دولة الخلافة والتأثير في الحلبة الدولية
2016/10/19م
المقالات
2,037 زيارة
دولة الخلافة والتأثير في الحلبة الدولية
إن دولة الخلافة هي كيان ينفذ مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الشرعية المنبثقة عن العقيدة الإسلامية في حلبة العالم الإسلامي، ويحمل القيادة الفكرية الإسلامية إلى الحلبة الدولية بالدعوة والجهاد الذي يحطم الحواجز المادية التي تقف في طريق الدعوة.
إن العالم الإسلامي في حقيقته وأصله جسد واحد، وهو بهذه الصورة يعتبر قوة لها وزنها الثقيل بين قوى العالم الذاتية، وهو من أكبر القوى الذاتية في العالم، وبإمكانه بسهولة ويسر أن يشكل قوة ذاتية كبرى، سياسية، وعسكرية، واقتصادية، وما هو مشاهد ومحسوس من شرذمة لمسرحه، وتقسيم لبلاده، واحتلال لبعض مجاله، وسيطرة على ساحته، هو أمر شاق قام به الكافر وأوغل فيه عن طريق التضليل الثقافي والسياسي ليصده عن سبيل اللـه، حتى إذا هزم أمته، بل قبل ذلك بكثير حين حطم آخر دولته، وحين محت إنجلترا، رأسُ الكفر وعدوة الإسلام الأولى، عن طريق مصطفى كمال، نظامَ الخلافة من حياته، قام هذا الكافر قبل ذلك بالغزو الفكري والسياسي للعالم الإسلامي، واحتل عقولنا وبلادنا ثم أقام مقامه مسلمين عملاء ينوبون عنه ويصدون عن سبيل اللـه، فأقام في بلاد الإسلام أحزاباً وجمعيات وحكاماً يحكمون بغير ما أنزل اللـه، وأفراداً من المغفلين والمأجورين ليصدوا عن سبيل اللـه، ولم يكتفِ الكافر بذلك بل أمعن في شطر الأمة الإسلامية إلى قوميات عربية وتركية وكردية وفارسية، ثم قسم البلاد إلى وطنيات وأوطان: مصر وتونس والأردن والسعودية وغير ذلك من الدويلات، على أساس الوطن والوطنيات، وزرع القنابل الموقوتة في داخل العالم الإسلامي ليتمكن من تفجيرها في اللحظة التي يريدها عن طريق الحكام الخونة والعملاء بشتى أنواعهم تحت شعارات الانفصال والاستقلال والتحرير والوطنية والقومية والديمقراطية، إن هذا الوضع الشاذ الذي يسود العالم الإسلامي لا قيمة له ولا نعترف به لأنه وضع يتناقض مع مبدأ الإسلام في وجوب وحدة الأمة ووحدة البلاد على أساس العقيدة الإسلامية، وسيادة شرع اللـه على الأمة والدولة. وهو في واقعه وحقيقته وضع قام بتجسيده الكافر وعملاؤه من الحكام الخونة، وعليه فالعالم الإسلامي يجب أن يكون كتلة واحدة، وجسماً واحداً من دون سائر الأجسام، وبلاده بلداً واحداً دون الحواجز والحدود المصطنعة، فلا وزن لخطوط الطول والعرض بين بلاده، ولا قيمة للقوميات والوطنيات ولا للخونة ولا للعملاء بين أبناء الأمة الإسلامية، فكل بلد تقوم دولة الخلافة بضمه وبتحريره من نفوذ وسيطرة الكافر وعملائه، لا يدخل في دائرة الحلبة الدولية وإنما يدخل في دائرة السياسة الداخلية لدولة الخلافة من حين قيامها وتوسعها وبناء قوتها الذاتية الكبرى ليشمل العالم الإسلامي كله.
وعليه فإن السياسات التي ترسم وتنفذ لتوحيد العالم الإسلامي وبناء قوته الذاتية الكبرى لا تدخل ضمن السياسات التي ترسم وتنفذ للتأثير في الحلبة الدولية لأن الأولى تدخل ضمن السياسة الداخلية أما الثانية فتدخل في دائرة السياسة الخارجية.
إن الحلبة الدولية بالنسبة لدولة الخلافة تعني بلاد الكفار التي يراد إنقاذها من سموم الرأسمالية وسرطانها الخبيث لتتجرع بلسم الإسلام الذي يسعدها في الدنيا والآخرة. والحلبة الدولية أو الكرة الأرضية اليوم بحاجة ماسة لدولة الخلافة من أجل إنقاذها من القوة الرأسمالية العالمية الجاثمة على قلوب البشرية، وهذه القوة هي التي جلبت الدمار والهلاك للإنسانية جمعاء، فما تعانيه شعوب العالم في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من بؤس وشقاء وتشريد وفقر وإذلال وإرهاب وقتل وقلق ونزاع ونهب للخيرات، ومص للدماء، واستعمار جديد للبلاد ليس إلا بسبب الرأسمالية الغاشمة، والتي تقودها الولايات المتحدة كدولة أولى مؤثرة في الحلبة الدولية بلا منافس ولا منازع، وتساندها فرنسا وبريطانيا. وما تعانيه شعوب هذه الدول وسائر دول أوروبا وأستراليا وبلدان العالم أجمع من ذل وخضوع واستعباد من القوى الرأسمالية، ما هو إلا بسبب الفكر الرأسمالي العفن الذي يزرع الأنانية في النفوس، ويقتل كل شعور إنساني أو أخلاقي أو روحي ولا يجعل للقيم أي وزن سوى القيمة المادية. فالحلبة الدولية مهيأة للتخلص من القوى الرأسمالية ولتقبل الإسلام السياسي والروحي الذي يرعى شؤون الإنسان والإنسانية في الدنيا والآخرة رعاية صحيحة، رعاية لا تجعل الحلبة الدولية غابة ينهش فيها القوي الضعيف، بل حياة تسودها الطمأنينة والسعادة بتطبيق شرع اللـه على الأرض بلا تفريق بين أبيض وأسود ولا بين قوي وضعيف ولا بين حاكم ومحكوم، فالكل سواء خاضع لشرع اللـه.
فالضلال والتضليل، والظلم والظلمات، والفسـاد والإفساد الذي هيمن على الكرة الأرضية لا سبيل للتخلص منه إلا عن طريق دولة الخلافة التي تطبق هدى اللـه ونوره وعدله في الأرض، وتحمله مشعل هداية للحلبة الدولية بالدعوة والجهاد. إن الحلبة الدولية تسيطر عليها وتشرف على التأثير فيها الدول الكبرى، ولا سيما الدولة الأولى في العالم.
وبعد الحرب العالمية الثانية خرجت أمريكا من عزلتها واندفعت تشارك في شؤون العالم، وتصدرت مركز الدولة الأولى، وأبقت على إنجلترا وفرنسا دولتين كبيرتين من أجل تسخيرهما ضد منافسها الرئيسي الاتحاد السوفييتي الذي كان يملك قوة عالمية تتمثل بالمبدأ الشيوعي، ثم بعد اتفاق الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة سنة 1961 سقطت كل من إنجلترا وفرنسا عن اعتبارهما دولة كبيرة، وبذلك صار في العالم دولتان كبريان هما: الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وبعد تبخر الشيوعية من المسرح الداخلي للاتحاد السوفياتي وتفككه، ظلت أمريكا في مركزها الدولي من كونها الدولة الأولى، ولكنها أضحت بلا مزاحم ولا منافس على هذا المركز، ولم تعد روسيا دولة كبرى لأنها تخلت عن القوة العالمية على الجبهتين الداخلية والخارجية، وأضحت دولة تملك قوة ذاتية كبرى قابلة للانهيار.
وأمريكا هي التي تصدر السموم القاتلة للعالم، وتجعل شعوبه تعيش في دوامة من المشاكل كي تتمكن هي من إحكام قبضتها على العالم. والذي يمكنها من التأثير في الحلبة الدولية هو الاستعمار الجديد، فهو مصدر قوتها وأساس من الأسس التي تسهم في قدرتها على التأثير، فإذا ذهب الاستعمار الجديد، وضربت الفكرة الرأسمالية ضربة قاتلة، وتبخرت هيئة الأمم وفروعها، والمؤسسات الإقليمية والمحلية، وسحق العملاء وأغلقت السفارات والشركات، فقد هوت قواها وصارت دولة ثانوية في هذا العالم بل سوف يجري ضمها إلى دولة الخلافة بإذن اللـه. والتأثير في الحلبة الدولية يعتمد على قوتين الأولى: القوة الذاتية الكبرى وهي القوة التي ترهب الخصوم والأعداء، وتردعهم عن التفكير في محاربة الدولة، والثانية وهي الأصل والأساس: القوة العالمية التي توجد المصالح العالمية وتؤثر في سير الأحداث العالمية، وفي أفكار الشعوب ونمط عيشهم وطراز حياتهم، وفي سياسات الحكام والدول، والقوة العالمية تتمثل بالمبدأ بفكرته وطريقته، فتجسيد هذه القوة على الحلبة الدولية بفكرتها وطريقـتـهـا، هو الذي يجعل الدولة دولة كبرى. وعليه فحتى تتمكن دولة الخلافة من التأثير في الحلبة الدولية، يجب عليها توحيد كيانها وبناء قوتها الذاتية الكبرى، وأن تعمل على تجسيد قوتها العالمية في المجال الدولي. وهذا يحتم عليها مواجهة القوة العالمية التي تؤثر في المسرح الدولي من أجل تحطيمها ومحو أثرها، المتمثل بالقوة الرأسمالية، وضرب أفكارها الأساسية وطريقتها الاستعمارية في كل مكان، وكشف مخططاتها وأساليبها ووسائلها والعمل على مواجهتها أو احتوائها أو تمييعها أو تجميدها، كما لا بد أن تعمل على جر الدول غير الاستعمارية وغير الطامعة في بلاد الإسلام إلى جانبها، فتقوّي علاقاتها معها وبالمقابل تضعف علاقات هذه الدول بأمريكا ومن يساندها، وهذا يتطلب إماطة اللثام عن الوجه الأمريكي البشع، وإبراز حقيقتها من أنها دولة إرهابية استعمارية، وأنها تصنع الأزمات والفتن والقلاقل والحروب والاضطرابات في إفريقيا وآسيا والعالم أجمع، فالطريق الصحيح نحو الحلبة الدولية هو مواجهة وتهديد المصالح والأهداف الرأسمالية، ومواجهة أو احتواء أو تمييع أو تجميد المصالح الحيوية والهامة والثانوية للدولة الأولى، بعد بناء القوة الذاتية الكبرى، وهذا الطريق هو السبيل الفعّال وهو سبيل الإسلام لجعل دولة الخلافة دولة مؤثرة في الحلبة الدولية، وهذا الأمر يتطلب الاستعداد للقتال بل يتطلب في أغلب الأحيان البدء بالقتال والجهاد، لأن الجهاد هو الطريق الشرعي لتجسيد القوة الإسلامية العالمية في الحلبة الدولية، وهو الطريق الذي يوجد المصالح ويحقق الغايات، ويوسع الدولة وينشر الدعوة ويرسخ الهيبة للدولة ويبرز قوتها.
قال رسـول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسـلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتـى يشـهـدوا أن لا إله إلا اللـه، وأن محمداً رسـول اللـه، ويقيـمـوا الصـلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللـه»
أبو محمود – فلسطين
2016-10-19