افتتاحية العدد: الإسلام هو الحل يا هيكل
2016/10/30م
المقالات, كلمات الأعداد
1,938 زيارة
كتب الصحفي المصري المعروف أحمد بهجت في الصفحة الثانية من صحيفة الأهرام المصرية الصادرة في العاشر من كانون الثاني يناير 1996 تعقيباً قصيراً جداً وللأسف على كتاب كان قد قرأه للصحفي المصري المشهور محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام سابقاً، وقد جاء هذا التعقيب تحت عنوان ” الشعار والبرنامج”.
ورد في التعقيب قول الأستاذ أحمد بهجت: توقفت وأنا أقرأ الكتاب وهيكل يتعرض لسؤال مطروح على الساحة الآن: هل صحيح أن الإسلام هو الحل؟ ويجيب هيكل على هذا السؤال المطروح بقوله: اعتقادي في مصر وفي غير مصر من بلاد العالم الغربي أن الإسلام ليس هو الحل… ثم يستدرك هيكل ويقول: وإنما الإسلام هو النور والهداية التي يمكن أن ترشد إلى مواطن الحل. وقد رد الأستاذ أحمد بهجت عليه رداً جيداً لكنه كان رداً مقتضباً رغم إدراكنا أن الأستاذ بهجت حياه الله على قناعة يقينية بأن الحل الوحيد لمشاكل العالم كله هو الإسلام، إلا أنه يبدو أن ظروفه الصحفية وظروفه هو شخصياً لم تسمح له بالرد الكافي الوافي المفصل على هيكل وأمثاله من المضبوعين بالثقافة الغربية لردهم إلى صوابهم ورشدهم اللذين فقدوهما نتيجة لسيطرة الحضارة الغربية على العالم الإسلامي ولا سيما البلاد العربية التي تأثرت بها تأثراً كبيراً مما جعل الأجيال المسلمة التي جاءت بعد هدم الكيان السياسي للمسلمين تتخبط في تفكيرها وتقع في حيرة من أمرها لا تدري ما يراد بها ولا تدري ما تريد.
ومجلة الوعي باعتبارها مجلة فكرية سياسية قائمة على ما استطاعت على شؤون المسلمين الفكرية والسياسية قوامة على المجتمع للحيلولة دون انتكاسه فكرياً ترى أن من واجبها لا بل هو فرض عليها من الله تعالى أن تبيّن وجه الحق بالتفصيل وأن تعمل على تحطيم تلك الأقلام المأجورة التي ما زالت تعمل في تفكير الأمة عمل مباضع الجراحين طعناً وتمزيقاً وتفتيتاً، ولهذا تقوم في هذا العدد بالرد على الأستاذ هيكل لتبيّن له أن الإسلام هو الحل ليس فقط لمشاكل الأمة الإسلامية بل لمشاكل الإنسانية جمعاء في هذا الوجود، مع شكرها العميق للأستاذ أحمد بهجت أنه لم يأل جهداً في لفت نظر هيكل إلى أن الإسلام كمشروع حضارة مستنيرة تواكب عصرها وتسبقه وأنه خلال الجيل القادم سيكون الحل الوحيد لمشاكل الحياة وشفاء لصدر الكون المجروح بظلم الرأسمالية الديمقراطية وفسادها.
إن الإسلام أيها الأستاذ هيكل مبدأ كامل لجميع شؤون الحياة أنزله الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم هدى ونوراً ورحمة للعالمين: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فهو عقيدة عقلية، ينبثق عنها نظام، نزل بتنظيم علاقات الإنسان الثلاث التي لا رابع لها في هذه الحياة، علاقته بخالقه بالعقيدة والعبادات، وعلاقته بنفسه بأحكام المطعومات والملبوسات والأخلاق، وعلاقته بغيره من الناس بأحكام المعاملات والعقوبات.
هذه العقيدة العقلية فكرة كلية عن الوجود – عن الكون والإنسان والحياة – بأن لها خالقاً خلقها جميعاً، وهو الله تعالى وأن لهذه الحياة علاقة بما قبلها وهو الله تعالى من حيث الخلق والإيجاد، ومن حيث الأوامر والنواهي التي أنزلها الله لتنظيمها، وأن لهذه الحياة علاقة بما بعدها وهو اليوم الآخر من حيث البعث والنشور بعد الموت ومن حيث الحساب على الأعمال في الحياة الدنيا خيراً كانت أم شراً.
وقد انبثقت عن هذه العقيدة العقلية أحكام شرعية بشكل مجموعها نظام الإسلام، وهي معالجات لمشاكل الحياة، وصحب هذه المعالجات أحكام تبين كيفية الحفاظ على هذه العقيدة وكيفية تنفيذ المعالجات، وكيفية حمل الدعوة إلى هذه العقيدة، ومن هنا كانت العقيدة والمعالجات فكرة وكانت كيفية المحافظة على العقيدة وكيفية تنفيذ المعالجات وكيفية حمل الدعوة إلى الإسلام طريقة، ومن هنا كان الإسلام كمبدأ فكرة وطريقة من جنسها فهو ليس فكرة خيالية كالمدينة الفاضلة وجمهورية أفلاطون وإنما هو فكرة كلية عن الوجود أوحي بها وبطريقة تنفيذها في معترك الحياة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لتكون مطبقة في الحياة تتحكم في علاقات الناس والمجتمع والدولة.
كيف يعالج الإسلام المشاكل؟
أما كيف يعالج الإسلام المشاكل فإنه حين يواجه المشكلة يواجهها كمشكلة إنسانية فقط أي أنها مشكلة حصلت للإنسان بغض النظر عن كونها ظاهرة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو خلقية، وقد جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة شاملة جميع المشاكل كخطوط عريضة يندرج تحتها جميع مشاكل الحياة، وهذه النصوص فيها الاتساع لاستنباط القواعد الكلية والتعاريف والأحكام، وترك للعقل الإنساني فهم هذه النصوص لاستنباط الأحكام والمعالجات بالاجتهاد الصحيح لمن حصلت عنده أهلية الاجتهاد واكتملت لديه شروطه، فالعقل وحده وسيلة فقط وليس دليلاً، والاستنباط حاصل في النصوص الظنية الدلالة. وما نجم من اجتهادات فيها يعتبر رأياً إسلامياً وليس رأي الإسلام، فإنه لا مجال للاجتهاد فيه، لأنه قطعي الدلالة والقاعدة تقول: [لا اجتهاد في مورد النص]، والأدلة الشرعية معروفة واضحة في الإسلام وهي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس.
وقد أوجد الإسلام بأنظمته هذه من نظام حكم ونظام اقتصادي ونظام اجتماعي ونظام عقوبات خير مجتمعات الدنيا وأرقاها على مر العصور التي حكمت فيها دولته سواء في العصر الراشدي أو العصر الأموي أو العباسي أو العثماني إذا قيس بغيره من المجتمعات في حينه، وكان المجتمع الإسلامي أرقاها حتى في أحلك عصور الانحطاط الفكري الذي تردت فيه الأمة الإسلامية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإسلام قد أنزل من السموات العلي لتنظيم إشباع جوعات الإنسان وغرائزه… هذه الجوعات والغرائز هي طاقات حيوية مستلزمة الإشباع وضرورية الإشباع، فهي التي تدفع الإنسان إلى العمل لإشباعها، إلا أن هذا الإشباع لا بد من تنظيمه بنظام معين يحققه ويحدث في الوقت نفسه الطمأنينة عند الإنسان، وإذا ترك دون تنظيم سيؤدي بالضرورة إما إلى الإشباع الشاذ وإما إلى فوضوية الغرائز والانتكاس إلى درك الحيوان، وهنا لا يتأتى ترك هذا التنظيم للإشباع للعقل البشري، لأنه عرضة للتفاوت والتناقض والاختلاف والتأثر بالبيئة والمحيط، والنظام الناتج عن هذا العقل سيكون ولا ريب نظاماً متناقضاً يؤدي إلى تخبط البشر وإلى شقاء الإنسان. وما الأنظمة الوضعية التي نعيشها اليوم وترزح البشرية تحت نيرها منا ببعيد.
ولذلك لا بد أن يكون تنظيم إشباع الحاجات والغرائز آتياً من خالق هذه الغرائز والحاجات العضوية في الإنسان وهو الله تعالى، ومن هنا تأتي حاجة الناس إلى الرسل الذين يبلغون الناس نظام الله الخالق، فهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وكل نظام يضعه الإنسان من عنده لحل مشاكله هو مشاركة لله في الألوهية وهو الشرك أو الكفر بعينه (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)، (أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ), ولهذا نجد القرآن الكريم ينص على الذين لا يحكون بما أنزل الله ويصفهم بالكفر والظلم والفسوق:
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ).
ثم إنه يقسم عز شأنه بنفسه ويقول مخاطباً رسوله الكريم، وخطابُه لرسوله خطاب لنا ما لم يخصص (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وبناء عليه فإننا حين نطرح الإسلام اليوم كمبدأ عالمي لا بد أن يكون هو البديل للمبدأ الرأسمالي الديمقراطي في المستقبل القريب بإذن الله، نحذر القارئ من أن يجعل غير الكتاب والسنة مقياساً لصحة أنظمته كنظام الحكم والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي إن كان هذا القارئ مسلماً كالأستاذ محمد حسنين هيكل، وأن يجعل غيرَ مدى انطباق أفكار هذه الأنظمة على واقعها مقياساً لصحتها إن كان غير مسلم.
إننا نتفق مع الأستاذ هيكل كما اتفق معه الأستاذ أحمد بهجت في أن شعار “الإسلام هو الحل” قد وقع عليه تجن كبير من أصحابه ومن خصومه ناهيك عن حملات التشويه والتشويش والافتراء التي تشن عليه من قبل أعدائه سواء أكان هؤلاء الأعداء من الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا أم كانوا من عملاء هذه الدول الكبرى كحكام البلاد الإسلامية قاطبة.
ويحق للأستاذ هيكل أن ينعي على أصحاب هذا الشعار أنهم أطلقوه عامّاً مفتوحاً أي أنهم لم يقوموا على الإسلام بشكل تفصيلي، أو بعبارة أخرى لم يتبنوا برنامجاً واضحاً مفصلاً في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتجارة العالمية وغير ذلك مما هو لازم اليوم لإنهاض الأمة الإسلامية، فأساءوا بذلك إلى الإسلام أكثر مما أحسنوا إليه، فضلاً عن الطرح الخاطئ للإسلام الذي طرحته وما تزال تطرحه بعض الدول القائمة في العالم الإسلامي.
ففي هذا الطرح الخاطئ جلد للمسلمين بالإسلام كما جلد عبد الناصر العرب بالقومية العربية.
هذه الطروحات الخاطئة للإسلام وهذا القيام عليه بشكل مفتوح عام من شأنه أن يحدث اليأس في نفوس المسلمين من إمكانية تطبيق الإسلام، فهو طرح مقصود لجعل المسلمين لا يرون حلاً لمشاكلهم إلا بالديمقراطية الكافرة التي ظهر عوارها وتبين فسادها لكل ذي عينين في هذه الأرض.
وإن كان الأستاذ هيكل لا يرى الحل في النظام الذي ينبثق عن عقيدته وهو نظام الإسلام فهل يتفضل ويدل الأمة الإسلامية على الحل الذي يراه إن كان هناك حل خيراً منن نظام الإسلام الذي هو من خالق العباد، ونود هنا أن نلفت نظر الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي ينظر إليه العرب نظرة خاصة، أنه لا يجوز له ولا بحال من الأحوال أن يأخذ كمسلم نظاماً غير نظام الإسلام، فإنه والحالة هذه لا يكون قد أخذ الإسلام ولا غيره من الأنظمة. فأخذ أي نظام منفصل عن عقيدته لن يحل المشكلة مطلقاً وما اشتراكية عبد الناصر منع ببعيد، وما نظام أتاتورك كذلك منه ببعيد، فلينظر إلى حال الشعب في مصر وإلى حال الشعب التركي في تركيا.
(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ)
2016-10-30