المسؤول الإعلامي لحزب التحرير في الكويت: نحو إحياء الخلافة… في أذهان المثقفين
2009/12/21م
المقالات
1,722 زيارة
المسؤول الإعلامي لحزب التحرير في الكويت:
نحو إحياء الخلافة… في أذهان المثقفين
هذا المقال كتبه المسؤول الإعلامي لحزب التحرير في الكويت حسن الضاحي وأرسله إلى وسائل الإعلام الكويتية فلم تنشره، وها هي الوعي تنشره وتسأل الله البلاغ. فالخلافة وعد الله على لسان نبيه في هذا الزمان، إن شاء الله تعالى، ولن يحجبها مقاطعة من هنا أو محاربة من هناك، فالله متم نوره ومنجز وعده، ولنعم من كانت له يد في عمارة صرحها أو مداد في الدعوة والدعاية لها ونسأل الله أن تكون لهم عند الله سبحانه كدماء الشهداء.
جميل أن يتناول المثقّفون العرب قضية معاصرة من قضايا الأمة الإسلامية كقضية الخلافة مثلاً، سواء تناولوها بالإيجاب أو بالسّلب والانتقاد، لأن مجرّد مناقشة هذه القضية دليل على حيويّتها وعدم انقراضها، وأنها قضية مطروحة في الساحة تستوجب النقاش والدراسة. إلا أنه للتعرّض إلى هذه القضية “الخلافة” لا بد من الوقوف على آخر ما وصلت إليه الأمة الإسلامية وعلى ما وصل إليه الغرب، فضلاً عن الجانب العقائدي والفقهي والسياسي المرتبط بهذه (اللّفظة).
بات واضحاً لكل متابع عامّي رَفْض المسلمين بشكل عام للثقافة الغربية وبالأخص الأميركية، لما تكشّفت عنه من فقدان القيم والمبادئ التي كانوا يتباهون بها على شعوب (العالم الثالث) وبيان زيف ديمقراطيّتهم التي ترجموها في أبو غريب وجوانتانامو، ما دعاهم إلى تغيير الوجوه والسياسات والإتيان بأوباما ليكون رسول الإخاء والسلام بين الغرب والمسلمين ليمحو الصفحات التي تركها سلفه مخضّبة بالسواد، يقول مايك مولن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة في مقال له نشرته مجلة (نيويورك تايمز) قبل عدة أشهر تناول فيه العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي: “فيما سعى الرئيس باراك أوباما للنأي بنفسه عن الصورة المشوهة التي خلفها سلفه جورج بوش، فان نظرة العالم الإسلامي للولايات المتحدة كمتغطرسة لم يطرأ عليها تغيير يلحظ، وخاصة في العراق وأفغانستان” ويقول: “إنه أياً كان مدى التوسع في هذه العلاقات، فإنها لن تتمتع بالمصداقية ما دام ينظر إلى السلوك الأميركي في الخارج ويتم استيعابه على أنه سلوك متغطرس يتسم بالأنانية ويحقر من شأن الآخرين”. هذا وقد ظهرت رغبة المسلمين بعامتهم بالشريعة الإسلامية وبالدساتير الشرعية والحكم بما أنزل الله وعدم نبذ هذه المطالب بل تأييدها في أكثر الأحيان.
أما على صعيد تأييد الأمة الإسلامية للخلافة بهذا اللفظ فقد ظهر مؤشّره في المؤتمرات والمسيرات التي أقامها حزب التحرير حول الخلافة في أكثر من مكان في العالم، فمثلاً قد أوردت قناة العربية على موقعها بتاريخ 12 أغسطس 2007م أنه “تجمع نحو 80 ألف شخص في العاصمة الإندونيسية (جاكرتا) اليوم الأحد 12/8/2007 للمشاركة في مؤتمر تنظمه جماعة “حزب التحرير” الإسلامية الدولية، وذلك بهدف ما أسمته (تعزيز التزام المسلمين بإحياء الخلافة في جميع أنحاء العالم الإسلامي من خلال الوسائل السلمية)”، وفي السودان عقد حزب التحرير مؤتمراً اقتصادياً عالمياً في يناير 2009م شارك فيه ما يقارب ستة آلاف ما بين مفكرين واقتصاديين وعامّة ولاقى نجاحاً باهراً، وفي ذكرى سقوط الخلافة هذا العام أقام حزب التحرير مؤتمراً للعلماء في إندونيسيا شارك فيه ما يقارب عشرون ألفاً ما بين فقهاء وعلماء وطلاب علم من جميع أنحاء العالم يناقشون الخلافة كحل لمشاكل المسلمين، وغيرها من المؤتمرات والمسيرات في لندن وأميركا والهند وباكستان وسائر بلاد المسلمين، التي منها نتلمّس شغف المسلمين للإسلام رغم المنع والتعتيم.
صحيح أن تفاعل مئات الآلاف من المسلمين تأييداً للخلافة لا يعطينا نتيجة حتمية أن الأمة الإسلامية التي تعد من مليار ونصف المليار مسلم تطالب بالخلافة، إلا أنني كما ذكرت هو مؤشر على وجود تفاعل من الأمة وتأييد لمن يطالب بالخلافة.
نضيف على ذلك أن الاكتفاء بمراقبة الأفراد للأحداث ومتابعة المفكرين والمثقفين لسير الأمة لن يكون دقيقاً البتة، لأن الإمكانات الفردية لا تؤهّل الفرد على الحكم على واقع شاسع كواقع الأمة الإسلامية، بعكس الدول التي تملك مراكز للدراسات وخطط استراتيجية وإدارات موسّعة للاستفتاءات والاستبيانات وإعداد التقارير ودراسة الشعوب والأمم، ولن نجد اليوم دولة خاضت في هذا وأبدعت فيه مثلما فعلت الولايات المتحدة الأميركية، لذلك دولة كأميركا لها خطط استراتيجية ومستقبلية وتنظر للأمام عشرات السنين ولها تطلّع لحكم العالم ستكون هي الأدق في الحكم على واقع الأمة الإسلامية وواقع الخلافة إن كانت حلماً يستحيل تحقيقه أم حقيقة قابلة للتحقيق والنجاح. فلنستعرض على عجالة بعض الدراسات وتصريحات الساسة المدروسة حول هذه القضية:
– في السادس من نوفمبر 2004م في مؤتمر هندوستان تايمز الثاني للقادة المنعقد في الهند قال هنري كيسنجر في خطابه: “إن التهديدات ليست آتية من الإرهاب، كذلك الذي شهدناه في الحادي عشر من سبتمبر، ولكن التهديد آت من الإسلام الأصولي المتطرف الذي عمل على تقويض الإسلام المعتدل المناقض لما يراه الأصوليون في مسألة الخلافة الإسلامية” وقال: “إن العدو الرئيسي هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام التي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة وكل المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقاً أمام إقامة الخلافة”.
– في صيف 2005م أصدر مجلس الاستخبارات القومي الأميركي تقريراً عنوانه: (مستقبل الشرق الأوسط حتى 2020م)، كان كناية عن خلاصة مؤتمر حول المنطقة، تم فيه وضع صعود الإسلاميين وظاهرة العولمة وأسعار النفط في إطار تحليلي مقارن. وقد رسم التقرير أربعة سيناريوهات ممكنة الوقوع خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، من ضمنها (الخلافة الجديدة)، ويقوم هذا السيناريو على افتراض نجاح الإسلام الأصولي في مجابهة الولايات المتحدة وبالتالي طرح نفسه كتحد فعال للأفكار والقيم الغربية التي سينكر عليها دورها الذي تدعيه بصفتها حجر أساس النظام العالمي.
– في صحيفة نيويورك تايمز 12/12/2005م كتبت (إليزابيت باميلر) مقالاً قالت فيه: “يبدو أن ما يستحوذ على اهتمام كبار مسؤولي إدارة الرئيس بوش هذه الأيام هو كلمة (الخلافة) المصطلح الذي يشير إلى الإمبراطورية الإسلامية التي سادت الشرق الأوسط في القرن السابع، وانتشرت منه إلى جنوب غرب آسيا وإلى شمال أفريقيا ثم إسبانيا…”.
– في 14/1/2006م كتب المعلق الأميركي (كارل فيك) في صحيفة الواشنطن بوست تقريراً مطولاً ذكر فيه أن “إعادة إحياء الخلافة الإسلامية، الذي يهاجمه الرئيس الأميركي جورج بوش، يتردد في أوساط السواد الأعظم من المسلمين”، وذكر أن “المسلمين يعتبرون أنفسهم جزءاً من الأمة التي تشكل قلب الإسلام، كما ينظرون إلى الخليفة كشخص جدير بالاحترام”. وأشار هذا المعلق إلى أن “حزب التحرير ، الذي ينشط في عدد من البلدان عبر العالم، يصرح بأن هدفه هو إعادة الخلافة لسابق عهدها”.
– في 11/10/2006م أكد الرئيس الأميركي جورج بوش 3 مرات أثناء مؤتمر صحفي مطول في البيت الأبيض أن “وجود أميركا في العراق هو لمنع إقامة دولة الخلافة التي ستتمكن من بناء دولة قوية تهدد مصالح الغرب وتهدد أميركا في عقر دارها”. وبعدها بأيام قال في خطاب بتاريخ 25/10/2006م: “إن الفشل في إقامة دولة في العراق سيمكّن المتطرفين من استغلال البلاد لإقامة إمبراطورية متشددة من إسبانيا إلى إندونيسيا”. وغيرها من تصريحات بوش وبلير وبوتن وديك تشيني وغيرهم مع تكرار مصطلحات (الخلافة) و(الإمبراطورية الإسلامية) و(دولة من إسبانيا إلى إندونيسيا).
وبعد، هل يمكن الاقتناع بأن دولة مثل الولايات المتحدة تجري كل هذه الدراسات وتفتح كل هذه المراكز الاستراتيجية وتسخّر المخابرات والسفارات لإعداد التقارير والبحوث وتموّل كل ذلك بمبالغ هائلة يتحمّلها الشعب الأميركي من أجل فكرة وهمية أو كما يسميها بعضهم خيال؟ أما يكفي لنا أن نلحظ ردّات الفعل الغربية والأميركية بشكل مخصوص لندرك أنهم واعون تماماً لما وصلت إليه الأمة الإسلامية وما يمكن أن تصل إليه؟
هذا جانب من تناول هذه القضية (الخلافة)، أما الجانب الأهم فهو ارتباط هذا المصطلح بالإسلام، وهل نص الشارع على الخلافة لتكون نظام الحكم في الإسلام أم لا؟ وهل يكون التاريخ مصدراً للتشريع نحكم من خلاله على أحكام الشرع؟
كلنا يعلم أن الأدلة الشرعية هي القرآن والسنة والإجماع والقياس، وأيما بحث أو دراسة لأي قضية شرعية لا بد من التطرق إلى الدليل الشرعي فيها والنصوص الشرعية، سواء بحثنا هذه القضية اليوم أو قبل ألف سنة أو بعد مئات السنين، لأن إعجاز الخالق في النصوص الشرعية أنها ثابتة لا تتغير مع قدرتها على معالجة مشاكل الإنسان المتغيرة وغير الثابتة في أي زمان أو مكان.
وبالتطرّق إلى موضوع الخلافة سنجد أن الأدلة الشرعية نصت بالصريح عليها كنظام للحكم في الإسلام، ولم يترك المشرّع هذه الجزئية فارغة يملؤها الإنسان بأهوائه، لأنها -أي الخلافة- هي المترجمة لأحكام الإسلام الموجدة لها في الواقع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإمام جنّة يُقاتل من ورائه ويُتّقى به» والجنّة هي الدرع الحامي.
أما نصوص الشرع التي دلّت على الخلافة بالنص الصريح هي السنّة والإجماع، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» (رواه مسلم)، ففي هذا الحديث يقر رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أنه هو آخر الأنبياء، وبعده سيأتي الخلفاء، ناصّاً على مصطلح (خليفة)، ما يجعله صريحاً بأن الخلافة هي النظام بعد النبوة، إضافة إلى أمر المسلمين ببيعة الخلفاء واحداً تلو الآخر، ما يدل على فرضية استمرار هؤلاء الخلفاء كنظام لحكم المسلمين. وفي حديث آخر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «… وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (رواه مسلم)، ولم يختلف أحد على أن البيعة في الحديث بيعة لخليفة، أي نظام خلافة. أما الإجماع فإنه بعد انتقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الأعلى أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على بيعة خليفة، وأجمعوا على بيعة خليفة بعد أبي بكر، وبعد عمر وبعد عثمان، وبعد علي، رضي الله عنهم أجمعين، وهذا الإجماع من قبل الصحابة يكشف لنا عن دليل بوجوب تنصيب خليفة للمسلمين أي وجوب وجود نظام خلافة يوحّد المسلمين.
وعليه تكون لفظة (الخلافة) ونظامها للحكم ليست من نتاج العقل البشري تأثّراً بقياصرة الروم وملوك الفرس آنذاك، بل هي تشريع من رب العالمين، فكما أن للإسلام أنظمة اقتصادية واجتماعية ونظام للعقوبات والسياسات الخارجية والأمن الداخلي وسياسة للتعليم، كذلك للإسلام نظام للحكم نص عليه الشرع وهو الخلافة.
بقي موضوع جيد أن أعلّق عليه وهو جعل التاريخ حكماً لأحكام الإسلام، وهذا خطأ فادح، فإساءة بعض السابقين أثناء تطبيقهم لنظام الخلافة لا يعني البتة أن الخلافة نظام فاشل، لأنها ابتداءً مرتبطة بالإسلام وبنصوص الشرع، أي بعقيدتنا الإسلامية التي يستحيل أن ينبثق منها شيء فاشل لأنها من الخالق، هذا أمر، والأمر الآخر أن الحكم الذي تلا الخلافة الراشدة لا يجوز بأي حال من الأحوال التطلّع إليه والمطالبة به لما فيه من مساوئ في تطبيق الإسلام وتشويه لنظام الخلافة، حتى إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ذمّه بإطلاق مصطلح (الملك العضوض) عليه، بينما أطلق لفظ (خلافة على منهاج النبوة) على الخلافة الراشدة، هذه الخلافة التي مطالب المسلمون بإقامتها. ولو انتهجنا هذا النهج -جعل التاريخ حكماً على الأفكار والأنظمة- لاضطررنا أن نحاكم كل الأفكار الموجودة في العالم من خلال ممارسات أصحابها، وهذا نهج منقوص وإن كان لا بد منه، منقوص لأنه يهمل دراسة الأفكار والأنظمة بشكل مجرّد ومدى موافقتها لفطرة الإنسان ومدى انطباقها على الواقع، أما أنه لا بد منه فلأن دراسة ممارسات الشعوب للأنظمة يعكس لنا مدى صلاحية تطبيق هذه الأنظمة والأخطاء الواقعة أثناء التطبيق، ولكن لا يكون بأي حال من الأحوال حكماً على صحة الأنظمة أو تخطئتها، وما ينطبق على الإسلام ينطبق على غيره من المبادئ والأنظمة، كالرأسمالية والشيوعية والديمقراطية والملكية وغيرها. وبالتطرّق إلى الخلافة الراشدة سنجد أن المسلمين نجحوا نجاحاً باهراً في تطبيق نظام الخلافة وتوحيد الأمة تحت راية واحدة في دولة واحدة.
قد لا يسعنا أن نتناول جميع الجوانب لهذه القضية في مقال واحد إلا أنني أحاول أن أترك لمحات تستحق الدراسة والبحث وإعادة النظر فيما يعتبره الغرب وعلى رأسه أميركا الخطر القادم قريب التحقيق المهدّد لمصالحهم الذي سيزيل دولة إسرائيل من الخارطة، ويعتبره مثقفونا وهم وخيال وعودة إلى التخلّف.
2009-12-21