لقاء عرفات ـ رابين في القاهرة
1993/12/28م
المقالات
2,059 زيارة
أوردت إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم 1/10/1993 نص الحوار الذي دار بين ياسر عرفات واسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال لقائهما في القاهرة بتاريخ 06/10/1993. وقد كشف الحوار جملة من القضايا الخطيرة التي تتعلق بحقيقة اتفاق غزة ـ أريحا كما كشف حجم الخداع الذي تمارسه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ونورد فيما يلي مقتطفات من الحوار المذكور الذي استمر ست ساعات:
رابين: لدي معلومات تفيد أن هناك معارضة قوية للاتفاق معنا في صفوف المنظمة بما في ذلك منظمة فتح، والمعلومات المتوفرة لدي مثيرة للقلق وهذا ما دفع بي إلى المطالبة بعقد هذا الاجتماع.
عرفات: أنا لا أنكر بأن هناك معارضة لكنها غير مؤثرة وأنا شخصياً غير قلق إطلاقاً أنا سأعالج الوضع حسب طريقتي فأنا أفهم المعارضة ولدي السبل الكفيلة بمعالجة الوضع(1).
رابين: هناك مسألة هامة بصورة دائمة وهي التصريحات التي تطلقونها بشأن مدينة القدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل، بالنسبة في فإن مدينة القدس ستظل موحدة ولن يعاد تقسيمها، إنها عاصمة دولة إسرائيل.
عرفات: ولكننا اتفقنا على تأجيل بحث مسألة القدس إلى مرحلة لاحقة فهي تدخل في إطار التسوية الدائمة.
رابين: لم أتعهد لكم بتقديم تنازلات في مدنية القدس فهي عاصمة للشعب اليهودي وستظل كذلك إلى الأبد.
عرفات: لكن شعبنا ينظر إلى القدس باعتبارها عاصمة دولته المستقلة دولة فلسطين.
رابين: أنت تدرك جيداً أنه لن تكون هناك دولة مستقلة، وطالما أنه لن تكون هناك دولة فلن تكون هناك عاصمة أيضاً، وهذه مسألة تحدثنا بشأنها كثيراً جداً وقد توصلنا إلى نقاط تفاهم مشتركة.
عرفات: ولكن شعبنا يتطلع لقيام دولة فلسطينية تكون القدس عاصمة لها.
رابين: إن شعبكم يستطيع الاستمرار بالعيش دون أن تكون له دولة مستقلة وأعتقد أنه يتعين عليكم في تونس أن تتوقفوا عن الحديث عن هذه المسائل لأن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة والحديث عن مدينة القدس يثير الغضب والاستياء الشديد عندنا في البلاد.
عرفات: أنا أفهم بالضبط ما تقوله وأعرف ما يدور عندكم في الساحة الإسرائيلية، لكنني بالوقت نفسه لا أستطيع منع الفلسطينيين من الحديث عن دولة فلسطينية والحديث عن مدنية القدس وأن تعرف أن هذه الأشياء حساسة جداً.
رابين: إن الذين يطلقون التصريحات حول الدولة وحول مدينة القدس هو أنت ورفاقك في تونس، وأعتقد أن بإمكانك وقف كل هذا فأنت تطلب من رفاقك الامتناع عن الإدلاء بتصريحات حول المسائل الحساسة جداً التي أشرت إليها.
عرفات: كنت أريد التحدث حول مشكلة السجناء الفلسطينيين، وهذه مشكلة هامة جداً والناس يسألونني عن مصير أبنائهم الموجودين في السجون وأنا أتعهد لهم بالإفراج عنهم.
رابين: أنا أيضاً أريد أن تجد هذه المشكلة حلاً لها، وبالنسبة لي فأنا معني بأن يغادر الجميع السجون في البلاد. لكن هذه أيضاً مسألة حساسة فهناك كثيرون ممن أدينوا بتهم قتل وإصابة مواطنين يهود والمس بممتلكات يهودية، مثل هؤلاء لن يغادروا السجون أبداً لقد حكم عليهم بالسجن الفعلي لسنوات طويلة لأن الحديث يدور عن جرائم قتل وأعمال إرهابية وأعتقد أنه يوجد لدينا عدة آلاف من هؤلاء السجناء الخطرين.
عرفات: حوالي ألف سجين من مختلف الفصائل الفلسطينية.
رابين: إنهم نحو أربعة آلاف سجين خطير لن يغادروا السجون.
عرفات: ومتى سيتم الإفراج عن السجناء الآخرين.
رابين: قريباً جداً سيتم الإفراج عن مجموعة كبيرة منهم.
عرفات: وهل سيعود الجميع إلى بيوتهم في الضفة والقطاع.
رابين: سيكون باستطاعتهم جميعاً أن يعودوا إلى بيوتهم ونريدهم فقط أن يتعهدوا بالتزام الهدوء وعدم العودة إلى الأعمال الإرهابية.
عرفات: نهم أنا أيضاً لا أريدهم أن يعودوا إلى العمل المسلح وعليك أن تطمئن تماماً.
رابين: أستطيع أن أطمئن فقد عندما تنجحون بالسيطرة على الوضع في غزة وأريحا أنا أعتقد أنكم ستواجهون صعوبة.
عرفات: لقد تعهدت لكم من قبل بأننا سننجح بالسيطرة على الوضع ولا تنس أن لدينا جيشاً من رجال الشرطة المدربين جيداً وهذا الجيش سيحافظ على الأمن والنظام.
رابين: أنا أقل ذلك لأنكم إذا ما فشلتم يكون اتفاق الحكم الذاتي المحدود قد فشل ولن يكون بإمكاننا الاعتماد عليكم ولن نبحث معكم شيئاً.
عرفات: اطمئن يا سيد رابين لن تكون هناك مشاكل وأنا أعرف كيف أعالج الوضع لكنني آمل لو أنكم تفرجون عن الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس.
خروج الشيخ ياسين من السجن سيخدم اتفاقنا معكم ونحن بحاجة إلى تحسين علاقاتنا مع حماس وذلك من أجل ضمان الاستقرار والهدوء في مناطق الحكم الذاتي.
رابين: قلت بأننا سنفرج عن سجناء لكنني لم أتعهد بالإفراج عن زعيم حماس وأعتقد أنه من مصلحتنا جميعاً أن يبقى الشيخ داخل السجن.
عرفات: أعتقد أنني سأعود إلى غزة وأريحا في مطلق العام وستكون معي زوجتي سهى ولم أحدد بعد أين سنقيم بصورة دائمة أعتقد أننا سنقيم في المدينتين ويجب أن يكون لنا بيت في غزة وآخر في أريحا.
رابين: إن مسالة عودتك أنت ورفاقك إلى غزة وأريحا لن تكون سهلة لا، يجب أن نبحث هذه المسألة في الحكومة وسأقوم باطلاعك بالنتائج في حينه.
رابين: سيد عرفات أريد التأكيد هنا بأن تصريحاتكم التي تطلقونها تباعاً في تونس تثير غضب واستياء الجميع في البلاد وأرجو أن يكون واضحاً تماماً لكم أن هذه التصريحات تتناقض مع الاتفاق الذي وقعنا عليه، إن القدس هي عاصمة الشعب اليهودي ولن نسمح بأن تصبح هذه المدينة الموحدة أبداً عاصمة عربية.
عرفات: وماذا تريدون منا أن نفعل، هناك شعب فلسطيني يرى بمدينة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية أنا شخصياً في وضع حساس وأنتم تعرفون هذا.
رابين: لكن الحديث يدور عن عاصمة الشعب اليهودي وموقفنا كان ولا يزال واضحاً من هذه المسألة، لن تصبح مدينة القدس عاصمة عربية لن يكون هناك علم عربي فوق القدس، ولن تكون هناك دولة مستقلة. ما أردته من وراء هذا الاجتماع اليوم تبديد الأوهام وهذا هام بالنسبة لنا(2).
عرفات: لقد تحدثنا كثيراً عن موضوع القدس ولنترك الحديث عن هذا الموضوع فأمامنا لقاءات كثيرة قادمة ونحن متفقون على بحث هذه المسألة في المرحلة القادمة في إطار التسوية الدائمة أليس كذلك يا سيد رابين؟
رابين: إن موقفنا واضح تماماً من هذه المسألة ولا أعتقد أن تغييراً قد يطرأ على موقفنا أكان هذا اليوم أو في المرحلة القادمة حسبما تقولون لن نسمح بإعادة تقسيم مدينة القدس، إن هذا لا يمكن أن يحدث ولن أسمح به وهي عاصمتنا وستظل كذلك إلى الأبد.
عرفات: وماذا تريدون مني أن أقول لشعبي؟
رابين: باستطاعتك أن تقول لهم هذه المدينة عاصمة لدولة إسرائيل وأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة، لهذا فإن شعبكم لن يكون بحاجة إلى عاصمة وهذا يعني أن مدينة القدس الموحدة لن تكون عاصمة عربية ولست هنا لكي أرسم لكم حدود الدولة الفلسطينية المستقلة.
عرفات: يبدو لي يا سيد رابين أنك غاضب وأنك تتحدث بعصبية لهذا فإنه سيكون من الصعب علينا أن نبحث الأمور بصورة جادة ومعمقة ومرضية.
رابين: أنا لست بغاضب ولست بعصبي المزاج كما تدعي أنا أتحدث بصورة موزونة وهادئة جداً وكما أشرت فأنا هنا من أجل تبديد الأوهام، الأوهام التي تسيطر عليك أنت ورفاقك في تونس ويجب أن يكون هناك من يوضح لكم الأمور مجدداً لأن التصريحات التي تطلقونها تباعاً تشكل تجاوزاً للاتفاق بيننا وأنا لن أسمح باستمرار هذا.
عرفات: أنا سأعمل على معالجة الأمور على طريقتي وأنا أستطيع أن أقول بأننا متفقون تماماً.
رابين: في كل مرة تدعي بأنك ستعالج الأمور على طريقتك لكنك بالمقابل لا تفعل شيئاً. أنا ورفاقك في تونس تدعون بأن إسرائيل وافقت على عودة نحو مليون فلسطيني ممن تركوا البلاد في حرب الأيام الستة وفي السنوات التي تلت هذه الحرب، ولا أدري من أين حصلتم على هذه المعلومات فأنا رئيس حكومة إسرائيل ليس لدى علم بذلك ولم نبحث مثل هذا الموضوع بالحكومة كما لم أبحثه معكم في المنظمة؟
عرفات: لقد تم بحث هذا الموضوع بين وزير خارجيتكم شمعون بيريز وبين أبو مازن وأعتقد أنهم اتفقوا على نقاط بشأن عودة فلسطينيين إلى الضفة الغربية بما فيها القدس وإلى قطاع غزة ومما لا شك فيه أنك كنت على علم بذلك.
رابين: لم يطلعني أحد على هذا الموضوع وبيريز ليس مخولاً ببحث موضوع عودة الفلسطينيين الذين تركوا البلاد فهذا موضوع هام جداً ويجب طرحه في جلسة الحكومة من أجل مناقشته ولا مجال لطرح الموضوع في هذه المرحلة، وعندما يدور الحديث عن الفلسطينيين الذين تركوا البلاد فنحن لن نسمح بعودة مئات الآلاف منهم حتى ولا إلى المناطق التي سيطبق فيها الحكم الذاتي وليس هناك من حكومة إسرائيلية يمكن أن تسمح بعودة مثل هذه الأعداد الهائلة من الفلسطينيين إلى البلاد.
عرفات: يجب أن يطبق حق العودة للفلسطينيين أيضاً، وهناك ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات وهذه مسألة إنسانية بالدرجة الأولى.
رابين: سيد عرفات، نحن. سنسمح للبعض بالعودة إلى مناطق الضفة والقطاع، لكننا لن نسمح بعودة أحد إلى مدينة القدس وإذا كانت هذه مسألة إنسانية وتحتاج إلى معالجة دائماً فإن أمامكم الدول العربية، ويمكن أن يتم توطين الفلسطينيين في هذه الدول أو في دول معينة، وإذا كانت الدول العربية معنية بمساعدتكم فلا أظن أنها ستعارض هذا، إن هناك مليوناً فلسطينياً وربما أكثر من ذلك يعيشون في الأردن ويمكن أن يكون هناك مليون فلسطيني يعيشون في العراق على سبيل المثال وأعتقد أن هذه المسألة ستجد حلها لاحقاً.
عرفات: صدام حسين لن يوافق على توطين الفلسطينيين في بلاده لأنه سيقول بأنه يوجد للفلسطينيين وطن وعليهم أن يعودوا إلى وطنهم.
رابين: نحن سنسمح بعودة أولئك الذين تم إبعادهم من البلاد وعددهم قد يصل إلى عشرات الآلاف من الأشخاص فقط، وأعتقد أن هذا كل ما يمكننا أن نقدمه لكم على صعيد عودة فلسطينيين، وفيما يتعلق بالفلسطينيين الذين تركوا البلاد بعد حرب التحرير (1948) فهؤلاء جميعاً لن يسمح لهم بالعودة وأعتقد أن هذه الأمور قد تم توضيحها لكم في المحادثات المطلوبة في أوسلو.
عرفات: نعم، نعم لقد تم بحث هذه الأمور في أوسلو لكننا لم نتوصل إلى اتفاق نهائي بشأنها أو أعتقد بأن علينا أن نتباحث في موضوع اللاجئين والنازحين أيضاً، واللجان الإسرائيلية الفلسطينية ستتباحث بهذه المواضيع.
رابين: أنا لا أعتقد هذا، وأنا أحاول أن أقول لك بأن هناك مسائل ننظر إليها بأهمية وأن تكون قابلة للبحث والنقاش ويمكن أن تصرف تعويضات مالية لجميع الذين لن يسمح بعودتهم للبلاد، ويجب أن تحاول مساعدتي حتى لا يكون هناك مأزق خطير يمكن أن يؤدي إلى انهيار كل شيء تقريباً.
عرفات: أنا أحاول مساعدتك وأريد ذلك وأنت تعرف يا سيد رابين موقفي، لقد توصلنا إلى اتفاق ووقعنا عليه ولا يمكننا أن نتراجع ونحن في قيادة المنظمة نتطلع إلى علاقات جيدة وحسنة معكم، علاقات سلام دائم لقد اعترفنا نحن الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بدولة إسرائيل وبحقها بالوجود ضمن حدود آمنة.
رابين: إنني سعيد لأنني اسمع هذه الكلمات يا سيد عرفات، وأعتقد أن علاقاتنا معكم ستكون جيدة موثقية، هي حتماً ستكون جيدة وسنعمل معاً في سبيل مصلحة شعبينا، ويتعين علينا أن نضع نصب أعيننا أن هذا الاتفاق بيننا اتفاق يجب أن ينجح وأن يصمد خاصة وأن هناك كثيرين يتطلعون إلى إفشاله.
عرفات: ونحن أيضاً ملتزمون بكل ما وقعنا عليه وسوف أثبت بأننا نحترم التزاماتنا وتعهداتنا ونحترم كلمتنا.
رابين: إنني آمل ذلك يا سيدي c
(1) إثر عودة عرفات من لقائه مع رابين في القاهرة أوعز بمداهمة منزل هاني الحسن أبرز المعارضين له في حركة فتح، وبالفعل تمت مداهمه منزل الحسن ومصادرة سلاح حراسه واعتقال بعضهم كبادرة حسن نية وتأكيد على التزام عرفات بوعوده لرابين بتحجيم المعارضة داخل فتح. ولا يستبعد أن يكون عرفات وجواسيسه هم الذين يساعدون اليهود على تصفية قادة حماس.
(2) التقى يوسي بيلين نائب وزير الخارجية الإسرائيلي بياسر عرفات في تونس وطلب منه «وقف التصريحات المحرجة للطرفين» وتجنب استخدام تعبير «دولة فلسطين»، وأعلن بيلين في كلمة ألقاها في ندوة عقدت في تل أبيب أنه أوضح لعرفات «أن الكثير من الإسرائيليين يعتبرون مفهوم الدولة الفلسطينية تهديداً لهم، لذا من الأفضل تجنب استعمال هذه العبارة».
1993-12-28