الذي التحق بقوات شامل الإسلامية للجهاد ضد القياصرة الروس.
1995-01-31