وزراء إعلام «كم الأفواه»
2008/04/26م
المقالات
1,553 زيارة
وزراء إعلام «كم الأفواه»
تبنى وزراء الإعلام العرب وثيقة «البث الفضائي» الجديدة في 12/2/2008م في اجتماع استثنائي بمقر الجامعة العربية في القاهرة. وظهر في ثنايا بنود الوثيقة الاثني عشر بشكل جلي بصمات الأنظمة العربية الحاكمة المستبدة، والعمل عبر هذه الوثيقة على حماية نفسها من كل خطر يتهددها نتيجة الانفتاح الإعلامي الموجه وغير البريء والداخل في الصراع الدولي كإحدى أدواته، والذي شهدته المنطقة في الفترة الأخيرة. وظهر فيها التأكيد على أن الأوضاع السياسية غير مسموح لها أن تفلت من أيديهم. والناظر في بعض هذه البنود يجد أنها تنسجم مع طبيعة هذه الأنظمة القمعية، ويجد أن هناك اجتماع رأي لدى هذه الأنظمة وتنسيقاً لحماية نفسها بالتعاون مع بعضها البعض. ومن ضمن الدول التي كانت وراء هذه الوثيقة السعودية ومصر اللتان تمتلك كل واحدة منهما قمراً صناعياً. الأولى “عرب سات” والثانية “نايل سات” وتعطي هذه الوثيقة هاتين الدولتين الحق في حرمان أي محطة من البث من خلال قمريهما الصناعيين إذا خالفت بنود هذه الوثيقة. ومن خلال هذه الوثيقة تحرص الأنظمة العربية الفاسدة، والعميلة، والخائنة، والمرتبطة.. على أن تحمي نفسها وفسادها وتمنع تداول أخبار وارتباطاتها بدول الغرب، وخياناتها لقضايا الأمة، وتآمرها عليها. وبهذه الوثيقة تستطيع هذه الأنظمة الآن أن تغلق محطات البث الفضائي التي لا تناسبها، وأن تمنع أو تطالب بمنع بثها إذا ما تناولت أي نظام من هذه الأنظمة القمعية. أي أنها ليس فقط تستطيع إغلاقها، ومعاقبتها في أراضيها، بل في كل الدول الموقعة. وبهذا يتم تدجين المحطات الخاصة أو إغلاقها لتبقى القنوات الفضائية التي تتبع لدولها هي التي تتكلم وتحلل وتنقل أخبار الرؤساء أولاً… ويذكر أن لبنان وحده هو الذي صوت بالرفض بينما امتنعت قطر عن التصويت، وهي التي تعتبر المقر الرئيسي لـ«قناة الجزيرة» وتابعة لها.
ولو استعرضنا بعض هذه البنود لوجدنا أنها تنطق بظلمهم واستبدادهم وطبيعتهم القمعية: ومن ذلك:
– جاء في البند الرابع أن على وسائل الإعلام: «عدم التأثير سلباً على السلم الاجتماعي، والوحدة الوطنية، والنظام العام…» ففي غياب تحديد متى تخل أو تؤثر سلباً المحطة الفضائية على السلم الاجتماعي أو الوحدة الوطنية أو النظام العام. فإنه ترك للأنظمة الاستبدادية هي أن تحدد… وفعلاً ذكر البند الخامس ما يفيد ذلك صراحة حيث جاء فيه: «الالتزام باحترام مبدأ السيادة الوطنية لكل دولة على أرضها، بما يتيح لكل دول أعضاء جامعة الدول العربية الحق في فرض ما تراه من قوانين ولوائح أكثر تفصيلاً».
– وجاء في البند السابع أن على وسائل الإعلام: «الامتناع عن بث كل ما يتعارض مع توجهات التضامن العربي… أو يعرضها للخطر» وجاء في البند نفسه كذلك أن على هذه الوسائل الإعلامية: «احترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية وعدم تناول قادتها» وهذا بيت القصيد. هذا البند يظهر المدى الذي تريد أن تذهب إليه هذه الأنظمة في السيطرة على الإعلام ليس فقط في كل دولة عربية موقعة على هذه الوثيقة بشكل منفرد، بل السيطرة على الإعلام من قبل هذه الدول الموقعة بشكل جماعي، أي مواجهة الإعلام المفتوح بإجراءات جماعية.
إن تناول القادة الذين يعتبرون «أكابر مجرميها» يعتبر جريمة بحسب هذا البند يحاكم عليها كل إعلامي… فإذا كان “القادة” هؤلاء لا يمسون بكلمة أو بنقد أو بكشف، فما نفع تناول غيرهم بينما هم أس الداء وسبب كل بلاء…
– وجاء في البند الثاني عشر: «تقوم الدول الأعضاء بوضع الإجراءات اللازمة في تشريعاتها الداخلية لمعالجة حالات الإخلال بمبادئ هذه الوثيقة» وتصوروا كيف تكون هذه الإجراءات والعقوبات… ولن تكون طبعاً إلا بحسب طبيعتهم القمعية.
– كذلك جاء في البند الرابع ما يعتبر كلاماً للتزويق والتزيين، ولو طبق لكان ناسخاً لما جاء قبله وبعده. فقد جاء فيها أنه يجب مراعاة «علانية وشفافية المعلومات، وحماية حق الجمهور في الحصول على المعلومة السليمة» وجاء في النبد السابع أن المطلوب من محطات البث «الالتزام بالصدق والدقة فيما يبثه الإعلام من بيانات ومعلومات وأخبار، واستقاؤها من مصادرها الأساسية السليمة». فلو توصل الإعلامي إلى معلومات صحيحة وصادقة، ولكنها تكشف خيانة الحكام أو أتباعهم، أو كشف مخططاتهم ومؤامراتهم… فهل يستطيع كشفها؟… طبعاً لا.
والآن هذه الوثيقة تم الإعلان عنها، فأين دول الغرب المنافقة التي تدعي أنها مع حرية التعبير، وحرية الرأي، وحرية النشر، والتي تدعي أنها ضد الاستبداد والطغيان. إن الأنظمة الغربية هي عراب الأنظمة العربية، فهذه تحكم لمصلحة تلك، والأنظمة الغربية هي التي تسندها… ويبدو أن هناك توافقاً بينها لتحمي الأنظمة العربية نفسها، والغربية مصالحها…
إننا لم نرَ حتى الآن إعلاماً صادقاً يطرح قضايا الأمة عن وعي وإخلاص بالرغم من دعوى وجوده… ما نراه فقط هو وجود إعلام موجه داخل في الصراع الدولي. ونحن هنا نريد فقط أن نبين طبيعة هذه الأنظمة القمعية التي تضيق الخناق، أكثر فأكثر، على المخلصين والواعين من المسلمين… إن المسلمين سيبقون يعانون لأنهم محكومون من حكام يحكمون المسلمين نيابة عن الغرب بأنظمة غربية غريبة عن الأمة… لأنهم غير محكومين من حاكم واحد يحكمهم بما أنزل الله وهو خليفة المسلمين.
2008-04-26