الإسـلام
1995/03/31م
المقالات
2,284 زيارة
بقلم: أسامة مطر
«الوعي»: تتكاتف المحاولات التي يقوم بها أعداء الإسلام من أجل طمس حقيقة الإسلام وإفراغه من محتواه الحقيقي كمبدأ يمتلك عقيدة سياسية وروحية. كما يمتلك نظاماً شاملاً كاملاً يحكم سلوك الأفراد والكيانات، حيث يجري تصويره على أنه دين كهنوتي لا علاقة له بالحياة وخاصة الحكم والسلطان بل هو مجرد أمر بين العد وربه ليس غير. وأظهر محاولات التضليل تلك التي تعتمد نصوص الإسلام أي القرآن والسنة في استدلالها على انحصار الإسلام في العبادات حيث يحدث تعمد الاعتماد على بعض النصوص دون البعض ومحاولة تعميم المعاني الجزئية لهذه النصوص وجعلها هي وحدها المعين لحقيقة الإسلام والغاية من ذلك هو صرف الأمة فقه الإسلام بحقيقته الخالدة أي باعتباره المبدأ الوحيد الكفيل بإنهاض الإنسان وإسعاده. «والوعي» تستعرض هذه المقالة مستهدفة إجلاء حقيقة الأمر، وبيان واقع نصوص الإسلام بهذا الشأن لتعيين المعنى الصحيح للإسلام.
الإسلام لغة: قال في القاموس المحيط [السلم السلام والإسلام، وبالتحريك السلف والاستسلام، والتسليم بالرضا والسلام، وأسلم انقاد وصار مسلماً] ص131 ج4، وعلى ذلك فكلمة الإسلام معناها في الحقيقة اللغوية أي كما هو موضوع في أصل اللغة الانقياد والاستسلام، كما قرره وذكره العسقلاني في كتاب فتح الباري. ج1 ص79.
هذا هو المعنى الوارد في اللغة لكلمة الإسلام، وهو كما ترى لا يشفي الغليل ولا يجيب على التساؤلات التي تطرح حول هذه المسألة،ولذلك فإنه لا بد من الرجوع للنصوص الشرعية لنرى هل وشع الشرع للفظ الإسلام معنى أو معان أخرى غير المعنى اللغوي هذا؟
الإسلام شرعاً: بالرجوع إلى النصوص الشرعية واستقرائها يظهر أن الشرع قد استعمل لفظ الإسلام في أكثر من معنى، والنصوص التي حوت هذه الكلمة دلت على ثلاثة معان ظاهرة بينها خصوص وعموم، وهذا هو البيان:
1- الإسلام بمعنى الإيمان: وهنا ورد لفظ الإسلام بمعنى مرادف للتصديق بالعقيدة أو لأصل التوحيد التي بعث به كافة الأنبياء والرسل عليهم السلام دون الأحكام والأعمال التي ترتبت على ذلك، لأن الأنبياء والرسل قد اختلفت شرائعهم وأحكامهم قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) وإنما اجتمعوا على أصل الدين وهو التوحيد والاعتقاد، وذلك في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا… ) ومعنى شرع لكم من الدين أي شرع لكم أصل الدين وهو توحيد الله تعالى والإيمان به، وهذا ما وصى به الأنبياء جميعاً. والنصوص التي جاءت تحوي هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران: 19) على قول من قال بأن الإسلام هنا هو ما بعث به الأنبياء والرسل.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية (إخبار عنه تعالى بأنه لا يدن عنده يقبله من أحد سوى الإسلام وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل) ج6 ص354.
فمطلع هذا التفسير من قوله [إخبار] حتى وقوله [ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم] إفصاح بأن الإسلام هو دين الله الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين وليس هو مخصوصاً بدين محمد عليه الصلاة والسلام، من حيث أن الجميع إنما بعثوا بأصل الدين وهو التوحيد والاعتقاد ثم الاستسلام والانقياد للمولى عز وجل. وإن خص لفظ الإسلام الوارد في الآية (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) بما بعث به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو تخصيص يمكن فهمه من الآية، إذ الآية تحتمل كلا التفسيرين، فليس لاستدلالنا بهذه الآية في هذا المقام محل، ولكن السياق القرآني الذي وردت فيه هذه الآية فيه إشارة إلى أن التفسير الأول هو المقصود فلو رجعنا للقرآن لوجدناه يتحدث في مطلع هذا السياق عن شهادة الله والملائكة وأولي العلم بوحدانية الله ثم يقرر بعد ذلك بأن الدين عند الله الإسلام ويلحق بذلك بيان واقع أهل الكتاب من اختلافهم قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) والظاهر هنا أن الأمر يدور حول الإسلام الذي شهد الله به والملائكة وأولوا العلم وهو الذي بعث به كافة الأنبياء، وما الاختلاف الذي حصل بين الذين أوتوا الكتاب والبعد عن هذا الدين إلا من جراء البغي والتحاسد، يقول الشوكاني عند تفسير هذه الآية: [وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان] ج6 ص326، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام: (فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)، والآية تتحدث عن موضوع الهداية والضلال فهي كما ترى متعلقة بموضوع الإيمان فيكون لفظ الإسلام هنا قد مسد لفظ الإيمان، يقول ابن كثير: [وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) يقول تعالى يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به، وكذا قال أبو مالك وغير واحد وهو ظاهر] ج2 ص174. ويقول الشوكاني: [شبه الكافر في ثقل الإيمان عليه بمن يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء] ج2 ص161. وللآية نظائر في الكتاب كقوله تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (الزمر: 22). وقوله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ).
ومن النصوص التي ورد فيها الإسلام بمعنى الإيمان قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 163). قال ابن كثير: [وقوله عز وجل: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) قال قتادة أي من هذه الأمة، وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، واصله عبادة الله وحده لا شريك له كما قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ). وقد أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وقال تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وقال يوسف: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) وقال موسى: (وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ) وقال تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) فأخبر تعالى أنه بعث رسله بالإسلام ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضاً، إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، التي لا تنسخ أبد الآبدين، ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة، ولهذا قال عليه السلام: «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد» فإن أولاد العلات هم الأخوة من أب واحد وأمهات شتى فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريط له وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات] ج2 ص198 – 199. وبهذا الكلام الفصيح والبيان الجلي يكون ابن كثير قد أوضح المسألة بما لا يحتاج لمزيد عليه.
2- الإسلام بمعنى الأحكام الشرعية التي انبثقت عن العقيدة والمعلقة بأعمال الجوارح واللسان دون أعمال الجنان، وبهذا المعنى نطقت كثير من النصوص الشرعية، كحديث جبريل الذي رواه عمر بن الخطاب قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبلا قال صدقت، قال فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان، قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره من قال صدقت… الحديث» رواه مسلم – شرح صحيح مسلم للنووي ج3 ص157 – ففي هذا الحديث فرق الرسول عليه الصلاة والسلام بين الإيمان والإسلام، وجعل لكل منهما معنى غير معنى الآخر إذ خص الإسلام بالشهادة والأحكام دون الاعتقاد، يقول صاحب كتاب جامع العلوم والحكم [فأما الإسلام فقد فسّره النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال الجوارح الظاهرة من القول والعمل وأول ذلك شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا] ص22، ويقول: [أما الإيمان فقد فسّره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالاعتقادات الباطنة] ص24، وفي شرح صحيح مسلم للنووي رواية عن الشيخ الإمام أبي عمرو بن الصلاح في تفسير الحديث قال: [هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر] ص149، ويقول ابن رجب الحنبلي بعد البحث في الإيمان والإسلام [والتحقيق في الفرق بينهما أن الإيمان هو تصديق القلب وإفراده معرفته، والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده له وذلك يكون بالعمل، فيكون حينئذ المراد بالإيمان جنس تصديق القلب وبالإسلام جنس العمل] جامع العلوم والحكم ص 26 – 27، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإسلام علانية والإيمان في القلب» جامع العلوم والحكم ص27، وذلك لأن الأعمال تظهر علانية في حين أن التصديق القلبي لا يظهر، وهنا لا بد من التنبيه إلى مسألة عم فسادها في هذا العصر وذلك أن حديث جبريل المار الذكر قد فهم بشكل خاطئ من قبل كثير من المسلمين إذ خض الإسلام كله بهذه الأحكام الواردة في الحديث واقتصر عليها ظنا منهم أن الحديث إنما يبين كل أحكام الإسلام ولقد كان للغرب الكافر ولحكام المسلمين الفجرة مصلحة كبرى في تبني هذا الفهم وإبرازه محاربة لدين الله وتلبيساً على المسلمين، فصار الدين في عرف الناس مجموعة من الشعائر الكهنوتية وفصل عن الحياة فصلاً تاماً، ولا حول ولا قوة إلا باالله، وهكذا أخذ المسلمون يبالغون في تفصيل أحكام العبادات كالصلاة والصوم، وأخذت إذاعات الدول الكرتونية القائمة في العالم الإسلامي وتلفزيوناتها تبث البرامج الدينية واللقاءات مع العلماء قاصرة مباحثها على هذه الأحكام، غير متطرقة إلى باقي أحكام الإسلام التي تعالج النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية الجهادية، ورغم وضوح خطأ هذا التصور ومجانبته لمفاهيم الإسلام الصحيحة ولما عليه علماء السلف الصالح فقد استقر استقراراً قوياً راسخاً، فكان لا بد لحاملي الدعوة أن يتصدوا لذلك ويبينوا فساده، يقول ابن رجب في التعليق على حديث جبريل السابق [وفي هذا تنبيه على أن جميع الواجبات الظاهرة داخلة في مسمى الإسلام ومما يدل على أن جميع الأعمال الظاهرة تدخل في مسمى الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت من ولم تعرف»] ص23، وقد صح عن النبي أنه قال: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» يقول ابن رجب شرحه لهذا لحديث [والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان دعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونهما وبقية خصال الإسلام كبقية البنيان] ص141. ثم إن قصر الإسلام على هذه الأمور الخمسة فيه إهمال لمئات من النصوص الشرعية التي تتحدث عن الحكم والجهاد والبيع والشركة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك.
3- الإسلام بالمعنى الشامل للإيمان والأحكام أي للاعتقاد والعمل، وهذا المعنى كما ترى يجتمع مع كل من المعنيين السابقين ويزيد على كل واحد منهما، وهو المعنى المتبادر إلى الذهن إذا ذكر لفظ الإسلام دون قرائن وقد دلت على هذا المعنى نصوص مستفيضة من الكتاب والسنة، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن عنبه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الإسلام قال أن تسلم قلبك لله وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال فأي الإسلام أفضل، قال الإيمان، قال وما الإيمان، قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال فأي الأعمال أفضل قال الهجرة، قال فما الهجرة، قال أن تهجر السوء، قال فأي الهجرة أفضل قال الجهاد» جامع العلوم والحكم س26.
فالرسول في هذا الحديث جعل الإيمان جزءاً من الإسلام ثم ذكر بعد ذلك العمل وهذا يدل على أن الإسلام هنا المقصود منه هو مجموع الإيمان والإسلام أي مجموع العقيدة والأحكام. ومنها ما روي عن معاوية بن حيدة قال: «قلت يا رسول الله بالذي بعثك بالحق ما الذي بعثك لله به؟ قال: الإسلام» ص30. فالإسلام هو إذن كل ما بعث به النبي من الإيمان والعمل، وهنا قد ترد إشكالية وهي كيف يمكن الجمع بين هذه النصوص، وبين حديث جبريل السابق؟ ثم إن هنالك أحاديث تدخل الأعمال ضمن لفظ الإيمان، وذلك كقوله عليه السلام «الحياء شعبة من الإيمان» وسئل النبي «أي الإيمان أفضل قال خلق حسن» جامع العلوم والحكم ص31. هذه الإشكالية قد رد عليها ابن رجب الحنبلي رداً وأصل في ذلك أصلاً، فقال: [وأما وجه الجمع بين هذه النصوص وبين حديث سؤال جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وإدخاله الأعمال في مسمى الإسلام دون الإيمان فإنه يتضح بتقرير أصل وهو أن من الأسماء ما يكون شاملاً لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الإسلام بغيره صار دالاً على عض تلك المسميات، والاسم المقرون به دال على بقيتها، وهذا كاسم الفقير والمسكين فإذا أفراد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها. فكذا اسم الإسلام والإيمان إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، فإن قرن بينهما دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده ودل الآخر على الباقي] ص25 – 26، ويضاف إلى ما ذكره ابن رجب أن لألفاظ الإسلام والإيمان أكثر من معنى ويرجح معنى على آخر بقرائه، ومن خلال السياق الذي ورد فيه اللفظ وذلك كما مر في هذا المبحث عند قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ). بقيت مسألة لا بد من التعرض لها وهي ما هو التعريف المناسب للإسلام بمعناه الشامل؟ وهل وردت الآيات والأحاديث بهذا التعريف أم لا؟ والجواب على ذلك أن النصوص الشرعية من آيات وأحاديث قد دلت في مجملها على تعريف الإسلام ولكنه لم يرد أي نص لوحده حوى تعريف الإسلام ضمن شروط التعريف وهي الجمع وامنع، فالتعريف حتى يعتبر لا بد أن يكون جامعاً لكل أفراد أو أجزاء المعرّف، ومخرجاً عنه ما ليس منه. والمدقق في الأحاديث المذكورة في البحث وفي غيرها يجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يفسر الإسلام لسائله بما يلائم المقام والله تعالى أعلم، فهو مرة أركان الإسلام، وهو في مرة أخرى إسلام القلب لله، وفي ثالثة الشهادة والإيمان بالأقدار ولذلك كان لا بد من استفادة التعريف من مجمل النصوص الواردة، فالإسلام بمفهومه الشامل يتكون من العقيدة الإسلامية ومن الأحكام التي تنظم وتعالج علاقات الناس والمشاكل الناتجة عن ذلك، وعلاقة الإنسان نستطيع حصرها إذا درسنا واقعها في ثلاثة أنواع من العلاقات، علاقته مع خالفه، وعلاقاته بنفسه وعلاقاته مع غيره من بني البشر، ولا يمكن أن تتصور له علاقة أخرى غير هذه الأنواع. والناظر في الإسلام يجد أنه تعرض لجميع هذه العلاقات في مجمل أحكامه،ونظمها وعالج المشاكل التي قد تنشأ عن تسييرها، وهو أي الإسلام إنما أرسل الله به محمداً عليه السلام من أجل ذلك أي من أجل إخراج الناس من الضلال ومن حكم الهوى إلى الهدى وإلى حكم الله، فجاءت بذلك أحكام الإسلام شاملة كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، وهكذا فإننا نستطيع أن نضع تعريفاً جامعاً مانعاً للإسلام بمفهومه الشامل مستفاداً من مجمل المنصوص الشرعية، وهو كالتالي [الإسلام هو الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتنظيم علاقة الإنسان بخالقه في العقائد والعبادات، وبنفسه في الأخلاق والمطعومات والملبوسات، وبغيره من بني الإنسان في المعاملات العقوبات] فيكون هذا التعريف قد احتوى الإسلام كله دون استثناء أي شيء منه ودون إدخال ما ليس منه فيه، وفهم الإسلام بهذا الشكل كان أمراً طبيعياً وبديهياً عند المسلمين جميعاً في السابق، وليس أدل على ذلك من مباحث علمائنا السابقين في مسائل التوحيد ومسائل الفقه التي غطت كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، ولنراجع مثلاً فهرست أحد كتب الفقه المعروفة مثل كتاب المجموع شرح المهذب للإمام النووي، وننظر إلى المسائل التي بحثها هذا الفقيه ليبرز من خلال ذلك صحة ما يقال عن السلف من أنهم فهموا الإسلام بشمولية. فهو يبدأ الكتاب كما هو مألوف عند كافة الفقهاء بمباحث العبادات فيتحدث عن كتاب الطهارة ثم الصلاة فالزكاة فالصيام ثم الحج مع تفصيلات ذلك كله، وهذا في علاقة الإنسان بالله. ثم يتابع البحث في أحكام الأطعمة وهذا في علاقة الإنسان بغيره، فيبدأ بباب البيوع فكتاب الصلح والحوالة ثم الضمان والديه والشفعة والشركة والعارية والقراض والوكالة والغصب والمساقاة ثم يتعرض للإمارة والوصايا والفرائض، ويتحدث كذلك عن النكاح والطلاق واللعان والظهار، ثم عن الرضاع والنفقات، ثم ينتقل الحديث إلى العقوبات فيتحدث عن الجنايات والحدود والتعزيرات، ثم كتاب الأقضية والقسمة والشهادات وينهيها بالإقرار فهو كما ترى تعرض لكثير من المسائل التي يواجهها الإنسان ويبحث عن حلها وناقش فيها أقوال العلماء وأدلتهم من الكتاب والسنة.
استعمل علي بن أبي طالب رجلاً على سَريةُ، فقال له: أُوصيك بتقوى الله الذي لا بُد من لقائه، ولا منتهى لك دونَه وهو يَملِكُ الدنيا والآخرة.
1995-03-31