كلمة الوعي: إسرائيل توسع عملياتها الإرهابية بعد تجميد عدوانها موقتاً
1997/02/02م
المقالات, كلمات الأعداد
1,985 زيارة
نجحت أميركا في جعل إسرائيل تصرف النظر، موقتاً، عن القيام بهجوم كبير على سوريا. وتَرِدُ أسئلة: ما هي الاستراتيجية التي وضعتها إسرائيل لنفسها كبديل للتجميد الموقت لعدوانها ؟ وهل من ثمن ستدفعه أميركا إلى نتانياهو مقابل هذا التجميد ؟
أما عن استراتيجية إسرائيل البديلة فهي توسيع العمليات الإرهابية بحيث تشمل سوريا (داخل سوريا وخارجها). إسرائيل تقوم بالعمليات الإرهابية منذ قيامها، واليهود من طبعهم الإرهاب قبل قيام إسرائيل وبعده. وآخر عمليات الإرهاب الإسرائيلية تفجير الباص في آخر يوم من سنة 96 في دمشق. وحسب فهمنا للأمور فإن هذه العملية تختلف عما حصل من عمليات ضد سوريا داخل لبنان.
ما حصل داخل لبنان كان من عملاء إسرائيل كجزء ممهّد لخطة العدوان على سوريا، الذي كانت تنويه إسرائيل، والذي كان عملاء إسرائيل ينوون الاستفادة منه لأخذ الحكم في لبنان. وقد تبخّر هذا الحلم الآن. أما عملية دمشق فهي رسالة من إسرائيل إلى سوريا (بعد تجميد العدوان الإسرائيلي) تطلب فيها أن تقوم سوريا بمنع المنظمات مثل حماس والجهاد والجبهة الشعبية من القيام بعمليات للضغط على إسرائيل. وكانت الجبهة الشعبية أعلنت من دمشق تبنيها لعملية إطلاق النار على سيارة إسرائيلية قتل فيها شخصان في الضفة الغربية. أي أن إسرائيل تطلب من سوريا ليس أن تمتنع هي عن القيام بعمليات أمنية للضغط على إسرائيل فقط، بل تطلب منها أن تمنع الجهات الأخرى التي يمكن أن تؤثّر عليها من القيام بمثل هذه العمليات، فيريد نتانياهو أن يحصل على الأمن والاستقرار. وإلا فإن إسرائيل ستقوم بعمليات الإرهاب ضد سوريا. هذه هي استراتيجية إسرائيل الحالية، والتي قد تستمر بضعة أشهر أو أكثر.
ويبدو أن أميركا استعملت مع نتانياهو الترهيب والترغيب حتى ثنته عن القيام بعدوانه الكبير. ومن جملة الترغيب وعده بمساعدته بشأن الضفة الغربية. وها نخن نرى الآن التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق الخليل الذي استطاع نتانياهو أن يحقق فيه أموراً لم يحققها حزب العمل.
ياسر عرفات في الأصل ينفذ قرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي. حين كان رابين كان عرفات يأتمر بأمره، وحين جاء بيريز صار عرفات يأخذ الأوامر منه. وحين جاء نتانياهو صار عرفات مستعداً لتنفيذ أوامره. ولكن التزام عرفات بأوامر رئيس الحكومة الإسرائيلية يحتاج إلى عملية إخراج كي لا ينكشف أمام الفلسطينيين أنه مجرد أداة لتنفيذ قرارات إسرائيل. وصارت مصر (بأمر من أميركا) تعطي التوجيهات لعرفات كي لا ينفذ أوامر نتانياهو. وقد احتج نتانياهو غير مرة على مصر، ما دفـع
مصر لتقول بأن عرفات له رأيه المستقل وبأن مصر لا تملي عليه الأوامر. وقد لا حظنا طيلة المفاوضات بشأن الخليل أن الطرف الفلسطيني كان مُصِرّاً على عدم إدخال أي تعديل على الاتفاقات الموقّعة حتى ولا كلمة ولا فاصلة، لأن هذا يوجد سابقة لا يُؤْمَنُ توقفها بعد ذلك. ومصر كانت أيضاً تصرّ على ذلك. وها نحن رأينا تراجُعَ مصر وتراجُعَ عرفات وفريقه المفاوض عن الإصرار السابق. وهذا يعني أن أميركا التي كانت تطلب الإصرار تراجعت عنه، وطلبت من مصر والفلسطينيين التراجع، فامتثلوا. وهذه مكافأة من أميركا لنتانياهو. ولا بد أن أميركا وعدت نتانياهو بمكافآت أخرى كي تجعله يتخلى نهائياً عن عناده لأميركا ومسايرته لخطة الإنجليز.
كان كريستوفر قد صرّح بخصوص مفاوضات الخليل بأن الفلسطينيين هم المعرقلون، ولما كرر روس ذلك اتهمه عرفات بأنه منحاز إلى إسرائيل. والتصريح من كريستوفر وروس هو لاحتواء اليهود، وتصريح عرفات هو لخداع الفلسطينيين والتمثيل عليهم. وقيل بأن روس كاد يعود فاشلاً لولا تدخل الملك حسين وإقناع عرفات ونتانياهو وروس. والأرجح أن هذا من عمليات الإخراج كي يقللوا من معارضة المعارضين سواءً في الطرف الإسرائيلي أو العربي. ويبدو أن هذه الجزئية (اتفاق الخليل) لا تتعارض مع سياسة الإنجليز.
ولكن هل يمكن الركون إلى تطمينات أعطاها نتانياهو لأميركا، وبلغتها أميركا لمصر بأن لا عدوان إسرائيلي الآن على سوريا ؟ كلا. فاليهود شيمتهم الخداع والغدر طيلة تاريخهم. ولذلك لا بد من الحذر، والبقاء على أهبة الاستعداد. هذا من ناحية عدوان إسرائيلي كبير. أما من جهة الرسالة الإسرائيلية لسوريا (تفجير الباص في دمشق) فلا نتوقع أن سوريا ستنصاع لرغبة نتانياهو وتقوم بمنع المنظمات من أعمال الضغط على إسرائيل. لأن ذلك سيوفر الأمن لإسرائيل ويغريها بعدم الانسحاب من الجولان أو من جنوب لبنان.
نحن في هذه المجلة «الوعي» لا نقوم بدور الصحفي الذي ينقل الأخبار أو يقوم بتحليلها فقط. نحن حَمَلَة رسالة لتوعية الأمة الإسلامية ودعوتها إلى ما فيه خيرها ونجاتها. ولذلك نقول بأن الصلح مع الدولة المعتدية الغاصبة، والتنازل لها طوعاً عن الأرض المباركة وعن المقدسات هو خيانة من أفظع الخيانات. وعلى المسلمين الذين خانوا أن يستغفروا ربهم ويعودوا عما اقترفوا. وعلى المسلمين الساكتين أن يتحركوا ليغسلوا جريمة الآخرين. وعلى المسلمين الذين كانوا يرفضون هذه الجريمة ويعارضونها أن يزيدوا من حربهم عليها لإلغائها.
لا يجوز أن نصالح إسرائيل ونعترف بها حتى لو انسحبت من كل الجولان ومن كل أرض لبنان، فالقدس ليست لليهود، وما احتلته إسرائيل سنة 48 ليس أرضها، ولا ما احتلته سنة 67. وإذا تنازلت حفنة من الخونة عن فلسطين فإن على بقية المسلمين من أهل فلسطين وسائر المسلمين أن يغسلوا هذا العار مهما كلف من دماء. وإن ذلك لكائن قريباً بإذن اللـه .
1997-02-02