من الفكر الإسلامي:
القرآن والسياسية
بقلم: طاهر صالح
إن الواقع المر الذي تمر به الأمة، والانحطاط الفظيع الذي تعرضت له جعلها تتشكل فيما كان سابقاً بديهياً، وترتاب فيما كان عندها يقينياً، إذ اختل الميزان الذي تزن به الأشياء والمقياس الذي كانت تستعمله، فأصبحت حيرانه مضطربة لا تفرق بين صواب وخطأ، ولا بين قطعي وظني، ولا بين إسلام وكفر أو أفكار إسلامية وأفكار كفر. هذه الأمة التي عاشت السياسة في أبهى صورها وأرقاها واتخذت من عقيدتها عقيدة سياسية شملت بأفكارها وأحكامها كل مجالات حياتها ونظمت علاقة الفرد بربه في العبادات وعلاقته بنفسه في المطعومات والملبوسات وبغيره من بني الإنسان في المعاملات… مما أنتج فقهاً عالج بأحكامه الفرد ومشاكله والمجتمع بالأفكار التي تسوده والأنظمة التي تسوسه والأقضيات التي تظهر فيه وعالج الدولة بنظمها وقوانينها وبسياستها وبكل شيء تعلق بها، هذه الأمة نجدها الآن بفعل انحطاطها وبفعل الغزو الفكري والإعلامي الذي تعرضت له تنفي عن عقيدتها الغزو الفكري والإعلامي الذي تعرضت له تنفي عن عقيدتها كونها عقيدة سياسية وتختزل الفقه في الفرد ومشاكله وتنفيه عن المجتمع ومشاكله وعن الدولة وقواعدها وأركانها والأحكام المتعلقة بعملها، وجنبت الفقه قضايا الأمة ومشاكلها رغم أن كتب الفقه مع اختلافها عالجت بالأحكام الواردة فيها الفرد والمجتمع والدولة، فكان من الفقهاء من بحثوا في السياسة الشرعية مثل الماوردي وابن تيمية وإمام الحرمين والنووي، فبحثوا في الحاكم وشروطه وفي حدود طاعة الأمة له وكيف تكون المحاسبة ومتى يجب التغيير وبحثوا في الدار ومتى تكون دار إسلام ومتى تكون دار كفر، وتنوعت الأبحاث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن تغيير المنكر وعن قضاء المظالم والأحكام التي تجعله يحفظ للشرع سيادته وفوقيته ويحفظ الأمة من ظلم الحكام وتعديهم.
لقد لاقت أفكار فصل الدين عن الحياة وفصل الدين عن السياسة رواجاً وأصبحت معروفاً ورأياً عاماً صاغه الكفار والعملاء والمضبوعين ومنهم العملاء في الثقافة وفي الدين من علماء السلاطين حتى أن من يريد التصدي لمفاهيم الكفر هذه الفاسدة نُعِتَ بأقبح النعوت وشُوِّهتْ صورته حتى ينفروا الناس من العمل السياسي زاعمين أن الدين شيء والسياسة شيء آخر ولا دخل لهذا في ذاك والذي يخلط بينهما يصبح أصولياً وصولياً يستغل الدين لتحقيق أغراض شخصية وللوصول إلى كرسي الحكم فقط، مما دفع بالكثيرين إلى إصدار الكتب والنشرات التي تحاول إبطال هذا الأمر وكل بطريقته يحاول بحث هذه المسألة.
ورغم أن الاستقراء لواقع القرآن من حيث كونه كتاب دعوة وفيه تصد للعقائد الباطلة والنظم الفاسدة، ولقادة الضلال، وواجه المجتمع بالأفكار السائدة فيه والنظم المطبقة فيه والحكام الذين يحكمونه، والعادات والتقاليد والأعراف السائدة فيه، فيكون القرآن قد مارس العمل السياسي على أرقى طراز وذلك ظاهر من استقراء طريقته في الدعوة وفي التغيير.
ورغم أن المستقرئ للأحكام الشرعية الواردة في كتب الفقه يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الفقه لم يكن مختزلاً في الفرد ومشاكله بل تعداه إلى المجتمع والدولة وإلى قضايا الأمة، وأن الأحكام الفقهية كانت فيما يتعلق بالعلاقات أحكاماً سياسية وأحكام رعاية شؤون، ولو نظرنا إلى القرآن ككتاب تشريع لأدركنا أنه شرع لأنظمة المجتمع فبحث في العقود وفي التشريع المالي والجنائي، وبحث الطاعة وبيّن واقعها من كونها يجب أن تكون ابتداء طاعة لله وللرسول وللحكام ما داموا منفذين لأوامر الله ولنواهيه، وحتى من استقراء تاريخ الدولة الإسلامية والتاريخ السياسي للمسلمين، لكان كل ذلك كافياً لدحض هذه المفاهيم الفاسدة.
إلا أن القبول بوضع الإسلام موضع الاتهام والانطلاق من الدواعي الفاسدة للرد عليها للوصول إلى إثبات أن الدين فيه سياسة، هذه الطريقة الفاسدة في تناول الموضوع هي التي جعلت الناس يزدادون حيرة واضطراباً ويحجمون عن القطع بشيء فيه، فكانت الفرصة سانحة لأن تكتسح هذه الأقاويل الفاسدة أجزاء المجتمعات فينفر الناس من السياسة والعمل السياسي، وحتى من يسمون أنفسهم بالعلماء الذين جعلوا من أنفسهم مفتين ووزراء للأوقاف وموظفين في الدوائر الدينية للحكومات ينحون السياسة عن الإسلام ويشهّرون بحَمَلَة الدعوة السياسيين وهم يستعملون الدين لاستناد السلطة ولدعم سياساتها الفاسدة رغم تناقضهم مع أنفسهم.
وموضوع البحث يتعلق بالجانب السياسي في القرآن وأول ما يلاحظ في هذا المجال أن الأفكار الكلية المتعلقة بالكون والإنسان والحياة قد أدت إلى القول باحتياجها وعجزها ومحدوديتها وأن الحياة مثلها مثل الإنسان محتاجة إلى الخالق حتى تسير بأوامر الله ونواهيه. فاحتياجهما إلى الأفكار ومنها أحكام الأنظمة كل ذلك أجمعت عليه البشرية التي أدركت حاجتها إليه فتنوعت أفكارها واختلفت أنظمتها عبر العصور.
إلا أن الاختلاف انحصر في الجهة التي تسد هذا الاحتياج في الحياة وفي الإنسان فإذا مضينا في هذا البحث العقلي من أجل تحديد هذه الجهة نجد أن الإنسان المحتاج إلى أفكار وأنظمة لا يستطيع أن يسد حاجة الحياة من نفس الأفكار والأنظمة فلم يبق إلا تقرير أنها لا يمكن أن تحتاج إلا للذي خلقها.
وهذا التقرير العقلي وحده كاف لإثبات كون العقيدة الإسلامية عقيدة سياسية تشمل كل الحياة ومشاكلها وكل أنواع العلاقات داخل المجتمع.
ولذلك كانت السياسة باعتبارها معالجات لغرائز الإنسان وحاجاته العضوية وباعتبارها ترعى شؤون الناس وتسوسهم بأحكام معينة قد دل عليها العقل وأشار إليها القرآن في كثير من الآيات (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)، ويؤكد على حقيقة وهي أن أكثر الناس يميلون حيث يميل الهوى ويكرهون الحق (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، حيث أن ظلم الإنسان إنما نتج من اتباعه للهوى ومخالفته لأوامر الله ونواهيه (بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ)، بل يذهب القرآن إلى حد تقرير أن الذين يتبعون أهواءهم لا يعقلون (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً @ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).
وهكذا تتضافر الآيات لتؤكد بصورة لا تدع مجالاً للشك أن الإنسان عاجز ومحتاج وأن هذا العجز والاحتياج إذا حاول أن يسده هو فإنه يتبع الهوى، ونظرة بسيطة للأنظمة الوضعية عبر التاريخ البشري ترينا أنها سببت الشقاء والفساد والظلم، وينطبق الأمر على الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وضعها الإنسان واتبعها على مر العصور، ذلك أن عقل الإنسان عرضة للتفاوت والاختلاف والتأثر بالبيئة وبالزمان والمكان، وعلى هذا يقرر القرآن حقيقة هامة هي مفهوم أساسي من مفاهيم العقدية وهي احتياج الإنسان لأفكار ومنها أحكام الأنظمة، وأنه ينبغي أن يسد خالقُه هذا الاحتياجَ، وهذا ما قرره العقل سابقاً. ومن هنا يتأكد أن العقيدة الإسلامية هي بالأساس عقيدة سياسية وهذا كذلك كاف للرد على الذين يفصلون بين الدين والدنيا، أو بين الدين والسياسة، إلا أن طريقة القرآن في الدعوة والمتمثلة في الصراع الفكري والكفاح السياسي ترشد إلى العمل السياسي في أرقى أشكاله فإذا كان القرآن قد صارع الكفار بمختلف أصنافهم ورد على عقائدهم الباطلة وسفه أحلامهم وسخف أفكارهم وعاب عاداتهم وتقاليدهم وكشف زيف الزعامات الفاسدة فإنه يكون قد واجه المجتمعات مواجهة سياسية وحمل إليها الدعوة حملاً سياسياً.
فالقرآن قد مارس السياسة في أرقى شكل، واتباعنا له يجعلنا نقوم بالعمل السياسي ونحمل الدعوة إلى المجتمعات حملاً سياسياً، فكيف ينفر الناس من شيء مارسه القرآن وأصر عليه وواجه به الناس والمجتمعات والحكام؟ لا يكون ذلك إلا إذا لُوِّث فكرهم، وهذا ما حدث مع المسلمين من قبل حضارة الغرب.
ولما كانت السياسة هي رعاية الشؤون أي تصريف أمور الناس ومعالجة أحوالهم، فإن القرآن يكون كتاباً سياسياً فهو باعتباره خطابً للمكلفين قد خاطب الحكام وخاطب الأمة باعتبارها صاحبة السلطان، وهي كلها مخاطب بها الكيان التنفيذي وهو الدولة.
لذلك تنوع الخطاب السياسي، فهذه الآية (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) هي من جنس الآيات (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ @ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)، فهذا الخطاب السياسي هو خطاب لكل حاكم بالتمسك بما جاء به الوحي وباتباع شرع الله فقط مع نبذ أهواء الناس، ويشدد على هذا المعنى في كثير من الآيات (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وفي مجال التشريع خاطب القرآن رسول الله باعتباره حاكماً مطالباً إياه باتباع الشرع وحده وصور حال من يتبع شرع الله ممن خالفه بقوله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ويؤكد للرسول ضلال كل مخالف لشرع الله وانحرافه (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) فخطاب القرآن لرئيس الدولة وللأمة بأحكام التشريع المالي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري، كان كله خطاباً سياسياً، فآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) أو (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) أو (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) أو (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) أو (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) أو (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) أو (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) أو (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) أو (لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أو (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) أو (كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) أو (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ @ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) أو (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) أو (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أو (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) أو (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ… َ) أو (وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) أو (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا… ) أو (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) أو (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ)، فكل هذا كان خطاباً سياسياً، وحمل لنا القرآن هذه الأفكار والأحكام حملاَ سياسياً، أي حملاً للتطبيق والتنفيذ.
فالقرآن رعى أحوال الأمة بأحكام شملت كافة نواحي حياتها وبمختلف أنواع العلاقات فجعل للأموال أحكاماً ومنها أحكام الفيء والخراج والزكاة والإرث وأحكام البيع والهبة، وكذلك فعل مع العقود والشركات، وجعل للحياة الخاصة أحكاماً وللحياة العامة في المجتمع أحكاماً وجعل للنساء لباساً خاصاً يخرجن به غلى الحياة العامة غير متبرجات ومنع الخلوة والاختلاط لغير حاجة، واستنفر قوى الأمة من أجل تطوعها وبذلها للجهاد، وحفظاً لأموال الناس شرع حد السرقة، وحفظاً للنفس شرع حد القتل، وحفظاً للعقل شرع حد الشرب، وحفظاً لأموال الناس وأعراضهم شرع حد قاطعي الطريق وحفظاً للدين شرع حد الارتداد، وحفظاً للدولة شرع حد البغي.
إن القول المخالف يحتاج إلى دليل، أما نظرة بسيطة للقرآن باعتباره كتاب تشريع ترينا أنه كتاب سياسي اتفقت أفكاره وتشريعاته ودققت وفصلت بحيث يبرز أنه دستور حياة وأصل الفقه، منه نأخذ الأفكار وتتغذى عقولنا بمفاهيمه ومقاييسه وقناعاته، وعلى أساسه نقيس أفعالنا ونجعلها تتقيد بما ورد فيه، ثم إن القرآن باعتباره حدد الأفكار للإنسان وجعل الحلال والحرام قياساً لأفعاله في هذه الدنيا وباعتباره أن البشر يتفاوتون في التقوى وفي الضعف وفي التقيد وفي التحلل من كل قيد، فإنه بالأفكار الواردة فيه وبطريقته في التغيير يتحول إلى كتاب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ويلزم المؤمنين به من ممارسة هذا العمل العظيم بل ويجعلها الخيرية في الأمة رهينة القيام به، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)، فإذا كان المعروف هو كل ما يوافق الشرع والمنكر يتحول إلى عمل سياسي فيه دعوة لاتباع الشرع والتقيد به والخضوع له وإلزام الآخرين بذلك بمن فيهم العامة والحكام والعلماء، فيكون العمل السياسي الذي يأمرنا القرآن بالقيام به عملاً شرعياً من أرقى الأعمال وأجلها وواضحه معالمه وحدوده وطريقة القيام به، وبهذا ينبني على فكر ويتعلق بهدف وهو إيجاد المعروف ونفي المنكر والتلبس بهذا العمل يتطلب الوعي الفكري على المعروف والعلم به وبكل تفصيلاته ودقائقه وكذلك الوعي الفكري على المنكر ومعرفة فساده ومخالفته لأوامر الله ومعرفة واقعه الفاسد لنقضه، إذ لا يكفي مثلاً العمل لإيجاد الدولة الإسلامية بدون تحديدها التحديد الفكري ولا تكفي ما يخوله معرفة الحلال والحرام، أو ما يمكنه من التمييز بين المعروف والمنكر فإنه لا يستطيع الأمر بمعروف أو إقامته ولا النهي عن المنكر أو إزالته لأنه ببساطة لم يبلغ من العلم الحد الذي يجعلها يميز بينهما، فقد يسعى لأمر بمعروف يحسبه معروفاً ولكنه في حقيقته منكر، مثل أن يقيم دولة يسميها إسلامية ولكنها في واقعها نظام جمهوري عَفِن فيه رئاسة جمهورية ووزارات ومجلس للشورى يشرع، وقد يحسب نفسه أنه يغير منكراً ولكنه في الحقيقة قد يوجده مثل أن يثور على الحكام ويحسب أن ثورته ضد الأنظمة ولكنها في واقعها موجهة ضد أشخاص لا ضد أنظمة باعتبار أن تلك الأنظمة لم يقع نقضها نقضاً فكرياً ولم يلمس فسادها وفساد ما تقوم عليه، فإذا حصل على السلطة فإنه لن يستطيع سوى إقامة أنظمة رأسمالية فاسدة صيغت بشكل يوحي أنها من الإسلام وأن ما يقع تطبيقه الشرع ولكنها عكس ذلك.
فالعمل السياسي الذي يوجبه الإسلام هو العمل السياسي المحدد والمبين على وعي بالمبدأ وبالمبادئ الفاسدة حتى يكون ذلك الوعي العالم هو الذي يدفع لإقامة المبدأ الصحيح وفيه كل معروف والنهي وإزالة المبادئ الفاسدة وكلها منكر. وهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا الشكل الراقي المحدد مارسه القرآن في قصصه ومع رسول الله للرد على الكفار والمشركين ولتصحيح أفكار المسلمين وأعمالهم: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)، أو (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، أو (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً)، أو (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا @ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)، أو (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)، وفي صورة النور يحكي مثله عن حادثة الإفك (لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ @ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا).
هذا الشكل المميز من العمل السياسي هو الذي يجب أن يقام به، وإن أكبر معروف نحن مطالبون بالأمر به وبإقامته في هذا العصر هو دولة الخلافة فلزم أن نكون عالمين بقواعدها وأركانها وبكل حكم يتعلق بها وبعملها حتى نوجدها ولا نوجد غيرها، وإن أكبر منكر ننهى عنه ونواجه ونسعى أزالته هو هذه الأنظمة الفاسدة العفنة والتي زرعت الكفر والفساد والباطل وقننت الظلم وطبقته، ولكن القضاء عليها أو حتى النهي عنها يتطلب دراسة واقعها ونقض ما تقوم عليه من أفكار وما انبثقت عنه من عقيدة، حتى تتوضح الصورة وتتجلى لمن نحمل لهم الدعوة من أجل إقامة الدولة والقضاء على الأنظمة الفاسدة فيباشرون في إيجاد الأولى ويعملون لإسقاط الأخرى.
أما اتباع الكفار والاقتداء بهم في العمل السياسي الذي يقومون به كالمناداة بالحريات وبالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية وبحقوق العمال والقيام بالنضال الانقلابي وبحقوق المرأة وتقديم برامج تتضمن توسيع الخدمات الاجتماعية أو زيادة المكاسب الاجتماعية للفئات المقهورة، فإن كل ذلك عمل سياسي فاسد اعتمد بعقلية مجاراة الأحزاب والأوساط السياسية الفاسدة في أساليب النقد وفي التخطيط للبرامج وفي التصور للمشكلات والمعالجات.
والعمل السياسي بهذا الشكل ليس لم يأمر به الشارع فقد بل حرمه لأنه يناقض واقع العمل السياسي من خلال نصوص الشعر ويناقض واقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يكفي لبيان الخط السياسي الذي يجب أن تعتمده الجماعات الإسلامية والعمل السياسي الذي وجب عليها أن تتقيد به فإذا لم يكن عملها أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر فماذا يكون إذن؟
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كواجب شرعي وكعمل سياسي راق يستطيع أن يكون عادة كافياً لإقامة المعروف وإثابته ونفي المنكر والامتناع عنه، ولكنه في بعض الأحوال يستعصي الحال ويتعسر وذلك حين تكون الأوضاع العامة في مجتمع المسلمين من شأنها أن يكون المعروف فيها عرفاً والمنكر فيها عرفاً مضاداً، وحينئذ يصبح تغيير المنكر قمة العمل السياسي ويكون الحق للدولة والجماعات والأفراد والأحزاب في تصحيح الأوضاع وفي محاربة المنكر مادياً من أجل إزالته بعد أن لم يكف النهي عنه في تجنبه. فيكون إزالة المنكر هو الذي يبقي على نقاوة المجتمع وطهارته وينفي عنه كل انحطاط وانتكاس وكل الأعمال المنحطة، ويجعله دائماً وأبداً مجتمعاً متميزاً تسوده علاقات سياسية وتجعل كل قواه الحية تهدم كل فساد وفسق ومنكر، وتقضي على كل كفر وظلم، ولا تسمح إلا بما هو معروف.
فحقيقة هذا العمل أنه يهتم بما يجب أن يكون عليه المجتمع من رفعة وسمو وبما يجب أن يظهر على أفراده من تقوى ومخالفة نوازع الهوى وساوس الشيطان وهذا الأمر يشمل منكر الأفراد والجماعات والأنظمة، فالنسبة للأفراد ليس هناك تفريق بين حاكم أو محكوم وبين شريف ووضيع وبين غني وفقير وبين وجيه وعامي، فكل من تحدثه نفسه القيام بمنكر والمجاهرة به والإصرار عليه يجد من يقف أمامه لينهاه ويردعه ويغير له منكره باليد أي بالأعمال المادية إن استطاع، وهذا ما وقع وما طبق في مجتمع المسلمين.
أما المنكرات الجماعية فتعالجها وتزيلها الدولة بتطبيقها للإسلام ومنها أحكام العقوبات ويجب أن تتجنب الدولة أن تكون سبباً في ظهور مثل هذه الجماعات فتعدل بين الرعية وتعطي الناس حقهم من ثروات الملكية العامة وتمنع الظلم والفساد.
بهذا وحده إلى جانب التصدي بشدة لكل عمل جماعي مثل قطع الطرق أو تفشي الزنا أو اللواط بتطبيق الحدود والتعزير تكون الحياة حياة راقية ورفيعة مصداقاً لقول الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ)، ويحافظ على سموها ورفعتها ورقيها.
أما منكرات الأنظمة والمتمثلة في تطبيق الأنظمة الفاسدة ونبذ شرع الله فإن العمل المادي هو الواجب عند بداية ظهورها وقبل أن تتغير شخصية المجتمع وشخصية الأمة لأن هذه المنكرات في الأنظمة إذا استفحلت وسادت كل شيء وتغيرت الأعراف داخل المجتمع من أعراف تأمر بالمعروف وتقيمه وتنهى عن المنكر وتنفيه إلى أعراف يصبح فيها المنكر معروفاً والمعروف منكراً وحينئذ لا يزال المنكر بالعمل المادي لأن هذا المنكر تجذر في النفوس والعقول، ويحتاج المجتمع إلى ثورة فكرية تغير أوضاعه الفكرية حتى يقبل على تغيير أوضاعه النهائية، لأن الدار تغيرت ولا بد من تغييرها، وتغييرها لا يتطلب تغيير المنكر فحسب بل يتطلب نهضة فكرية شاملة تبني الأمة من جديد وتعيد بناء الدولة بناء فكرياً وتعيد للثقافة تماسكها وللإسلام شجرته الأصيلة مع العلاقات العضوية والموضوعية بين البذرة والجذور والأغصان والأوراق والثمار أي العلاقة بين مفاهيم العقيدة وما انبثق عنها من أنظمة وما بني عليها من أفكار، وحينئذ يرجع الاعتبار للعقيدة ليس باعتبارها عقيدة سياسية فقط بل باعتبارها قاعدة فكرية وقيادة فكرية وأساس وجهة النظر في الحياة.
وضمن هذا الإطار العام الذي حدد كيف يكون العمل السياسي رأينا أن نعرج على نقاط معينة يبرز خلالها هذا العمل ويصبح واجباً شرعياً لا كما يحاول أن يصوره أعداء الإسلام الذين يريدون إبعاد المسلمين عن ممارسة العمل السياسي كما وضحته النصوص الشرعية، ونشير ابتداء إلى آية حددت صفات للمؤمنين وفيها تركيز على سجية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى الطاعة لله وللرسول (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، والقرآن من خلال قصه ومن استقراء آياته يتوضح لنا بأنه ثورة على الفساد والظلم والكفر وعلى كل سلوك مستهجن مخلط، وهذا ما عبرت عنه مثل هذه الآية (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً)، وهذه الآية (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)، وإننا لنجد في قصص بني إسرائيل العبر الكثيرة فإذا أردنا أن لا نكون مثلهم فعلينا أن نتجنب ما وقعوا فيه، والقرآن يصور لنا واقعهم خير تصوير (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)، وفي آية أخرى يقول (مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وفي آية أخرى يصور واقعاً من آثام بني إسرائيل (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا @ وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ @ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ @ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) ويضيف: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، وإننا من استقراء القصص القرآني يظهر لنا أن المواجهة للمجتمعات كانت مواجهة سياسية فيها تصدٍ للأفكار والأنظمة الفاسدة (قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ @ وَلاَ تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ)، فكل هذه الآيات وغيرها يظهر منها التصدي الفكري للأوضاع الفاسدة (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ)، (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)، (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)، (وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ)، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ @ وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ @ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ)، والقرآن يذهب إلى حد تشريع الجهاد في مواجهة الكفار ويجعل سبب ذلك أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، ولم يتورع القرآن عن تقرير النفاق لمن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)، ويثبت في أوصاف المؤمنين قيامهم بهذا العمل الجليل وطاعة الله ورسوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
والقرآن تصدى لمسالة الحكم وعالجها في قصصه من خلال واقع بني إسرائيل ويبدأ طرق الموضوع بإبراز أن الله أنزل في التوراة الهدى والنور (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)، ولينتهي إلى القول بكفر من لم يحكم بما أنزل الله وهذه الآية تعلقت بأنبياء بني إسرائيل الذين يسوسونهم بما استحفظوا من كتاب الله، وهي تقول بتكفيرهم إن لم يحكموا بما أنزل الله والعبرة هنا بعموم اللفظ، فتشمل كل حاكم لم يحكم بما أنزل الله، ويمضي القرآن في التدقيق (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ).
وانتهى إلى تقرير ظلم من يخالفها وواقعها أنها لا تتعلق بالحكم وحدهم بل تشمل كل مخالف لشرع الله من الناس، وبما أن القرآن أخرج الحكام من الآية الأولى مقرراً كفرهم إن خالفوا شرع الله جحوداً فإنه يبقى وصف الظلم لعامة الناس، والظلم هنا في هذه الآية قد يصل إلى حدّ الكفر لأن الكفر نفسه ظلم فمثلاً في هذه الآية يقول المولى عز وجل: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). فالذي يكذب على الله أو يكذب بآياته فهو كافر بلا شك ولكن القرآن يصفه بالظلم لأنه ظلم للنفس بإنزالها منزلة النفس الكفارة. وفي آية أخرى يقول المولى عز وجل: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) وفي آية آخرى يقول المولى عز وجل: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، ويستطرد القرآن في معالجة قضية الحكم (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)، والفسق هنا لا يقصد به فقط فسق الجوارح الذي يجعل صاحبه عاصياً وتكون مرتبته دون الكفر، ولكن الفسق الذي قد يكون كفر بدليل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمْ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، وبدليل قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)، ومن هنا يقرر القرآن كفر الحكام بتطبيقهم لغير شرع الله وظلم الناس وفسقهم، وقد يكون فسقهم أو ظلمهم كفراً.
ويتمادى القرآن في بحث قضية الحكم فيقرر حقيقة أنه نزل بالحق مصدقاً لما نزل على الرسل ومهيمناً عليها فيثبت ما جاء فيه من أحكام ونسخ ما جاء في الشرائع السابقة (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، ويلزم القرآن الرسول بالحكم بما أنزل الله إليه (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ @ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، ولم بكتف القرآن بذلك بل حذر سول الله باعتباره رئيس دولة أن يفتنه عن بعض ما أنزل الله إليه معتبراً أن الفسق هو في التولي عن الائتمار بالشرع وأن ما يصيب الناس إنما حصل بفعل مجانبتهم للشرع ومخالفتهم له وبفعل تكاثر ذنوبهم. وبهذا يظهر الإطار السياسي الذي يجب أن تكون فيه دولة الإسلام من حيث حتمية الحكم بما أنزل ومن حيث تقيد الحاكم بهذا الإطار العالم، ومحافظة على هذا الإطار يوصي القرآن المؤمنين بعدم الركون إلى الذين ظلموا وباتقاء فتنة لا تصيبن الذين ظلموا من الناس خاصة بل يصل خطاب القرآن إلى حد تقرير هجرة المؤمنين الذين لا يستطيعون إقامة أحكام دينهم والعيش حسبها وحتمية الإقامة بالدار التي تقيم شرع الله، ولا تفقن الناس عن دينهم (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا @ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً @ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) فهذه الدعوة للحكام بالحكم بما أنزل الله وللناس بالمحافظة على أحكام الشرع وحتمية تطبيقها في حياتهم وإلا تغيير الدار… دعوة سياسية تمثل الميثاق السياسي الذي يجب أن يجمع بين الأمة والحاكم والذي بني على أساس الخضوع والقبول والتسليم بأوامر الله ونواهيه مصدقاً لقوله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
إن ما سبقت الإشارة إليه يجعلنا نفهم أن القرآن يطرح نفسه ككتاب يهتم بالسياسة ويلزم بممارسة العمل السياسي الصحيح الذي من شأنه أن ينهض بالأمة ويمنعها من الانحطاط والتردي وبهذا يمنع الانحراف داخل المجتمع من قبل الحكام وأعوانهم ومن قبل أفراد الرعية، ولذلك لا يحل لامرئ مسلم أن ينفي السياسة عن الدين أو أن يفصل بين الدين والدولة لأنه إن فعل ذلك معتقداً فإنه يكفر بالإسلام.
ثم إن مختلف العصور الإسلامية إلى حين القضاء على دولة الخلافة لم يطبق فيها سوى الإسلام، كما أن كتب الفقه التي ظهرت خلالها وأحكام القضاء كانت كلها أحكاماً شرعية مستنبطة من النصوص الشرعية، فمن من المسلمين يستطيع أن ينكر أن رسول الله أسس دولة في المدينة وأنه كان يحكم بما أنزل الله وكان يرعى شؤون الناس بالإسلام وحده؟ وأنه حين كان المسلمون يعرضون المشاكل عليه ويطلبون منه حكمها فإنه كان ينتظر الوحي بحلول تلك المشاكل والاقضيات؟ ومن من المسلمين ينكر أن دعوة رسول الله لقريش كانت دعوة سياسية أراد لها أن تغير واقع المجتمع والعلاقات والناس تغييراً جذرياً انقلابياً؟ فالآيات المدنية كانت كلها تشريع للحياة في المجتمع ولأحكام الأنظمة، والآيات المكية كانت كلها صراعاً فكرياً وكفاحاً سياسياً، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة كانت سيرة كتلة عملت على تغيير دار الكفر إلى دار الإسلام وواضح منها استهداف العلاقات في المجتمع واستهداف السلطة السياسية. فأين محل دعوة فصل الدين عن السياسة من الإسلام؟ ثم إن عقيدة فصل الدين عن الحياة هي عقيدة العالم الرأسمالي ولم تظهر إلا في القرن الثامن عشر الميلادي، وقبلها لم يكن العالم يعرف فصلاً بين دينا ودين، أو دين ودولة، بل إن الصراع الذي حصل بين رجال الكنيسة والمفكرين هو الذي نتج عنه هذا الفصل، والإسلام سبق هذه العقيدة بعشرات القرون، وهذه العقيدة بدأت تظهر في العالم الإسلامي منذ أن ألغى أتاتورك الخلافة وبرزت أكثر لما استعمر الكفار بلاد المسلمين وربطوها بكافة أنواع التبعية والاستعمار وبوجود حكام عملاء نصبوهم على رقاب المسلمين، فكيف يكون الإسلام يفصل بين الدين والدولة أو بين الدين والحياة وهو سابق لمن فصلوا بينها، وسابق لفكرة الفصل ولهذه العقيدة؟
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا)