كلمة المحرر:
حضارة الغرب تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة وعن السياسة. وحين احتل الغربيون بلاد المسلمين هدموا الخلافة وأبعدوا الإسلام عن السياسة. ولا تكاد توجد دولة في البلاد الإسلامية إلا وينص دستورها على منع تأسيس أحزاب سياسية على أساس الإسلام. هكذا أراد الغرب وهكذا ينفذ الحكام الذين زرعهم الغرب عملاء له.
الحركات الإسلامية الصوفية يسمحون لها. والحركات الإسلامية التي تكتفي بالدعوة إلى العبادات والأخلاق والمواعظ يسمحون لها. والحركات التي تقوم ببعض النشاطات التربوية أو الخيرية يسمحون لها. والحركات التي توجد الفتن والمشاكل بين المسلمين يسمحون لها ويشجعونها ويستخدمونها.
أما الحركات التي تعمل لإقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ووضع دستور ونظم وقوانين إسلامية… هذه الحركات ممنوعة، وهذا النوع من الإسلام ممنوع، ويسمونه إسلاماً أصوليا وحركات أصولية.
في البلاد الإسلامية وبين الشعوب الإسلامية مسموح للشيوعي والاشتراكي والعلماني والقومي والديمقراطي و… أن يؤسس حزباً سياسياً على أساس إسلامه:
حرامٌ على بلابله الدَّوْحُ === حلالٌ على الطير من كل جِنْسِ
وإن كان الغرب استطاع تضليل المسلمين فترة من الزمن ولكن الزمام أفلت من يدَه ويد عملائه الذين رباهم. والمسلمون يعودون شيئاً فشيئاً إلى الصحوة ليعلموا ويعلنوا ويصدعوا بالأمر: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).
فعاد الغرب وعملاؤه ليبذلوا جهوداً جديدة في صرف المسلمين عن الإسلام السياسي، فنراهم يشجعون الحركات التي تعمل على إحياء علم الكلام والجدال في صفات الخالق، وتكفير من يخالفهم الرأي.
وقد لفت نظرنا الدعايةُ التي تُنشر في المجالس الخاصة لكتاب صدر منذ حوالي سنتين. والكتاب يعتبره مؤلفه أنه قراءة معاصرة للقرآن، أي هو يحاول تفسير كثير من المفاهيم القرآنية تفسيراً يتعارض مع ما هو قطعي الدلالة. والمهم ليس الكتاب أو مؤلف الكتاب بل المهم هو الدعاية والمديح الذي يُكال للكتاب من أوساط لا تمت إلى المفاهيم القرآنية بصلة. فمثلاً هناك نصارى وهناك سياسيون يساريون وهناك حكام علمانيون كل هؤلاء يشيدون بالكتاب. ونحن متأكدون أن غالبية هؤلاء لم يطلعوا عليه بل سمعوا من يمدح ويكلفهم بالمديح فمدحوا. أي أن الموجِّهين للإشادة والمديح وجدوا في الكتاب مادة تصلح لإيقاع فتن بين المسلمين فتشغلهم ببعضهم وتصرفهم عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية.
ومن المهاترات التي يطرحها في الكتاب فكرة “أن العقل الإنساني مصوغ من روح الله”. “وأنه يوجد في الإنسان وليس في الكائنات الحية الأخرى شيء من ذات الله وهو الروح” أي هو يجعل الله قابلاً للتجزئة، فيقول: “إن هناك أمراً مشتركاً بين الله والإنسان هو الروح”.
ومن المهاترات أيضاً أنه يعتبر أن الله لا يَعْلَمُ اللهُ ذلك إلا بعد أن يختار الإنسان أو يفعل. فيقول: “وإذا قلنا الآن إن الله منذ الأزل علم أن أبا بكر سيؤمن وأن أبا جهل سيكفر فهذا عين نقصان المعرفة وليس كمالها. أي أن علم الله يحمل صفة الاحتمال الواحد. ولو كفر أبو بكر وآمن أبو جهل لكانت هذه مفاجأة كبيرة لله تعالى، علماً بأن باب الكفر والإيمان كان مفتوحاً أمام الاثنين على حدٍ سواء”.
وما دام هذا هو الكتاب ومستوى السذاجة أو المهاترة عند مؤلفه فما المقصود عند مختلف الفئات المار ذكرها من المديح والإشادة بالكتاب إلا لإيجاد مادة للفتنة وتيارات فكرية تصرف المسلمين عن فريضة العمل لإيجاد الإسلام في الواقع السياسي؟