المرأة المسلمة وحمل الدعوة
2016/10/29م
المقالات
2,785 زيارة
المرأة المسلمة وحمل الدعوة
بقلم: محمد حسين عبد اللـه
بعث اللـه النبيّ محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، رجالاً ونساءً، (قل يا أيها الناس إني رسول اللـه إليكم جميعاً…)، (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم..)، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً…).
فالإسلام جاء بالتكاليف الشرعية للنساء وللرجال، فجعل للمرأة حقوقاً وعليها واجبات، كما جعل للرجل حقوقاً وعليه واجبات.
وحين تكون هذه الحقوق والواجبات، تكاليف تتعلق بالإنسان كإنسان، تكون واحدة للرجال وللنساء، قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللـه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم…)، وقال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيراً).
وحين تتعلق هذه التكاليف بالأنثى بوضعها أُنثى، أو بالذكر بوضعه ذكراً، تكون متنوعة، للذكر غير الأنثى، لأنها جاءت لمعالجة عمل معين لإنسان مُعين، لا لمطلق إنسان. ولذلك، جعل الإسلام شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد في الأعمال التي تكون في جماعة الرجال، واكتفى بشهادة امرأة واحدة في الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، كشهادتها في ثبوت الرضاعة، وفرض النفقة على الرجل دون المرأة، قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل اللـه بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم…).
وهكذا، جاء الإسلام بأحكام متنوعة، خصَّ الرجال ببعضها، وخصَّ النساء ببعضها، لأنَّ واقع الأنثى غير واقع الذكر، فالمرأة تحيض وتحمل وتُرضع، ولها من الصفات الـخَلْقية غير الصفات الـخَلْقية التي للرجل، فجاءت أحكام خاصّة بالرجل بسبب خَلْقه على هذه الهيئة، وجاءت أحكام خاصّة بالمرأة بسبب خَلقها على الهيئة الأخرى، لأنهما من هذه الجهة واقعان مختلفان، وهذا التخصيص ليس معناه عدم المساواة، وإنما هو العلاج الصحيح لواقع كلٍ منهما، وقد أمرَ اللـه كلاًّ منهما أن يرضى بما خصّه به من أحكام، ونهاهم عن التحاسد، وعن تمني ما فضل اللـه به بعضهم على بعض. قال تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل اللـه به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن…)، ونهى كلاًّ منهما أن يتشبه بالآخر في الصفات الـخَلقية، قال صلى الله عليه وسلم: «لعن رسول اللـه المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» رواه البخاري.
وهذا التنوع في بعض الأحكام للرجل والمرأة، لم يُعْفِ المرأة من حمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، ومن مسؤولية العمل لتغيير الواقع السيء الذي يعيشه المسلمون في أواخر القرن العشرين، لأنَّ الخطاب بهذا العمل جاء عاماً للرجال وللنساء، لكونِهِ يتعلق بالإنسان كإنسان، لا بالإنسان كذكر، ولا بالإنسان كأنثى، قال تعالى: (إنَّ اللـه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…)، ولفظ «قوم» يشمل الرجال والنساء على السواء، وقال تعالى: (ولتكن منْكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…)، ولفظ «أمّـة» يشمل الرجال والنساء.
والعقوبة المترتبة على ترك فرض حمل الدعوة للتغيير، عقوبة شديدة، جاءت في نصوص شرعية تدلُّ ألفاظها على أنَّ الخطاب موجه إلى الرجال والنساء معاً، قال تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة، واعلموا أنَّ اللـه شديد العقاب) وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهوُنّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ اللـه أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم» رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: «… ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم.
وهذه ألفاظ عامّة تشمل جميع المسلمين المكلفين من رجال ونساء، فمن مات من المسلمين تاركاً هذا الواجب، كانت عقوبته عند اللـه عظيمة، وكانت ميتته ميتة جاهلية، فالمسلم الذي لم يعمل لإيجاد خليفة للمسلمين، لتكون لهذا الخليفة بيعة في عنقه، مات كالكافر لعظم الإثم الذي لحق به، وإن لم يكن في الحقيقة كافراً.
وهذا العمل واجب على المرأة، كما هو واجب على الرجل، فلا يعفيها الإسلام من هذا الواجب كونَها امرأة، كما أعفاها من واجب الإنفاق على الأسرة. فهذا الواجب، وهو إيجاد الدولة الإسلامية من أوجب الواجبات وأجلِّها، إذ عليه تتوقف إقامة أكثر الأحكام الشرعية، كرعاية شؤون الناس بالإسلام، وحمله إلى الناس كافّة، وبدونها لا يكون للأمة الإسلامية كيان سياسي، ولا شأن يذكر بين الأمم. وإنَّ ما يعانيه المسلمون اليوم، من تمزق وضعف وهوان، ومن استسلام لقوى الكفر والطغيان، ما هو إلا نتيجة من نتائج عدم وجود خليفة للمسلمين، يرعى شؤونهم بالإسلام، ويوحدهم في دولة الخلافة تحت راية (لا إله إلا اللـه محمد رسول اللـه).
لقد فهم العرب رجالاً ونساءً هذه الأدلة، فآمنت النساء، كما آمن الرجال، والتزمت النساء بتكاليف حمل الدعوة، كما التزم الرجال.
وكان أول من آمن برسول اللـه محمد صلى الله عليه وسلم زوجتُه خديجة بنت خويلد، رضي اللـه عنها، فوقفت معه، تؤازره وتشدُّ من عضده، وكان لا يسمع شيئاً من قومه يكرهه، أو يلاقي منهم أمراً يؤذيه، إلا كانت له نعم العون، تثبته وتخفف عنه، وتهوّن عليه أمر الناس. وعندما نزل عليه الوحي لأول مرة، جاء إليها يرتجف ويقول: «زملوني.. زملوني..» فتقول له: «فواللـه لا يخزيك اللـه أبداً، واللـه إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ» ثم انطلقت به حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان قد تنصّر في الجاهلية، تستفسر عما حدث لزوجها. )عن السيرة النبوية لابن هشام( ثم تطمئنه قائلة: «أبشر يا ابن عم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده، أرجو أن تكون نبيّ هذه الأمة المنتظر».
وعندما اجتمعت قريش على محاصرة ومقاطعة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم، ومن أسلم معه، وقفت خديجة إلى جانبه، تؤيده بكل ما تستطيعه، تاركة دارها الأنيقة المريحة، لتقيم معه في الشعب المقفر، تشاطره الأذى وشظف العيش، رغم كبر سنها وضعفها.
وحزن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم لموتها حزناً شديداً، وكان يكثر من الثناء عليها، وعندما قالت عائشة: لقد أبدلك اللـه خيراً منها، زجرها وقال: «واللـه ما أبدلني خيراً منها، آمنت حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس..» )أخرجه الإمام أحمد، والحافظ في الفتح( وقال عليه الصلاة والسلام: «خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد» )رواه البخاري ومسلم( ويَجْمَعُ هؤلاء النسوة، أَنهنَّ آمنَّ باللـه ورسله، وحملنَ الدعوة، وتحملنَ الأذى في سبيل اللـه.
وقد تحملت النساء المسلمات أعباء الدعوة في مكة والمدينة كما تحملها الرجال، فهذه سودة بنت زمعة، آثرت دينها على أهلها، فخرجت مع زوجها مهاجرة إلى الحبشة، ولما مات في المهجر، رجعت إلى بيت أبيها وأخيها الكافرين في مكة، تعاني فراق زوجها، واضطهاد أهلها بسبب إسلامها، فتزوجها رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ليُقيل عثرتها، ويجبر كسرها، فقامت على خدمته وخدمة بناته خير قيام، حتى هاجر إلى المدينة المنورة.
وهذه سمية «أم عمّار» زوجة ياسر، كانت أولَ من قُتل في سبيل اللـه، ثم تبعها زوجها ياسر. لقد ثبتت على العقيدة، وصبرت على تحمل الأذى، حتى فارقت الحياة على يد المشرك أبي جهل، فوعدها رسول اللـه صلى الله عليه وسلم وأسرتها الجنة قال صلى الله عليه وسلم: «صبراً آل ياسر، إنّ موعدكم الجنة».وهذه أسماء بنت أبي بكر، تتحمل المشقات في مساعدة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وهما في الغار في طريقهما إلى المدينة، وتلاقي الأذى من أبي جهل، الذي لطمها على وجهها لتدلَّ على مكان رسول اللـه صلى الله عليه وسلم، فتثبت وتصبر.
وهذه فاطمة بنت الخطاب، تناقش أخاها عمر بن الخطاب، فيضربها بسبب إسلامها، ثم يعجبه صلابتها وثباتها على دينها، فيسرع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم معلناً إسلامه.
هؤلاء النسوة وغيرهن من المسلمات الأوائل، حملن الدعوة مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم، ولاقين في سبيلها الأذى، فهاجرن إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة، متحملات مفارقة الأهل والأوطان وشظف العيش، لأنهنّ أدركن أنهنّ مكلفات بحمل الدعوة، لا فرق بينهنّ وبين الرجال.
وكما نصر الرجالُ رسولَ اللـه صلى الله عليه وسلم، فقد نصرته النساء، ففي السنة الثالثة عشرة من بعثته، قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، هما أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية، وأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي، حيث واعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتوه العقبة، فذهبوا إليه جوف الليل، وتسلقوا الشعب جميعاً، وتسلقت معهم المرأتان، وقد بايعه الرجال والنساء جميعاً بيعة الحرب، ومما جاء فيها: «… فقلنا: يا رسول اللـه، علام نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في اللـه، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءَكم، ولكم الجنة، فقُمنا نبايعه…» )أخرجه أحمد والبيهقي(.
فالنساء مطلوب منهنّ أن يأمرنَ بالمعروف وينهيْنَ عن المنكر، ويقلن الحق لا يخشين لومة لائم، ومطلوب منهم نصرة حملة الدعوة. وهذه هي المرتكزات الأساسية في حمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة، وقد وَفَتِ النساء ببيعة العقبة الثانية كما وفى الرجال، فقد شهدت أم عمارة مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وقاتلت معه في بعض الغزوات، ثم اشتركت في قتال المرتدين فقطعت يدها، وأصيبت باثني عشر جرحاً.
هذه النصوص من القرآن والسنة، تدلُّ بوضوح، على أنَّ المرأة المسلمة مكلفة بحمل الدعوة في جميع مراحلها… فقد شاركت الصحابياتُ الرجالَ في مرحلة التثقيف، فآمنّ وتعلمن القرآن، وفي مرحلة التفاعل، حيث الصراع الفكري والكفاح السياسي، تحملن الأذى، فناقشن الكفار، وثبتن على الإسلام، ولاقين التعذيب والقتل في سبيل ذلك، وشاركن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة المنورة، وفي مرحلة استلام الحكم، أعطينه النصرة، وشاركن في إقامة الدولة.
فعلى المسلمات اليوم، أن يدركن أنَّ حمل الدعوة لإقامة الدولة، فرضٌ عليهن كما هو فرض على الرجال، وأنَّ اللـه تعالى كما فرض عليهن الصلاة والصيام، والحج والزكاة، وكما فرض عليهن الالتزام بأحكام الإسلام، في المعاملات وغيرها، قد فرض عليهن حمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، بالطريقة الشرعية، لإعادة دولة الخلافة، وهنَّ مخاطبات بقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير…) وبقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره…» وبقوله صلى الله عليه وسلم:«ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
إنَّ حمل الدعوة لإقامة الدولة، وإن كان فرضاً على الكفاية، فإنَّه يظلُّ واجباً على كل مسلم مكلف، ما دام القائمون عليه والمتلبسون بالعمل له لم يقيموه، لأنَّ فرض الكفاية، هو الفرض الذي إذا أقامه البعض سقط عن باقي المكلفين، ولكن إن لم يقمه البعض، يظلُّ فرضاً على كلّ مكلف أن يتلبس بالعمل لإقامته حتى يُقام، لكي ينجو من الميتة الجاهلية. أما المقصرون من المكلفين سواء كانوا رجالاً أم نساءً الذين لم يتلبسوا بالعمل به، فإنّه ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»
2016-10-29