الدكتور حسن الترابي والتفسير الأكثر تطوراً للشريعة الإسلامية
1995/07/31م
المقالات
2,261 زيارة
بقلم: الدكتور/ توفيق مصطفى
في مقابلة مع مجلة ديرشبيجل الألمانية الصادرة بتاريخ 17/04/95 صرح الدكتور حسن الترابي بالتصريحات التالية “وفق نص المجلة”:
سؤال: هل تعتبرون حقوق الإنسان أيضاً اختراعاً غريباً ترفضونه؟
جواب: إن الغرب يرهق حقوق الإنسان فقط كلما رأى ذلك ملائماً. الإسلام وحقوق الإنسان يتلاءمن دون أي مشكلة، إلا أنها (يعني حقوق الإنسان) لا تكيفينا نحن المسلمين وهي في صيغتها الحالية والتي تسودها الصبغة الغربية، لا بد م نأخذ تراثنا الحضاري والثقافي بعين الاعتبار، وقبل كل شيء الشريعة الإسلامية المستنبطة من القرآن.
سؤال: لكن لا يوجد تفسير موجد للشريعة، هل يجب قطع يدي ورجلي السارق؟ وهل جزاء المتردين عن الدين القتل؟
جواب: هذه الحدود لا تقام اليوم في السودان، لأن تفسيرنا للشريعة متطور أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية الأخرى. لم يتواجد أحد قط في مؤتمرنا الشعبي الإسلامي يحرم المرأة من حق توليها مناصب عامة في الدولة أو ينكر لها الحق في تولي منصب رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء.
وهذه التصريحات فيها إرضاء للكفار أعداء الإسلام ومعارضة صريحة لأحكام الله الواردة في القرآن بشكل قطعي بما لا يقبل التأويل. فقد سأله الصحفي قائلاً: (هل يجب قطع يدي ورجلي السارق؟ وهل جزاء المتردين عن الدين القتل؟)، فرد الترابي عليه بقوله: (هذه الحدود لا تقام اليوم في السودان). ولو بقى جواب الترابي عند هذا الحد لهان الأمر، لأن السودان ليست دولة إسلامية، ويعرف ذلك كل من له ولو معرفة بسيطة بالإسلام. ولكن الترابي أوضح للصحفي سبب عدم تطبيق هذه العقوبات في السودان بقوله: (لأن تفسيرنا للشريعة متطور أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية الأخرى)، وكأن في الإسلام تقدمية ورجعية، فعجباً للترابي وأمثاله الذين يريدون تبديل أحكام الإسلام.
قال تعالى في آية محكمة أي قطعية الدلالة: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) فهذه الآية لا تحتمل تفسيراً آخر ولا اجتهاد في مورد النص، وكل مسلم يعلم أنه لا اجتهاد في الأمور التي لا تحتمل أكثر من معنى واحد. وقد نفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم القطع هذا وقطع يد السارق. وقد جاءه بعض الناس ووسطوا أسامة بن زيد رضي الله عنهما حتى لا يقطع يد المرأة التي سرقت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه فوالذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
فهل بعد آيات الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية يبقى لأمثال الترابي الذين يدعون زوراً وبهتاناً أنهم دعاة للإسلام، هل يبقى لهم قول أو حكم؟!
والآيات القطعية الدلالة تدل على أن الحكم لله وليس لأمثال الترابي. قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) وقال تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)، وآيات كثيرة تدل على أن الحاكمية لله وليست للناس، ولا يجوز للناس تعطيل أحكام الله.
وأما قتل المرتد فهو معروف عند القاصي والداني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» وقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه المرتدين وسار معه الصحابة رضوان الله عليهم فكان ذلك إجماعاً منهم. أفبعد ذلك يأتي الترابي ويقر بأن هذه الأحكام رجعية وأنه يريد تفسير الإسلام تفسيراً عصرياً تقدمياً حسب رأيه.
ثم يأتي ويقرر حكماً آخر معارضاً لأحكام الله، فيقول بإمكانية إعطاء المرأة الإمامة العظمى أو رئاسة الحكومة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أفلح قوم ولو أمورهم امرأة»، ولا أظن أن أحداً من علماء المسلمين المعتبرين قال بجواز أن تكون المرأة خليفة أو معاوناً، حتى يأتي الترابي ومن على شاكلته من أمثال راشد الغنوشي فيقولون قولاً مخالفاً للكتاب والسنة. فاتق يا ترابي وراجع للحق وابتعد عن الغي والضلال.
إن الله سبحانه وتعالى أرسل محمداً رسولاً للناس جميعاً وجعل شريعة الإسلام خاتمة للشرائع، وقد أكمل هذا الدين وانقطع الوحي، فالحلال ما أحل الله إلى يوم القيامة والحرام ما حرم الله إلى يوم القيامة، فلا يقبل المسلمون أن يأتي أحد من أمثالك ويحرم ما أحل الله ويحل ما حرم الله، فالتشريع لله وحده تماماً كما أن الخلق لله وحده ولا يقبل المسلمون أن ينطبق عليهم قول الله تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ).
ونظراً لما أثير حول هذه القضايا الثلاث من مغالطات وتضليل وتهجم من قبل الغرب وأذياله فسنعرض لها بشيء من التفصيل والبيان كما جلاها من قبل علماء الأمة الصادقين ونبدأ في هذا العدد بحد المرتد.
حد المرتد
المرتد هو الراجع عن دين الإسلام. ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وكان بالغاً عاقلاً دعي إلى الإسلام ثلاث مرات، وضيق عليه، فإن رجع وإلا قتل، قال الله تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وروى البخاري عن عكرمة قال: أتي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تعذبوا بعذاب الله» ولقتلتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه». أما قتل الرجال فظاهر من الحديث، وأما قتل النساء فمعلوم الحديث لأنه قال: (من بدل)، و(من) من ألفاظ العموم، وأيضاً فقد أخرج الدار قطني والبيهقي عن جابر «أن أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت»، وأما عدم صحة الردة من الصبي والمجنون فلأنهم غير مكلفين فلا يحدان حد المرتد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق». وأما كونه يستتاب ثلاثاً فلحديث أم مروان أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تستتاب. وذلك ما سار عليه عمر عن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ قال: «قدم عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى، فسأله هل من مغربة خير؟ قال: نعم، كفر رجل بعد إسلامه، قال فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: هلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني» وسار على ذلك من قبل عمر أبو بكر. أخرج الدار قطني والبيهقي «أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفه كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقتلها» وبذلك ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استتاب المرتد، وكذلك استتابه من بعده أبو بكر وعمر وعليه يستتاب المرتد قبل قتله وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وعطاء والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي وإسحق وأصحاب الرأي، وهو أحد قولي الشافعي، وورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري (ص269 المجلد الثالث):
قال ابن عطاء: اختلف في استتابة المرتد فقيل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهو قول الجمهور.
وأما استتابته ثلاثاً، فالثلاث ليست قيداً، وإنما هي أقل ما يحصل فيه الاعذار عادة، وإلا يجوز أن يستتاب أكثر لأن المقصود أن يعرض عليه الإسلام ليرجع إليه، ويعطى المدة الكافية للرجوع، ويروى أن أبا موسى استتاب المرتد الذي طلب منه معاذ قتله وقتله، استتابه شهرين قبل قدوم معاذ، وروي عن عمر أن مدة الاستتابة ثلاثة أيام، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل.
وورد في كتاب المغني لابن قدامة رحمه الله (مجلد 10 ص71):
[وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد رضي الله عنهم وغيرهم فلم ينكر فكان إجماعاً. فمن أشرك بالله تعالى أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ صاحبة له أو ولداً أو جحد نبياً من أنبياء الله أو كتاباً من كتب الله سبحانه وتعالى كفر].
القرآن ليس كلام الله. والناحية الثانية إنكار ما معلوم من الدين بالضرورة، كإنكار الجهاد وإنكار تحريم شرب الخمر وإنكار قطع يد السارق، وما شاكل ذلك. وأما الشك فإنه الشك في العقائد، وكل ما كان دليله قطعياً فمن شك بأن الله واحد، أو شك بأن محمداً رسول، أو شك بجلد الزاني، أو ما شابه ذلك فقد كفر. وأما القول فإن المراد به القول الذي لا يحتمل أي تأويل، فمن قال إن المسيح ابن الله، ومن قال إن الإسلام جاء به محمد من عنده أو ما شاكل ذلك، فإنه يكفر بكل تأكيد، وأما القول الذي يحتمل التأويل فلا يكفر قائله ولو كان القول يحتمل الكفر تسعة وتسعين في المائة، ويحتمل الإيمان واحداً في المائة فإنه يرجح جانب الواحد على التسعة والتسعين لأنه جانب الإيمان، إذ بوجود هذا الواحد وجد احتمال التأويل فلا يكفر، إذ لا يعد كافراً إلا إذا كان القول كفراً بشكل جازم. وأما الفعل فالمراد به الفعل الذي لا يحتمل أي تأويل بأنه كفر فمن سجد للصنم وصلى بالكنيسة صلاة النصارى فإنه يكفر ويرتد عن الإسلام، لأن صلاة النصارى كفر لا يحتمل التأويل فمن فعلها فقد فعل كفراً لا يحتمل التأويل، وأما الفعل الذي يحتمل التأويل فإنه لا يكفر فاعله، فمن دخل الكنيسة لا يكفر، لأنه يحتمل أن يكون دخلها للفرجة ويحتمل أن يكون دخلها للصلاة، ومن قرأ في الإنجيل لا يكفر، لأنه يحتمل أن يكون قرأه ليطلع عليه للرد عليه، ويحتمل أن يكون قرأه معتقداً به وهكذا. فكل فعل يحتمل التأويل لا يكفر فاعله، ولا يكون مرتداً إذا فعله.
وتثبت الردة بما تثبت به الحدود غير الزنا، وهي شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين، أي البينة الشرعية، لأنه لم يرد نص خاص بها.
والذي يقتل المرتد هو الدولة بحكم حاكم، فإن قتله أحد المسلمين عمداً فعلية القصاص، كقتل أي كافر من رعايا الدولة، وليس الأمر موكول للجماعات أو الأفراد، بل هو حق الدولة.
1995-07-31