الوضع السياسي في تركيا
2016/10/18م
المقالات
1,829 زيارة
الوضع السياسي في تركيا
بقلم: أحمد سيف الإسلام
أنقرة في 29/07/1997
إن التطورات السياسية في تركيا تجري على الشكل الذي سَـنُبَيِّـنُهُ، فالأطراف المعنية في الصراعات بدأت تظهر أكثر وضوحاً. وإذا ما نظرنا إلى التطورات الجارية على الساحة الداخلية نجدها تتكون من الأحداث التالية:
-
تغيُّر الحكومة.
-
الصراع الدائر بين الجيش والبوليس وجَمْعُهما المعلومات الاستخباراتية عن بعضهما.
-
الاضـطـرابـات الداخـليـة علـى كافة مستويات شرائح المجتمع.
-
تدخل الجيش علناً بسياسة البلاد.
أما التـطـورات عـلـى السـاحـة الـخـارجـية فهي كما يلي:
-
العلاقات التركية – الأميركية.
-
التعاون العسكري الاسـتـراتـيـجـي بيـن تركـيا وإسرائيل.
-
توتر العلاقات السورية – التركية.
-
العلاقات التركية – اليونانية.
-
أزمة قبرص.
الأحداث الجارية على الساحة الداخلية: كما أشرنا سابقاً فإن الصراع الداخلي يجري بين طرفين أحدهما يُطلَق عليه اسم «أهل القوة والسلطة» وهم عبارة عن حفنة من الكماليين والعلمانيين الذين يتحكمون بالجيش، والطرف الآخر ما يسمى بـ«العصابات» التي استطاعت أن تنفذ إلى بعض المؤسسات الحيوية في الدولة كجهاز الأمن والبوليس والتي تعمل لصالح أميركا. ويمكن ملاحظة هذا الصراع في الأمور التالية:
-
المجلس: تانسو شيلر وحاشيتها هي التي تمثل الخط الأميركي في المجلس. ففي الآونة الأخيرة (السنوات الخمس الماضية) سعت أن تكون داخل تشكيلة الحكومة حتى تسنى لها دعم «العصابات» من خلال استغلال إمكانيات الدولة بالإضافة إلى تحقيق مصـالحها الشخصية. والذي كان يوفّر لها هذه الإمكانيات تفوّقُ حزبـها العددي في البرلمان إضافة إلى سياساتـها الخارجية.
بالرغم من تشـكيـل نجم الدين أربكان الحكومة الائتلافية السابقة مع شيلر ودعمه لها فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه أصبح يتبع الخط الأميركي. ومن الوارد أن يتظاهر بذلك لإحباط المخطط الأميركي(1). ولقد حرصت شيلر على أن تكون رئيسة للوزراء في هذا العام، والسبب في ذلك إحالة بعض الجنرالات إلى التقاعد قبل عقد الشورى العسكرية العليا في 1/8. والهدف من ذلك إيجاد اضطرابات داخل الجيش وإبعاد الجنـرالات الذيـن لهم دور فعال من خلال إحالتهم على التقاعد.
فالجنرالات الذين يحيلهم رئيس الوزراء على التقاعد بموجب الصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها إذا ما واجهت رفض توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الأركان العامة فإن هذا سيؤدي إلى وقوع مواجهة واضطرابات بين من سيتم تقاعدهم ومن سيتم تعيينهُمْ، وهذا ما تريد أميركا فعله. وقد صرحت شيلر علناً بذلك لوسائل الإعلام، فقد نشرت صحيفة الصباح حواراً جرى في شهر مارس الماضي بين مساعد رئيس الوزراء تانسو شيلر ورئيس الأركان العامة حقي قرداي جاء فيها: قرداي مخاطباً شيلر: إذا قررت مغادرة تركيا يمكننا مساعدتها. فتجيبه شيلر: ونحن نفكر في إحالة بعض الجنرالات إلى التقاعد. فيرد عليها قره داي غاضباً: إذا كان بوسعك عمل ذلك فافعلي. ثم تجيبه قائلة: «السيد قره داي، إن تركيا في مرحلة صعبة فأرجو أن تعتبر هذا اللقاء لم يجرِ. فما كان من قره داي إلاّ أن قال لها: هذا اللقاء تم بالفعل وتم تسجيله».
بعد فترة قام دميرال بإطلاع وسائل الإعلام عن فحوى هذا اللقاء، وهو كاف لتصوير الواقع المزري. والتطورات التي جرت أخيراً على الساحة الداخلية بسبب الصراع السياسي المستمر جعل أمر تغيير الحكومة أمراً لا مناص منه. حيث تم إجبار الحكومة على الاستقالة من خلال اللعب بورقة «الانقلاب». وبالرغم من الأغلبية الكافية التي تتمتع بها شيلر فإن مهمة تشكيل الحكومة أعطيت لمسعود يلماز، مخالفين بذلك حتى الأسس الديمقراطية. وباتباع سياسة الترغيب والترهيب أخذ عدد أعضاء حزب الطريق الصحيح – حزب تانسو شيلر – بالنزول. وبسبب هذا النزول حصل يلماز على ثقة البرلمان. وقد صرح ايواز كوك دمر – أحد المقربين من شيلر – في الوقت الذي كانت الحكومة تعلن برنامجها قائلاً: «ألم يرسلكم الجيش؟». كما أن لشيلر تصريحات مماثلة إذ تقول: «الجيش يعمل على إرعاب أتباعي» وتقول أيضاً «بعضهم يفضل الاحتماء وراء الجيش».
الحكومة الحالية تعكس رغبة الجيش تماماً. فهي تتألف من حزب الوطن الأم وحزب اليسار الديمقراطي وحزب تركيا الديمقراطي بالإضافة إلى دعم حزب الشعب الجمهوري من الخارج. كما أنها لا تعتبر حكومة مستقرة وقد يكون عمرها قصيراً جداً ينتهي بإجراء انتخابات عامة في ربيع العام القادم، وهذا ما يريده حزب الشعب الجمهوري (CHP). وقد تعمل على إنهاء الحياة السياسية لشيلر في وقت قريب.
-
الصراع بين الجيش والبوليس وسعي كل واحد منهما في إنهاء الآخر وجمع المعلومات الاستخباراتية. ففي الشهر الماضي رُفِعَت دعوة ضد بلنت أوراك أوغلو وكيل رئيس دائرة استخبارات جهاز الأمن بحجة تنصّته على بعض الجنرالات. أعقبها تصريح لوزيرة الداخلية السابقة مرال أكشنر – من حزب الطريق الصحيح – ادَّعت فيه أن أوراك أوغلو قام بواجبه الرسمي حيث رَصَد معلومات تفيد عن قيام بعض الجنرالات بمحاولة انقلاب وأحيل هذا التقرير لرئيسة الوزراء. تبع ذلك اتهام رئاسة الأركان العامة شيلر بالعمل لحساب الـ «CIA» ورفع قضية ضدها لدى محكمة أمن الدولة، الأمر الذي دفع بعض عملاء أميركا إلى تهديد العسكر بنشر كاسيت بصوت جنرال رفيع المستوى في حديث له مع عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، أعقبها تهديدات لوزير الداخلية ومدير الأمن العام السابق محمد آغار بتسريب معلومات خطيرة في حالة استمرار اتهامه وشيلر بالعمالة. ما دفع المدعي العام العسكري ومدعي محكمة أمن الدولة العام إلى إبطال الدعوة بحجة عدم توفر الأدلة الكافية لرئاسة الأركان العامة في اتهام شيلر بالعمالة!.
-
الازدياد الملحوظ في الاضطرابات الداخلية بين كافة شرائح المجتمع، ومن أبرز العوامل التي أدت إلى ذلك إصدار قانون التعليم مؤخراً الذي يلزم طلبة المراحل الابتدائية دراسة ثماني سنوات بدل خمس، وقد يؤدي هذا الأمر إلى حرب داخلية مسلحة. ويلاحظ انتشار فكرة حمل السلاح بين الجماعات الإسلامية وأصحاب الطرق الصوفية، علماً أنهم لم يحددوا من الخصم وضد من سيُحمل السلاح. والقـول بـأن أميـركـا هـي التـي أخـرجت هذا السيناريو أمرٌ لا ريب فيه. فهي تبغي من ذلك إنهاك الجيش وإضعافه وإذلاله حتى يتسنَّى لها التحكم به.
-
تدخل الجيش علناً بسياسة البلاد. وهذا شيءٌ ليس بجديد فإن الذي يحكم البلاد هو ما يسمى بـ «مجلس الأمن القومي» ووجود مجلس البرلمان والحكومة شكلي ليس إلاّ. وعندما يشعر الجيش بالخطورة على نفسه يقوم بالانقلاب لإحكام قبضته على الأمور كما حصل في الأعوام 1960، 1971، 1980. إلا أنه بعد أحداث عام 1990 فإن كل الدلائل تشير إلى أن القيام بعملية انقلاب ليس سهلاً. وللحفاظ على مصالحهم ونظامهم فإن حفنة العلمانيين المتحكمة بالجيش قامت بوضع برامج وخطط أطلق عليها اسم «مخطط العام2010»، ويسعى هذا المخطط في تحقيق أهداف معينة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. ويمكن تلخيص ذلك في:
أ) المجال السياسي: منع أي عمل يهدد النظام العلماني وزبانيته للخطر. ولهذا الغرض استحدثوا ما يُسمى بـ «هيئة دائرة الأزمات»، وقد وضعت هذه الهيئة تحت تصرف السكرتيرية العامة لمجلس الأمن القومي أي تحت تصـرف إحـدى الـجنرالات. علماً أن أربكان هو الذي صادق على تشكيلها في 31/1/1997. ولهذه الهيئة صلاحية التدخل في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى المناخية، أما مجلس البرلمان والحكومة فيبقيان على ما هما عليه.
وإذا نجحوا في إضفاء الصبغة الدستورية على هذه الهيئة فبإمكانهم تغيير بعض الحالات في الدستور والنظام ضمن الوسائل الديمقراطية بغض النظر عن وضع الأحزاب السياسية في البرلمان. عندها يكون لها حق إيقاف أعمال المجلس والحكومة لما لها من صلاحيات دستورية. أي بعبارة أخرى يقوم بعملية انقلاب دون أن يريق قطرة دم واحدة. وهذا يعني تحكمه بالأمور من خلال «هيئة دائرة الأزمات» عن بُعْد، الأمر الذي يجعل الجيش يضفي الصبغة الدستورية عليها.
ب) المجال الاجتماعي: إحصاء عدد السكان بشكل دقيق لإحكام السيطرة عليه، ولهذا السبب سيتم قريباً تعداد السكان، حتى يتسنى لهم القضاء على أي تهديد يحدق بهم وبنظامهم العلماني. ولهذا الغرض تم تشكيل ما يسمى «فرقة شؤون الغرب» وهذه أيضاً يسعى الجيش في إضفاء الصبغة الدستورية عليها. علاوة على ذلك فإنهم استحدثوا ما يسمى «مشروع التعليم الإلزامي» وزيادته إلى ثمان بدل خمس سنوات. والغرض من ذلك حرمان الطلاب من حصولهم على التعليم الديني والقرآن. والهدف الذي تطمح إلى تحقيقه حفنة الكماليين هو: إذا حُرِم الطالب من التعليم الديني إلى أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره فإن الخطر المحدق بالعلمانية يزول. أي بعبارة أخرى تجريد الشباب من مشاعرهم الإسلامية.
ج) المجال الاقتصادي: يوجد مبلغ 2.5-3 كاتريليون ليرة (3.000.000.000.000.000) أي ما يعادل (20) ألف مليون دولار تقريباً خارج سيطرة الدولة. حيث يجري إحصاء ثروات بعض الجمعيات والشركات الضخمة وإيداعها رسمياً في إحدى الحسابات، وهذا يوفر للدولة مورداً مالياً كبيراً. وبهذا الشكل يتم قطع الطريق على أي تهديد للعلمانية من الناحية المادية. ويطمح أصـحـاب السـلطـة فـي تسـديـد ديـونـها الخارجية بحلول العام 2010 إلا أنه لا توجد خطوة جدية بهذا الصدد.
د) المجال العسكري: حيث يسعى الجيش في إنشاء مؤسسة عسكرية محلية. ولهذا الغرض فإن العمل على توفير الوسائل المادية والتقنية قائم على قدم وساق. ولهذا الغرض قامت تركيا – وكما هو معلوم – بعقد عدة اتفاقيات تعاون مع إسرائيل، ولانعدام الوعي السياسي فإنهم لا يدركون أن إسرائيل لا تريد ذلك إطلاقاً، فإن أول من سيخل بهذه الاتفاقيات هو إسرائيل فإسرائيل لها أطماع توسعية في تركيا، هذا فضلاً عن أنها تعتبر شعب تركيا المسلم عدواً لدوداً لها.
هـ) وأخيراً المجال الأمني: في هذا المجال يسعى أصحاب القوة والنفوذ إلى ربط وإلحاق البوليس وجهاز الأمن وكافة الوحدات الاستخباراتية بالجيش، وهذا يتطلّب تغييرات دستورية. وبذلك يضع حدّاً للتكتلات أو تشكيل «العصابات» داخل جهاز البوليس من ناحية، ومن ناحية أخرى يقطع الطريق على البوليس أو جهاز الأمن في أن يشكل خطراً على النظام في المستقبل.
هذه بعض الملاحظات التي اشتملت على ما يسمى بـ «مخطط العام 2010» والذي من المتوقع أن يكثر الحديث عنه في الأيام القادمة. إن ثلة العصابة الكمالية العلمانية يريدون من وراء هذه المخططات الحفاظ على نظامهم وأنفسهم. فهل ينجحون في تحقيق ذلك؟ هذا ما ستظهره الأيام. والمراقب للأحداث يجد أن الجيش في الآونة الأخيرة بدأ يتدخل في رسم سياسة البلاد علناً.
التطورات على الساحة الخارجية
-
العلاقات الأميركية التركية ليست جيدة، وقد وصلت إلى طريق مسدود بخصوص سياسات الأولى حيال الشرق الأوسط. فأميركا تسعى في إقناع السلطة في تركيا بالتعاون معها في هذا المجال من خلال تقديم بعض المغريات في منطقة آسيا الوسطى. فهي تطلب من تركيا تقديم الدعم اللازم لإسقاط الحكم في العراق(2) من جهة وعدم التعاون مع إسرائيل وممارسة الضغوط عليها كي تنسحب من هضبة الجولان التي تصر أميركا على أخذها. إلاّ أن تركيا رفضت التعاون مع أميركا بحجة أن هذه المخططات تشكل خطراً عليها. إذ إن إنكلترا وبعض دول أوروبا سبق لها وهددت تركيا بتقسيمها إذا فعلت ذلك. الأمر الذي كان سبباً في توتر العلاقات التركية الأميركية. من ناحيتها فقد قامت أميركا إثر ذلك بتحذير تركيا ووجهت لها هذه الرسالة «اختاري التعاون معي أو الموت» وفرضت ضمناً حصاراً عسكرياً واقتصادياً عليها وقامت بزيادة حدة الصراع السياسي، وامتنعت عن إرسال السفن الحربية وطائرات الكوبرا العمودية بالرغم من تسديد ثمنها، وفي هذه الأيام تلوِّح أميركا بإمكانية إرسالها وهذا لا يدل على تحسن العلاقات بينهما لأن مسألة الطائرات العمودية والسفن الحربية ليست السبب في توتر العلاقات وإنما هي حالات وأغلب الظن فإن السبب وراء هذه التصريحات أمران:
-
أ. من المرجح أن تقوم تركيا في العام القادم بشراء ما قيمته (10) آلاف مليون دولار من الأسلحة خدمة لمشروع الصناعات العسكرية المحلية. وبحجة حجز أميركا للسفن والطائرات العمودية فإن تركيا لم توجه الدعوة لتجار السـلاح الأمـيـركـيـين. الأمر الذي دفع بتجار السلاح الأميركيين إلـى مـمـارسة ضـغـوط علـى الإدارة الأمـيـركـيـة فـي إرسال السفن والطائرات.
-
ب.والأمر الآخر الوارد هو وجـود تقارب ملحوظ في العلاقات التركية اليونانية وبمجيء السفن هذه ربما يقوم بعض الضباط الموالين لأميركا بتصعيد التوتر بين البلدين للحد من عملية التقارب هذه.
إن العلاقات الأميركية التركية تسير في مسار قد يؤدي إلى نشوب صراع نهائي. فرفع رئاسة الأركان العامة دعوة ضد شيلر وغيرها واتهامهم بالعمل لحساب CIA خير دليل على ذلك.
العلاقات التركية – الإسرائيلية في تطور مستمر وقد تم عقد عدة اتفاقيات تعاون استراتيجية في المجالات العسكرية، وهذا جعل كلاً من تركيا وإسرائيل أكثر صلابة أمام الضغوط الأميركية. إلاّ أن اتفاقيات من هذا النوع أدّى إلى تولد ظاهرة التجمعات الإقليمية. فقد قامت كلٌّ من سوريا ومصر بعقد اتفاقيات مماثلة، وسوريا على وشك أن تعقد مثيلتها مع إيران. وبالرغم من قطع العلاقات بين مصر وإيران فإنه تم مؤخراً الحديث عن مسودة لاتفاق عسكري. بالإضافة إلى عقد مصر اتفاقية تعاون في المجالات العسكرية مع السعودية. وأخيراً تم إجراء محادثات بين السعودية وإيران لنفس الغرض. وقد صرح وزير الخارجية الإيراني ولايتي لأحد المسؤولين السعوديين رفيعي المستوى في زيارة الثاني للأول في الأسبوع الماضـي قـال فيها: «إن التطـورات والأحـداث السياسية الأخيرة التي تجري على الساحة تجعل عملية تقاربنا أمراً لا مفر منه». وبهذا يكون قد تكون معسكر أميركي في المنطقة مقابل المعسكر (التركي – الإسرائيلي ومن ورائه العراق(3) والأردن) الذي لا شكمن وقوف الإنكليز وراءه.
إن عملية التقارب لأصحاب السلطة في تركيا من إسرائيل يعتبر خطأً فادحاً. فإسرائيل قد تتستَّر تحت غطاء الاتفاق وتضرب سوريا مما سيجعل تركيا تضطر إلى أن تدخل الحرب بجانب إسرائيل وقد يكون هذا نهايتهم.
-
توتر العلاقات السورية – التركية: بدأت هذه العلاقات بالتوتر خصوصاً بعد الاتفاقيات التي عقدتها تركيا مع إسرائيل. وقد تضايقت سوريا – وما زالت – من هذا التعاون المريب، الأمر الذي دفع بسوريا إلى عقد اتفاقيات مماثلة مع مصر وإيران وراحت تحسـن علاقـاتها مع العراق. كما أن دخول الجيش التركي في شمال العراق كان من أهم الأمور التي أزعجت سوريا.
-
العلاقات اليونانية – التركية: لقد حسَّنت اليونان علاقاتها مع تركيا في عهد سميتس -رئيس الوزراء – بسبب ضغوط الدول الأوروبية. كما أن المسؤولين الأتراك يودّون ذلك. إلاّ أن بعض الضـباط والجنرالات اليونان – ذوي الاتجاه الأميركي – يعملون دائماً على توتير العلاقات. فأميركا – ولمصالحها الشخصية – تضغط على تركيا من خلال تهديدها بوقوع حرب مع اليونان لإرغام تركيا على قبول الحلول الأميركية المتعلقة بأزمة قبرص.
-
أزمة قبرص: لقد أعلنت أميركا أن عام 1997 سيكون عام حل لأزمة قبرص. وقد هيأت الأجواء لذلك في الأمم المتحدة وبقية المحافل الدولية. وقد عيَّن كلينتون هولبروك (وهو يهودي) الذي يسمى بصانع السلام في البوسنة عيّنه مسؤولاً عن المحادثات الجارية حول موضوع قبرص. وقد أعلنت أميركا نفسها طرفاً في القضية من خلال أنشطتها في مجال إحلال السلام بجانب الأمم المتحدة، وقد أصبحت طرفاً رسمياً لا بد من وجوده لحل الأزمة. وبهذا أصبحت أميركا تهدد كلا الطرفين الشمالي والجنوبي إذا استدعى الأمر لكي يجلسوا على مائدة المفاوضات. ومؤخراً جرت محادثات لحل الأزمة في واشنطن بين زعيم القبارصة اليونان كليريوس وزعيم القبارصة الأتراك رؤوف دنكتاش. وهي عبارة عن محادثات أولية تـمـهـيداً للمحادثات الرسمية التي من المقرر عقدها في جنيف في الأشهر القادمة. وقد كانت أميركا تلعب دور الراعي في هذه المحادثات. وفي الوقت الذي غادر كلٌّ من الزعيمين واشنطن أدلت المجموعة الأوروبية في مدريد بتصريح ينص على موافقة الـمجموعة على ضم الجزء اليوناني إلى عضويتها في العام 1998، ولم يرد ذكرٌ لتركيا والجزء التركي من الجزيرة. فما كان من رؤوف دنكتاش إلا أن صرح بأن لا معنى لمحادثات السلام هذه، إلى درجة أنه لم يستبعد عدم ذهابه إلى محادثات جنيف. من ناحيتها صرحت تركيا بأنه في حالة ضم الجزء اليوناني إلى المجموعة الأوروبية فإنها – أي تركيا – ستقوم بوحدة مع الجزء الشمالي من الجزيرة. وبهذا تم إحباط المخطط الأميركي حول جزيرة قبرص.
وخلاصة الأزمة القبرصية تتمثل في سعي أميركا إلى مغادرة كافة القوات الأجنبية الجزيرة – وعلى رأسها القواعد الإنكليزية – وتفريغها من السلاح، وتريد بسط نفوذها العسكري في الجزيرة على المدى المتوسط. أما إنكلترا والمجموعة الأوروبية فيفضلون الوضع الحالي. أما تركيا فإنها تميل إلى الخط الأوروبي.
الهوامش:
(1) «الوعـي»: الأمـر الراجـح جـداً أن أربكان تـحـوّل من عمالته للإنجليز إلى عمالته للأميركان في السنوات القليلة الماضية.
(2) «الوعـي»: أميركا تتـظـاهـر بالعـمـل علـى إسـقاط صدّام، وفي الحقيقة هي أبقت عليه في الحكم لاسـتـعـمـالـه فـزاعة لتخويف دول الخليج لإبقائها تحت الحماية الأميركية.
(3) «الوعـي»: صحيح أن عراق صدّام يسير مع المحور الإنجليزي، ولكن هناك محاولات وإغراءات قوية الآن من جماعة أميركا لاستقطابه إلى المحور الأميركي. وقد ينتقل لأنه سبق له أن انتقل غير مرّة.
2016-10-18