حزب التحرير: رائد لا يكذب أهله
أيمن أبو وردة – ساحل غزة
«في الحقيقة ينبغي أن يحظى حزب التحرير بكامل اهتمامنا دون أن يشاركه أحد هذا الاهتمام» بهذه الكلمات افتتح أوليفر جيتا مقاله المنشور في مجلة (ويكلي ستاندارد) بتاريخ 1/10/2007م والذي كان بعنوان (حزب التحرير تتعاظم قوته على مستوى العالم) ولقد أشار الكثيرون إلى ضرورة وضع حزب التحرير تحت مجهر الاهتمام في دراسات أجراها العديدون من أمثال مركز نيكسون للدراسات ومؤسسة هيريتاج للدراسات ومعهد جيمس تاون وغيرهم.
والحقُ أنَّ حزب التحرير فعلاً لا بد أن يحوزَ اهتمامَ الغربيين بشكلٍ خاصٍّ، واهتمامَ المسلمين بشكلٍ أعمق خصوصية وأبعد اهتماماً، فحزب التحرير ليس حزباً عادياً من ذوي الطرح الكلاسيكي الشعاراتي القائم على تهييج العاطفة ومن ثمّ الإفراج عنها في حركات لولبية حول الذات. بل حزب التحرير يملك مشروعاً ضخماً وكبيراً جداً إلى درجة أن بعضهم وصفه بأنه (مشروع خياليّ) ولم يكن أصحاب هذا الوصف مُتَّسِمون بالإنصاف وبُعْدِ النظر.
ومشروع حزب التحرير يقوم على أساس التخلص من كل الأنظمة الحاكمة التي تحكم العالم الإسلامي بشقيه العربي والأعجمي، واستبدالها كلها بنظام سياسي واحد فقط، يحكم كل هذه البلاد في العالم الإسلامي، مطبقاً الشريعة وحاملاً إياها رسالة إلى العالم، وهذا النظام السياسي في الحكم هو ما يُسَمَّى بـ(الخلافة).
ورغم أن حزب التحرير يرفض القيام بأي عمل عسكري إلا أنه قد اختط لنفسه منهجاً للسير كي يصل إلى تحقيق هذه الغاية، ويقوم منهج الحزب في السير على العمل السياسي والفكري فقط دون العسكري، وهذا ما جعل الكثيرين من أبناء الحركات الإسلامية الأخرى ينظرون إلى عمل الحزب على أنه مبتور لافتقاره إلى الناحية العسكرية، ولكن رد حزب التحرير كان دائماً أنه حزبٌ إسلاميٌّ يأخذ منهجه من الإسلام، والإسلام لم يُجِز استعمال القوة العسكرية من أجل إقامة الدولة الإسلامية حال خلو العالم من دولة إسلام، ويؤكد الحزب دائماً على غير عادة الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية الأخرى أن العالم الإسلامي يخلو من أي دولة إسلامية وإن تسمت الحكومات القائمة باسم الإسلام كالسودان والسعودية وإيران وغيرها.
حزب التحرير تحت المجهر الغربيّ
– كانت محاولة رئيس الوزراء البريطاني السابق السيئ الذكر توني بلير حظر حزب التحرير في أغسطس 2008م بعد ربطه بتفجيرات لندن التي وقعت عام 2005م أمراً لافتاً للنظر، فلِمَ يُحظَرُ حزبٌ سياسيٌ مثل حزب التحرير في بريطانيا! هذا والعالم كله يعلم أنه أبعد ما يكون عن العمل المادي بسبب قناعاته الشرعية؟!
– عقد مركز نيكسون الأميركي للدراسات مؤتمراً ليومين في تركيا في سبتمبر 2004م تحت عنوان «تحديات حزب التحرير – فهم ومحاربة الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة».
– كما وصفت مؤسسةُ هاريتاج (مؤسسة التراث) حزب التحرير في عام 2003م بأنه “خطر ناشئ ضد المصالح الأميركية في آسيا الوسطى” علماً بأن مؤسسة هاريتاج هذه من مؤسسات الفكر المحافظ في الولايات المتحدة الأميركية.
– أما المعهد الأوسترالي للدراسات الاستراتيجية فقد أصدر دراسة في مارس 2008م حذر فيها من حزب التحرير ومن كونه يشكل تهديداً على أوستراليا ما حدا بالمعهد ألا يكتفي بإصدار الدراسة بل أرسل رسالة تحذير للحكومة من حزب التحرير.
– وفي ألمانيا فيبدو أن الدراسات لم تعد تجدي مع اتساع نشاط الحزب، فقامت الحكومة الألمانية في يناير 2003م بحظر حزب التحرير بعد أن كان تحت المراقبة طيلة ثلاث سنوات مضت.
– وكذا الحال في الدانمارك حيث حدثت محاولات جادة لحظر الحزب منذ العام 2006م، ولكنها لم تفلح
– وقد حذر وزير الداخلية الروسي رشيد نور علييف من حزب التحرير في الاجتماع المشترك الذي انعقد بين مسؤولي وزارتي داخلية روسيا وطاجيكستان عام 2008م واصفاً إياه بالخطر الكبير وبامتلاكه منافذ إلى الدول الأوروبية.
كل هذا يعتبر دلالة أكيدة على أن حزب التحرير قد تجاوز دائرة الاهتمام العادية لساسة الغرب ليصبح في دائرة الاهتمام المُرَكَّز تحت مجاهر المراقبة السياسية والاستخباراتية والبحثية.
الحزب في العالم الإسلامي
– في أوكرانيا وطاجيكستان وأوزباكستان وقرغيزستان وتركمانستان وغيرها الكثير من الحكومات راحوا يلاحقون حزب التحرير ويعتقلون أعضاءه ويحظرونه ويهاجمونه، ولقد لعب النظام الحاكم في أوزباكستان دوراً غايةً في الدموية في صراعه مع حزب التحرير ما حدا بمركز ميموريال (مركز الدفاع عن الحقوق) في آسيا الوسطى بأن يفرد إصداراً خاصاً عام 1999م يرصد فيه ما يتعرض له حزب التحرير من وحشية وقمع الحكومة الأوزبكية.
– أما في تركيا فقد أخذ الصدام بين الحزب والحكومة وقعاً أكثر ضراوة وأقل دموية من بلاد أخرى كأوزبكستان، ليس أقلها قيام أحد أعضاء الحزب (سردار كايا) بتسليم كتاب من الحزب إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مارس 2005م بشكل مفاجئ أربك الحرس ودفعهم لاعتقاله، ولقد ملأت أخبار الحزب وصدامه مع الحكومة التركية الصحف التركية حتى بات أمراً اعتيادياً وطبيعياً في تلك البلاد.
– وأما في باكستان، فصراع الحزب مع الحكومة هناك بات يزداد ضراوة يوماً بعد يوم، وليس أقل ما قام به الحزب هو حملته ضد الرئيس السابق مشرف ومطالبة الشعب الباكستاني والجيش بإسقاط حكم مشرف، ثم هو اليوم يتصدى بحملة سياسية واسعة وضارية لبطش نظام زرداري بالمسلمين في سوات وغيرها.
– وهناك إندونيسيا وبنغلادش وماليزيا وكينيا وغيرهما من البلاد التي لا يتسع المقام لذكرها كلها، بل اكتفينا بإطلالات سريعة للتمثيل لا للرصد والحصر.
الحزب في المنطقة العربية:
يلقى الحزب الرفض الكامل من حكومات البلاد العربية، ويعد حزباً محظوراً منذ نشأته، ولطالما تواردت الأخبار عن الاعتقالات السياسية لأعضاء حزب التحرير في سوريا والأردن ولبنان وتونس والعراق واليمن والكويت وليبيا ومصر وتونس والمغرب والجزائر والسودان… (هذا ويذكر أنه مؤخراً سمح له بالعمل بموجب «علم وخبر» في لبنان، وكذلك في السودان…).
– وإنه رغم أن بداية الحزب كانت في القدس بفلسطين إلا أنه حتى السلطة الفلسطينية لم تتخلف عن ركب الصد لحزب التحرير ، فراحت تمعن فيه اعتقالاً وملاحقةً وقد أفضى ذلك إلى سيل الدماء، حيث قتل أحد أعضاء الحزب في مسيرة سلمية مناهضة لمؤتمر أنابوليس على أيدي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
إن كل هذا الرصد السريع للعلاقة الصدامية بين حزب التحرير وبين جميع الحكومات في العالم، الغربي منها والشرقي، ليس من باب الإخبار بالشيء، فإن الشبكة العالمية أصبحت تعج بأخبار حزب التحرير، وإن أي بحث سريع عن أخبار حزب التحرير على الشبكة سيجعلك تقف مذهولاً فاغراً فاك من هذا الحراك الغريب.
إن هذا الرصد السريع ما كان إلا جسراً يعبر من خلاله تساؤل الكثيرين من الناس: لِمَ حزب التحرير؟
لمَ هذه الصدامية؟ لمَ هو مرفوض دولياً رغم أنه يرفض القيام بأي عمل عسكري؟ لمَ هو محارب من بلاد لطالما زعمت أنها معاقل لحرية الرأي والكلمة مع أنه حزب سياسي سلاحه الرأي والكلمة؟
حداثة النشأة وأصالة الطرح
للإجابة على هذه التساؤلات صار لازماً أن نركِّز دائرة الإبصار على حزب التحرير وأن نعمق نظرتنا إليه طلباً للتفاصيل عن نشأة الحزب وغايته ومنهجيته.
لا يُعَدُّ حزب التحرير من الأحزاب المعمّرة الضاربة بعيداً في جذور التاريخ، فهو قد نشأ في منتصف القرن الماضي، ولا زال في العقد السادس من عمره، ولكن الحزب رغم حداثة نشأته نسبياً إلا أنه يقدم طرحاً يجعل الدارس له ينتقل من أجواء القرن الحادي والعشرين الهمجية المضطربة إلى أجواء القرن السابع الميلادي الندية حيث أسست الدولة الإسلامية الأولى التي طال عمرها وجاوز الاثني عشر قرناً من الزمان.
والحزب منذ نشأ وهو يؤطِّر طرحه في عبارة موجزة لطالما يذكرها في أدبياته وإصداراته، حيث نصّ في غير موضع على أنه (حزب سياسي، الإسلام مبدؤه والسياسة عمله، وغايته هي استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة)
بهذه الكلمات الموجزات يُعَنـْوِن حزب التحرير طرحاً ثقافياً فكرياً سياسياً تم بناؤه على مدار ستة عقود كاملة.
فالحزب يستقي كل أفكاره وآرائه وأحكامه ومواقفه من الإسلام، وهو قد شخَّص حالة العالم الإسلامي بأنه حال منحط، وسبب انحطاطه هو غياب الإسلام عن واقع الحياة، ولكي تعود الأمة الإسلامية ناهضة كان لا بد من العودة إلى الإسلام.
وهنا يظهر تميز الحزب، حيث هو رأى العودة إلى الإسلام من منظور أكثر دقة، إذ اعتبر الحزب العودة إلى الإسلام تتمثل بإعادة الإسلام إلى معترك الحياة. يظهر ذلك في ركنين أساسيين يظهران في غاية الحزب وهما :
-
استئناف الحياة الإسلامية
-
إقامة دولة الخلافة