عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في عام الرمادة: ثبات القائد وحسن تدبيره يعين الأمة على تجاوز الأزمات والشدائد
2008/09/28م
المقالات
8,311 زيارة
عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في عام الرمادة:
ثبات القائد وحسن تدبيره يعين الأمة على تجاوز الأزمات والشدائد
لقد ابتلي المسلمون بالهيمنة الغربية على بلادهم التي تنهب ثرواتهم، وتجعلهم يعيشون حياة الذل والهوان، والخوف على الأرزاق والأعناق، ويكابدون ظلم النظام الاقتصادي للمبدأ الرأسمالي المفروض عليهم. ومن أهم ما ابتلوا به هذه الأيام، والأيام القادمة، هي غلاء الأسعار نقص المواد… أزمة تضاف إلى أزمات الأمة الحادة التي تعاني منها، ويتوقع لها أن تتفاقم يوماً بعد يوم. فكيف فيتوقع أن يكون حال المسلمين في ظل هذه الأزمة؟ وكيف يتوقع أن يكون موقف حكامهم المفروضين عليهم، الذين يتعاملون معهم عادة كأعداء لا كرعاة.
يتوقع من المسلمين أن يقيموا التظاهرات، ويطالبوا بخفض الأسعار، ويهاجموا الأنظمة الحاكمة بالشعارات… ويتوقع من الحكام الذين أنهكوا البلاد والعباد من قبل، والذين لا يملكون حلاً، أن يعيدوا فرق مكافحة الشغب لمواجهة المتظاهرين، وأن يتهموا ربما القاعدة أنها تحاول استغلال الأوضاع الاقتصادية لتحقيق أهدافها الإرهابية، ولن يتوقع منهم أبداً أن يفتشوا عن حلول حقيقية لمواجهة هذه الأزمة لأنهم لا يملكونها.
لقد حدثت زمن الخلافة الراشدة الأولى أن ألمت بالمدينة مجاعة زمن سيدنا عمر (رضي الله عنه)، فكيف تصرف هذا الخليفة الراشد؟ وكيف دبر أمر أمته؟ لنعرف ويعرف المسلمون جميعهم معنا كيف سيتصرف الخليفة الراشد زمن الخلافة الراشدة الثانية الموعودة قريباً بإذن الله تعالى، وليعرف المسلمون جميعاً أنه لن يحفظ لهم دينهم وأرواحهم وكراماتهم وأرزاقهم إلا خليفة راشد يحنو عليهم كأب كما فعل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عام الرمادة.
لقد اسودت الأرض من قلة المطر، حتى أصبح لونها شبيهاً بالرماد، أو أن ألوان الناس من شدة الجوع أضحت كالرماد. فقد أخرج الطبري من خبر عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: «كانت الرمادة جوعاً شديداً أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر».
وقال الحافظ ابن كثير: «إن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة، فلم يجد أحداً يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلاً يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إن السؤَّال سألوا فلم يعطوا، فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون».
و تجمّع بالمدينة من غير أهلها حوالى ستين ألفاً من العرب، وبقوا عدة أشهر ليس لهم طعام إلا ما يقدم لهم من بيت مال المسلمين، ومن أهل المدينة.
فكيف كان تصرف الخليفة عمر (رضي الله عنه) للحد من خطر تلك المجاعة؟
لقد اتخذ عمر (رضي الله عنه) العديد من التدبيرات الحازمة، ووقف مواقف كريمة نبيلة نذكر منها:
الدعاء والتضرع والابتهال
فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: «كان عمر بن الخطاب أحدث في عام الرمادة أمراً ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب، فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: “اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي”».
الاستسقاء
روى الطبراني بسنده إلى أنس: «أن عمر خرج يستسقي، وخرج بالعباس معه يستسقي بقوله: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا توسلنا إليك بنبينا فتسقنا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا؛ قال: فيُسقون».
اعتماده بعد الله على موارد بيت المال وما عند أهل المدينة
قال الحافظ ابن كثير، رحمه الله، وهو يؤرخ لعام الرمادة: «كان عام الرمادة جدب عم أرض الحجاز، وجاع الناس جوعاً شديداً.. وجفلت الأحياء إلى المدينة، ولم يبق عند أحد منهم زاد، فلجأوا إلى أمير المؤمنين، فأنفق فيهم من حواصل بيت المال، مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفده».
تدبير عمر وإشرافه وقيامه بنفسه على غوث الملهوفين
عن أبي هريرة أنه رأى عمر عام الرمادة يحمل على ظهره جرابين، وعكة زيت، وأنه ليعتقب هو وأسلم، قال: فلما رأيته أخذت أعقبه، فحملنا حتى انتهينا إلى صرار، فإذا صرم نحو عشرين بيتاً من محارب، فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد.. فرأيت عمر طرح رداءه ثم ائتزر، فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا، وأرسل إلى المدينة، وجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبانة، ثم كساهم، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم.
مواساته للرعية في هذه المجاعة
وخرّج ابن سعد من خبر عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: «كان زمان الرمادة إذا أمسى أتي بخبز قد سرد بالزيت، إلى أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً فأطعمها الناس، وغرفوا له طيبها، فأتي به، فإذا فدر من سنام ومن كبد، فقال: أنى هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، من الجزور التي نحرنا اليوم؛ قال: بخٍ بخٍ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها، ارفع هذه الجفنة، هات لنا غير هذا الطعام؛ قال: فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسر بيده، ويثرد ذلك الخبز، ثم قال: ويحك يا يرفأ! احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت يثمغ، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام، فأحسبهم مقفرين، فضعها بين أيديهم».
هكذا يكون تصرف الخليفة الراشد، لقد صدق فيه قول علي (رضي الله عنه) عندما قال له: «عففت فعفوا يا أمير المؤمنين، ولو رتعت لرتعوا».
طلب الغوث من الأمصار – الأقاليم
عندما نفدت موارد بيت المال، ونفد ما عند أهل المدينة، لجأ عمر (رضي الله عنه) إلى طلب العون من عماله، فكتب إلى أمراء الأمصار أن أغيثوا أهل المدينة ومن حولها، فإنه قد بلغ جهدهم.
قال سيف بن عمر: «كتب عمر إلى أمراء الأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها، فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة بن الجراح في أربعة آلاف راحلة من طعام»، وروى ابن كثير: «فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لأمة محمد، وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر: يا غوثاه لأمة محمد، فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات، ووصلت ميرة عمرو في البحر إلى جدة، ومن جدة إلى مكة» هذه هي حال الخلافة الراشدة التي تجمع المسلمين كلهم في بلاد واحدة يجير فيها أدناهم أقصاهم.
فمن نستجدي هذه الأيام وبلاد المسلمين ممزقة وتفصل بينها السدود والحدود، فكم نحن بحاجة إلى خليفة راشد كعمر (رضي الله عنه) يحل لنا جميع مشاكلنا ويرعى شؤوننا بالإسلام كما أخبر (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما الإمام جنة، يقاتل من ورائه ويتقى به» وكم نحن بحاجة لوحدة المسلمين في دولة خلافة راشدة تطبق الإسلام وتحمله للبشرية رسالة هدى ونور، خيراتها واحدة، ومنهجها واحد، وقائدها واحد، ينطبق علينا فيها وصف الحبيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
إذا أردنا أن نحقق ذلك فما علينا إلا أن نعمل بكل جد ونشاط وبأقصى طاقة ملتزمين الطريقة الشرعية لتحقيق ذلك وإقامة دولة الإسلام الراشدة الثانية.
واللهَ نسألُ أن يحفظ علينا ديننا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، والكوارث، والزلازل، والمحن، وأن يخلصنا من هؤلاء الحكام الرويبضات الذين لم تحلَّ على الأمة منهم إلا النِّقم، وأن يقيم فينا خلفاء راشدين تستجلب بهم النِّعم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على إمام الهدى، وخاتم الأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأوفياء، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا منهم.
عمر أبو أحمد – غزة
2008-09-28